مرونة التفكير: مفتاح التعلّم والإبداع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مرونة التفكير: مفتاح التعلّم والإبداع

    طالما اعتقد الكثير من الناس أن نسبة الذكاء هي الطريق الوحيد للنجاح، خاصةً في مجالات العلوم والاختراع والتكنولوجيا. لهذا يهتم الكثير من الناس بنسب ذكاء الأشخاص المشهورين. لكن في الواقع، هناك الكثير من الإنجازات العظيمة في تاريخنا التي اعتمدت أساسًا على ميزات مثل الإبداع والخيال الخصب والفضول والتعاطف مع الآخرين. تُعد معظم هذه الميزات جزءًا مما يسميه العلماء «المرونة المعرفية» أو مرونة التفكير ، وهي مهارة تُمكننا من الانتقال من مفهوم إلى آخر أو تعديل سلوكنا في بيئة جديدة أو مُتغيرة بغية تحقيق أهدافنا. في الأساس، هي مهارة تعلمنا المرونة في أسلوب تعلمنا للأشياء. هذا يتضمن تغيير الخطط والاستراتيجيات لاتخاذ القرارات المناسبة. من خلال أبحاثنا المستمرة، نحاول فهم كيف يستطيع البشر تعزيز المرونة المعرفية لديهم.

    تتيح لنا المرونة المعرفية إدراك أن ما نفعله قد لا يوصلنا إلى النجاح، لذا يتعين علينا القيام بالتغييرات المناسبة لضمان وصولنا إلى هدفنا. مثلًا، إن كنت تسلك الطريق ذاته كل يوم إلى العمل، ولكن في أحد الأيام لم تستطع بسبب وجود أعمال صيانة طرقية، ماذا ستفعل؟ قد يلتزم بعض الناس بخطتهم الأصلية ويسلكون الطريق المعتاد وإن تعرضوا للتأخير. لكن سيتأقلم من يتحلى بالمرونة مع هذا الحدث المفاجئ ويجد حلًا للمشكلة.

    قد تؤثر المرونة المعرفية في كيفية تأقلم الناس مع وباء كوفيد-19 والحجر الصحي، إذ نتج عنه الكثير من التغيرات سواءً في المدرسة أو العمل. اكتشف البعض سهولة التأقلم مع تغيرات الروتين اليومي واستطاعوا القيام بالكثير من أنشطة العمل أو الدراسة من المنزل. تكيف من يتحلون بالمرونة مع هذه التغيرات وعدلوا الروتين اليومي لإيجاد طرق أفضل للقيام بأعمالهم اليومية. في حين عانى الكثيرون متمسكين بأسلوب تفكيرهم القديم، والتزموا الروتين ذاته للقيام بأنشطتهم مع القليل من المرونة أو التكيف.


    فوائد هائلة

    يُعد التفكير المرن مفتاح الإبداع، فهو القدرة على التفكير بأفكار جديدة وربطها، وابتكار اختراعات جديدة، ويساعد على المهارات العملية والعلمية مثل حل المشكلات. تُعد المرونة المعرفية منفصلة تمامًا عن نسبة الذكاء الثابتة أو المحددة على عكس الذاكرة العاملة، ما تستطيع تذكره في وقتٍ معين. مثلًا، قد يملك الكثير من الفنانين نسبة متوسطة من الذكاء، ومع ذلك، كانوا خلاقين جدًا واستطاعوا إنجاز أروع اللوحات الفنية.

    على عكس ما يعتقد البعض، يُعد الإبداع مهمًا في مجالات العلوم والابتكار. فقد توصلنا إلى أن رواد الأعمال ممن استطاعوا إنشاء عدة شركات تمتعوا بمرونة التفكير أكثر من غيرهم من فئة عمرية ونسبة ذكاء مشابهة.

    إذن هل تؤثر المرونة المعرفية في ذكاء الناس بطريقة لا تستطيع الاختبارات التقليدية لنسب الذكاء اكتشافها؟ ما نعلمه هو أنها تؤدي إلى تحسين التفكير العقلاني -التفكير المنطقي، غير العاطفي- خلال حياة الإنسان. إذ تؤدي إلى تحسين قدرات القراءة والأداء الدراسي لدى الأطفال.

    وتساعد أيضًا على تجنب الكثير من تحيزات التفكير، مثل الانحياز التأكيدي. يعود هذا إلى قدرة الناس ممن يتمتعون بالمرونة المعرفية على تمييز عيوبهم الشخصية المحتملة واستخدام استراتيجيات معينة للتغلب على هذه العيوب.

    ترتبط المرونة المعرفية أيضًا بالقدرة على التأقلم مع التطورات السلبية للحياة، إضافةً إلى تحسين جودة الحياة لدى الأفراد الأكبر سنًا. تُفيد أيضًا في التفكير العاطفي والاجتماعي، فقد أثبتت الدراسات الارتباط الوثيق بين المرونة المعرفية والقدرة على تمييز مشاعر الآخرين ونواياهم وفهمها.


    يُعد الجمود المعرفي عكس المرونة المعرفية، واكتُشف في الكثير من اضطرابات الصحة النفسية والعقلية، مثل اضطراب الوسواس القهري واضطراب الاكتئاب الحاد واضطراب طيف التوحد.

    أظهرت صور فحوص الدماغ اعتماد المرونة المعرفية على شبكة بين مناطق الدماغ الأمامية والمُخططة. فترتبط مناطق الدماغ الأمامية بعمليات إدراكية أو معرفية أعلى، مثل اتخاذ القرارات وحل المشكلات. في حين ترتبط مناطق الدماغ المخططة بنظام المكافأة والحافز الشخصي.

    توجد طرق عدة لتقييم المرونة المعرفية لدى الأشخاص موضوعيًا، مثل اختبار ويسكونسون لتصنيف الأوراق واختبار (CANTAB) متعدد الأبعاد للقدرة على تبديل الأشكال.

    تحسين المرونة

    لحسن الحظـ، بإمكانك تدريب نفسك على المرونة المعرفية. مثلًا، يُعد العلاج السلوكي المعرفي -أحد أنواع العلاج النفسي القائم على أدلة علمية- مفيدًا للناس، لتغيير أنماط تفكيرهم وسلوكياتهم. مثلًا، قد يعتقد شخص مصاب بالاكتئاب أن السبب وراء عدم اتصال صديقه به هو أنه لم يعد يستلطفه بعد الآن.

    هدف العلاج السلوكي المعرفي في هذه الحالة إعادة قولبة تفكيره ليأخذ خياراتٍ أخرى بعين الاعتبار، مثل أن صديقه منشغل أو غير قادر على التواصل معه.

    التعلم المُنسق

    هو القدرة على استخلاص المعلومات الحسية الواردة من بيئة مُعقدة وفهمها والاستفادة منها. يشمل هذا النوع من التعلم المناطق الأمامية والمخططة من الدماغ، إذ تشبه مناطق المرونة المعرفية.

    نعمل حاليًا على تجربة واقعية بالتعاون بين جامعة كامبردج وجامعة نانيانغ التكنولوجية لتحديد هل يحسن التعلم المُنسق المرونة المعرفية فعلًا؟


    أظهرت الدراسات فوائد التدريب على المرونة المعرفية عند الأطفال المصابين بالتوحد مثلًا. فلم يظهر الأطفال بعد تدريب المرونة المعرفية تحسنًا ملحوظًا في أداء المهام المعرفية فحسب، بل أيضًا تحسنًا في التواصل الاجتماعي. إضافةً إلى ذلك، أثبتت فعالية تدريب المرونة المعرفية لدى الأطفال غير المصابين بالتوحد ولدى البالغين الأكبر سنًا أيضًا.

    بينما نحاول تجاوز الوباء، علينا ضمان تضمين مرونة التفكير في مهارات التدريس والتدريب الجديدة حتى يتعلم الأفراد مرونة التفكير. سيزودهم ذلك بقدرة كبيرة على التأقلم ويحسن صحتهم على المدى الطويل.

    تُعد المرونة المعرفية أو مرونة التفكير أمرًا أساسيًا لتطور المجتمع، إذ تزيد قدرة الأفراد على ابتكار أفكار جديدة وإبداعية. تُعد هذه الميزة وما يماثلها مما نحتاج إليه للتوصل لحل أكبر التحديات التي تواجهنا حاليًا، مثل الاحتباس الحراري والأمن الغذائي والحفاظ على الطبيعة وابتكار طاقة نظيفة ومستدامة.

    المصدر:ibelieveinsci
يعمل...
X