هانيبال
سجل التاريخ العديد من الجنرالات والقادة العسكريين وحفظ أسمائهم، إلا أن قلة من أولئك القادة من حفظ التاريخ أيضًا خططهم العسكرية لتدرس حتى يومنا هذا في المعاهد والأكاديميات العسكرية. من هؤلاء القلة الذين حفظ التاريخ خططهم وتكتيكاتهم العسكرية هانيبال، فمن هو هانيبال وماهي الحروب التي خاضها حتى أبدع تلك الخطط؟
لقد بلغت شهرة وسمعة هانيبال أو حنبعل في زمانه إلى الحد الذي جعل الأمهات الرومانيات تخوفن أطفالهن بعبارة "حنبعل أد بورتو" (هانيبال على الباب).
نشأ هانيبال في أسرةٍ تعنى بالأمور الحربية فقد كان أبوه قائدًا في الجيش القرطاجي، وورث عن أبيه عدائه للرومان الذي شكل سيرة حياته وحروبه كما سنرى.
هانيبال والحرب البونيقية الثانية
كان من نتائج الحرب البونيقية الأولى بين مملكة قرطاج في شمال إفريقيا وروما شمال إيطاليا التوقيع على معاهدة بين الطرفين تضمن للقرطاجيين تواجدهم في مناطق إسبانيا مقابل أن يستمروا بدفع الجزية لروما.
استمرت الأمور على حالها حتى عام 219 قبل الميلاد، حيث نظم الرومان انقلابًا عسكريًا في مدينة ساغنتوم كان من أبرز نتائجه تشكيل حكومةٍ معاديةٍ لقرطاج ومصالحها، عندها سار هانيبال بجيشه إلى المدينة وحاصرها ثم سيطر عليها بالقوة.
بالتأكيد لم تكن السلطة في روما راضية عن تصرف حنبعل وطالبوه بتسليم قوادهم إليهم فورًا، لكن هانيبال رفض ذلك وكان هذه بداية الحرب البونيقية الثانية.
لم يتردد هانيبال في أمر الحرب أبدًا حيث اتخذ قرارًا واضحًا فيها وقرر نقل المعركة إلى روما عن طريق غزو شمال إيطاليا في عام 218 قبل الميلاد من خلال عبور سلسلة جبال الألب.
انطلق هانيبال في حملته من اسبانيا وحرص على تصوير جيشه على أنه جيش تحرير الشعب في إسبانيا من سطوة الرومان وسيطرتهم، مما شجع الناس بالانضمام للجيش وسرعان ما بلغ تعداد جيشه 50000 من المشاة و 9000 من الفرسان في الوقت الذي وصل فيه إلى جبال الألب، كما كان من ضمن خطة هانيبال إحضار عددٍ من الفيلة بهدف ترويع وإخافة الجيش الروماني وخصوصًا الفرسان.
صعود جبال الألب
بدأت الصعوبات الحقيقية في حملة هانيبال ضد روما عند وصوله وجيشه إلى جبال الألب، فصعود تلك الجبال مع جيشه الكبير من حيث العدة والعدد كان أمرًا في غاية الصعوبة.
اضطر جيش حنبعل لمواجهة الجبال ووعورتها والطقس وبرودته، وما زاد الأمر سوءًا وجود قبائلٍ معاديةٍ له تسكن الجبال أرهقت الجيش بهجماتها المتكررة.
ومع وصول هانيبال للطرف الثاني من الجبال كان قد خسر ما يزيد على نصف جنوده ليصل تعداد الجيش إلى 26000 رجل مشاةً وفرسان وعدد قليل من الفيلة. ومع ذلك، كان هانيبال واثقًا من النصر وقاد رجاله إلى سهول إيطاليا.
وبينما كان حنبعل وجنوده يقطعون جبال الألب باتجاه إيطاليا كان الرومان يظنون أنه لا يزال في أراضي اسبانيا! وعندما علموا بمناورة هانيبال العجيبة سارعوا إلى تشكيل جيشٍ لاعتراضه ومنع تقدمه، التقى الجيشان بالقرب من تيسينو حيث هُزم الرومان وقتل قائد جيشهم.
هزم هانيبال الرومان في عدة معاركٍ بعدها وتمكن من السيطرة على شمال إيطاليا رغم فقدانه لمعدات وآلات الحصار، ورغم قلة العدد في جيشه مقارنةً بجيوش الرومان.
تجلت عبقرية هانيبال العسكرية في المعارك التي خاضها في إيطاليا حيث استطاع انهاك الجيش الروماني بل وتمزيقه، وأصبح الطريق سالكًا أمام القرطاجيين إلى روما، إلا أن هانيبال لم يتحرك تجاه روما لافتقاره لمعدات الحصار اللازمة فطلب التعزيزات والمدد من قرطاج، لكنّ مجلس شيوخ قرطاج رفض طلبه ولم يرسل له التعزيزات والأدوات المناسبة.
نهاية الحرب
لم يعلم مجلس الشيوخ الروماني برفض مجلس قرطاج لطلب هانيبال فقد كان منهمكًا بتشكيل قوة دفاعٍ مناسبةٍ عن روما.
تجنب معظم جنرالات روما الكبار تولي هذه المهمة؛ فقد كانت بالنسبة لهم مهمةٌ محكومةٌ بالفشل، عندها تقدم لها قائدٌ شابٌ يدعى سكيبيو.
كانت فكرة سكيبيو تماثل فكرة هانيبال في نقل المعركة إلى أرض العدو، فغزا إسبانيا وحقق فيها انتصارات ضد القرطاجيين وتمكن من قتل شقيق هانيبال، ثم هاجم شمال إفريقيا نفسها وتمكن من السيطرة على عدة مدنٍ وأخيرًا توجه إلى قرطاج نفسها، مما دفع مجلس الشيوخ القرطاجي إلى استدعاء هانيبال للدفاع عن المدينة وفعلًا هذا ما حدث.
بعد عودة هانيبال إلى قرطاج جهز جيشه للقاء سكيبيو، وبالفعل التقى الجيش الروماني بقيادة سكيبيو والجيش القرطاجي بقيادة هانيبال في معركة زوما عام 202 قبل الميلاد، والتي أفضت إلى هزيمة هانيبال ونهاية الحرب البونيقية الثانية.
هانيبال بعد الحرب
كان من نتائج الحرب أن عفى سكيبيو عن هانيبال وخضعت قرطاج لشروط الرومان المجحفة، وخصوصًا ما يتعلق بدفع الجزية السنوية.
قبل هانيبال منصب رئيس قضاة قرطاج وأثبت أنه رجل دولةٍ كما أنه رجل حربٍ، حيث استطاع إنجاز العديد من الإصلاحات في البلاد من خلال منصبه، لكن هذا لم يرق لروما ومجلس شيوخها فحاولوا الإيقاع به وأسره، إلا أن هانيبال كان متيقظًا وترك قرطاج قبل أن ينفذوا خطتهم.
اتجه هانيبال إلى آسيا الصغرى حيث عمل هناك مستشارًا للملك السلوقي، وبعدها عينه الملك أميرالًا لقواته البحرية لمواجهة الرومان، ولكن كانت خبرة هانيبال البحرية ضعيفةً فكانت النتيجة الهزيمة.
علم هانيبال أن من شروط الهزيمة أن يسلمه الملك السلوقي للرومان؛ ففر من آسيا الوسطى واستمر الرومان في ملاحقته، وبعد فترة من الملاحقة قرر هانيبال أن ينهي حياته على طريقته فشرب السم ومات في سنة 183 قبل الميلاد، لتنتهي حياة قائدٍ عسكريٍّ فذ قل نظيره في العهد القديم وربما في التاريخ.
سجل التاريخ العديد من الجنرالات والقادة العسكريين وحفظ أسمائهم، إلا أن قلة من أولئك القادة من حفظ التاريخ أيضًا خططهم العسكرية لتدرس حتى يومنا هذا في المعاهد والأكاديميات العسكرية. من هؤلاء القلة الذين حفظ التاريخ خططهم وتكتيكاتهم العسكرية هانيبال، فمن هو هانيبال وماهي الحروب التي خاضها حتى أبدع تلك الخطط؟
لقد بلغت شهرة وسمعة هانيبال أو حنبعل في زمانه إلى الحد الذي جعل الأمهات الرومانيات تخوفن أطفالهن بعبارة "حنبعل أد بورتو" (هانيبال على الباب).
نشأ هانيبال في أسرةٍ تعنى بالأمور الحربية فقد كان أبوه قائدًا في الجيش القرطاجي، وورث عن أبيه عدائه للرومان الذي شكل سيرة حياته وحروبه كما سنرى.
هانيبال والحرب البونيقية الثانية
كان من نتائج الحرب البونيقية الأولى بين مملكة قرطاج في شمال إفريقيا وروما شمال إيطاليا التوقيع على معاهدة بين الطرفين تضمن للقرطاجيين تواجدهم في مناطق إسبانيا مقابل أن يستمروا بدفع الجزية لروما.
استمرت الأمور على حالها حتى عام 219 قبل الميلاد، حيث نظم الرومان انقلابًا عسكريًا في مدينة ساغنتوم كان من أبرز نتائجه تشكيل حكومةٍ معاديةٍ لقرطاج ومصالحها، عندها سار هانيبال بجيشه إلى المدينة وحاصرها ثم سيطر عليها بالقوة.
بالتأكيد لم تكن السلطة في روما راضية عن تصرف حنبعل وطالبوه بتسليم قوادهم إليهم فورًا، لكن هانيبال رفض ذلك وكان هذه بداية الحرب البونيقية الثانية.
لم يتردد هانيبال في أمر الحرب أبدًا حيث اتخذ قرارًا واضحًا فيها وقرر نقل المعركة إلى روما عن طريق غزو شمال إيطاليا في عام 218 قبل الميلاد من خلال عبور سلسلة جبال الألب.
انطلق هانيبال في حملته من اسبانيا وحرص على تصوير جيشه على أنه جيش تحرير الشعب في إسبانيا من سطوة الرومان وسيطرتهم، مما شجع الناس بالانضمام للجيش وسرعان ما بلغ تعداد جيشه 50000 من المشاة و 9000 من الفرسان في الوقت الذي وصل فيه إلى جبال الألب، كما كان من ضمن خطة هانيبال إحضار عددٍ من الفيلة بهدف ترويع وإخافة الجيش الروماني وخصوصًا الفرسان.
صعود جبال الألب
بدأت الصعوبات الحقيقية في حملة هانيبال ضد روما عند وصوله وجيشه إلى جبال الألب، فصعود تلك الجبال مع جيشه الكبير من حيث العدة والعدد كان أمرًا في غاية الصعوبة.
اضطر جيش حنبعل لمواجهة الجبال ووعورتها والطقس وبرودته، وما زاد الأمر سوءًا وجود قبائلٍ معاديةٍ له تسكن الجبال أرهقت الجيش بهجماتها المتكررة.
ومع وصول هانيبال للطرف الثاني من الجبال كان قد خسر ما يزيد على نصف جنوده ليصل تعداد الجيش إلى 26000 رجل مشاةً وفرسان وعدد قليل من الفيلة. ومع ذلك، كان هانيبال واثقًا من النصر وقاد رجاله إلى سهول إيطاليا.
وبينما كان حنبعل وجنوده يقطعون جبال الألب باتجاه إيطاليا كان الرومان يظنون أنه لا يزال في أراضي اسبانيا! وعندما علموا بمناورة هانيبال العجيبة سارعوا إلى تشكيل جيشٍ لاعتراضه ومنع تقدمه، التقى الجيشان بالقرب من تيسينو حيث هُزم الرومان وقتل قائد جيشهم.
هزم هانيبال الرومان في عدة معاركٍ بعدها وتمكن من السيطرة على شمال إيطاليا رغم فقدانه لمعدات وآلات الحصار، ورغم قلة العدد في جيشه مقارنةً بجيوش الرومان.
تجلت عبقرية هانيبال العسكرية في المعارك التي خاضها في إيطاليا حيث استطاع انهاك الجيش الروماني بل وتمزيقه، وأصبح الطريق سالكًا أمام القرطاجيين إلى روما، إلا أن هانيبال لم يتحرك تجاه روما لافتقاره لمعدات الحصار اللازمة فطلب التعزيزات والمدد من قرطاج، لكنّ مجلس شيوخ قرطاج رفض طلبه ولم يرسل له التعزيزات والأدوات المناسبة.
نهاية الحرب
لم يعلم مجلس الشيوخ الروماني برفض مجلس قرطاج لطلب هانيبال فقد كان منهمكًا بتشكيل قوة دفاعٍ مناسبةٍ عن روما.
تجنب معظم جنرالات روما الكبار تولي هذه المهمة؛ فقد كانت بالنسبة لهم مهمةٌ محكومةٌ بالفشل، عندها تقدم لها قائدٌ شابٌ يدعى سكيبيو.
كانت فكرة سكيبيو تماثل فكرة هانيبال في نقل المعركة إلى أرض العدو، فغزا إسبانيا وحقق فيها انتصارات ضد القرطاجيين وتمكن من قتل شقيق هانيبال، ثم هاجم شمال إفريقيا نفسها وتمكن من السيطرة على عدة مدنٍ وأخيرًا توجه إلى قرطاج نفسها، مما دفع مجلس الشيوخ القرطاجي إلى استدعاء هانيبال للدفاع عن المدينة وفعلًا هذا ما حدث.
بعد عودة هانيبال إلى قرطاج جهز جيشه للقاء سكيبيو، وبالفعل التقى الجيش الروماني بقيادة سكيبيو والجيش القرطاجي بقيادة هانيبال في معركة زوما عام 202 قبل الميلاد، والتي أفضت إلى هزيمة هانيبال ونهاية الحرب البونيقية الثانية.
هانيبال بعد الحرب
كان من نتائج الحرب أن عفى سكيبيو عن هانيبال وخضعت قرطاج لشروط الرومان المجحفة، وخصوصًا ما يتعلق بدفع الجزية السنوية.
قبل هانيبال منصب رئيس قضاة قرطاج وأثبت أنه رجل دولةٍ كما أنه رجل حربٍ، حيث استطاع إنجاز العديد من الإصلاحات في البلاد من خلال منصبه، لكن هذا لم يرق لروما ومجلس شيوخها فحاولوا الإيقاع به وأسره، إلا أن هانيبال كان متيقظًا وترك قرطاج قبل أن ينفذوا خطتهم.
اتجه هانيبال إلى آسيا الصغرى حيث عمل هناك مستشارًا للملك السلوقي، وبعدها عينه الملك أميرالًا لقواته البحرية لمواجهة الرومان، ولكن كانت خبرة هانيبال البحرية ضعيفةً فكانت النتيجة الهزيمة.
علم هانيبال أن من شروط الهزيمة أن يسلمه الملك السلوقي للرومان؛ ففر من آسيا الوسطى واستمر الرومان في ملاحقته، وبعد فترة من الملاحقة قرر هانيبال أن ينهي حياته على طريقته فشرب السم ومات في سنة 183 قبل الميلاد، لتنتهي حياة قائدٍ عسكريٍّ فذ قل نظيره في العهد القديم وربما في التاريخ.