كيف يصل الأدب العربي المترجم إلى قراء من غير العرب
الترجمة علاقات شخصية رغم محاولات بعض المؤسسات.
الثلاثاء 2022/12/20
الترجمة سر العالمية (لوحة للفنان خالد الساعي)
يعاني الأدب العربي نقصا كبيرا في الترجمة إلى اللغات الأخرى، حيث جاءت الترجمات الموجودة لبعض الأدباء العرب إلى لغات مثل الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية والإيطالية، على سبيل المثال لا الحصر، وليدة علاقات ذاتية، وهو ما تحاول بعض المؤسسات العربية تجاوزه.
ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية، وأي لغة حية أخرى، مسألة في غاية الصعوبة، فلها متطلبات كثيرة، أولها أن يجيد المترجم اللغتين: المنقول منها والمنقول إليها. ومع ذلك يقولون إن الترجمة خيانة، وخاصة بالنسبة إلى ترجمة الشعر، لأن المترجم مهما كانت ثقافته وتمكنه من اللغتين، فهو لن يستطيع إيصال المعنى والإحساس المصاحب لكتابة النص الأصلي، وأيضا الموسيقى أو الإيقاع اللذين تتميز بهما لغة عن الأخرى.
وقد لاحظ بعض الباحثين الذين شاركوا في كتابة تقرير “حالة الشعر العربي”، الذي صدر في السعودية منذ عامين، أن “هناك تناميا في ترجمة الشعر العربي إلى لغات أخرى، وأن نسب ترجمة الشعر تتزايد بصورة مطردة، وقد حظي الشاعران محمود درويش وأدونيس بأعلى نسبة ترجمة، في حين أن ترجمة الشعر الأجنبي إلى العربية تعاظمت بقوة أكبر”.
وربما يكون الحال أكثر يسرا في حالة ترجمة رواية أو قصة قصيرة أو مسرحية، لأنها لا تتطلب معرفة دقائق وأسرار اللغة كما هو في ترجمة الشعر، ومع ذلك فإن هناك خلفيات ثقافية عميقة لا بد للمترجم أن يكون على اطلاع عليها، ويعيش أجواءها حتى يستطيع الإحساس بها.
وفي ظني أن كل ترجمات الأدب ما هي إلا مقاربة للنص، أو تقريبه للقارئ، أكثر منها ترجمة حقيقية لمشاعر الكاتب وأحاسيسه وثقافته، وثقافة عصره.
ولكن بصفة عامة أستطيع أن أقول إن الجهود التي تقام أو تبذل لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، وخاصة اللغة الإنجليزية، باعتبارها اللغة الأكثر انتشارا في العالم الآن، هي جهود قليلة جدا، ولا تفي بالغرض بطبيعة الحال، وتقوم في معظمها على الجهود الفردية، والمعرفة الشخصية، أكثر من الجهود المؤسسية.
العرب والترجمة
مسألة وصول العمل العربي المترجم إلى قرائه في البلدان الأخرى تبقى معضلة أخرى في قضية الترجمة العكسية
أرى أن الترجمات التي تقوم بها المؤسسات في معظمها هي من اللغات الأجنبية إلى العربية، وليس العكس (أو ليست العكسية)، مثلما يفعل المركز القومي للترجمة، ومثلما يفعل مشروع “كلمة” للترجمة في أبوظبي، وغيرهما على مستوى الوطن العربي.
أما ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، فهي تتم – في معظمها كما ذكرت من قبل – بجهود شخصية، وعندما أراد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العربي ترجمة 105 روايات من العربية إلى لغات أخرى، منذ أكثر من عشرين سنة، فشلت التجربة، لعدة أسباب من أهمها ضرورة الحصول على موافقة الكاتب نفسه إذا كان حيا، وورثته إذا كان متوفيا، والتنازل عنها لصالح الناشر الأجنبي، وبعض الكتاب الأحياء وبعض الورثة اشترطوا الحصول على مبالغ كبيرة، لقاء أن تترجم أعمالهم إلى لغات أخرى.
وهناك أسباب أخرى أدت إلى وأد هذا المشروع، لعل منها غيرة الكتاب الذين لم يتم انتقاؤهم ضمن قائمة الـ105 روايات، وبعضهم رأوا أن أعمالهم هي الأحق بالترجمة، رغم أن الموضوع كان محاطا بشيء من السرية، ولكن السر إذا تجاوز إثنين – على الأكثر – لم يصبح سرا.
تُرجمت لي مؤخرا روايتان، الأولى إلى الفرنسية وهي “الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد” وقام بها المترجم والأكاديمي التونسي منصور مهني وصدرت في أوائل هذا العام (2022) عن دار نشر لارمتان في باريس. والثانية إلى الإنجليزية وهي “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” وقام بها المترجم المصري حسن حجازي وستصدر أول العام الجديد 2023 عن دار نشر “الحاضرون” في كندا.
الانتشار في الخارج
الجهود التي تقام أو تبذل لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى وخاصة اللغة الإنجليزية قليلة جدا
كما تُرجمت من قبل مختارات شعرية لي إلى الفرنسية بعنوان “بحر آخر” وقامت بها المترجمة شيرين محمود، وصدرت في الإسكندرية، ولم تغادر البلاد.
وكل هذه الترجمات كانت قائمة على المعرفة الشخصية، وإيمان المترجم بأهمية العمل الذي يقوم بترجمته.
وأعتقد أن حصول أديبنا الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل 1988 جاء من خلال ترجمة أعماله إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية. ولو ظلت هذه الأعمال حبيسة اللغة العربية، لما فاز محفوظ بالجائزة العالمية، ولما قرئت أعماله عن نطاق واسع في معظم دول العالم.
وبعض الجوائز الأدبية الكبرى الآن في عالمنا العربي تؤكد على ترجمة العمل الفائز إلى أكثر من لغة، إلى جانب التقدير المادي بطبيعة الحال، وهذا اتجاه طيب، أرجو أن يعمّم على كل الجوائز، خاصة جوائز الدولة في مصر، لذا أقترح أن تضاف فقرة أن تختار لجنة التحكيم عملا أو إثنين من أعمال الحاصل على جائزة الدولة للتفوق أو التقديرية أو النيل، للترجمة من خلال المركز القومي للترجمة.
ولكن تبقى مسألة وصول العمل المترجم إلى قرائه في البلدان الأخرى معضلة أخرى في قضية الترجمة العكسية (من العربية إلى اللغات الأخرى)، لأنه سبق أن قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب، بمشروع ترجمة بعض الأعمال إلى اللغة الإنجليزية، لكن هذه الأعمال المترجمة أعتقد أنها لم تغادر مصر. فما فائدة الترجمة إذن إذا كانت ستظل حبيسة داخل البلد؟
ومن هنا أرى أن يكون هناك دور للعلاقات الثقافية الخارجية، والسفارات والقنصليات والمكاتب الثقافية بوزارة الخارجية وغيرها في الترويج للكتب التي تترجم داخل مصر. أما الناشر الأجنبي الذي يقوم بنشر الترجمة، فهو الأقدر على توزيع كتبه ليس في بلده فحسب، ولكن في معظم الدول الناطقة بلغته، كما هو الحال في اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وغيرها.
أحمد فضل شبلول
كاتب مصري
الترجمة علاقات شخصية رغم محاولات بعض المؤسسات.
الثلاثاء 2022/12/20
الترجمة سر العالمية (لوحة للفنان خالد الساعي)
يعاني الأدب العربي نقصا كبيرا في الترجمة إلى اللغات الأخرى، حيث جاءت الترجمات الموجودة لبعض الأدباء العرب إلى لغات مثل الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية والإيطالية، على سبيل المثال لا الحصر، وليدة علاقات ذاتية، وهو ما تحاول بعض المؤسسات العربية تجاوزه.
ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية، وأي لغة حية أخرى، مسألة في غاية الصعوبة، فلها متطلبات كثيرة، أولها أن يجيد المترجم اللغتين: المنقول منها والمنقول إليها. ومع ذلك يقولون إن الترجمة خيانة، وخاصة بالنسبة إلى ترجمة الشعر، لأن المترجم مهما كانت ثقافته وتمكنه من اللغتين، فهو لن يستطيع إيصال المعنى والإحساس المصاحب لكتابة النص الأصلي، وأيضا الموسيقى أو الإيقاع اللذين تتميز بهما لغة عن الأخرى.
وقد لاحظ بعض الباحثين الذين شاركوا في كتابة تقرير “حالة الشعر العربي”، الذي صدر في السعودية منذ عامين، أن “هناك تناميا في ترجمة الشعر العربي إلى لغات أخرى، وأن نسب ترجمة الشعر تتزايد بصورة مطردة، وقد حظي الشاعران محمود درويش وأدونيس بأعلى نسبة ترجمة، في حين أن ترجمة الشعر الأجنبي إلى العربية تعاظمت بقوة أكبر”.
وربما يكون الحال أكثر يسرا في حالة ترجمة رواية أو قصة قصيرة أو مسرحية، لأنها لا تتطلب معرفة دقائق وأسرار اللغة كما هو في ترجمة الشعر، ومع ذلك فإن هناك خلفيات ثقافية عميقة لا بد للمترجم أن يكون على اطلاع عليها، ويعيش أجواءها حتى يستطيع الإحساس بها.
وفي ظني أن كل ترجمات الأدب ما هي إلا مقاربة للنص، أو تقريبه للقارئ، أكثر منها ترجمة حقيقية لمشاعر الكاتب وأحاسيسه وثقافته، وثقافة عصره.
ولكن بصفة عامة أستطيع أن أقول إن الجهود التي تقام أو تبذل لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، وخاصة اللغة الإنجليزية، باعتبارها اللغة الأكثر انتشارا في العالم الآن، هي جهود قليلة جدا، ولا تفي بالغرض بطبيعة الحال، وتقوم في معظمها على الجهود الفردية، والمعرفة الشخصية، أكثر من الجهود المؤسسية.
العرب والترجمة
مسألة وصول العمل العربي المترجم إلى قرائه في البلدان الأخرى تبقى معضلة أخرى في قضية الترجمة العكسية
أرى أن الترجمات التي تقوم بها المؤسسات في معظمها هي من اللغات الأجنبية إلى العربية، وليس العكس (أو ليست العكسية)، مثلما يفعل المركز القومي للترجمة، ومثلما يفعل مشروع “كلمة” للترجمة في أبوظبي، وغيرهما على مستوى الوطن العربي.
أما ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، فهي تتم – في معظمها كما ذكرت من قبل – بجهود شخصية، وعندما أراد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العربي ترجمة 105 روايات من العربية إلى لغات أخرى، منذ أكثر من عشرين سنة، فشلت التجربة، لعدة أسباب من أهمها ضرورة الحصول على موافقة الكاتب نفسه إذا كان حيا، وورثته إذا كان متوفيا، والتنازل عنها لصالح الناشر الأجنبي، وبعض الكتاب الأحياء وبعض الورثة اشترطوا الحصول على مبالغ كبيرة، لقاء أن تترجم أعمالهم إلى لغات أخرى.
وهناك أسباب أخرى أدت إلى وأد هذا المشروع، لعل منها غيرة الكتاب الذين لم يتم انتقاؤهم ضمن قائمة الـ105 روايات، وبعضهم رأوا أن أعمالهم هي الأحق بالترجمة، رغم أن الموضوع كان محاطا بشيء من السرية، ولكن السر إذا تجاوز إثنين – على الأكثر – لم يصبح سرا.
تُرجمت لي مؤخرا روايتان، الأولى إلى الفرنسية وهي “الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد” وقام بها المترجم والأكاديمي التونسي منصور مهني وصدرت في أوائل هذا العام (2022) عن دار نشر لارمتان في باريس. والثانية إلى الإنجليزية وهي “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” وقام بها المترجم المصري حسن حجازي وستصدر أول العام الجديد 2023 عن دار نشر “الحاضرون” في كندا.
الانتشار في الخارج
الجهود التي تقام أو تبذل لترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى وخاصة اللغة الإنجليزية قليلة جدا
كما تُرجمت من قبل مختارات شعرية لي إلى الفرنسية بعنوان “بحر آخر” وقامت بها المترجمة شيرين محمود، وصدرت في الإسكندرية، ولم تغادر البلاد.
وكل هذه الترجمات كانت قائمة على المعرفة الشخصية، وإيمان المترجم بأهمية العمل الذي يقوم بترجمته.
وأعتقد أن حصول أديبنا الكبير نجيب محفوظ على جائزة نوبل 1988 جاء من خلال ترجمة أعماله إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية. ولو ظلت هذه الأعمال حبيسة اللغة العربية، لما فاز محفوظ بالجائزة العالمية، ولما قرئت أعماله عن نطاق واسع في معظم دول العالم.
وبعض الجوائز الأدبية الكبرى الآن في عالمنا العربي تؤكد على ترجمة العمل الفائز إلى أكثر من لغة، إلى جانب التقدير المادي بطبيعة الحال، وهذا اتجاه طيب، أرجو أن يعمّم على كل الجوائز، خاصة جوائز الدولة في مصر، لذا أقترح أن تضاف فقرة أن تختار لجنة التحكيم عملا أو إثنين من أعمال الحاصل على جائزة الدولة للتفوق أو التقديرية أو النيل، للترجمة من خلال المركز القومي للترجمة.
ولكن تبقى مسألة وصول العمل المترجم إلى قرائه في البلدان الأخرى معضلة أخرى في قضية الترجمة العكسية (من العربية إلى اللغات الأخرى)، لأنه سبق أن قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب، بمشروع ترجمة بعض الأعمال إلى اللغة الإنجليزية، لكن هذه الأعمال المترجمة أعتقد أنها لم تغادر مصر. فما فائدة الترجمة إذن إذا كانت ستظل حبيسة داخل البلد؟
ومن هنا أرى أن يكون هناك دور للعلاقات الثقافية الخارجية، والسفارات والقنصليات والمكاتب الثقافية بوزارة الخارجية وغيرها في الترويج للكتب التي تترجم داخل مصر. أما الناشر الأجنبي الذي يقوم بنشر الترجمة، فهو الأقدر على توزيع كتبه ليس في بلده فحسب، ولكن في معظم الدول الناطقة بلغته، كما هو الحال في اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وغيرها.
أحمد فضل شبلول
كاتب مصري