مغنّ موريتاني يتفرغ لتبني الأطفال المتروكين
الفنان راسين ديا يكرّس حياته للنشاط في جمعية أسسها لتعتني بالأطفال الأيتام والمتخلى عنهم.
الثلاثاء 2022/12/20
فن العمل الخيري
الفن رسالة قبل أن يكون متعة، لذلك يؤمن الفنانون الحقيقيون بأن واجباتهم الإنسانية تسبق معانقة الشهرة وجمع المال، فالموريتاني راسين ديا تخلى عن الفن ليتفرغ لحماية الأطفال المتروكين من ذويهم في بلادهم بعد أن عجز عن التوفيق بين رعايتهم والراب.
نواكشوط ـ اشتهر راسين ديا قبل بضع سنوات كمغني راب ذاع صيته بين الشباب الموريتاني، لكن رغم الشهرة التي حققها في عالم الموسيقى، إلا أنه قرر التخلي عن ذلك واختيار حماية الأطفال المشردين في الشوارع الذين يحتاجون العناية.
مغني الراب الموريتاني راسين عاش حياته في رعاية امرأة حنونة صرحت له حين كبر واشتد عوده بأنه لم يكن ابنها البيولوجي، وإنما وجدته ملفوفا في قطعة قماش تحت حائط، فربته كابن لها وغمرته بعطفها.
حز ذلك في نفسه، لكن بدل أن يصاب الفنان الشاب بالإحباط والاكتئاب، نذر حياته للنشاط في جمعية أسسها لتعتني بالأطفال الأيتام والمتخلى عنهم، متأثرا بتجربته الشخصية لأنه عانى من المشكلة نفسها في بدايات حياته.
وقال راسين “ولدت لأبوين مجهولين، لكنني لم أعرف هذه الحقيقة إلا في سن الثامنة عشرة، إذ أخبرتني أمي التي ربتني بأنها وجدتني مرميا في الشارع حين كنت رضيعا”.
والدته بالتبني هي السيدة عائشة، ستينية من قومية الهالبولار، قالت له إنها حين كانت عائدة إلى منزلها في مقاطعة السبخة بنواكشوط، لاحظت شيئا يتحرك داخل قطعة قماش موضوعة تحت جدار قصي، أحست أنها تسمع صوتا خافتا، فاقتربت أكثر لتكتشف طفلا حديث الولادة يبدو أن أمه تخلصت منه بوضعه في هذا المكان.
قررت منذ البداية ودون تفكير أو خوف من ملامة الناس لها في حيّها، أنها ستأخذه ابنا لها وأخبرت الجيران أنها ستسميه راسين، رغم معارضتهم لتبنيها له.
عاش الطفل راسين في كنف أمه الجديدة والفقيرة وأظهر منذ طفولته ميلا إلى الغناء وانجذابا لفن الراب والموسيقى الأفريقية، وتعلم العزف على آلة الغيتار وبدأ يتدرج في الغناء إلى أن صار معروفا في الأوساط الشبابية في العاصمة الموريتانية.
وبعد أن علم بقصته، لم يفكر في عزلة الناس أو الهرب من المجتمع الذي عاش واكتسب شهرة فيه، بل قرر أن يكرس جهوده لإنقاذ الأطفال الفاقدين لذويهم ليصبح الشارع مؤواهم في برد الشتاء وحر الصيف، وحاول في البداية تأسيس جمعية تجمع بين الموسيقى ورعاية الأطفال، ثم اكتشف صعوبة الجمع بينهما، فقرر التوقف عن صفة الفنان.
وتفرغ في جمعية «مكافحة التخلي عن الأطفال» لضم مجموعة منهم عُثر عليهم مرميين في القمامة أو قرب الأسواق يساعده في ذلك مجموعة ممن آمنوا بجدوى العمل الخيري، ويقول راسين “نحن نفعل كل ما نستطيع لمساعدتهم وتوفير لوازمهم، الأمر صعب حقا لكن ما دمنا التزمنا بذلك فلا مجال للتراجع، لا بد من تحمل المسؤولية”.
ولأن إمكانياته المادية لم تكن تكفي لإعالة عدد هائل من الأطفال، قرر أن يعرض على بعض العائلات تبنيهم على أن يزورهم بشكل دوري ويوفر لهم حاجياتهم، خاصة وأن أغلب تلك العائلات ليست ميسورة الحال.
وكان يعتمد في جمع التبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتجاوب معه أصحاب القلوب الرحيمة التي آمنت بإنسانية عمله وأهميته الاجتماعية، فالأطفال المشردون يتعرضون للكثير من المضايقات والإهمال خاصة في بداية حياتهم وبعضهم ترغمهم العصابات على التسول، ويتحول بعضهم إلى لصوص متمرسين ينتهي بهم المطاف في السجن.
ويقول راسين “أحيانا يتصل أحد المتبرعين أو يكتب رسالة نصية تقول: لديكم هنا علبة حفاظات، حليب أطفال، ملابس، فنحن نعتمد فقط على مساهمات الخيرين الذين يمدوننا باليسير، فليست لدينا إمكانيات ولا تمويل، حتى مقر الجمعية حيث يقيم الأطفال مدفوع الأجر لمدة سنة من طرف سيدة محسنة”.
ورغم التعب والمعاناة، يقول راسين إنه يشعر كل صباح بسعادة غامرة وهو يبدأ يوما من العمل من أجل أطفاله، ويزداد سعادة كلما جمع لهم ما يحتاجونه من غذاء ولباس ودواء وألعاب.
ويقضي ما تبقى من وقته في ملاعبتهم أو زيارة من منهم لدى عائلات حتى صار يشعر أنهم أبناءه.
ويؤكد راسين قائلا “هؤلاء أبنائي وإخوتي الصغار.. وسأرعاهم حتى آخر يوم في حياتي”، وتؤوي جمعية رعاية الأطفال فاقدي السند العائلي ما يزيد عن مئة طفل فيهم من لم يتعد عمره شهرا واحدا.
الفنان راسين ديا يكرّس حياته للنشاط في جمعية أسسها لتعتني بالأطفال الأيتام والمتخلى عنهم.
الثلاثاء 2022/12/20
فن العمل الخيري
الفن رسالة قبل أن يكون متعة، لذلك يؤمن الفنانون الحقيقيون بأن واجباتهم الإنسانية تسبق معانقة الشهرة وجمع المال، فالموريتاني راسين ديا تخلى عن الفن ليتفرغ لحماية الأطفال المتروكين من ذويهم في بلادهم بعد أن عجز عن التوفيق بين رعايتهم والراب.
نواكشوط ـ اشتهر راسين ديا قبل بضع سنوات كمغني راب ذاع صيته بين الشباب الموريتاني، لكن رغم الشهرة التي حققها في عالم الموسيقى، إلا أنه قرر التخلي عن ذلك واختيار حماية الأطفال المشردين في الشوارع الذين يحتاجون العناية.
مغني الراب الموريتاني راسين عاش حياته في رعاية امرأة حنونة صرحت له حين كبر واشتد عوده بأنه لم يكن ابنها البيولوجي، وإنما وجدته ملفوفا في قطعة قماش تحت حائط، فربته كابن لها وغمرته بعطفها.
حز ذلك في نفسه، لكن بدل أن يصاب الفنان الشاب بالإحباط والاكتئاب، نذر حياته للنشاط في جمعية أسسها لتعتني بالأطفال الأيتام والمتخلى عنهم، متأثرا بتجربته الشخصية لأنه عانى من المشكلة نفسها في بدايات حياته.
وقال راسين “ولدت لأبوين مجهولين، لكنني لم أعرف هذه الحقيقة إلا في سن الثامنة عشرة، إذ أخبرتني أمي التي ربتني بأنها وجدتني مرميا في الشارع حين كنت رضيعا”.
والدته بالتبني هي السيدة عائشة، ستينية من قومية الهالبولار، قالت له إنها حين كانت عائدة إلى منزلها في مقاطعة السبخة بنواكشوط، لاحظت شيئا يتحرك داخل قطعة قماش موضوعة تحت جدار قصي، أحست أنها تسمع صوتا خافتا، فاقتربت أكثر لتكتشف طفلا حديث الولادة يبدو أن أمه تخلصت منه بوضعه في هذا المكان.
قررت منذ البداية ودون تفكير أو خوف من ملامة الناس لها في حيّها، أنها ستأخذه ابنا لها وأخبرت الجيران أنها ستسميه راسين، رغم معارضتهم لتبنيها له.
عاش الطفل راسين في كنف أمه الجديدة والفقيرة وأظهر منذ طفولته ميلا إلى الغناء وانجذابا لفن الراب والموسيقى الأفريقية، وتعلم العزف على آلة الغيتار وبدأ يتدرج في الغناء إلى أن صار معروفا في الأوساط الشبابية في العاصمة الموريتانية.
وبعد أن علم بقصته، لم يفكر في عزلة الناس أو الهرب من المجتمع الذي عاش واكتسب شهرة فيه، بل قرر أن يكرس جهوده لإنقاذ الأطفال الفاقدين لذويهم ليصبح الشارع مؤواهم في برد الشتاء وحر الصيف، وحاول في البداية تأسيس جمعية تجمع بين الموسيقى ورعاية الأطفال، ثم اكتشف صعوبة الجمع بينهما، فقرر التوقف عن صفة الفنان.
وتفرغ في جمعية «مكافحة التخلي عن الأطفال» لضم مجموعة منهم عُثر عليهم مرميين في القمامة أو قرب الأسواق يساعده في ذلك مجموعة ممن آمنوا بجدوى العمل الخيري، ويقول راسين “نحن نفعل كل ما نستطيع لمساعدتهم وتوفير لوازمهم، الأمر صعب حقا لكن ما دمنا التزمنا بذلك فلا مجال للتراجع، لا بد من تحمل المسؤولية”.
ولأن إمكانياته المادية لم تكن تكفي لإعالة عدد هائل من الأطفال، قرر أن يعرض على بعض العائلات تبنيهم على أن يزورهم بشكل دوري ويوفر لهم حاجياتهم، خاصة وأن أغلب تلك العائلات ليست ميسورة الحال.
وكان يعتمد في جمع التبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتجاوب معه أصحاب القلوب الرحيمة التي آمنت بإنسانية عمله وأهميته الاجتماعية، فالأطفال المشردون يتعرضون للكثير من المضايقات والإهمال خاصة في بداية حياتهم وبعضهم ترغمهم العصابات على التسول، ويتحول بعضهم إلى لصوص متمرسين ينتهي بهم المطاف في السجن.
ويقول راسين “أحيانا يتصل أحد المتبرعين أو يكتب رسالة نصية تقول: لديكم هنا علبة حفاظات، حليب أطفال، ملابس، فنحن نعتمد فقط على مساهمات الخيرين الذين يمدوننا باليسير، فليست لدينا إمكانيات ولا تمويل، حتى مقر الجمعية حيث يقيم الأطفال مدفوع الأجر لمدة سنة من طرف سيدة محسنة”.
ورغم التعب والمعاناة، يقول راسين إنه يشعر كل صباح بسعادة غامرة وهو يبدأ يوما من العمل من أجل أطفاله، ويزداد سعادة كلما جمع لهم ما يحتاجونه من غذاء ولباس ودواء وألعاب.
ويقضي ما تبقى من وقته في ملاعبتهم أو زيارة من منهم لدى عائلات حتى صار يشعر أنهم أبناءه.
ويؤكد راسين قائلا “هؤلاء أبنائي وإخوتي الصغار.. وسأرعاهم حتى آخر يوم في حياتي”، وتؤوي جمعية رعاية الأطفال فاقدي السند العائلي ما يزيد عن مئة طفل فيهم من لم يتعد عمره شهرا واحدا.