قصيدة النثر.. جنس عابر للأنواع
دمشق
للقصيدة النثرية مكان فسيح في الأدب العربي، على الأقل خلال خمسين عاماً مضت، وأصبح لها كتّابها وقراؤها، ونجحت في تكوين هويتها الخاصة، بل تصارع المكونات الأخرى من الأدب.
مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر والإعلامي "حسين خليفة" في منزله بمنطقة "دمر"، حيث قال: «النص النثري أو قصيدة النثر أو النثر الفني، إلى آخره من التسميات التي تعكس موقف قائلها من الظاهرة أو الجنس الأدبي العصي على التجنيس، هو استجابة طبيعية لمنطق التطور وقوانينه إن صح التعبير. فالقصيدة الكلاسيكية دخلت موتاً سريرياً إلى حد كبير برحيل آخر رموز القصيدة الخليلية "الجواهري" و"بدوي الجبل"، الذين نجحوا في إعادة الألق إلى هذا النمط الشعري، وكانوا مسك الختام، وصارت الساحة الشعرية مفتوحة لقصائد تفعيلة تجتر في بعض حالاتها، متجاورة مع تجارب جريئة اقتحمت المشهد الشعري بقوة عبر نصوص "أدونيس" و"الماغوط" وغيرهما، من الذين انطلقوا إلى أراض بكر متحدين اتهامات أنصار التقليد، ومكرسين نمطاً شعرياً جديداً مختلفاً».
وأضاف: «من هنا حاولت كأحد أبناء جيل تفتح على هذه التجارب المختلفة المتلاطمة أن أعبر عن نفسي عبر نص نثري ينوس بين الخاطرة والقصيدة والقصة القصيرة أحياناً، ويستعصي على التجنيس بحدوده "المقدسة" لدى الكثيرين من الدارسين والنقاد، وقد قرأت مؤخراً لأحد هؤلاء النقاد؛ وهو ناقد مجتهد وجدي رفضه لمسألة التمرد على التجنيس فيما سمي "النص المفتوح"، وهو محق في كثير مما قاله من زاوية تحول هذا النمط الإبداعي إلى مطية لهواة لم يقرؤوا إلا ما تقدمه الكتب المدرسية أو بعضها، وانطلقوا إلى ساحات الإبداع مقدمين أنفسهم كشعراء يسعون إلى تفجير اللغة واجتراح الجديد وارتكاب القصيدة، وكل عدتهم بضعة مصطلحات وبعض المحفوظات الشعرية من كبار شعراء التفعيلة، ثم جاء "الفيسبوك" ليزيد الطين بلة في اندفاع جموع حاشدة من مواطني "الفيسبوك" إلى ساحة الكتابة الشعرية عبر ذات الباب "النص المفتوح"، فصار يعج بـ"الشعراء"؛ ولا شعر».
نائل عرنوس
وقال أيضاً: «قصيدة النثر لم تعد بحاجة إلى دفاع عن شرعية وجودها؛ فقد أصبحت مكرسة ونمت أشجارها وتجاوزت الأبنية الباهتة لنظامي القصيدة الكلاسيكية، ولا ينقص من أهميتها جموع المدعين؛ فهم زبد يذهب جفاءً، ويبقى ما ينفع الشعر.
في نصوصي التي نشرتها في كتابي الأول "ينطق عن الهوى" محاولات لرسم ملامح حياة حقيقية؛ حب، حروبنا المجنونة، هجرات البشر الذين نحبهم، الأماكن، النساء، الملامح الباهتة لمستقبل مجهول.
أحمد هلال
لم يكن يوماً تجنيس النص الذي أكتبه شغلي الشاغل، بل كتبت كل نص كما لو أنني أفرد روحي على الورق بصدق ووضوح وبلا تصنع».
"نائل عرنوس"، شاعر وناقد، قال: «لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الدخلية التي تعتمد على الألفاظ وتتابعها والصور وتكاملها، وبعيداً عن إشكاليات قصيدة النثر العربية الكثيرة والمآخذ عليها، التي تبدأ من المصطلح كما يقول الناقد "محمد ياسر شرف" منذ السبعينات، حيث رأى فيه تناقضاً ضمنياً بسبب جمعه بين الشعر والنثر معاً، فإن أفضل الحلول لمعالجة الاختلافات هو قراءة الشيء كما هو، وليس كما نرغب؛ لهذا يعرف "عز الدين المناصرة" قصيدة النثر على النحو الآتي: (نص أدبي تهجيني مفتوح على الشعر والسرد والنثر الفني عابر للأنواع يفتقد إلى البنية الصوتية الكمية المنتظمة، لكنه يمتلك إيقاعاً داخلياً غير منتظم)».
عبد الحميد مراد
وأضاف: «أياً يكن هذا التداخل الإشكالي ما بين مرحب أو رافض لهذا النوع الأدبي، إلا أن له دعاة كثر، وهو مقبل غير مدبر، ولا يبدو طفرة لحالة ستنكفئ سريعاً، فمريدوه يرون فيه تمرداً مشروعاً وحالة تطور طبيعية للشعر شاء من شاء، وأبى من أبى».
الناقد "أحمد هلال"، قال: «هذا النوع في جنس الكتابة الذي استحق سجالاً كثيفاً في أديباتنا ومشهدنا الثقافي، نقف عند الكثير من الأسئلة التي تتخذ طابعاً معرفياً، يسائل الإبداع من حيث ماهيته وصيرورته واستجابته للراهن الإبداعي، والإبداع هو الثابت. أما الأشكال فهي متغيرة، ثم إن التساؤل المشروع حول مرجعيات قصيدة النثر في ثقافتنا يحيلنا إلى تأمل مرجعياتها في ضوء فهم الحداثة الشعرية، وقدرتها على التجاوز والاختلاف والإدهاش، والإنجاز داخل حقل الشعرية العربية، فالكثيرون يكتبون تحت هذا المسمى وهذا يحتاج إلى وقفة تأملية وفاحصة، بعيداً عن الوقوف عند عجزها، بل الإنتاج على اقتدارها لتكسر نمطية الأشكال وتتخطاها لتكون محايثة للواقع، لكن الأسئلة المهمة في هذا السياق، هل هو العجز عن كتابة الشكل الكلاسيكي، أم أن الشعرية التقليدية العربية قد شاخت؟ أم أننا نحتاج إلى تأصيل مفهوم الشعرية العربية وليس اختزالها بقصيدة النثر وحده، خارج التعالي أو التعسف الجاهز بأحكام قطعية، وأعني هنا أنها محض خيار أسلوبي وإبداعي عليه أن يضيف، وللإضافة شرطها المعرفي الثقافي القائم على هضم الأنواع الإبداعية ومفارقتها».
وأضاف: «السؤال الأهم لكتابها هو ليس التنظير لها بقدر ما يكون إنتاجها اختراقاً للانسياق، وانفتاحاً في الفكر من دون الاتكاء على حوامل آيديولوجية بعينها لا تبرر لكتابها الاستسهال أو الاقتناع بالحداثة من دون وعيها معرفياً، على الأقل تحتاج إلى حامل ثقافي أكثر منه حامل لغوي، وبهذا نذهب إلى اقتدارها لتنجز داخل حقل الشعرية العربية معللة بأدواتها ورؤيتها».
الشاعر "عبد الحميد مراد"، له ثلاث مجموعات، قال: «قصيدة النثر أصبحت واقعاً في الأدب العربي لا يمكن إنكاره، بل هناك قراء يفضلون هذا النمط الشعري من غيره، على الرغم من المراهنات الكثيرة على فشلها، وكما نعلم هذا الجنس الأدبي قد ظهر في بلداننا مع أدباء كبار في الساحة العربية والعالمية، منهم: "محمد الماغوط، وأنسي الحاج، وأدونيس"، الذين استكشفوا قيمهم الشعرية الموجودة في قصيدة النثر لأنهم وجدوا مناخاً مناسباً للتعبير عن تجارب ومعاناة واجهوها ككتّاب، وانفردوا بعدها بصور شعرية تتسم بالكثافة والشفافية معاً بعيداً عن القصيدة التقليدية الموزونة».
وأضاف: «يمكننا القول إن قصيدة النثر تعد الشكل الفني الذي يسعى دائماً إلى التخلص من القيود والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة، لها إيقاع داخلي منفرد».
- إدريس مراد
دمشق
للقصيدة النثرية مكان فسيح في الأدب العربي، على الأقل خلال خمسين عاماً مضت، وأصبح لها كتّابها وقراؤها، ونجحت في تكوين هويتها الخاصة، بل تصارع المكونات الأخرى من الأدب.
مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر والإعلامي "حسين خليفة" في منزله بمنطقة "دمر"، حيث قال: «النص النثري أو قصيدة النثر أو النثر الفني، إلى آخره من التسميات التي تعكس موقف قائلها من الظاهرة أو الجنس الأدبي العصي على التجنيس، هو استجابة طبيعية لمنطق التطور وقوانينه إن صح التعبير. فالقصيدة الكلاسيكية دخلت موتاً سريرياً إلى حد كبير برحيل آخر رموز القصيدة الخليلية "الجواهري" و"بدوي الجبل"، الذين نجحوا في إعادة الألق إلى هذا النمط الشعري، وكانوا مسك الختام، وصارت الساحة الشعرية مفتوحة لقصائد تفعيلة تجتر في بعض حالاتها، متجاورة مع تجارب جريئة اقتحمت المشهد الشعري بقوة عبر نصوص "أدونيس" و"الماغوط" وغيرهما، من الذين انطلقوا إلى أراض بكر متحدين اتهامات أنصار التقليد، ومكرسين نمطاً شعرياً جديداً مختلفاً».
يمكننا القول إن قصيدة النثر تعد الشكل الفني الذي يسعى دائماً إلى التخلص من القيود والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة، لها إيقاع داخلي منفرد
وأضاف: «من هنا حاولت كأحد أبناء جيل تفتح على هذه التجارب المختلفة المتلاطمة أن أعبر عن نفسي عبر نص نثري ينوس بين الخاطرة والقصيدة والقصة القصيرة أحياناً، ويستعصي على التجنيس بحدوده "المقدسة" لدى الكثيرين من الدارسين والنقاد، وقد قرأت مؤخراً لأحد هؤلاء النقاد؛ وهو ناقد مجتهد وجدي رفضه لمسألة التمرد على التجنيس فيما سمي "النص المفتوح"، وهو محق في كثير مما قاله من زاوية تحول هذا النمط الإبداعي إلى مطية لهواة لم يقرؤوا إلا ما تقدمه الكتب المدرسية أو بعضها، وانطلقوا إلى ساحات الإبداع مقدمين أنفسهم كشعراء يسعون إلى تفجير اللغة واجتراح الجديد وارتكاب القصيدة، وكل عدتهم بضعة مصطلحات وبعض المحفوظات الشعرية من كبار شعراء التفعيلة، ثم جاء "الفيسبوك" ليزيد الطين بلة في اندفاع جموع حاشدة من مواطني "الفيسبوك" إلى ساحة الكتابة الشعرية عبر ذات الباب "النص المفتوح"، فصار يعج بـ"الشعراء"؛ ولا شعر».
نائل عرنوس
وقال أيضاً: «قصيدة النثر لم تعد بحاجة إلى دفاع عن شرعية وجودها؛ فقد أصبحت مكرسة ونمت أشجارها وتجاوزت الأبنية الباهتة لنظامي القصيدة الكلاسيكية، ولا ينقص من أهميتها جموع المدعين؛ فهم زبد يذهب جفاءً، ويبقى ما ينفع الشعر.
في نصوصي التي نشرتها في كتابي الأول "ينطق عن الهوى" محاولات لرسم ملامح حياة حقيقية؛ حب، حروبنا المجنونة، هجرات البشر الذين نحبهم، الأماكن، النساء، الملامح الباهتة لمستقبل مجهول.
أحمد هلال
لم يكن يوماً تجنيس النص الذي أكتبه شغلي الشاغل، بل كتبت كل نص كما لو أنني أفرد روحي على الورق بصدق ووضوح وبلا تصنع».
"نائل عرنوس"، شاعر وناقد، قال: «لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الدخلية التي تعتمد على الألفاظ وتتابعها والصور وتكاملها، وبعيداً عن إشكاليات قصيدة النثر العربية الكثيرة والمآخذ عليها، التي تبدأ من المصطلح كما يقول الناقد "محمد ياسر شرف" منذ السبعينات، حيث رأى فيه تناقضاً ضمنياً بسبب جمعه بين الشعر والنثر معاً، فإن أفضل الحلول لمعالجة الاختلافات هو قراءة الشيء كما هو، وليس كما نرغب؛ لهذا يعرف "عز الدين المناصرة" قصيدة النثر على النحو الآتي: (نص أدبي تهجيني مفتوح على الشعر والسرد والنثر الفني عابر للأنواع يفتقد إلى البنية الصوتية الكمية المنتظمة، لكنه يمتلك إيقاعاً داخلياً غير منتظم)».
عبد الحميد مراد
وأضاف: «أياً يكن هذا التداخل الإشكالي ما بين مرحب أو رافض لهذا النوع الأدبي، إلا أن له دعاة كثر، وهو مقبل غير مدبر، ولا يبدو طفرة لحالة ستنكفئ سريعاً، فمريدوه يرون فيه تمرداً مشروعاً وحالة تطور طبيعية للشعر شاء من شاء، وأبى من أبى».
الناقد "أحمد هلال"، قال: «هذا النوع في جنس الكتابة الذي استحق سجالاً كثيفاً في أديباتنا ومشهدنا الثقافي، نقف عند الكثير من الأسئلة التي تتخذ طابعاً معرفياً، يسائل الإبداع من حيث ماهيته وصيرورته واستجابته للراهن الإبداعي، والإبداع هو الثابت. أما الأشكال فهي متغيرة، ثم إن التساؤل المشروع حول مرجعيات قصيدة النثر في ثقافتنا يحيلنا إلى تأمل مرجعياتها في ضوء فهم الحداثة الشعرية، وقدرتها على التجاوز والاختلاف والإدهاش، والإنجاز داخل حقل الشعرية العربية، فالكثيرون يكتبون تحت هذا المسمى وهذا يحتاج إلى وقفة تأملية وفاحصة، بعيداً عن الوقوف عند عجزها، بل الإنتاج على اقتدارها لتكسر نمطية الأشكال وتتخطاها لتكون محايثة للواقع، لكن الأسئلة المهمة في هذا السياق، هل هو العجز عن كتابة الشكل الكلاسيكي، أم أن الشعرية التقليدية العربية قد شاخت؟ أم أننا نحتاج إلى تأصيل مفهوم الشعرية العربية وليس اختزالها بقصيدة النثر وحده، خارج التعالي أو التعسف الجاهز بأحكام قطعية، وأعني هنا أنها محض خيار أسلوبي وإبداعي عليه أن يضيف، وللإضافة شرطها المعرفي الثقافي القائم على هضم الأنواع الإبداعية ومفارقتها».
وأضاف: «السؤال الأهم لكتابها هو ليس التنظير لها بقدر ما يكون إنتاجها اختراقاً للانسياق، وانفتاحاً في الفكر من دون الاتكاء على حوامل آيديولوجية بعينها لا تبرر لكتابها الاستسهال أو الاقتناع بالحداثة من دون وعيها معرفياً، على الأقل تحتاج إلى حامل ثقافي أكثر منه حامل لغوي، وبهذا نذهب إلى اقتدارها لتنجز داخل حقل الشعرية العربية معللة بأدواتها ورؤيتها».
الشاعر "عبد الحميد مراد"، له ثلاث مجموعات، قال: «قصيدة النثر أصبحت واقعاً في الأدب العربي لا يمكن إنكاره، بل هناك قراء يفضلون هذا النمط الشعري من غيره، على الرغم من المراهنات الكثيرة على فشلها، وكما نعلم هذا الجنس الأدبي قد ظهر في بلداننا مع أدباء كبار في الساحة العربية والعالمية، منهم: "محمد الماغوط، وأنسي الحاج، وأدونيس"، الذين استكشفوا قيمهم الشعرية الموجودة في قصيدة النثر لأنهم وجدوا مناخاً مناسباً للتعبير عن تجارب ومعاناة واجهوها ككتّاب، وانفردوا بعدها بصور شعرية تتسم بالكثافة والشفافية معاً بعيداً عن القصيدة التقليدية الموزونة».
وأضاف: «يمكننا القول إن قصيدة النثر تعد الشكل الفني الذي يسعى دائماً إلى التخلص من القيود والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة، لها إيقاع داخلي منفرد».