"أيمن أبو الشعر": لا بد من غمس الريشة في أعماق الوجدان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أيمن أبو الشعر": لا بد من غمس الريشة في أعماق الوجدان

    الشاعر "أيمن أبو الشعر": لا بد من غمس الريشة في أعماق الوجدان
    • كمال شاهين


    دمشق
    تميز شعره بالحضور الجماهيري المكثف، فهُرّبت قصائده على "الكاسيتات" إلى مختلف بقاع العالم العربي، ومنها "فلسطين"، وما بين الشعر والقصة والمسرحية والترجمة له أكثر من عشرين عملاً، ترجم كثير منها إلى لغات أخرى.

    كان عمه مختاراً لحي "الشاغور" مولعاً بحلقات الذكر ورقصات المولوية، يصطحبه معه إليها، ويشجعه على حفظ القصائد الصوفية، فنشأ الطفل مولعاً بالشعر إلى درجة الهوس، في حواره مع مدونة وطن "eSyria" يتحدث الشاعر "أيمن أبو الشعر" عن بداياته الشعرية قائلاً: «ربما كرست تلك الرحلات، جذور الموسيقا في الشعر عندي فيما بعد، وبدأت بالتدريج أخطو نحو التعبير بالصور والسياق المطواع المكثف، البدايات الشعرية تسعى إلى التعبير عن الفكرة، وتفتقر غالباً إلى السلاح اللغوي المكثف والصور الموحية الشفيفة، أول عمل لي "خواطر من الشرق" جمع بعض نتاجات المرحلة المبكرة جداً، بما في ذلك قصائد كتبتها في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ومن البديهي أنها تحمل طابع البدايات حتى فنياً. ثم صدر "صندوق الدنيا" عن وزارة الثقافة، تبعه "بطاقات تبرير للحب الضائع" عن اتحاد الكتاب، وتتالت المجموعات إثر ذلك».
    ربما يكتشف العلماء ذات يوم أن الشعر حالة مرَضيّة تدفع إلى خلق عالم مواز جميل، أو مغاير، كعلاج لعدم التواؤم مع الحياة التي نعيشها، آملاً أن يتحقق ذلك العالم الموازي على أرض الواقع

    نشأ الشاعر في بيئة فقيرة نسبياً، ما عزز اتصاله بمختلف شرائح الناس، فبدأ يلقي قصائده في الاحتفالات والسهرات الشعبية، ولاحقاً أصبح الأمر هاجساً يلاحقه في رحلات اتسعت لتشمل مختلف القرى والمدن السورية، ودفعته في اللا شعور إلى أخذ دور الموجه الفكري، وكتابة ما يناسب هؤلاء البسطاء "الرائعين" و"ما كنا بحاجة إليه، بما في ذلك الأناشيد والقصائد العفوية السريعة والخطابية الحماسية".


    من حفلة له في السقيلبية

    أسس الشاعر مع رفاقه فرقة فنية حملت اسم "سبارتاكوس"، لحنت العديد من الأغاني والقصائد منها: "المجد للصمود"، و"تل الزعتر"، جمعها لاحقاً في ديوان شعري وقعه باسم مستعار "مايا الدمشقي"، وأنشأ بعد ذلك فرقة مسرحية مع أصدقاء له، قدمت تجارب مسرحية جميلة، يقول: «كنت أكتب النص، وأصمم الديكور بمساعدة الموهوبين الشباب، وكنا نستخدم ما يقع تحت أيدينا من متاع، ونصنع مساقط الإضاءة من علب السمن الفارغة المربوطة بخيطان متينة، لتحريكها على اللوالب (الكراكر)، قدمت الفرقة عدة مسرحيات، حتى في البيوت الشعبية التي فيها ليوان يصلح كخشبة مسرحية، وباحة دار كبيرة للجمهور، وقد ضاع معظم هذه المسرحيات للأسف. لكن هذا كان جزءاً فقط من نتاجاتي، وإلى جانبه كتبتُ قصائد لجمهور أوسع من محبي الشعر، ومن البديهي أن يكون هذا النتاج ذا ظلال يسارية ووطنية، لاقت صدى لدى شريحة واسعة من الجمهور عموماً، لأنها عبرت بهذا الشكل أو ذلك عن همومهم وتطلعاتهم».

    لعبت بضعة عوامل دورها في حضور الشاعر الجماهيري، أولها -كما يقول- أنه اعتمد "على الصور الموحية المثيرة، بما في ذلك تصاعد المشاهد أو خفوتها في النص الشعري، بما يقارب التداخل في اللقطات السينمائية، وجعل القصيدة قصة دراماتيكية تنتهي غالباً بلقطة مكثفة أو تجسد موقفاً جوهرياً، والثاني هو السياق اللغوي المموسق، محاولاً أن تنساب القصيدة في المسامع دون إعاقات لفظية، حتى إن تنقلت قليلاً بين التفعيلات المتقاربة في الإلقاء، وقصيدة "قارع الطبل الزنجي" خير شاهد على ذلك".


    دار الكتب الوطنية حلب 1974

    وثالث هذه العوامل هو أنه لم يعتمد الغرابة والغموض المفرط بحجة الحداثة، يقول مضيفاً: «والمهم جداً أيضاً، أنني تحدثت بشكل فني عن هموم الناس وطموحاتهم بكل صدق، إضافةً إلى استخدامات مبتكرة تماماً تجعلك تتجاوز مقص الرقابة كما في ديوان "الصدى"، فهناك العديد من العبارات والأرقام تشير إلى ترداد حروف محددة مكونة كلمات جديدة تكشف زيفاً أو تدين خيانة، وقد أبلغني أصدقاء من "السودان" أن بعض الشباب من المثقفين حولوها إلى مسرحية في جامعة "الخرطوم" آنذاك».

    من القصائد المهمة التي شكلت له حضوراً جماهيرياً كبيراً في تلك الأيام قصيدته "الحلم في الزنزانة رقم سبعة"، فالحلم في هذه القصيدة يأخذ شكلاً مبتكراً، رؤى حلمية لسجين مناضل يساري مع رموز كل ما يتعرض له من تهديد ووعيد ومحاولات شراء، حيث تبدو محاكمة فكرية من نوع خاص، بدت فيها جرأة في الطرح واختلاف عن السائد في الأسلوب، رغم اختلاف آخرين معه في تقييم التجربة.


    مسرحية رجل الثلج

    يرى الشاعر أن الحداثة "شكل فني متطور ويستحق الاهتمام على ألا ينقطع عن جذوره"، ويرفض مقولة: "إبعاد الشعر عن الأيديولوجيا"، ويؤكد: «إنّ هذا الإبعاد، إن تم، فهو عملياً يخدم توجهاً أيديولوجياً مناهضاً ينتمي في نهاية المطاف إلى مدرسة "الفن للفن"، ويبدو أن بعض هذه التوجهات تقصدت تحديداً رفض التعبير عن التطلعات اليسارية الوطنية أو الأممية، واتهام أي عمل يتحدث عن محتوى نضالي أو حلم بمستقبل أفضل بأنه أيديولوجي، لو أردنا اعتماد هذه المقاييس، سيكون علينا إلغاء القسم الأكبر من تراثنا الشعري، بل والكثير من التراث الشعري العالمي، والعديد جداً من شعراء الحداثة أنفسهم».

    ومع ذلك يرى "أبو الشعر" أنه من البديهي أن تتراجع النبرة الخطابية عنده، وأن تتكرس بقوة توجهات الصورة الموحية، وأن تتسع المواضيع التي تشف عن مواقف جميلة، طليعية، دون أن تتناول القصيدة موضوعاً نضالياً محدداً أو حدثاً في هذا الإطار.

    ويعتبر الشاعر أن: «أية قصيدة عشق، تنعش قلوب الناس بمعطيات إنسانية في الجوهر، ولا تحفِّز رواسب تخلفهم، وتكتب بسياق فني يشد الاهتمام إلى الجميل (المفارق) هي "قصيدة تقدمية"، لقد كتبت عدداً كبيراً من القصائد الغزلية التي تمجد الجمال الأنثوي وتبرز روعة روح المرأة، والقصائد الوجدانية العاطفية تألقاً أو انكساراً. ولكنني كثيراً ما أستعير من هذا الجمال الأنثوي لخلق صور، أغنّي فيها الوطن بجراحه وآماله، بعذاباته ونضالاته، كما في قصيدة "إلى حبيبة تدعى الوطن"».

    أنجز في مسيرته الشعرية حتى الآن، ثلاث عشرة مجموعة شعرية، إلا أنه يرى أن "غمس الريشة في أعماق الوجدان، وأن تكون القصيدة شلال مشاعر عبر الصور لا كومة مبعثرة من الصور بلا مشاعر" هي التي تخلق الشاعر الحقيقي، "اليوم يستطيع الحاسب أن يصيغ آلاف الاستعارات الغريبة حين تحمّله ببرنامج مناسب، ولكنه لن يستطيع كتابة قصيدة تمليها مشاعر القلب"، ويضيف: «ربما يكتشف العلماء ذات يوم أن الشعر حالة مرَضيّة تدفع إلى خلق عالم مواز جميل، أو مغاير، كعلاج لعدم التواؤم مع الحياة التي نعيشها، آملاً أن يتحقق ذلك العالم الموازي على أرض الواقع».

    ساهم الشاعر خلال حياته في "الاتحاد السوفياتي" ثم "روسيا"، في الحياة الثقافية هناك، وتعمقت صداقته مع عدد كبير من الأدباء الكبار، منهم الشاعر الكبير "رسول حمزاتوف"، الذي "لا تفارقه الابتسامة والطرفة الذكية والحياة شبه الفوضوية"، والروائي "جنكيز إيتماتوف"، "المهندس الفذ لبنية الرواية، ممزوجة دون تكلف بمضامينها التي تنبثق عن أحداثها"، وممن ترك بصمات في الروح المسرحي "كاسماتشوفسكي"، والشاعر "إيغر لابن".

    خلال حياته في الاتحاد السوفييتي، ترجم ونشر بعض القصائد في الصحف العربية، ثم كرس وقتاً مديداً لترجمة أهم رموز الشعر الروسي، وأجرى دراسات معمقة نسبياً لأهم المدارس والتيارات نهاية القرن التاسع عشر وحتى ثمانينيات القرن العشرين كالرمزية، والأكميزمية، والمستقبلية، وغيرها، وقد صدر المجلد الأول تحت عنوان "أنطولوجيا الشعر السوفييتي – الشعر الروسي"، وكانت خطته تقضي بمتابعة ترجمة الشعراء الآخرين، ولكن انهيار "الاتحاد السوفييتي" جعل هذه المهمة غير موضوعية، رغم زياراته لعدد من عواصم الجمهوريات السوفيتية وجمع معطيات كتابه، أما النشاطات التفاعلية اليوم، فهي "لا تعيش للأسف أفضل أيامها، فقبل انهيار الاتحاد السوفييتي كان لا يمر أسبوع إلا ويأتي وفد من الأدباء والشعراء من إحدى الدول العربية، ويغادر وفد سوفييتي بالمقابل، اليوم هذا نادر جداً".

    الشاعر السوري "أيمن أبو الشعر" من مواليد "دمشق"، عام 1946. تلقى تعليمه فيها، ونال "دكتوراه" في الآداب من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية العليا (سابقاً)، عمل في الترجمة الأدبية في "موسكو" لمصلحة عدة دور نشر، كما عمل في قناة "روسيا اليوم" كمسؤول أول عن الصياغة اللغوية والإعلامية، وقدم برنامج "رشفات" على نفس القناة، ويعمل اليوم في ترجمة الأفلام والبرامج.

    مما صدر له: "الحب في طريق المجرة"، حلب، 1979، مسرحية "رجل الثلج"، وكذلك قصة "القمر المغرور" للأطفال وترجمها إلى الروسية، وأعمال أخرى كثيرة.
يعمل...
X