"طلعت كيوان": أنتمي إلى نفسي في الرسم
- ضياء الصحناوي
السويداء
دخل عالم الفن بتشجيع من والدته وأحد الفنانين السوريين المهاجرين في الخارج بعد أن اقتنع بأنه موهوب، واكتشف مع الوقت أن الألوان التي يرسم بها كلها ألوان مفرحة، ولا وجود للألوان المعتمة التي تجلب التعب والتشاؤم.
مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان الشاب "طلعت كيوان" في مرسمه الكائن بمدينة "شهبا" وكان اللقاء التالي:
شاهدت حارات "دمشق" القديمة بتفاصيل ساحرة وغير مألوفة، وكأنها تنطق! وأدهشني تعامل الفنان مع اللون وانغماسه بشكل كلي ليظهر أدق المكنونات التي تميز تلك الحارات بجدرانها التي تمتد جذورها عميقاً بالتاريخ إلى أزقتها ومساجدها، وكأنك تشتم رائحة تلك الأمكنة أو تختال في جنباتها، حيث تشعر وأنت تتنقل بين لوحاته بأنك جزء من ذلك التاريخ
- كالعادة تأخذ مرابع الطفولة العامل الأساسي في تكوين الشخصية، ونمو الموهبة، فهل كانت كذلك بالنسبة إليك؟
دمشقيات.
** ولدت في قرية جبلية تدعى "سهوة الخضر" في العام 1980 لأسرة متوسطة الحال، وكنت ككل أقراني نلعب بالوحل والطين، وصنع البيوت الطينية، ولم يكن هناك أية ملامح للرسم سوى أنني كنت أحب ساعة الرسم في المدرسة طوال دراستي للمراحل المختلفة، وكانت الرسوم بحسب الأساتذة جميلة. وأذكر أنه تمت معاقبتي في درس اللغة العربية عندما قبضت عليّ المدرسة متلبساً وأنا أرسم على الكتاب، وكتبت عبارة ما زالت محفوظة في ذاكرتي تقول فيها: (الفن جميل وراق جداً، ولكن في وقته)، واكتشفت عندما نلت شهادة الدراسة الثانوية أن أمي كانت تراقبني، وشجعتني على دخول الكلية على الرغم من عدم تفكيري في ذلك نهائياً.
- ما الذي يمكن أن تقدمه كلية الفنون للطالب ولا يمكن أن يكسبه خارجها؟
يستمد القوة من تلك الجدران.
** قبل أن تصبح قصة دخولي الكلية حقيقة، كان في بيتنا الفنان التشكيلي المغترب "بسام الحجلي" الذي طلب مني مرافقته إلى مرسمه في "جرمانا" من أجل معرفة قدرتي على الرسم والتحضير للقبول الجامعي، وبقيت شهرين متواصلين أتدرب على الرسم في الليل والنهار اكتسبت خلالهما الكثير، ويمكنني القول إنها تعادل دراسة سنتين في الكلية، غير أن كلية الفنون في "دمشق" تمدك بالصقل. والجو العام الذي يفرضه وجود فنانين كبار تجعل من الطالب يجتهد كثيراً على نفسه لإثبات الذات. وأذكر جيداً الفنانين "صفوان داحول"، و"نزار صابور"، وقد كنت متابعاً لكل ما يتعلق بهما.
- كل من يتابع أعمالك يكتشف أن الألوان التي تقوم بفرشها على سطح اللوحة زاهية، ولا وجود للأسود الغامق فيها لماذا؟
بورتريه.
** هي حقيقة، فأنا شخص متفائل، بل ودائم التفاؤل على الرغم من كل ما تتعرض له "سورية" في هذه السنوات. في مشروع التخرج اكتشفت أن كل لوحاتي ألوانها زاهية ومفرحة، وقررت رسم لوحة واحدة ألوانها غامقة. فرشت اللوحة بالأسود وبعد ساعة واحدة اكتشفت أنني عدت إلى طبيعتي في الألوان. أنا شخص صادق ولا أستطيع الكذب على نفسي.
- ما هي قصة اللوحات التي تمثل "الحارة الشامية" بكل تفاصيلها وأبعادها؟ وماذا قدمت لك؟
** كان المبدأ في البداية تجارياً، وقد كنت بحاجة ماسة إلى المال حيث كانت هذه اللوحات رائجة في محلات "التكية" و"المتحف الحربي"، حيث كنت أبيعها بمبلغ زهيد، ومع مرور الزمن باتت تلك الحارات جزءاً من روحي بشوارعها الضيقة، وحجارتها، وغرفها والعليات الخشبية، والياسمين الذي يزين برائحته كل شبر منها، كانت قمة المتعة بالنسبة لي الدخول في تلك التفاصيل الصغيرة، والكتل النافرة، والجدران المقشورة الألوان. واكتشفت ألا ضير في رسم تلك الأماكن الرائعة على ألا أقع في فخ التكرار مثل بعض الزملاء الذين انتهوا فنياً لاعتمادهم على رسم لوحات مكررة، ووضعت لمهنتي خطوطاً حمراء لا أتجاوزها مهما كانت المغريات المادية، فلي أسلوبي الخاص في الرسم، وأهتم برسم الطبيعة والبورتريه على طريقتي. وقد زادتني تلك الحارات خبرة باللون وزخمه، والبحث في تفاصيله الدقيقة، ومعرفة ثقافية في لوحات الاستشراق، وكذلك أفادتني مادياً في حياتي.
- إلى أي مدرسة من المدارس الفنية تنتمي أعمالك؟
** لا أفضل هذه التسمية، ولا أنتمي إلى أي مدرسة. أرسم التعبيري والواقعي والتجريدي، وأعتقد أنني أنتمي إلى نفسي، وليس لأي مدرسة، وفي النهاية النقاد الفنيون المتخصصون هم الذين يحددون هوية الفنان. وإذا أردت الحقيقة لا أعمل من أجل أن يصنفني النقاد، واكتشفت أن الناس يحبون الرسم الواقعي، ومن حقهم الاستمتاع باللوحة والشعور بجمالها. وقد نصحني أستاذي الفنان "عصام الشاطر" أن يكون لي خط واضح ومميز إذا أردت الاستمرار.
- حدثنا عن المعارض التي شاركت فيها، ولماذا لم تقم بمعرضك الفردي حتى اللحظة؟
** أشارك في كل معارض الربيع التي تقام سنوياً، وقد حصلت على جائزة تكريمية عن لوحة بورتريه في العام 2010، إضافة إلى المشاركة في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين، مع قيامي بالمشاركة في المعارض التي تقيمها نقابة الفنانين. وعن معرضي الفردي الأول فهو قيد التحضير، وأعتبر انطلاقتي الحقيقية في الفن والحرية والاستقلالية المادية من مدينة "شهبا" التي انتقلت إليها للتدريس، وفي مرسمي الجديد أستقبل طلاباً صغاراً يمدوني بالتفاؤل، فهم خامة صادقة، وهم يفيدوني في نشر ثقافة الفن وتطويره.
مدرسة اللغة العربية "سوزان نصّار" تحدثت عما رأته في لوحات الفنان "طلعت كيوان" ضمن رؤيتها للفن التشكيلي، وقالت: «شاهدت حارات "دمشق" القديمة بتفاصيل ساحرة وغير مألوفة، وكأنها تنطق! وأدهشني تعامل الفنان مع اللون وانغماسه بشكل كلي ليظهر أدق المكنونات التي تميز تلك الحارات بجدرانها التي تمتد جذورها عميقاً بالتاريخ إلى أزقتها ومساجدها، وكأنك تشتم رائحة تلك الأمكنة أو تختال في جنباتها، حيث تشعر وأنت تتنقل بين لوحاته بأنك جزء من ذلك التاريخ».