معرض "تحولات" للفنان إيلي رزق الله تأريخ لبيروت سيدة التحولات المرهقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معرض "تحولات" للفنان إيلي رزق الله تأريخ لبيروت سيدة التحولات المرهقة

    معرض "تحولات" للفنان إيلي رزق الله تأريخ لبيروت سيدة التحولات المرهقة


    أبنية غير ثابتة تتخذ هيئة أشخاص يسهل التعاطف معها.
    الجمعة 2022/12/16


    بنايات تشبه سكانها

    لا يصور الفنان اللبناني إيلي رزق الله بنايات بيروت وخصوصياتها المعمارية، بل هو يصورها مرآة عاكسة لحال أهلها، للتحولات المرهقة التي تصيبهم وأصابتهم منذ سنوات، وهي تحولات فجائية تظهر بيروت مدينة تدور في فلك الانهيار وإعادة الخلق.

    أغلب الناس يجدون في فكرة التحولات أمرا إيجابيا وهو كذلك في الكثير من الأحيان، غير أن “التحولات” التي يتطرق إليها الفنان التشكيلي اللبناني إيلي رزق الله في معرضه الجديد يحمل الجانب المرهق والمفرح معا وربما لأجل ذلك يتضمن معرضه لوحات حمّالة لمعان مفتوحة على التأويل ولا تخلو من الكآبة الطفيفة التي يحضر فيها الفنان كشخص يتفاعل مع مدينته التي يعرفها عن كثب، ولأجل ذلك لم يكن ولو ليوم من الأيام مأخوذا كليّا بفكرة التأريخ وأرشفة المشاهد البيروتية.

    ليس الفنان إيلي رزق الله أول ولا آخر فنان لبناني رسم بيروت، ولكنه بالتأكيد من أهم من تناولها كمعنى ومرآة لأهلها غير المرئيين في جميع لوحاته ما عدا قلة قليلة منها. إيلي رزق الله اليوم يقدم معرضا جديدا عنونه بـ”تحولات” في صالة “ميسيون دي زارت” في بيروت. ولعل أهم ما ظهر في لوحاته الجديدة تلك التحولات المرهقة التي لم تتوقف بيروت يوما عن اختبارها. فكل من يعرف بيروت يدرك أن هذه التحولات تطرأ في سرعة فائقة وأحيانا في غضون أشهر قليلة.


    الفنان يشكل بيروت على أنها مدينة تجريدية غير قابلة للتصنيف الكامل، فهي في أغلب اللوحات تختفي في ضباب سماوي


    ومن أشكال تلك التحولات “نمو” أبنية شاهقة كما الأعشاب الضارة في فترة قصيرة، أبنية لا تليق ببيروت المدينة التي يمكن تسميتها بالمدينة المنمنمة.

    كل ما عبر في بيروت ومن خلال أبنيتها بشكل خاص حاضر في لوحات الفنان: تدمير وإعمار، ترميم وتدمير كلي أو شبه كلي متعمد أو غير متعمد لمبان تراثية تحت وطأة الحروب وتحت تأثير عوامل طبيعية أعطاها الإهمال الرسمي قوة خارقة ومقلقة.

    وأهم ما في لوحات الفنان إيلي رزق الله المعروضة في صالة “ميسيون دي زارت” هو أولا حالة الحراك المتواصل التي برع الفنان في تصويرها من خلال الجماد أي الأبنية. وهذه الصفة تحديدا جعلت لوحاته بعيدة عن اللوحات الفولكلورية أو ما يسمى باللوحات السياحية. القلق حاضر دوما. وهو حاضر اعتنقته بيروت كجزء من شخصيتها وبالتالي من شخصية أهلها.

    هوية بيروت كما رسمها الفنان في مجمل لوحاته برزت من خلال الأبنية التي تبدو إما دائما قيد الإنجاز أو أصبح عدم إنجازها لسبب من الأسباب أهم ما يميزها عن باقي الأبنية في مدن أخرى. دائما يجعل الفنان عين المُشاهد ترى تلك الأبنية من خلال هياكلها. فهي وإن كانت أبنية مسكونة تبدو وكأنها غير صالحة للسكن لأنها غير منجزة أو تبدو كذلك. هذا غير المنجز في لوحاته هو هوية بيروت الثابتة وفي ذلك غرابة ما فيها شيء من الكآبة.

    ويشكل الفنان بيروت على أنها مدينة تجريدية غير قابلة للتصنيف الكامل، فهي في أغلب اللوحات تختفي في ضباب سماوي ملون وإن كانت أبنية غير عالية جدا أو تبدو كأنها رشحت من أرض غائمة، من صلب سديم أو غبار أشبعه الفنان لونا يحار المرء في إدراك ماهيته. أسئلة تحضر دوما أمام لوحات الفنان الحاضرة والسابقة: هل ما يرسمه الفنان سراب أم حقيقة؟ أم هو الإثنان معا؟ هل يتمم أو يعوض الفنان عن نقص ما في تلك الأبنية من خلال ممارسة عملية فنية تجميلية لمدينة لم تكن لتحتاجها يوما لولا إهمال أهلها وانشغالهم بمصائبهم التي من ناحية صنعوها بأنفسهم وصنعها من ناحية ثانية غيرهم من الوصوليين والجشعين؟


    أبنية قيد الإنجاز


    أسلوب الفنان في تصوير الأبنية هو ما يجعل من لوحاته فنية بدرجة عالية. أما الأمر الثاني الذي ميز لوحاته فهو أنها تحمل تفاصيل تشير إلى حضور البشر، مثلا الكرسي المُهمل في رواق. تفصيل وإن حضر بشكل ضئيل يشي بسلطوية الهش والقابل للتحول في أي لحظة. كذلك هي هوية اللبناني التي لا تزال حتى الآن قيد التشكل وهي كأبنية بيروت تبنت غير الثابت، كالثابت في هويتها عبر السنين التي تلت فترة الستينات من القرن الفائت.

    وأبنية إيلي رزق الله هي أشخاص أكثر من كونها أبنية جامدة لذا يسهل “التعاطف” معها إذا صح التعبير. أما الأمر الثالث الذي ميز لوحاته فهو ما حضر أيضا في سابق لوحاته. فبيروت بدت في معظمها غارقة في محلول لوني متعدّد الأحوال والكثافة وانسكب من عين الفنان الغارقة في انطباعات وجدانية حالت دون أي استعراض لهندسيات مدينة هي دوما، وكما عرفها الفنان، من ناحية على شفير الولادة والموت وكأنهما حالة واحدة، ومن ناحية أخرى متلاحمة مع الزمن وكأنه مكان بحد ذاته وموطئ عبور مسّه حزن شخصي.

    يذكر أن إيلي رزق الله من مواليد دير القمر أين ترعرع وتلقى تعليمه المدرسي، درس الهندسة الداخلية والديكور وعمل في المجالين، حيث كانت بيروت حاضرة دائما في وجدانه وفي أعماله. وما لبث أن اتجه إلى الغناء الكلاسيكي مؤدّيا أغنيات لكبار الفنانين، ثم تحوّل إلى الرسم متأخرا نسبيا، وبلور سريعا نصا فنيا خاصا به مُستخدما الرصاص والألوان المائية والأكريليك وراسما على الورق والقماش.

    شارك في معارض جماعية مختلفة داخل وخارج لبنان، كما له معارض فردية نذكر منها “من الغسق إلى الفجر” و”المدينة الأوتوبية” و”ذكريات” و”بيروت في المنظور”.




    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X