مفاهيم الانتماء في التعبير عن الأوطان تجاوب المنجز مع الخامة
تجربة الفلسطينية بثينة ملحم والأمريكية سوزان كلوتز
بشرى بن فاطمة
لا يمكن لأي فنان أن ينجز تجربته بمعزل عن الواقع والتأثر الذاتي والتفاعل مع مستوى النفاذ للفكرة في مواقفها الجمالية الحسية والإنسانية، وفي تجربة كل من الفلسطينية بثينة ملحم والأمريكية سوزان كلوتز يجتمع المفهوم على رؤى الوطن والانتماء والأرض والإنسانية بتشكلاتها الباحثة عن الأمان عن الحق والانسان كأبسط متطلبات الوجود المستقر في عالم مضطرب.
فقد شغلت المفاهيم أسس التعبير لكليهما فانطلقت كل منهما لتجعل فلسطين محورا ومفهوما وتكون المنطلق الذي أسّس للمقارنة بين التجربتين وبالخصوص بين فنان يعايش الواقع الذي يعنيه وفنان يعايش الفكرة كمبحث ذاتي خاص انطلق من فكرة عامة.
في أعمال بثنية ملحم كان المفهوم البصري حاملا لعناصر تنوّعت حسب مدى الفكرة والإحساس بها والتوافق معها، فقد بدت مفاهيمها متناغمة مع الهوية في خاماتها فكانت توظيفات التراث الملموس لديها مستلهمة في القماش والثوب والكساء حمّلته القصص المحكية المحفورة في الذاكرة والمعاش في الواقع اليومي، لتخضع العمل للتخطيط والتقسيم والتطويع المتكامل مع عناصر الفن رسما وحرفا حياكة وتنفيذا وأداء واشتغالا.
فقد تمكّنت بثينة ملحم من ابتكار صورها التشكيلية ومسارها التجريبي من خلال ذلك لتحوّل قلم الرصاص والدبابيس والخيوط إلى لغة تعبيرية مُمنهجة الأدوار ومُتقمّصة لذاتها في التفاعل مع الأرض والوطن المقسّم بدوره إلى قطع مختلفة يجمعها التاريخ والذاكرة وتفرّقها الجغرافيا.
بحثت ملحم في الأثواب القديمة وعاملتها معاملة الأرض فصّلتها بكل الخصوصية الجدلية وحاكتها بقصصها البصرية من خلال الخامة رسّخت فكرة الوطن برمزيات الثقافة الشعبية وظّفت القهوة والشاي لصباغة وتحرير اللون واعتمدت التوابل والزعتر مع الشمع والتراب لتحمل رائحة الأرض وحفظت الفكرة بخامتها في الصناديق الخشبية القديمة والدبابيس.
وقد وظّفتها لتثير تناقضاتها الحسية بين البقاء والفقد والفرح والحزن، في تضاريس من القماش عبّر عنها وعن وطنها فقد حمّلتها تلك التضاريس العامة وجع جغرافيا ممنوعة من تلال وبحر وأودية وأسوار وجدران حفرتها في ذاكرتها مقابل تضاريس صنعها الاحتلال من حواجز ومعابر وبيوت وخيم وحدود وقد شابكتها معا لتثيرها بين الوطن الكامل والوطن المشتهى بدبابيس وإبر وخيوط ملتفة وحكم مكتوبة بقلم الرصاص لتبدو كمرثيات صنعتها من تناقضات حسية بدقة جمالية وسرد رصد الانتظار والترقّب وهو يحيكه بين الأمل والألم.
إن اعتماد القماش والإبر والخيوط في حياكة الحكايات والمشاعر والمفاهيم حمل بثينة ملحم إلى عمق الأرض في الواقع والذاكرة بثقوبها التي اخترقت وجدان التذكر المتراكم في التفاصيل التي دفعتها للاشتغال على مفاهيم حتى تخلق لها وطنا متكاملا من خلال رؤاها الفنية التي سعت لحياكته وخياطته بكل ما فيه لتكتمل به بعيدا عن القسوة العامة للواقع وهو ما دفعها أكثر للبحث في الأرض من خلال ذاتها أولا.
ولعل العمل المفاهيمي على فكرة الحياكة والقماش لبثينة ملحم يختلف من حيث التوظيفات المادية والخامة عن تصور سوزان كلوتز ولكنه يتشابك في الأثر الملموس التوجّه المفاهيمي الإحساس بالانتماء التفاعل مع القضايا الإنسانية في فكرة الأرض والهوية الفلسطينية في تلك الإبر التي تستدرج تطريز الهوية بالذاكرة بألوان وقصص وتفاصيل وملامح فقد حملت هذه الهوية روح الفكرة لدى سوزان كلوتز لتكون أبعد في الأرض من حيث النظر إليها كأرض مقدّسة إلى حدّ اعتبارها أرضا للإنسانية.
فقد حملت نفسها إلى عمق ذاكرة المخيم لتتشظى بتفصيلها مع كل من اشتغلوا معها على التطريز الذي عبّر عن رؤى المفاتيح السبعة في مشروعها المفاهيمي على القماش فالمفتاح يحيل على أرض المسكن والوطن البيت مفتاح يستردّ ذاكرة التهجير وخصوصيات الأمل بالعودة المفتاح باب على الشرق بصوره الجديدة والمفتاح منفذ للتثاقف بين جغرافيا الشرق الغرب.
تركّز كلوتز على القماش بوصفه مساحة قادرة على أن تثبّت فكرة الأرض المقدّسة بثلاثية الديانات وتعايش الإنسانية حيث تنقد من خلال أعمالها سياسة بلادها وتتفاعل مع الإنسانية جماليا كما تركّز على المعتقد والطقوس بوصفها تجتمع على الكيان المتكامل للإنسان في تعايشها وحريته وحضوره، فهي تستجمع العفوية في علامات الخامة فبين الأقمشة الممزّقة عبّرت عن الصراع عن الدموية عن اللاعدالة وهي تجرّد الحق وتساوم على الإنسانية بالظلم.
إن الصور التي وظّفتها بثينة ملحم في المنجز حملتها من ذاكرتها ومعايشاتها حاكتها وجرّدتها وشرحتها في منجزها أما التي وظّفتها سوزان كلوتز فقد انطلقت فيها من مرفق ما جمعته في بحثها ورحلاتها الى الشرق لتكون دليلها ودلالتها لفتح أفقا بين الشرق والغرب فكلا التجربتين نبعتا من واقع حقيقي ورغبة جمالية في التفاعل مع الواقع والحق والإنسانية والانتماء لها.
تجربة الفلسطينية بثينة ملحم والأمريكية سوزان كلوتز
بشرى بن فاطمة
لا يمكن لأي فنان أن ينجز تجربته بمعزل عن الواقع والتأثر الذاتي والتفاعل مع مستوى النفاذ للفكرة في مواقفها الجمالية الحسية والإنسانية، وفي تجربة كل من الفلسطينية بثينة ملحم والأمريكية سوزان كلوتز يجتمع المفهوم على رؤى الوطن والانتماء والأرض والإنسانية بتشكلاتها الباحثة عن الأمان عن الحق والانسان كأبسط متطلبات الوجود المستقر في عالم مضطرب.
فقد شغلت المفاهيم أسس التعبير لكليهما فانطلقت كل منهما لتجعل فلسطين محورا ومفهوما وتكون المنطلق الذي أسّس للمقارنة بين التجربتين وبالخصوص بين فنان يعايش الواقع الذي يعنيه وفنان يعايش الفكرة كمبحث ذاتي خاص انطلق من فكرة عامة.
في أعمال بثنية ملحم كان المفهوم البصري حاملا لعناصر تنوّعت حسب مدى الفكرة والإحساس بها والتوافق معها، فقد بدت مفاهيمها متناغمة مع الهوية في خاماتها فكانت توظيفات التراث الملموس لديها مستلهمة في القماش والثوب والكساء حمّلته القصص المحكية المحفورة في الذاكرة والمعاش في الواقع اليومي، لتخضع العمل للتخطيط والتقسيم والتطويع المتكامل مع عناصر الفن رسما وحرفا حياكة وتنفيذا وأداء واشتغالا.
فقد تمكّنت بثينة ملحم من ابتكار صورها التشكيلية ومسارها التجريبي من خلال ذلك لتحوّل قلم الرصاص والدبابيس والخيوط إلى لغة تعبيرية مُمنهجة الأدوار ومُتقمّصة لذاتها في التفاعل مع الأرض والوطن المقسّم بدوره إلى قطع مختلفة يجمعها التاريخ والذاكرة وتفرّقها الجغرافيا.
بحثت ملحم في الأثواب القديمة وعاملتها معاملة الأرض فصّلتها بكل الخصوصية الجدلية وحاكتها بقصصها البصرية من خلال الخامة رسّخت فكرة الوطن برمزيات الثقافة الشعبية وظّفت القهوة والشاي لصباغة وتحرير اللون واعتمدت التوابل والزعتر مع الشمع والتراب لتحمل رائحة الأرض وحفظت الفكرة بخامتها في الصناديق الخشبية القديمة والدبابيس.
وقد وظّفتها لتثير تناقضاتها الحسية بين البقاء والفقد والفرح والحزن، في تضاريس من القماش عبّر عنها وعن وطنها فقد حمّلتها تلك التضاريس العامة وجع جغرافيا ممنوعة من تلال وبحر وأودية وأسوار وجدران حفرتها في ذاكرتها مقابل تضاريس صنعها الاحتلال من حواجز ومعابر وبيوت وخيم وحدود وقد شابكتها معا لتثيرها بين الوطن الكامل والوطن المشتهى بدبابيس وإبر وخيوط ملتفة وحكم مكتوبة بقلم الرصاص لتبدو كمرثيات صنعتها من تناقضات حسية بدقة جمالية وسرد رصد الانتظار والترقّب وهو يحيكه بين الأمل والألم.
إن اعتماد القماش والإبر والخيوط في حياكة الحكايات والمشاعر والمفاهيم حمل بثينة ملحم إلى عمق الأرض في الواقع والذاكرة بثقوبها التي اخترقت وجدان التذكر المتراكم في التفاصيل التي دفعتها للاشتغال على مفاهيم حتى تخلق لها وطنا متكاملا من خلال رؤاها الفنية التي سعت لحياكته وخياطته بكل ما فيه لتكتمل به بعيدا عن القسوة العامة للواقع وهو ما دفعها أكثر للبحث في الأرض من خلال ذاتها أولا.
ولعل العمل المفاهيمي على فكرة الحياكة والقماش لبثينة ملحم يختلف من حيث التوظيفات المادية والخامة عن تصور سوزان كلوتز ولكنه يتشابك في الأثر الملموس التوجّه المفاهيمي الإحساس بالانتماء التفاعل مع القضايا الإنسانية في فكرة الأرض والهوية الفلسطينية في تلك الإبر التي تستدرج تطريز الهوية بالذاكرة بألوان وقصص وتفاصيل وملامح فقد حملت هذه الهوية روح الفكرة لدى سوزان كلوتز لتكون أبعد في الأرض من حيث النظر إليها كأرض مقدّسة إلى حدّ اعتبارها أرضا للإنسانية.
فقد حملت نفسها إلى عمق ذاكرة المخيم لتتشظى بتفصيلها مع كل من اشتغلوا معها على التطريز الذي عبّر عن رؤى المفاتيح السبعة في مشروعها المفاهيمي على القماش فالمفتاح يحيل على أرض المسكن والوطن البيت مفتاح يستردّ ذاكرة التهجير وخصوصيات الأمل بالعودة المفتاح باب على الشرق بصوره الجديدة والمفتاح منفذ للتثاقف بين جغرافيا الشرق الغرب.
تركّز كلوتز على القماش بوصفه مساحة قادرة على أن تثبّت فكرة الأرض المقدّسة بثلاثية الديانات وتعايش الإنسانية حيث تنقد من خلال أعمالها سياسة بلادها وتتفاعل مع الإنسانية جماليا كما تركّز على المعتقد والطقوس بوصفها تجتمع على الكيان المتكامل للإنسان في تعايشها وحريته وحضوره، فهي تستجمع العفوية في علامات الخامة فبين الأقمشة الممزّقة عبّرت عن الصراع عن الدموية عن اللاعدالة وهي تجرّد الحق وتساوم على الإنسانية بالظلم.
إن الصور التي وظّفتها بثينة ملحم في المنجز حملتها من ذاكرتها ومعايشاتها حاكتها وجرّدتها وشرحتها في منجزها أما التي وظّفتها سوزان كلوتز فقد انطلقت فيها من مرفق ما جمعته في بحثها ورحلاتها الى الشرق لتكون دليلها ودلالتها لفتح أفقا بين الشرق والغرب فكلا التجربتين نبعتا من واقع حقيقي ورغبة جمالية في التفاعل مع الواقع والحق والإنسانية والانتماء لها.