منى عز الدين التجريب والتعبيرية تفاصيل لتصوراتها البصرية المعاصرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منى عز الدين التجريب والتعبيرية تفاصيل لتصوراتها البصرية المعاصرة

    منى عز الدين التجريب والتعبيرية تفاصيل لتصوراتها البصرية المعاصرة

    بشرى بن فاطمة


    تعدّ التعبيرية تصورا فنيا حداثيا له تأثيراته المؤثّرة على عدّة أوساط وتحوّلات فهي كمسار تجريبي عرفت الكثير من الاندماج الفكري والبصري والمشهدي الذي تفاعلت معه التجارب واندمجت من خلاله لتصنع بصمتها.

    ومن بينها التجارب العربية التي استطاعت أن تخلق لذاتها حسيات ومواقف انطلقت من الواقع ولامست الذهني من خلال كل تداعيات المشاعر وهو ما جعلها تبدو عميقة ومبعّرة مهمة ومختلفة من حيث مدى التقاط العلامة التي تنوعت فكريا بصريا وتراثيا من حيث درجة مواكبة التصور البحثي في خلق البصمة الحسية الخاصة وهو ما خاضت في تفاصيله التشكيلية اللبنانية منى عز الدين.







    حيث بدأت فكرة التعبيرية من خلال المواكبة الذاتية والتفاعلات الواقعية والتصوّر المتصل بذلك الواقع وأحداثه خاصة وأنها عبّرت عنه من خلال معايشة أحداثه فلامست ماورائياته وواكبت الفكرة التي من خلالها ابتكرت صورها وحاولت أن تتفرّد في أسسها التعبيرية فتمادت في تمثيلها وهي تلاحق بها الأحداث بين تصعيد وهدوء وبين حكمة وفوضى.







    فهي ردة فعل بحثت فيها عز الدين جماليا بالنبش في التراث العربي والأدب القديم وملاحقة أبطاله التي كانت تتخذ شكل الحيوان وتستدل من خلاله على المواقف التي تتناسب ولغة التشكيل والتصورات التعبيرية كما وظّفها ابن المقفع في كتاب كليلة ودمنة، فهي بفرشاتها طوّعتها في أدوار مختلفة ستدرجت بها لغة العصر وأحداثه، فقد أزاحت القلق بالحبكة والسرد البصري لتصل مرحلة النضج المتقنة والتنفيذ المُحكم.







    لتستجمع منى عز الدين مشاهدها بانسجام مُحكم في حركة الفرشاة التي تتلاحق وتندمج وهي تركّب اللون من الانفعال وتخترق الفراغ بالحركة في تأملات التسطيح وهو يتعمّق ليهب المساحة فضاء أرحب تستثيره من الزوايا وتلتقط به الانفعالات الحسية فتحوّل الشكل حسب الحالات لتضيفها إلى الملامح.

    وهنا لا تكتف منى عز الدين بالتعبيرية بل تتجاوزها رغم أنها تنطلق منها إلا أنها تستدرجها لتفهم بها ومعها معاني الفعل التشكيلي وتمازج المفهوم.

    فمحاكاة التعبيرية تختلق تراكمات فيها من السوداوية ما يحمّل العمل بعدا نفسيا أو تحليلا داخليا مبالغا في تطرفه الحسي المحبط فلا تكتفي عز الدين بالتعبيرية ولا تقف عندها بقدر ما تدمجها معها في تصوراتها الفكرية والذهنية لتعطيها خصوصيتها الذاتية الفهمية والحسية والفكرية من حيث الالتقاط والابتكار والتماهي مع العناصر وتشتيتها وانضاجها لتكبر معها كعناصر حيوية بتوافق بين الطبيعة والانسان والحيوان حيث جسّدت حكايات الحيوان بالأنسنة التي سردت وقائع بلورتها الخطوط والألوان وجسدتها الانفعالات.







    قد يبدو التقاط المشهد من قبل منى عز الدين هادئا في التوظيف واللون والعلامة وهو ما يتشابه فيه أغلب التعبيريين الذين خيّروا شحن مواقفهم الحسية في البود المعتم أو الهدوء الصاخب ولكن ما ميّز منى أن أسلوبها كان حيويا وقادرا على استدراج الصورة إلى العمق المفاهيمي من الدلالة المقصدية إلى التوظيف، من خلال الخامة والأسلوب والتقنية والإنجاز، على مستوى عالي الحركة حيوي التفعيل، فمساحة الصمت ليست بذلك الهدوء الذي يُرى بقدر ما هي صاخبة معنويا، وهو ما خلق التوازن أمام ثقل المحتوى وتماسه الحسي الذي استنطق من المشهد العناصر والحسيات والإيماء والعلامة.

    فهي تجيد تحميل العمل خطوطه التعبيرية الواضحة القادرة على قلب موازين الواقع والتصرف فيه وفق الإحساس والحساسية التي تختلط فيها الفكرة مع المشاعر لتتبلور مع المنجز في تفصيله النهائي.

    تختار منى عز الدين العمق لتغوص في الفكرة وتحاور المفهوم فهي لا تكرّر نفسها عند كل عمل بقدر ما تعيد النظر إلى إحساسها وانتمائها لجغرافيا اللوحة تأخذ وقتها وتتأنى لتُقبل مجدّدا على اللون بخلق محاورات معه لتستدرجه لسرد بصريات ناطقة.







    تحيك منى عز الدين أعمالها بأسلوبها العفوي لتضفي داخله البصمة المجدّدة للتعبيرية التي تنتهجها فهي تجيد تحويل العمل من نفسياته الداكنة إلى اشراقه المحاكي لبساطة الحكاية وقربها البهيج والمثير بنضج الحكمة في ثناياه وهو ما يضفي على أعمالها محاكاة داخلية بين البدايات والنهايات وبين القصص المتداخلة.







    تستحضر منى عز الدين خيالها الفني لتغمسه في فعل داخلي بين لون ولون تستبطن الموقف وتثري الحكايا التي تخلق لغة بصرية بينها وبين المتلقي، تبنيها عز الدين بين العبث والحركة والسكون، بالترابط الذي يسكن التعبيرية وهي تحاول تفسير انتمائها للحالة.

    فتجميع الألوان بين الباردة والحارة ليس مجرد تفاعل لوني قادر على خلق التوجه الحسي وإنما تراكم وكثافة وتفكيك وتشعّب من شأنه أن يبعث على التواصل بين العمل والمتلقي وبين المتلقي والفنان حيث التعابير تستبطن مكامن المنجز وحيث التفاعل بين الضوء واللون والظل والخط والتسطيح والعمق مكّنها من أن تخلق بينه وبين المفاهيم تعابير انفعالية تجاوزت وعيها لتتبصر ذاتها.
يعمل...
X