الدمشقيات الأربعة تصورات فنية تعبيرية برؤى أنثوية المفاهيم
بشرى بن فاطمة
شكّلت الفترة الحديثة والمعاصرة الكثير من التغييرات على مستوى الفكر والتأمل والبصريات والتصورات الفنية وبالخصوص المدرسة التعبيرية التي خاضت في الفن كتيار ناضج إنسانيا وتفرّعت عنه لتثير المفاهيم وفق التجريب المتفرّد ووفق المواقف المتنوعة بصريا فنيا فكريا ونفسيا، انطلاقا من كل التوافقات الحسية والذهنية الفردية والجماعية التي فكّكت تلك المواقف وانتصرت للقرارات الجمالية.
وقد تحمّلت المرأة مع هذا التيار الفني البصري عوالمها وتطلّعاتها وانحداراتها الذهنية والحسية وتجاذبات مواقفها من وجودها العام وتأملاتها الخاصة التي اتبعت فيها كل التطوّر بصمت وصخب وأحلام واقعية التأثير عميقة التأثّر بين العام والخاص.
فقد شهدت النساء تحوّل مكانتهن في عوالم الفن التشكيلي من حضور حرفي تصويري تمثيلي وتجسيدي وإيروتيكي التجسد في الأعمال الفنية العامة، نحو التحوّل الذاتي المتفرّد لها بثبات ساعدها على صناعة تعبيرها الذاتي، فكان لها أثرها وتأثيرها على تاريخ الفن في إثبات جدارتها التعبيرية والتشكيلية والابتكارية.
لذلك فإن الكتابة عن التجارب النسائية تعدّ انتصارا حقيقيا للفن نفسه وبحثا عميقا في كل جوانب وزوايا التصور البصري للوجود الإنساني من وجهة نظر مختلفة وبزوايا لها انعكاساتها المُشرقة كانت لها أهميتها في تاريخ الفنون التشكيلية.
وفي التجربة العربية كان حضور المرأة في التصورات التعبيرية المعاصرة بالخصوص يعدّ بحثا تكامليّ التوافقات والتمازج والبحث والندية بكونه انعكاسا للنضج وثقة الحضور وكثافة التعبير وعمق المفاهيم والتماهي المتماسك بين الفكرة وتأملاتها البصرية ما أهّلها للخوض في كل الوسائط واعتماد الخامات والمدارس والتيارات والتجريب المتفرّد حسيا وفكريا لكل المواقف والتأملات.
فالتجارب التي اجتمعت على قضية إنسانية وعلى فكرة وحلم واستمرارية حياة مستفزّة للبحث والتعمق والاطلاع لتقع على تصورات جديدة في عالم “الدمشقيات الأربعة”، هذا العالم الذي يرشح بألوان وتداخلات وحسيّات حملتها كل من هبة إبراهيم، داليا دبوس، سلافة معروف وجيهان القطان، لتكوّن نضجا ورحلة ومرحلة استطاعت أن تستدرج المتلقي إليها لمعرفتها والاقتراب منها ومحاولة فهم خصوصيات كل منها.
وقد اجتمعت الدمشقيات الأربعة على مشروع “مدينة الخيم” هذا المشروع الدولي الذي ينفّذه متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية والذي يتكامل ويتمازج بين الفنون والابتكار وبين الإنسانية وفكرة الوطن الخيمة وانعكاسات الحروب والشتات على الواقع العام لفكرة الأمان والأرض والوطن فبين الهجرة والتهجير والترحيل والاقتلاع تتكامل الصور لتصنع مواقف يحاول أكثر من 100 فنان تشكيلي من مختلف دول العالم تجسيدها ومن بينهم الدمشقيات الأربعة.
تبدو تصورات داليا دبوس في عمقها قريبة ومختلفة ومشرقة بفكرة البقاء والحياة من خلال التكنيك والتوليف اللوني الحار حيث تحاكي فكرة هجرة الطيور والحيوانات التي تفعّل صورة الهجرة ومفاهيمها الإنسانية، فهي تبحث عن الأمان عن مقوّمات الحياة الطبيعية وهو أمر مشروع ويتناسق مع الطبيعة في تجدّدها وحيويّتها واختلافها الثري.
وبعد بحث مطوّل عن تقارب الفكرة الطبيعية مع فكرة التنقل الذي يشتّت فيه الانسان وتناقضات تلك المشاعر المبنية على الاقتلاع والخراب النفسي للذاكرة والتطلعات، عكست داليا فكرتها على القماش واسترجعت الذاكرة الحية في تناول التقنية والخامة وبحثت عن تداخلاتها الحسية وتوفيق الكتلة لمحاكاة الفراغات، فبأسلوبها ارتكزت على اللون وماهية ذلك اللون والتجاورات التفكيكية من خلاله.
انطلقت دبوس من فكرة السقف بتكثيف الصورة والتماهي مع الطيور المهاجرة لتنفّذها رمزيا للتعبير عن الحالات المتجانسة في فكرة الهجرة التي تفرضها الطبيعة والتي حوّلتها نحو الجدران لتعيد لها الهدوء والأمان والحياة التي ترفض بها ضمنيا فكرة الهجرة الاجبارية نتاج الحروب والجبروت والتسلط وكأنها تقول إن العلم والإنسانية والتقدّم والحضارات تقف عاجزة أمام فكرة التمازج والتناغم التي تعطيها الطبيعة بهدوء وتنظيم وتفاعل وانسجام فهي رمزيا تُناقض الواقع الإنساني في فكرة الهجرة التي تفرضها الصدامات والحروب.
*داليا دبوس
أما تصورات الفكرة والمفهوم البصري فقد صاغتها هبة إبراهيم وفق تعاملها مع امكانياتها الفنية فهي نحاتة وفنانة تشكيلية درست نحت ثلاث سنوات ثم تصوير زيتي في كلية الفنون الجميلة في دمشق، عملها بشركة للتصميم والإنتاج الفني أتاح لها التفرّد والتميّز في اختصاصها التصميم الرقمي والبرمجيات الفنية. حيث كان اجتماعها مع “الدمشقيات الأربعة توجها خاصا عميق البحث مكّنها من التعامل مع جسد الانسان وملامحه بالتعبيرية السريالية والتصورات المعاصرة للمفاهيم التعبيرية التي مكّنتها من التكامل مع رفيقاتها في صناعة المحتوى المتجانس للرمز الموقف والموقف الفني.
*هبة ابراهيم
وقد حاكت هبة إبراهيم العمق الداخلي للإنسان في مزيج لوني للحالات والمشاعر الواقع وما يفرزه من نفسيات ومن أحكام فقد مزجت التداخلات والمعايشات التي ترتقي عن الاحكام المسبقة والتصنيف، وهو ما فعّلته تقنيا باعتمادها ابتكارات جديدة على مستوى الرمز والعلامة والدلالة والمقصد العام لفكرة الحضارات وما فيها من زخرفيات وأيقونات وموتيفات شكّلت رقعة شطرنج حاولت من خلالها فرض سرد بصري عن التنقل الذي يشبه لعبة البقاء والقوة والذكاء والتعايش وهو ما يُبقي أو يلغي أو يُشتت أو يوحّد، فهي نقلة متماسكة على مستوى التجريب والتطوير استطاعت به فرض خصوصيتها، وأسلوبها الذي دمجت به اللون بشكل لم يتغلب على الهندسة العامة للفكرة أو العمل وهي حالة تطوير فني بالنسبة للفريق ككل لفرض التجريب والتنويع والتكامل.
تحمل جيهان القطان رؤاها أبعد من الصورة أعمق من التفاعل الرمزي مع كل فكرة تداخل بكثافة في تصوراتها فهي لا تقف عند أول منعرجات الحالات التي يستثيرها الوطن والشعور بالذات الفردية وتبادلها مع الآخر ومع الأرض كصورة وانفعال وذاكرة وهو ما يجعل أعمالها تقدّم محاورات تدور في فلك التساؤلات عن الأمان والتوازن عن الكون والوجود عن الانتماء والاستمرار في ظل معركة حسية ومعنوية تستنطق الفراغ وتثيره بحركة ليصبح أكثر انفعالا واندفاعا مع الأشكال والألوان والدوائر التي تستدرج العمق في حركة تعبّر عن عمق الفكرة من الوطن بين الثبات والشتات بين الاستقرار والفرار وبين التأقلم والعودة من خلال الهوية الثابتة في الرمز.
تبدو العلامات التي تحيل في تفاصيلها على الأسر من خلال الطيور والأقفاص والعمق الداخلي للأمكنة المغلقة والمعتمة والمتداخلة بين كل تلك العلامات التي تحاكي الأبعاد الضوئية وفق تفاصيل مفاهيم الفراغ بين الوهم والتسطيح وبين العمق قابلة لخلق تماس بين المسافة والزمن وبين الذاكرة والتذكّر تلك التي تصنع التفاصيل الأولية للمكان شكلا وحضورا واستمرارا وتفاعلا وتغييرا قادرا على صقل الحواس وتفعيلها لتحاكي بالزمن الأول والمكان الأول مختلف الأمكنة والأزمنة القادمة فكأنها بأسلوبها تصنع للمستقبل ذاكرة استباقية تنفلت عبرها بسرمدية وبإحساس يتسابق من أجل ترسيخ فكرة المكان مع مفاهيم الأمان.
تحاور الفنانة سلافة معروف بأسلوبها الهندسي المبتكر الأشكال بلغة صامتة وبصخب هادئ يتوازن بين تناقضاته ليحاكي البصريات في عمقها من حيث الإحساس والموقف والترتيب الأول الذي يستثير العين لتلتقط الإشارات الأولى للعمق، إنها لعبة الحواف التي تعيد بناء الذاكرة من حيث الحدّة والألوان المتناغمة معا والمنسجمة مع المساحة والمنطلقة مع الفراغ بحركية واضحة وبحضور ملفت.
فهي مرة توقّع العمق بالبياض ومرة تختار له المساحات الباردة وكأنها ضمنيا تضع للأشكال مواقف وللألوان الثابتة حضورا حتى تُبعد عن العمل الرتابة وتحوّل ذلك الصمت إلى تناغم حسي قادر على تطويع الأشكال.
تحمل سلافة معروف الخطوط والحواف الحادة للأشكال في كل الاتجاهات لتفرض الانعكاس وتخلق الحركة التي تغوص بالعمق وتحمل الفراغ إلى الزوايا وهي تلك المساحات التي تحرّر العمل من جموده وتخلق له تكاملات بين كل الأطراف التي تكوّن جدران الخيمة، فهي تفرض حضورا للذاكرة وموقفا داخليا للانتماء من خلال الشكل وتعبّر عن الشتات المتداخل من خلال تلك التقاطعات.
إن للدمشقيات الأربعة رؤى بصرية استطاعت أن تحاكي عمل كل فنانة وتفعّل من خلالها موقفها ونظرتها التي وان اختلفت في الأسلوب والتكنيك والتوليف بين الأشكال والحواس والأفكار إلا أنها تتفق على الإنسانية وحق الانسان في ضمان الأمان والاستقرار والتوافق مع الكون بحرية تضمن له كرامة الحياة.
بشرى بن فاطمة
شكّلت الفترة الحديثة والمعاصرة الكثير من التغييرات على مستوى الفكر والتأمل والبصريات والتصورات الفنية وبالخصوص المدرسة التعبيرية التي خاضت في الفن كتيار ناضج إنسانيا وتفرّعت عنه لتثير المفاهيم وفق التجريب المتفرّد ووفق المواقف المتنوعة بصريا فنيا فكريا ونفسيا، انطلاقا من كل التوافقات الحسية والذهنية الفردية والجماعية التي فكّكت تلك المواقف وانتصرت للقرارات الجمالية.
وقد تحمّلت المرأة مع هذا التيار الفني البصري عوالمها وتطلّعاتها وانحداراتها الذهنية والحسية وتجاذبات مواقفها من وجودها العام وتأملاتها الخاصة التي اتبعت فيها كل التطوّر بصمت وصخب وأحلام واقعية التأثير عميقة التأثّر بين العام والخاص.
فقد شهدت النساء تحوّل مكانتهن في عوالم الفن التشكيلي من حضور حرفي تصويري تمثيلي وتجسيدي وإيروتيكي التجسد في الأعمال الفنية العامة، نحو التحوّل الذاتي المتفرّد لها بثبات ساعدها على صناعة تعبيرها الذاتي، فكان لها أثرها وتأثيرها على تاريخ الفن في إثبات جدارتها التعبيرية والتشكيلية والابتكارية.
لذلك فإن الكتابة عن التجارب النسائية تعدّ انتصارا حقيقيا للفن نفسه وبحثا عميقا في كل جوانب وزوايا التصور البصري للوجود الإنساني من وجهة نظر مختلفة وبزوايا لها انعكاساتها المُشرقة كانت لها أهميتها في تاريخ الفنون التشكيلية.
وفي التجربة العربية كان حضور المرأة في التصورات التعبيرية المعاصرة بالخصوص يعدّ بحثا تكامليّ التوافقات والتمازج والبحث والندية بكونه انعكاسا للنضج وثقة الحضور وكثافة التعبير وعمق المفاهيم والتماهي المتماسك بين الفكرة وتأملاتها البصرية ما أهّلها للخوض في كل الوسائط واعتماد الخامات والمدارس والتيارات والتجريب المتفرّد حسيا وفكريا لكل المواقف والتأملات.
فالتجارب التي اجتمعت على قضية إنسانية وعلى فكرة وحلم واستمرارية حياة مستفزّة للبحث والتعمق والاطلاع لتقع على تصورات جديدة في عالم “الدمشقيات الأربعة”، هذا العالم الذي يرشح بألوان وتداخلات وحسيّات حملتها كل من هبة إبراهيم، داليا دبوس، سلافة معروف وجيهان القطان، لتكوّن نضجا ورحلة ومرحلة استطاعت أن تستدرج المتلقي إليها لمعرفتها والاقتراب منها ومحاولة فهم خصوصيات كل منها.
وقد اجتمعت الدمشقيات الأربعة على مشروع “مدينة الخيم” هذا المشروع الدولي الذي ينفّذه متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية والذي يتكامل ويتمازج بين الفنون والابتكار وبين الإنسانية وفكرة الوطن الخيمة وانعكاسات الحروب والشتات على الواقع العام لفكرة الأمان والأرض والوطن فبين الهجرة والتهجير والترحيل والاقتلاع تتكامل الصور لتصنع مواقف يحاول أكثر من 100 فنان تشكيلي من مختلف دول العالم تجسيدها ومن بينهم الدمشقيات الأربعة.
تبدو تصورات داليا دبوس في عمقها قريبة ومختلفة ومشرقة بفكرة البقاء والحياة من خلال التكنيك والتوليف اللوني الحار حيث تحاكي فكرة هجرة الطيور والحيوانات التي تفعّل صورة الهجرة ومفاهيمها الإنسانية، فهي تبحث عن الأمان عن مقوّمات الحياة الطبيعية وهو أمر مشروع ويتناسق مع الطبيعة في تجدّدها وحيويّتها واختلافها الثري.
وبعد بحث مطوّل عن تقارب الفكرة الطبيعية مع فكرة التنقل الذي يشتّت فيه الانسان وتناقضات تلك المشاعر المبنية على الاقتلاع والخراب النفسي للذاكرة والتطلعات، عكست داليا فكرتها على القماش واسترجعت الذاكرة الحية في تناول التقنية والخامة وبحثت عن تداخلاتها الحسية وتوفيق الكتلة لمحاكاة الفراغات، فبأسلوبها ارتكزت على اللون وماهية ذلك اللون والتجاورات التفكيكية من خلاله.
انطلقت دبوس من فكرة السقف بتكثيف الصورة والتماهي مع الطيور المهاجرة لتنفّذها رمزيا للتعبير عن الحالات المتجانسة في فكرة الهجرة التي تفرضها الطبيعة والتي حوّلتها نحو الجدران لتعيد لها الهدوء والأمان والحياة التي ترفض بها ضمنيا فكرة الهجرة الاجبارية نتاج الحروب والجبروت والتسلط وكأنها تقول إن العلم والإنسانية والتقدّم والحضارات تقف عاجزة أمام فكرة التمازج والتناغم التي تعطيها الطبيعة بهدوء وتنظيم وتفاعل وانسجام فهي رمزيا تُناقض الواقع الإنساني في فكرة الهجرة التي تفرضها الصدامات والحروب.
*داليا دبوس
أما تصورات الفكرة والمفهوم البصري فقد صاغتها هبة إبراهيم وفق تعاملها مع امكانياتها الفنية فهي نحاتة وفنانة تشكيلية درست نحت ثلاث سنوات ثم تصوير زيتي في كلية الفنون الجميلة في دمشق، عملها بشركة للتصميم والإنتاج الفني أتاح لها التفرّد والتميّز في اختصاصها التصميم الرقمي والبرمجيات الفنية. حيث كان اجتماعها مع “الدمشقيات الأربعة توجها خاصا عميق البحث مكّنها من التعامل مع جسد الانسان وملامحه بالتعبيرية السريالية والتصورات المعاصرة للمفاهيم التعبيرية التي مكّنتها من التكامل مع رفيقاتها في صناعة المحتوى المتجانس للرمز الموقف والموقف الفني.
*هبة ابراهيم
وقد حاكت هبة إبراهيم العمق الداخلي للإنسان في مزيج لوني للحالات والمشاعر الواقع وما يفرزه من نفسيات ومن أحكام فقد مزجت التداخلات والمعايشات التي ترتقي عن الاحكام المسبقة والتصنيف، وهو ما فعّلته تقنيا باعتمادها ابتكارات جديدة على مستوى الرمز والعلامة والدلالة والمقصد العام لفكرة الحضارات وما فيها من زخرفيات وأيقونات وموتيفات شكّلت رقعة شطرنج حاولت من خلالها فرض سرد بصري عن التنقل الذي يشبه لعبة البقاء والقوة والذكاء والتعايش وهو ما يُبقي أو يلغي أو يُشتت أو يوحّد، فهي نقلة متماسكة على مستوى التجريب والتطوير استطاعت به فرض خصوصيتها، وأسلوبها الذي دمجت به اللون بشكل لم يتغلب على الهندسة العامة للفكرة أو العمل وهي حالة تطوير فني بالنسبة للفريق ككل لفرض التجريب والتنويع والتكامل.
تحمل جيهان القطان رؤاها أبعد من الصورة أعمق من التفاعل الرمزي مع كل فكرة تداخل بكثافة في تصوراتها فهي لا تقف عند أول منعرجات الحالات التي يستثيرها الوطن والشعور بالذات الفردية وتبادلها مع الآخر ومع الأرض كصورة وانفعال وذاكرة وهو ما يجعل أعمالها تقدّم محاورات تدور في فلك التساؤلات عن الأمان والتوازن عن الكون والوجود عن الانتماء والاستمرار في ظل معركة حسية ومعنوية تستنطق الفراغ وتثيره بحركة ليصبح أكثر انفعالا واندفاعا مع الأشكال والألوان والدوائر التي تستدرج العمق في حركة تعبّر عن عمق الفكرة من الوطن بين الثبات والشتات بين الاستقرار والفرار وبين التأقلم والعودة من خلال الهوية الثابتة في الرمز.
تبدو العلامات التي تحيل في تفاصيلها على الأسر من خلال الطيور والأقفاص والعمق الداخلي للأمكنة المغلقة والمعتمة والمتداخلة بين كل تلك العلامات التي تحاكي الأبعاد الضوئية وفق تفاصيل مفاهيم الفراغ بين الوهم والتسطيح وبين العمق قابلة لخلق تماس بين المسافة والزمن وبين الذاكرة والتذكّر تلك التي تصنع التفاصيل الأولية للمكان شكلا وحضورا واستمرارا وتفاعلا وتغييرا قادرا على صقل الحواس وتفعيلها لتحاكي بالزمن الأول والمكان الأول مختلف الأمكنة والأزمنة القادمة فكأنها بأسلوبها تصنع للمستقبل ذاكرة استباقية تنفلت عبرها بسرمدية وبإحساس يتسابق من أجل ترسيخ فكرة المكان مع مفاهيم الأمان.
تحاور الفنانة سلافة معروف بأسلوبها الهندسي المبتكر الأشكال بلغة صامتة وبصخب هادئ يتوازن بين تناقضاته ليحاكي البصريات في عمقها من حيث الإحساس والموقف والترتيب الأول الذي يستثير العين لتلتقط الإشارات الأولى للعمق، إنها لعبة الحواف التي تعيد بناء الذاكرة من حيث الحدّة والألوان المتناغمة معا والمنسجمة مع المساحة والمنطلقة مع الفراغ بحركية واضحة وبحضور ملفت.
فهي مرة توقّع العمق بالبياض ومرة تختار له المساحات الباردة وكأنها ضمنيا تضع للأشكال مواقف وللألوان الثابتة حضورا حتى تُبعد عن العمل الرتابة وتحوّل ذلك الصمت إلى تناغم حسي قادر على تطويع الأشكال.
تحمل سلافة معروف الخطوط والحواف الحادة للأشكال في كل الاتجاهات لتفرض الانعكاس وتخلق الحركة التي تغوص بالعمق وتحمل الفراغ إلى الزوايا وهي تلك المساحات التي تحرّر العمل من جموده وتخلق له تكاملات بين كل الأطراف التي تكوّن جدران الخيمة، فهي تفرض حضورا للذاكرة وموقفا داخليا للانتماء من خلال الشكل وتعبّر عن الشتات المتداخل من خلال تلك التقاطعات.
إن للدمشقيات الأربعة رؤى بصرية استطاعت أن تحاكي عمل كل فنانة وتفعّل من خلالها موقفها ونظرتها التي وان اختلفت في الأسلوب والتكنيك والتوليف بين الأشكال والحواس والأفكار إلا أنها تتفق على الإنسانية وحق الانسان في ضمان الأمان والاستقرار والتوافق مع الكون بحرية تضمن له كرامة الحياة.