الخيط العربي... زخارف هندسية منذ العصر الأموي
دمشق
"كل جديد يحيا لا بدّ أن يكون له قديم تأصل واستفاد منه"، مقولة يمكن الاستدلال بها على الموروث الثقافي الذي تزيّنت به البيوت الدمشقية العريقة ذات النقوش والزخارف المتفردة بخصائص منحتها العراقة والأصالة، ابتكرها الحرفيون الدمشقيون المهرة منذ القديم وأضافوا إليها حسب متطلبات العصر، ومن هذه الفنون فن "الخيط العربي" الذي يمثل أنموذجاً متميزاً للزخرفة الهندسية الإسلامية الموجودة في كل بيت دمشقي حتى أصبح موروثاً ثقافياً وحضارياً.
رحلة الخيط العربي
لم تكن فكرة الخيط العربي موجودة في عالم الفن، فهي نتاج حضارة كونت لنفسها مدرسة لا مثيل لها، وتتمثل فكرته في أن يمر خيط مستقيم من الخشب بانكسارات وتداخلات ليشكل في محتواه أشكالاً هندسية غاية في الروعة والإتقان أبدعها الفنانون والمهنيون منذ العصر الأموي على نوافذ وجدران المساجد والقصور القديمة، ومع ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي، أضاف الحرفيون الرسم الهندسي التناظري الزخرفي بطابع فريد ومميز، عرفت في بلاد الشام بالخيط العربي الذي اتصف برسوماته النافرة أو الغائرة الهندسية والنباتية على الخشب أثاثاً أو عمارة.
يؤكد الحرفي "ماهر الشامي" الذي امتهن هذه الحرفة منذ الصغر وما زالت ترافقه حتى الآن، أن الخيط العربي يعد واحداً من أهم فنون الحضارة الإسلامية، وقد حظي بالكثير من الابتكارات عبر عصورها المختلفة، تلك الابتكارات التي أضفت عليه الكثير من مظاهر الجمال والفن إلي جانب ما له من أبعاد وظيفية.
الحرفي ماهر شامي
هندسة وإبداع
أثاث منزلي بالخيط العربي
ويقول "الشامي" إن العمل بهذا الفن بدأ منذ صدر الإسلام، حيث نهى الإسلام عن رسم الأشخاص والحيوانات فابتكر الحرفيون تشكيلات هندسية متناظرة متنوعة ومتعددة الأقطاب، كالأعشرية والمثمنة والمسدسة والأربعطعشية وغيرها من الأشكال المعتمدة من حيث المبدأ على حفر الخشب لتبرُزَ على سطحه خطوطٌ هندسيةٌ نافرة، منها مفرغٌ وغير مفرغٍ تتصف بالكثير من الاتقان والدقة ارتقت إلى مصافي التحف الخالدة، وقد أضاف الحرفيون الدمشقيون على الحرفة وأدخلوا عليها الصدف والنقش والخيط المعشّق ضمن قواعد صارمة للعمل فيه، فالدائرة مثلاً يجري تلوينها بحيث يكون وسطها أحمرَ حصراً، ثم البرتقالي فالأخضر ثم الأصفر وأخيراً الأزرق، أما الأشكال المضلعة فتبدأ من المربع وتنتهي بالشكل ذي 18 ضلعاً، ليضيف للنوافذ والأبواب جماليةً وفناً راقياً، وقد ظهر التطور الأكبر لهذا الفن -حسب قول الحرفي- على يد الفنانين الدمشقيين الذين أبدعوا أشكالاً جديدة تبرز مهاراتهم عبر توليفة دمشقية خاصة، تشكل حرفة الخيط العربي بأناقته وجماليته ودقته.
الديكور الشرقي
ويتابع" الشامي" بالقول: "دخل فن الخيط العربي مجال الديكور والكسوة الداخلية للبيوت العصرية، وعرفت في أيامنا هذه باسم "الديكور الشرقي"، واستخدمت في بعض العمارات الحديثة لتزيين السقوف والنوافذ والأبواب، وعُمِلت من النوع المفرغ قطعٌ جميلةٌ كالثريات ومصابيح الحائط وزوايا البيوت وغيرها من الديكورات العصرية، حيث يقوم الحرفي بتشكيل الزخرفة الهندسية بقضبان خشبية من خشب الجوز أو الخشب الرومي حسب اللغة الدارجة، ولا يظهر إبداع وجمال الرسم الهندسي فيه إلا إذا زينت حشواته بالحفر الفاطمي أو النقش أو التصديف، كما يعمل الصناع والحرفيون المهرة علي التجديد المستمر تبعاً لمتطلبات العصر وبما يتناسب مع رغبة الزبون مع الحفاظ على عراقة الماضي".
أسقف دمشقيةخط ودهان
وخلال جولتنا في حارات دمشق القديمة التقينا الحرفي" ماهر بوظو" الذي امتهن الدهان الدمشقي (العجمي) بعمر التاسعة، وأكد من خلال حديثه أن كل فن دمشقي يكمل الآخر، وأنه كحرفي يكمل عمله بالدهان العجمي على ألواح الخشب الذي يعدها حرفيو الخيط العربي، فقد مزج الحرفيون بين الخيط العربي الهندسي والزخرفة النافرة أي (الدهان العجمي)، التي تعتمد على تغليف أسقف وجدران القاعات الشرقية بحشوات خشبية مرسومة ذات أشكال بديعة ومتناظرة من وحدات الزخرفة النباتية والهندسية، مضيفاً إن الزينة المصنوعة بهذه الطريقة تمتد إلى الأثاث نفسه، فتوضع المرايا خلف بعض هذه الحشوات المخرمة حيث يطلى الخشب بمادة (النباته)، وهي مادة مركبة من عدة عناصر معروفة ومتوفرة (الجبصين والاسبيداج والزنك والغراء والكثيرة)، ومواد تحسين أخرى معروفة تعدُّ من أسرار المهنة.
ويرى الحرفي أن هذا الفن تأثر بمدارس الزخرفة المتعددة ويمكن تحديد اتجاهين الأول شعبي تقليدي يعتمد الأساليب القديمة من حيث الألوان الأساسية كالأحمر والأزرق والأخضر والمذهّب، وإضافة المنمنمات الزخرفية وتكحيل وقطع الزخارف باللون الأسود بهدف التجسيم والإبهار، أما الاتجاه الثاني فيعتمد على الزخرفة الناعمة والنافرة من دون تكحيل بالأسود والاستفادة من التقنيات الحديثة ومشتقات الألوان الحديثة التي تناسب أذواق ديكور الكسوة الداخلية للبيوت العصرية.
والجدير بالذكر أنّ الخيط العربي من المهن القديمة وسمي بهذا الاسم لأنه عبارة عن خيوط متشابكة وتشكل مع بعضها بعضاً أشكالاً هندسية متناظرة.
- نجوى محمود
دمشق
"كل جديد يحيا لا بدّ أن يكون له قديم تأصل واستفاد منه"، مقولة يمكن الاستدلال بها على الموروث الثقافي الذي تزيّنت به البيوت الدمشقية العريقة ذات النقوش والزخارف المتفردة بخصائص منحتها العراقة والأصالة، ابتكرها الحرفيون الدمشقيون المهرة منذ القديم وأضافوا إليها حسب متطلبات العصر، ومن هذه الفنون فن "الخيط العربي" الذي يمثل أنموذجاً متميزاً للزخرفة الهندسية الإسلامية الموجودة في كل بيت دمشقي حتى أصبح موروثاً ثقافياً وحضارياً.
رحلة الخيط العربي
لم تكن فكرة الخيط العربي موجودة في عالم الفن، فهي نتاج حضارة كونت لنفسها مدرسة لا مثيل لها، وتتمثل فكرته في أن يمر خيط مستقيم من الخشب بانكسارات وتداخلات ليشكل في محتواه أشكالاً هندسية غاية في الروعة والإتقان أبدعها الفنانون والمهنيون منذ العصر الأموي على نوافذ وجدران المساجد والقصور القديمة، ومع ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في العصر العباسي، أضاف الحرفيون الرسم الهندسي التناظري الزخرفي بطابع فريد ومميز، عرفت في بلاد الشام بالخيط العربي الذي اتصف برسوماته النافرة أو الغائرة الهندسية والنباتية على الخشب أثاثاً أو عمارة.
يؤكد الحرفي "ماهر الشامي" الذي امتهن هذه الحرفة منذ الصغر وما زالت ترافقه حتى الآن، أن الخيط العربي يعد واحداً من أهم فنون الحضارة الإسلامية، وقد حظي بالكثير من الابتكارات عبر عصورها المختلفة، تلك الابتكارات التي أضفت عليه الكثير من مظاهر الجمال والفن إلي جانب ما له من أبعاد وظيفية.
الحرفي ماهر شامي
هندسة وإبداع
أثاث منزلي بالخيط العربي
ويقول "الشامي" إن العمل بهذا الفن بدأ منذ صدر الإسلام، حيث نهى الإسلام عن رسم الأشخاص والحيوانات فابتكر الحرفيون تشكيلات هندسية متناظرة متنوعة ومتعددة الأقطاب، كالأعشرية والمثمنة والمسدسة والأربعطعشية وغيرها من الأشكال المعتمدة من حيث المبدأ على حفر الخشب لتبرُزَ على سطحه خطوطٌ هندسيةٌ نافرة، منها مفرغٌ وغير مفرغٍ تتصف بالكثير من الاتقان والدقة ارتقت إلى مصافي التحف الخالدة، وقد أضاف الحرفيون الدمشقيون على الحرفة وأدخلوا عليها الصدف والنقش والخيط المعشّق ضمن قواعد صارمة للعمل فيه، فالدائرة مثلاً يجري تلوينها بحيث يكون وسطها أحمرَ حصراً، ثم البرتقالي فالأخضر ثم الأصفر وأخيراً الأزرق، أما الأشكال المضلعة فتبدأ من المربع وتنتهي بالشكل ذي 18 ضلعاً، ليضيف للنوافذ والأبواب جماليةً وفناً راقياً، وقد ظهر التطور الأكبر لهذا الفن -حسب قول الحرفي- على يد الفنانين الدمشقيين الذين أبدعوا أشكالاً جديدة تبرز مهاراتهم عبر توليفة دمشقية خاصة، تشكل حرفة الخيط العربي بأناقته وجماليته ودقته.
الديكور الشرقي
ويتابع" الشامي" بالقول: "دخل فن الخيط العربي مجال الديكور والكسوة الداخلية للبيوت العصرية، وعرفت في أيامنا هذه باسم "الديكور الشرقي"، واستخدمت في بعض العمارات الحديثة لتزيين السقوف والنوافذ والأبواب، وعُمِلت من النوع المفرغ قطعٌ جميلةٌ كالثريات ومصابيح الحائط وزوايا البيوت وغيرها من الديكورات العصرية، حيث يقوم الحرفي بتشكيل الزخرفة الهندسية بقضبان خشبية من خشب الجوز أو الخشب الرومي حسب اللغة الدارجة، ولا يظهر إبداع وجمال الرسم الهندسي فيه إلا إذا زينت حشواته بالحفر الفاطمي أو النقش أو التصديف، كما يعمل الصناع والحرفيون المهرة علي التجديد المستمر تبعاً لمتطلبات العصر وبما يتناسب مع رغبة الزبون مع الحفاظ على عراقة الماضي".
أسقف دمشقيةخط ودهان
وخلال جولتنا في حارات دمشق القديمة التقينا الحرفي" ماهر بوظو" الذي امتهن الدهان الدمشقي (العجمي) بعمر التاسعة، وأكد من خلال حديثه أن كل فن دمشقي يكمل الآخر، وأنه كحرفي يكمل عمله بالدهان العجمي على ألواح الخشب الذي يعدها حرفيو الخيط العربي، فقد مزج الحرفيون بين الخيط العربي الهندسي والزخرفة النافرة أي (الدهان العجمي)، التي تعتمد على تغليف أسقف وجدران القاعات الشرقية بحشوات خشبية مرسومة ذات أشكال بديعة ومتناظرة من وحدات الزخرفة النباتية والهندسية، مضيفاً إن الزينة المصنوعة بهذه الطريقة تمتد إلى الأثاث نفسه، فتوضع المرايا خلف بعض هذه الحشوات المخرمة حيث يطلى الخشب بمادة (النباته)، وهي مادة مركبة من عدة عناصر معروفة ومتوفرة (الجبصين والاسبيداج والزنك والغراء والكثيرة)، ومواد تحسين أخرى معروفة تعدُّ من أسرار المهنة.
ويرى الحرفي أن هذا الفن تأثر بمدارس الزخرفة المتعددة ويمكن تحديد اتجاهين الأول شعبي تقليدي يعتمد الأساليب القديمة من حيث الألوان الأساسية كالأحمر والأزرق والأخضر والمذهّب، وإضافة المنمنمات الزخرفية وتكحيل وقطع الزخارف باللون الأسود بهدف التجسيم والإبهار، أما الاتجاه الثاني فيعتمد على الزخرفة الناعمة والنافرة من دون تكحيل بالأسود والاستفادة من التقنيات الحديثة ومشتقات الألوان الحديثة التي تناسب أذواق ديكور الكسوة الداخلية للبيوت العصرية.
والجدير بالذكر أنّ الخيط العربي من المهن القديمة وسمي بهذا الاسم لأنه عبارة عن خيوط متشابكة وتشكل مع بعضها بعضاً أشكالاً هندسية متناظرة.