تخيل أنك جالس على متن قطار، تنظر من النافذة وترى قطارًا آخر يتحرك على مسار مجاور، هل توقف القطار الذي تركبه في أثناء حركة القطار الآخر، أم أنك تتحرك بينما القطار الآخر متوقف؟
قد تؤدي هذه التجربة الحسية (مشاهدة القطار) إلى إدراكين حسيّين مختلفين جدًا، ما يؤدي إلى الشعور بأنك تتحرك، أو بأنك ثابت والأشياء من حولك تتحرك.
يواجه دماغ الإنسان مثل هذه المداخلات الحسية الغامضة باستمرار، إذ تتبِع أدمغتنا نهجًا يُعرف بالاستدلال السببي، وذلك من أجل حل الغموض وإدراك المحيط بصورة صحيحة.
يُعد الاستدلال السببي مفتاحًا لسير عملية التعلم والاستنتاج واتخاذ القرارات. من ناحيةٍ أخرى، لا يملك الباحثون حاليًا سوى القليل من المعرفة عن الخلايا العصبية المشاركة في سير هذه العملية.
وصف الباحثون آلية عصبية جديدة تشارك في عملية الاستدلال السببي، الذي يساعد الدماغ على اكتشاف حركة الأجسام المحيطة في أثناء الحركة الذاتية. يقدّم البحث رؤىً جديدة حول كيفية تفسير الدماغ للمعلومات الحسية القادمة من محيطه، وقد يكون له تطبيقات في تصميم أجهزة الذكاء الاصطناعي وتطوير علاجات اضطرابات الدماغ.
وقد نشر المشاركون في البحث، غريغ دي أنجلس من جامعة روتشستر وزملاؤه من جامعة سونغ كيونكوان وجامعة نيويورك، ما توصلوا إليه في ورقة بحثية جديدة في مجلة eLife.
يقول دي أنجلس: «مع أننا فهمنا الكثير سابقًا حول كيفية معالجة الدماغ للحركة البصرية، فإن معظم الدراسات المخبرية للخلايا العصبية قد أهملت التعقيدات التي تضيفها الحركة الذاتية. في ظل الظروف الطبيعية، تُعد كيفية تحديد تحرك الأشياء في المحيط أصعب بالنسبة إلى الدماغ».
تخيل أسدًا ساكنًا رابضًا في انتظار فريسته، إن من السهل على الأسد أن يرصد غزالًا متحركًا. تمامًا مثل الأسد الساكن، عندما يكون المراقب ثابتًا، من السهل اكتشاف متى تتحرك الأشياء في المحيط، لأن الحركة في المحيط تُرتسم مباشرةً على شبكية العين.
لكن عندما يتحرك المراقب أيضًا، فإن عينيه تتلقيان الحركة من كل مكان على الشبكية وهو يتحرك بالنسبة للأشياء الموجودة في المشهد.
يؤدي هذا إلى نمط معقد من الحركة يصعّب على الدماغ اكتشاف: متى يتحرك جسمٌ ما؟ ومتى يكون ثابتًا؟ في هذه الحالة، يجب على الدماغ التمييز بين حركة الصورة التي تنتج عن حركة المراقب نفسه، وبين حركة الصورة الناتجة عن حركة الأشياء الأخرى حوله.
اكتشف الباحثون نوعًا من الخلايا العصبية في الدماغ يحتوي على مجموعة معينة من خصائص الاستجابة، ما يجعل العصبون مناسبًا تمامًا للمساهمة في مهمة التمييز بين الحركة الذاتية وحركة الأجسام الأخرى.
يقول دي أنجلس: «مع أن الدماغ يستخدم حيلًا متعددة لحل هذه المشكلة، فإن هذه الآلية الجديدة تتمتع بميزة مهمة، وهي إمكانية إجرائها بالتوازي مع كل منطقة موضعية من المجال البصري، وعلى هذا قد تكون أسرع في التنفيذ من العمليات الشاملة. قد تكون هذه الآلية قابلة للتطبيق أيضًا في المركبات ذاتية القيادة، التي تحتاج إلى اكتشاف الأجسام المتحركة بسرعة».
الكشف عن دارة معقدة من الخلايا العصبية
يتضمن الاستدلال السببي دارة معقدة من الخلايا العصبية، وآليات حسية أخرى غير مفهومة كليًا، إذ يقول دي أنجلس: «لأن الإدراك الحسي يعمل جيدًا في معظم الأوقات، فإننا نسلّم بمدى صعوبة المشكلة الحسابية».
في الواقع، إن الإشارات الحسية صاخبة وغير كاملة، إضافةً إلى وجود كثير من الأحداث المحتملة التي قد تحدث في المحيط ومن شأنها أن تنتج أنماطًا مماثلة من المداخلات الحسية.
فمثلًا، فيما يخص بقعة ضوئية تتحرك عبر شبكية العين، قد تكون المدخلات المرئية نفسها ناتجة عن مجموعة متنوعة من المواقف: فقد تنتج عن شيء يتحرك في المحيط، بينما يظل المشاهد ثابتًا، كأن يقف شخص ساكنًا عند النافذة ويراقب سيارة إسعاف متحركة بضوء وامض. قد يكون هذا الضوء ناتجًا عن مراقب متحرك يراقب جسمًا ثابتًا، أو عدّاء يميز عمود إنارة من مسافة معينة، أو قد ينتج عن الكثير من التركيبات المختلفة لحركة الجسم والحركة الذاتية والعمق.
يواجه الدماغ هنا مشكلة يصعب حلها، يجب أن يستنتج السبب الأكثر احتمالًا الذي تسبب في نمط الإشارات الحسية التي تلقاها. ويستطيع بعد ذلك استخلاص الاستنتاجات حول الموقف والتخطيط لأخذ الإجراءات المناسبة استجابةً لذلك.
بناءً على النتائج الأخيرة، واستخدام علم البيانات والتجارب المخبرية والنماذج المحوسبة والنظرية المعرفية، سيستمر دي أنجلس وهافنير وزملاؤهما في العمل لتحديد ماهية العصبونات المشاركة في سير العملية بدقة. هدفهم هو التعرّف على كيفية إحداث رؤية متسقة للواقع نتيجةً للتفاعلات بين أجزاء الدماغ التي تعالج المنبهات الحسية وأجزاء الدماغ التي تتخذ القرارات وتنظم الأفعال.
تطوير العلاجات والذكاء الاصطناعي
قد يساعد التعرف على كيفية استخدام الدماغ آلية الاستدلال السببي لفصل الحركة الذاتية عن حركة الأشياء في تصميم الذكاء الاصطناعي وأجهزة القيادة الذاتية.
يقول هافنير: «إن فهم كيفية استنتاج الدماغ للحركة الذاتية وحركة الأجسام، قد يزودنا بالإلهام لتحسين الخوارزميات الحالية لأجهزة القيادة الذاتية على الطائرات والسيارات ذاتية القيادة».
فيجب مثلًا أن تأخذ الدارات الكهربائية بالحسبان الحركة الذاتية للطائرة في الهواء مع تجنب حركة الطائرات من حولها.
قد يكون لهذه الدراسة تطبيقات مهمة أيضًا في تطوير علاجات الاضطرابات العصبية مثل التوحد والفصام، وهي حالات يُعتقد أن الاستدلال السببي فيها ضعيف.
يقول دي أنجلس: «في حين أن المشروع هو علم أساسي يركز على فهم الآليات الأساسية للاستدلال السببي، يجب أن تكون هذه المعرفة قابلة للتطبيق في النهاية لعلاج هذه الاضطرابات».
المصدر:.ibelieveinsci
قد تؤدي هذه التجربة الحسية (مشاهدة القطار) إلى إدراكين حسيّين مختلفين جدًا، ما يؤدي إلى الشعور بأنك تتحرك، أو بأنك ثابت والأشياء من حولك تتحرك.
يواجه دماغ الإنسان مثل هذه المداخلات الحسية الغامضة باستمرار، إذ تتبِع أدمغتنا نهجًا يُعرف بالاستدلال السببي، وذلك من أجل حل الغموض وإدراك المحيط بصورة صحيحة.
يُعد الاستدلال السببي مفتاحًا لسير عملية التعلم والاستنتاج واتخاذ القرارات. من ناحيةٍ أخرى، لا يملك الباحثون حاليًا سوى القليل من المعرفة عن الخلايا العصبية المشاركة في سير هذه العملية.
وصف الباحثون آلية عصبية جديدة تشارك في عملية الاستدلال السببي، الذي يساعد الدماغ على اكتشاف حركة الأجسام المحيطة في أثناء الحركة الذاتية. يقدّم البحث رؤىً جديدة حول كيفية تفسير الدماغ للمعلومات الحسية القادمة من محيطه، وقد يكون له تطبيقات في تصميم أجهزة الذكاء الاصطناعي وتطوير علاجات اضطرابات الدماغ.
وقد نشر المشاركون في البحث، غريغ دي أنجلس من جامعة روتشستر وزملاؤه من جامعة سونغ كيونكوان وجامعة نيويورك، ما توصلوا إليه في ورقة بحثية جديدة في مجلة eLife.
يقول دي أنجلس: «مع أننا فهمنا الكثير سابقًا حول كيفية معالجة الدماغ للحركة البصرية، فإن معظم الدراسات المخبرية للخلايا العصبية قد أهملت التعقيدات التي تضيفها الحركة الذاتية. في ظل الظروف الطبيعية، تُعد كيفية تحديد تحرك الأشياء في المحيط أصعب بالنسبة إلى الدماغ».
تخيل أسدًا ساكنًا رابضًا في انتظار فريسته، إن من السهل على الأسد أن يرصد غزالًا متحركًا. تمامًا مثل الأسد الساكن، عندما يكون المراقب ثابتًا، من السهل اكتشاف متى تتحرك الأشياء في المحيط، لأن الحركة في المحيط تُرتسم مباشرةً على شبكية العين.
لكن عندما يتحرك المراقب أيضًا، فإن عينيه تتلقيان الحركة من كل مكان على الشبكية وهو يتحرك بالنسبة للأشياء الموجودة في المشهد.
يؤدي هذا إلى نمط معقد من الحركة يصعّب على الدماغ اكتشاف: متى يتحرك جسمٌ ما؟ ومتى يكون ثابتًا؟ في هذه الحالة، يجب على الدماغ التمييز بين حركة الصورة التي تنتج عن حركة المراقب نفسه، وبين حركة الصورة الناتجة عن حركة الأشياء الأخرى حوله.
اكتشف الباحثون نوعًا من الخلايا العصبية في الدماغ يحتوي على مجموعة معينة من خصائص الاستجابة، ما يجعل العصبون مناسبًا تمامًا للمساهمة في مهمة التمييز بين الحركة الذاتية وحركة الأجسام الأخرى.
يقول دي أنجلس: «مع أن الدماغ يستخدم حيلًا متعددة لحل هذه المشكلة، فإن هذه الآلية الجديدة تتمتع بميزة مهمة، وهي إمكانية إجرائها بالتوازي مع كل منطقة موضعية من المجال البصري، وعلى هذا قد تكون أسرع في التنفيذ من العمليات الشاملة. قد تكون هذه الآلية قابلة للتطبيق أيضًا في المركبات ذاتية القيادة، التي تحتاج إلى اكتشاف الأجسام المتحركة بسرعة».
الكشف عن دارة معقدة من الخلايا العصبية
يتضمن الاستدلال السببي دارة معقدة من الخلايا العصبية، وآليات حسية أخرى غير مفهومة كليًا، إذ يقول دي أنجلس: «لأن الإدراك الحسي يعمل جيدًا في معظم الأوقات، فإننا نسلّم بمدى صعوبة المشكلة الحسابية».
في الواقع، إن الإشارات الحسية صاخبة وغير كاملة، إضافةً إلى وجود كثير من الأحداث المحتملة التي قد تحدث في المحيط ومن شأنها أن تنتج أنماطًا مماثلة من المداخلات الحسية.
فمثلًا، فيما يخص بقعة ضوئية تتحرك عبر شبكية العين، قد تكون المدخلات المرئية نفسها ناتجة عن مجموعة متنوعة من المواقف: فقد تنتج عن شيء يتحرك في المحيط، بينما يظل المشاهد ثابتًا، كأن يقف شخص ساكنًا عند النافذة ويراقب سيارة إسعاف متحركة بضوء وامض. قد يكون هذا الضوء ناتجًا عن مراقب متحرك يراقب جسمًا ثابتًا، أو عدّاء يميز عمود إنارة من مسافة معينة، أو قد ينتج عن الكثير من التركيبات المختلفة لحركة الجسم والحركة الذاتية والعمق.
يواجه الدماغ هنا مشكلة يصعب حلها، يجب أن يستنتج السبب الأكثر احتمالًا الذي تسبب في نمط الإشارات الحسية التي تلقاها. ويستطيع بعد ذلك استخلاص الاستنتاجات حول الموقف والتخطيط لأخذ الإجراءات المناسبة استجابةً لذلك.
بناءً على النتائج الأخيرة، واستخدام علم البيانات والتجارب المخبرية والنماذج المحوسبة والنظرية المعرفية، سيستمر دي أنجلس وهافنير وزملاؤهما في العمل لتحديد ماهية العصبونات المشاركة في سير العملية بدقة. هدفهم هو التعرّف على كيفية إحداث رؤية متسقة للواقع نتيجةً للتفاعلات بين أجزاء الدماغ التي تعالج المنبهات الحسية وأجزاء الدماغ التي تتخذ القرارات وتنظم الأفعال.
تطوير العلاجات والذكاء الاصطناعي
قد يساعد التعرف على كيفية استخدام الدماغ آلية الاستدلال السببي لفصل الحركة الذاتية عن حركة الأشياء في تصميم الذكاء الاصطناعي وأجهزة القيادة الذاتية.
يقول هافنير: «إن فهم كيفية استنتاج الدماغ للحركة الذاتية وحركة الأجسام، قد يزودنا بالإلهام لتحسين الخوارزميات الحالية لأجهزة القيادة الذاتية على الطائرات والسيارات ذاتية القيادة».
فيجب مثلًا أن تأخذ الدارات الكهربائية بالحسبان الحركة الذاتية للطائرة في الهواء مع تجنب حركة الطائرات من حولها.
قد يكون لهذه الدراسة تطبيقات مهمة أيضًا في تطوير علاجات الاضطرابات العصبية مثل التوحد والفصام، وهي حالات يُعتقد أن الاستدلال السببي فيها ضعيف.
يقول دي أنجلس: «في حين أن المشروع هو علم أساسي يركز على فهم الآليات الأساسية للاستدلال السببي، يجب أن تكون هذه المعرفة قابلة للتطبيق في النهاية لعلاج هذه الاضطرابات».
المصدر:.ibelieveinsci