يواجه معظمنا صعوبةً في إبقاء الأفكار غير المرغوبة تحت السيطرة، ولكن أوضحت دراسة جديدة نهجًا نستطيع الاعتماد عليه جميعًا للتقليل من تطفل هذه الأفكار على الذهن.
ركّز باحثو الدراسة اهتمامهم على الفروقات بين التحكم التفاعلي (Reactive Control) والتحكم الاستباقي (Proactive Control) في الأفكار. يشير التحكم التفاعلي في الأفكار إلى محاولة صد الأفكار غير المرغوبة أو كبحها عندما تتبادر إلى الذهن، بينما يعني التحكم الاستباقي محاولة إيقاف الأفكار غير المرغوبة قبل وصولها إلى العقل الواعي من الأصل.
فلنستعن بمعضلة الدب القطبي الشهيرة لتوضيح الفكرة، إذ تشير إلى ظاهرة هوس التفكير غير المتعمد في أمر ما، فعندما يطلب منك شخص ما مثلًا عدم التفكير في الدب القطبي، ستفكر حتمًا في الدب بصرف النظر عن طلب الشخص. وفي هذه الحالة، بوسعنا الاستجابة إلى الموقف بمحاولة تشتيت انتباهنا عن التفكير في الدب القطبي كلما يتبادر إلى ذهننا، وهذا ما يُعرَف بالتحكم التفاعلي.
في المقابل، أشارت دراسات سابقة إلى أن أدمغتنا قادرة أيضًا على إيقاف الأفكار عن الوصول إلى عقلنا الواعي؛ أي قبل أن نحتاج إلى صرف انتباهنا عنها، وتُعرَف الاستجابة من هذا النوع بالتحكم الاستباقي.
غير أن العلماء يجهلون طريقة عمل التحكم الاستباقي في أدمغتنا، بل إنهم ليسوا متأكدين من حقيقة حدوثه من الأساس، ويرجع ذلك على الأغلب إلى صعوبة دراسته؛ لذا قرر باحثو هذه الدراسة تبسيط العملية بإجراء تجربة دراستهم على لعبة الكلمات المترابطة.
بعد تجربة لعبة الكلمات المترابطة في دراستهم، وجد الباحثون أن معظم الأشخاص يعتمدون على التحكم التفاعلي في الأفكار، ولكن كشفت البيانات أنه من الممكن أيضًا إضعاف الروابط بين أفكار محددة عند التركيز على ذلك.
يقول الباحثون: «قد يسبب التحكم التفاعلي من هذا النوع تحديدًا المشكلات، إذ تؤكد نتائجنا أن الأفكار ذاتية التعزيز، أي أن التفكير في فكرة معينة يعزز ثباتها في الذاكرة ويزيد احتمالية تكرارها في المستقبل … بالأحرى، وجدنا أنه عندما يكبح المشاركون في اللعبة فكرةً لكلمة غير مرغوبة بالتحكم التفاعلي، يزيد ذلك من احتمالية تعزيز قوة الفكرة، ولكن وجدنا كذلك أنهم قادرون على استباق هذه العملية جزئيًا لضمان تقليل وتيرة تبادر الفكرة إلى ذهنهم قدر الإمكان».
شارك في التجربة 80 متطوعًا، ولم يستخدم الباحثون سوى بيانات نصف المتطوعين في الدراسة.
خلال التجربة، قدم الباحثون 60 كلمة شائعة إلى المتطوعين، ثم طلبوا منهم أن يأتوا بكلمات ذات صلة كلما تظهر إحدى تلك الكلمات الشائعة على الشاشة، وقد عُرِضت كل كلمة خمس مرات عشوائيًا.
قبل البدء في التجربة، قسّم الباحثون المتطوعين إلى مجموعتين، ثم أخبروا المشاركين في المجموعة الأولى أنهم لن يحصلوا على مكافأة مالية إذا كرروا استخدام أي كلمة في اللعبة، بينما لم يتلقَّ المشاركون في المجموعة الثانية أي تعليمات كهذه.
في حالة المجموعة الأولى، إذا ربط المشاركون كلمة طاولة مع كلمة كرسي، تصبح كلمة كرسي بعد ذلك فكرةً غير مرغوبة، ويجب على المشارك إيجاد كلمة أخرى ذات صلة بكلمة طاولة عند ظهورها مجددًا على الشاشة حتى وإن كانت الكلمة الأولى التي تتبادر إلى ذهنهم هي كلمة كرسي.
استخدم الباحثون نموذجًا حسابيًا لتحليل أوقات ردود فعل المشاركين واستجاباتهم، وتوصلوا إلى أن المتطوعين الذين حاولوا اجتناب تكرار الكلمة كانوا غالبًا يفكرون في الكلمات التي استخدموها سابقًا ثم يحاولون كبحها، ما يعني أن نوع التحكم لديهم كان تفاعليًا وليس استباقيًا.
شكل يوضح: (أ) التحكم التفاعلي التام في الأفكار، (ب) التحكم الاستباقي التام في الأفكار، (ج-هـ) ثلاث آليات للتحكم الاستباقي الكامن. تبين التجارب في الجانب الأيمن من كل صف اجتناب التفكير في الكلمة المستخدمة مسبقًا لصالح كلمة جديدة (اجتناب كلمة كرسي في الصفوف أ وب وج، وكلمتي كرسي وأكل في الصفين د وهـ).
يمثل سمك الخطوط قوة الروابط بين الكلمات. تمثل الخطوط المتقطعة الروابط المحتملة، بينما تمثل الخطوط المستمرة الكلمات التي يركز المشارك عليها. حُددت الكلمات التي يقع عليها اختيار المشارك في النهاية باللون الأزرق. أُبرزَت الأفكار الأخرى ذات الصلة باللون الأصفر مع دوائر حمراء تدل على رفض الفكرة والتفكير في كلمة بديلة، أو دوائر خضراء تدل على قبول الفكرة واختيار الكلمة.
بيد أنه بعد التمعن في النتائج، وجد الباحثون أن الفروقات بين المجموعتين تشير إلى أن أفراد المجموعة الذين كانوا يحاولون اجتناب تكرار الكلمات نجحوا في ذلك إلى حد ما، وذلك باعتمادهم على نوع من التحكم الاستباقي؛ إذ إن المشاركين في هذه المجموعة لم يُحصَر تفكيرهم في دوامة الكلمات المكررة ذاتها مرةً تلو الأخرى.
يقول عالم النفس آيزاك فرادكن من جامعة القدس في فلسطين المحتلة: «على الرغم من عجز المشاركين على اجتناب الأفكار غير المرغوبة، فإنهم استطاعوا ضمان أن التفكير في فكرة غير مرغوبة لا يؤدي إلى زيادة احتمالية تبادرها إلى الذهن مجددًا».
بالوسع تطبيق نتائج الدراسة عن الكلمات المكررة على الأفكار غير المرغوبة الأخرى عمومًا، مثل الذكريات الأليمة عن الانفصال العاطفي؛ إذ قد نتمكن من تدريب أنفسنا استباقيًا على منع تعزيز تلك الأفكار أو خروجها عن السيطرة في كل مرة تعود إلى عقلنا الواعي.
للأسف لم تقدم هذه الدراسة أي إرشادات عن كيفية تدريب أدمغتنا لتنتقل من التحكم التفاعلي إلى الاستباقي في الأفكار، إذ إن النتائج لا تشير سوى إلى إمكانية حدوث ذلك إلى حد ما عندما نحاول التحكم في أفكارنا عمدًا.
لم يستخدم باحثو الدراسة في تجربتهم سوى الكلمات المحايدة، عوضًا عن الأفكار غير المرغوبة المزعجة أو المتعلقة بأي نوع من المشكلات النفسية، وهذا هو المسار الذي يجب أن تسلكه البحوث القادمة، لعلها تتوصل إلى نهج علاجية جديدة متنوعة في المستقبل.
يقول فرادكن: «في حين أن التركيز في دراستنا الحالية انصب على إيجاد روابط بين كلمات محايدة، فإنه يجب على الدراسات المستقبلية أن تحدد إمكانية تعميم نتائجنا على الأفكار غير المرغوبة السلبية أو الأفكار ذات الأهمية الشخصية».
المصدر:.ibelieveinsci
ركّز باحثو الدراسة اهتمامهم على الفروقات بين التحكم التفاعلي (Reactive Control) والتحكم الاستباقي (Proactive Control) في الأفكار. يشير التحكم التفاعلي في الأفكار إلى محاولة صد الأفكار غير المرغوبة أو كبحها عندما تتبادر إلى الذهن، بينما يعني التحكم الاستباقي محاولة إيقاف الأفكار غير المرغوبة قبل وصولها إلى العقل الواعي من الأصل.
فلنستعن بمعضلة الدب القطبي الشهيرة لتوضيح الفكرة، إذ تشير إلى ظاهرة هوس التفكير غير المتعمد في أمر ما، فعندما يطلب منك شخص ما مثلًا عدم التفكير في الدب القطبي، ستفكر حتمًا في الدب بصرف النظر عن طلب الشخص. وفي هذه الحالة، بوسعنا الاستجابة إلى الموقف بمحاولة تشتيت انتباهنا عن التفكير في الدب القطبي كلما يتبادر إلى ذهننا، وهذا ما يُعرَف بالتحكم التفاعلي.
في المقابل، أشارت دراسات سابقة إلى أن أدمغتنا قادرة أيضًا على إيقاف الأفكار عن الوصول إلى عقلنا الواعي؛ أي قبل أن نحتاج إلى صرف انتباهنا عنها، وتُعرَف الاستجابة من هذا النوع بالتحكم الاستباقي.
غير أن العلماء يجهلون طريقة عمل التحكم الاستباقي في أدمغتنا، بل إنهم ليسوا متأكدين من حقيقة حدوثه من الأساس، ويرجع ذلك على الأغلب إلى صعوبة دراسته؛ لذا قرر باحثو هذه الدراسة تبسيط العملية بإجراء تجربة دراستهم على لعبة الكلمات المترابطة.
بعد تجربة لعبة الكلمات المترابطة في دراستهم، وجد الباحثون أن معظم الأشخاص يعتمدون على التحكم التفاعلي في الأفكار، ولكن كشفت البيانات أنه من الممكن أيضًا إضعاف الروابط بين أفكار محددة عند التركيز على ذلك.
يقول الباحثون: «قد يسبب التحكم التفاعلي من هذا النوع تحديدًا المشكلات، إذ تؤكد نتائجنا أن الأفكار ذاتية التعزيز، أي أن التفكير في فكرة معينة يعزز ثباتها في الذاكرة ويزيد احتمالية تكرارها في المستقبل … بالأحرى، وجدنا أنه عندما يكبح المشاركون في اللعبة فكرةً لكلمة غير مرغوبة بالتحكم التفاعلي، يزيد ذلك من احتمالية تعزيز قوة الفكرة، ولكن وجدنا كذلك أنهم قادرون على استباق هذه العملية جزئيًا لضمان تقليل وتيرة تبادر الفكرة إلى ذهنهم قدر الإمكان».
شارك في التجربة 80 متطوعًا، ولم يستخدم الباحثون سوى بيانات نصف المتطوعين في الدراسة.
خلال التجربة، قدم الباحثون 60 كلمة شائعة إلى المتطوعين، ثم طلبوا منهم أن يأتوا بكلمات ذات صلة كلما تظهر إحدى تلك الكلمات الشائعة على الشاشة، وقد عُرِضت كل كلمة خمس مرات عشوائيًا.
قبل البدء في التجربة، قسّم الباحثون المتطوعين إلى مجموعتين، ثم أخبروا المشاركين في المجموعة الأولى أنهم لن يحصلوا على مكافأة مالية إذا كرروا استخدام أي كلمة في اللعبة، بينما لم يتلقَّ المشاركون في المجموعة الثانية أي تعليمات كهذه.
في حالة المجموعة الأولى، إذا ربط المشاركون كلمة طاولة مع كلمة كرسي، تصبح كلمة كرسي بعد ذلك فكرةً غير مرغوبة، ويجب على المشارك إيجاد كلمة أخرى ذات صلة بكلمة طاولة عند ظهورها مجددًا على الشاشة حتى وإن كانت الكلمة الأولى التي تتبادر إلى ذهنهم هي كلمة كرسي.
استخدم الباحثون نموذجًا حسابيًا لتحليل أوقات ردود فعل المشاركين واستجاباتهم، وتوصلوا إلى أن المتطوعين الذين حاولوا اجتناب تكرار الكلمة كانوا غالبًا يفكرون في الكلمات التي استخدموها سابقًا ثم يحاولون كبحها، ما يعني أن نوع التحكم لديهم كان تفاعليًا وليس استباقيًا.
شكل يوضح: (أ) التحكم التفاعلي التام في الأفكار، (ب) التحكم الاستباقي التام في الأفكار، (ج-هـ) ثلاث آليات للتحكم الاستباقي الكامن. تبين التجارب في الجانب الأيمن من كل صف اجتناب التفكير في الكلمة المستخدمة مسبقًا لصالح كلمة جديدة (اجتناب كلمة كرسي في الصفوف أ وب وج، وكلمتي كرسي وأكل في الصفين د وهـ).
يمثل سمك الخطوط قوة الروابط بين الكلمات. تمثل الخطوط المتقطعة الروابط المحتملة، بينما تمثل الخطوط المستمرة الكلمات التي يركز المشارك عليها. حُددت الكلمات التي يقع عليها اختيار المشارك في النهاية باللون الأزرق. أُبرزَت الأفكار الأخرى ذات الصلة باللون الأصفر مع دوائر حمراء تدل على رفض الفكرة والتفكير في كلمة بديلة، أو دوائر خضراء تدل على قبول الفكرة واختيار الكلمة.
بيد أنه بعد التمعن في النتائج، وجد الباحثون أن الفروقات بين المجموعتين تشير إلى أن أفراد المجموعة الذين كانوا يحاولون اجتناب تكرار الكلمات نجحوا في ذلك إلى حد ما، وذلك باعتمادهم على نوع من التحكم الاستباقي؛ إذ إن المشاركين في هذه المجموعة لم يُحصَر تفكيرهم في دوامة الكلمات المكررة ذاتها مرةً تلو الأخرى.
يقول عالم النفس آيزاك فرادكن من جامعة القدس في فلسطين المحتلة: «على الرغم من عجز المشاركين على اجتناب الأفكار غير المرغوبة، فإنهم استطاعوا ضمان أن التفكير في فكرة غير مرغوبة لا يؤدي إلى زيادة احتمالية تبادرها إلى الذهن مجددًا».
بالوسع تطبيق نتائج الدراسة عن الكلمات المكررة على الأفكار غير المرغوبة الأخرى عمومًا، مثل الذكريات الأليمة عن الانفصال العاطفي؛ إذ قد نتمكن من تدريب أنفسنا استباقيًا على منع تعزيز تلك الأفكار أو خروجها عن السيطرة في كل مرة تعود إلى عقلنا الواعي.
للأسف لم تقدم هذه الدراسة أي إرشادات عن كيفية تدريب أدمغتنا لتنتقل من التحكم التفاعلي إلى الاستباقي في الأفكار، إذ إن النتائج لا تشير سوى إلى إمكانية حدوث ذلك إلى حد ما عندما نحاول التحكم في أفكارنا عمدًا.
لم يستخدم باحثو الدراسة في تجربتهم سوى الكلمات المحايدة، عوضًا عن الأفكار غير المرغوبة المزعجة أو المتعلقة بأي نوع من المشكلات النفسية، وهذا هو المسار الذي يجب أن تسلكه البحوث القادمة، لعلها تتوصل إلى نهج علاجية جديدة متنوعة في المستقبل.
يقول فرادكن: «في حين أن التركيز في دراستنا الحالية انصب على إيجاد روابط بين كلمات محايدة، فإنه يجب على الدراسات المستقبلية أن تحدد إمكانية تعميم نتائجنا على الأفكار غير المرغوبة السلبية أو الأفكار ذات الأهمية الشخصية».
المصدر:.ibelieveinsci