نماذج لفنانين تشكيليين تحولت وحدتهم إلى إبداع مؤلم
يقول الروائي والمترجم الياباني المعاصر الذي عرفناه في عدة أعمال أشهرها “كافكا على الشاطئ” هاروكي موراكامي:
“أنا واحدٌ من هؤلاء البشر الذين يفضلون البقاء بلا رفقة ولكي أكون أكثر دقة، أنا شخص لا أجد فى الوحدة أى أَلم أو عناء. ولا أجد فى قضاء ساعة أو ساعتين يوميًّا فى الركض وحيداً بدون التحدُّث مع أحد وقضاء أربع أو خمس ساعات أُخرى فى مكتبي وحيداً شيئًا صعبًا أو مُملًا. حيثُ أنني لدي هذه النزعة مُنذ طفولتي، فمثلاً عندما يكون لدي خيار كُنت دائمًا ما أُفضل قراءة الكُتب فى عُزلةٍ تامة أو الاستغراق فى الاستماع إلى الموسيقى عن تواجدي مع أي شخص آخر. فأنا دائمًا لدي أشياء لفعلها وحيداً”.
لكن الوحدة متى طرقت أبوابنا دون علم أو دون سابق إنذار فإنها تتحول إلى أسوأ التجارب الحياتية وأقساها. عن هذه الوحدة وتلك، عن العزلة التي نختارها طواعية وعن الأخرى التي تُفرض علينا عادة نحدثكم في هذا المقال، الذي ارتأينا من خلاله أن نصور لكم هذه التجربة كما خلدها رسامون عالميون .
إدوارد هوبر: رسّام “الوحدة”
لوحة مطعم آلي
قد يغيب عن ذاكرتنا الجماعية هذا الاسم، ولكننا بمجرد رؤية إحدى لوحاته نتذكره ونسترجع بقية أعماله التي عممت تجربة العزلة وزادت من وطأتها على قلوبنا. انتشرت أعماله أكثر فأكثر في زمن الكورونا لتجعلنا نرى أنفسنا فيها، إذ يصور الرسام الأمريكي الواقعي إدوارد هوبر مشاهد يومية وعادية من حياة سكان المدن فيجسد وحدتهم وينقل للمشاهد عزلتهم ويفضح حزنهم ويعرّي واقعهم.
من بين هذه اللوحات نجد لوحة “صقور الليل” التي تكاد تكون أشهر أعماله وهي تجسيد لاغتراب الانسان ووحدته، حتى وإن لم يكن منغلقًا على نفسه في غرفة النوم يفكر في ما يمكن أن يحدث له.
لوحة صقور الليل
نرى في “صقور الليل” أربعة أشخاص مختلفين جالسين في مطعم لا يخاطب أحدهم الآخر، مبينًا أن الحضور والكثرة ليسا شرطًا تزول عنده العزلة، وأنها على عكس ذلك تتغذى بهما خاصة في المجتمعات المعاصرة. قال كثيرون أن هذه اللوحة كانت وليدة مطالعة هوبر لقصتين قصيرتين لنفس الكاتب “إرنست همنغواي” تأثر بهما كثيرًا، هما: “القتلة” و”مكان نظيف جيد الإضاءة”.
لوحة شمس الصباح
العزلة في أعمال هذا الرسام الواقعي حقيقية وفاضحة وموجعة، وبين سيدة أنيقة تجلس وحدها في “مطعم آلي” تنتظر من لم ولن يأتي، وأخرى تنظر إلى الأفق الممتد عبر نافذة غرفة النوم بينما يصافح جسدها نور الشمس في “شمس الصباح” كأنها ترقب المجهول وتخاطب اللاشيء وتنتظر الأفضل. يرجعنا هوبر إلى الأصل ويعود بنا إلى عتبة البداية لعلنا نتصالح مع أرواحنا الزجاجية والوحيدة والمنكسرة.
إيغون شيلى: وحدة الجسد وتعبيرية العزلة
اللوحة تسمى (I Will Gladly Endure for Art and My Loved Ones) سأتحمل الفن واحبائي
التعبيرية تيار فني شمل الفن التشكيلي كما شمل الهندسة المعمارية والأدب وبعض الفنون الأخرى، واستند على رؤية الفنان للعالم القائمة في حد ذاتها على حالته النفسية ومشاعره وأحاسيسه وتجاربه لا على محاكاة هذا العالم وإظهاره كما اتفقنا أن نراه معًا.
ظهر هذا التيار في النمسا وألمانيا بين العامين 1905 و1920 وظهر من خلال لوحات وأعمالٍ ذات ألوان حارّة ووجوه مرعوبة، مشوهًا بذلك الحقيقة استنادًا إلى مشاعر الاغتراب والعزلة التي يعيشها رواده.
كان “إيغون شيلى” الذي يحكى أنه بدأ الرسم منذ السادسة من عمره، حين كان والده في كل مرة يهديه فيها دفترًا ويطلب منه أن يريه إياه بعد شهر يرجعه له بعد ساعات، واحدًا من أهم مؤسسي هذه المدرسة. عمل “شيلى” على علاقتنا بالجسد وقد تزامنت رسومه التي تعري أجساد النساء والرحال مع فترة اكتشافه لجسده أي فترة المراهقة، وبرزت مع هذه الأجساد المنهكة والمملوءة خطوطًا متقاطعة ملامحُ حزينة وخائفة.
بورتريه ذاتي
نبدأ ببورتريه ذاتي رسمه “شيلي” سنة 1910 واختار له أن يكون مكبلًّا بنظرات تائهة تأخذه إلى عالم يسيطر عليه الضجيج ويعلوه صراخ العزلة.
وتبقى لوحة “الأم الميتة” كما سماها رسامنا الذي كان كلما رسم لوحة غدره عداد الحياة، أكثر أعماله تعبيرًا عن التراجيديا السرمدية التي تعيشها أيها الإنسان وعن الوحدة التي تبقى حتى عندما تحمل بين ضلوعك حياة أخرى وبين أفكارك امتدادًا لذات أخرى. ظهر في اللوحة أمٌّ بألوان داكنة وشاحبة الوجه تخبئ بداخلها طفلها الذي اختار له شيلى ألوانًا أكثر دفئًا، وكأننا بموت يحمل في طياته حياة وبكثرة تحمل في داخلها وحدة.
لوحة الأم الميتة
يقول الروائي والمترجم الياباني المعاصر الذي عرفناه في عدة أعمال أشهرها “كافكا على الشاطئ” هاروكي موراكامي:
“أنا واحدٌ من هؤلاء البشر الذين يفضلون البقاء بلا رفقة ولكي أكون أكثر دقة، أنا شخص لا أجد فى الوحدة أى أَلم أو عناء. ولا أجد فى قضاء ساعة أو ساعتين يوميًّا فى الركض وحيداً بدون التحدُّث مع أحد وقضاء أربع أو خمس ساعات أُخرى فى مكتبي وحيداً شيئًا صعبًا أو مُملًا. حيثُ أنني لدي هذه النزعة مُنذ طفولتي، فمثلاً عندما يكون لدي خيار كُنت دائمًا ما أُفضل قراءة الكُتب فى عُزلةٍ تامة أو الاستغراق فى الاستماع إلى الموسيقى عن تواجدي مع أي شخص آخر. فأنا دائمًا لدي أشياء لفعلها وحيداً”.
لكن الوحدة متى طرقت أبوابنا دون علم أو دون سابق إنذار فإنها تتحول إلى أسوأ التجارب الحياتية وأقساها. عن هذه الوحدة وتلك، عن العزلة التي نختارها طواعية وعن الأخرى التي تُفرض علينا عادة نحدثكم في هذا المقال، الذي ارتأينا من خلاله أن نصور لكم هذه التجربة كما خلدها رسامون عالميون .
إدوارد هوبر: رسّام “الوحدة”
لوحة مطعم آلي
قد يغيب عن ذاكرتنا الجماعية هذا الاسم، ولكننا بمجرد رؤية إحدى لوحاته نتذكره ونسترجع بقية أعماله التي عممت تجربة العزلة وزادت من وطأتها على قلوبنا. انتشرت أعماله أكثر فأكثر في زمن الكورونا لتجعلنا نرى أنفسنا فيها، إذ يصور الرسام الأمريكي الواقعي إدوارد هوبر مشاهد يومية وعادية من حياة سكان المدن فيجسد وحدتهم وينقل للمشاهد عزلتهم ويفضح حزنهم ويعرّي واقعهم.
من بين هذه اللوحات نجد لوحة “صقور الليل” التي تكاد تكون أشهر أعماله وهي تجسيد لاغتراب الانسان ووحدته، حتى وإن لم يكن منغلقًا على نفسه في غرفة النوم يفكر في ما يمكن أن يحدث له.
لوحة صقور الليل
نرى في “صقور الليل” أربعة أشخاص مختلفين جالسين في مطعم لا يخاطب أحدهم الآخر، مبينًا أن الحضور والكثرة ليسا شرطًا تزول عنده العزلة، وأنها على عكس ذلك تتغذى بهما خاصة في المجتمعات المعاصرة. قال كثيرون أن هذه اللوحة كانت وليدة مطالعة هوبر لقصتين قصيرتين لنفس الكاتب “إرنست همنغواي” تأثر بهما كثيرًا، هما: “القتلة” و”مكان نظيف جيد الإضاءة”.
لوحة شمس الصباح
العزلة في أعمال هذا الرسام الواقعي حقيقية وفاضحة وموجعة، وبين سيدة أنيقة تجلس وحدها في “مطعم آلي” تنتظر من لم ولن يأتي، وأخرى تنظر إلى الأفق الممتد عبر نافذة غرفة النوم بينما يصافح جسدها نور الشمس في “شمس الصباح” كأنها ترقب المجهول وتخاطب اللاشيء وتنتظر الأفضل. يرجعنا هوبر إلى الأصل ويعود بنا إلى عتبة البداية لعلنا نتصالح مع أرواحنا الزجاجية والوحيدة والمنكسرة.
إيغون شيلى: وحدة الجسد وتعبيرية العزلة
اللوحة تسمى (I Will Gladly Endure for Art and My Loved Ones) سأتحمل الفن واحبائي
التعبيرية تيار فني شمل الفن التشكيلي كما شمل الهندسة المعمارية والأدب وبعض الفنون الأخرى، واستند على رؤية الفنان للعالم القائمة في حد ذاتها على حالته النفسية ومشاعره وأحاسيسه وتجاربه لا على محاكاة هذا العالم وإظهاره كما اتفقنا أن نراه معًا.
ظهر هذا التيار في النمسا وألمانيا بين العامين 1905 و1920 وظهر من خلال لوحات وأعمالٍ ذات ألوان حارّة ووجوه مرعوبة، مشوهًا بذلك الحقيقة استنادًا إلى مشاعر الاغتراب والعزلة التي يعيشها رواده.
كان “إيغون شيلى” الذي يحكى أنه بدأ الرسم منذ السادسة من عمره، حين كان والده في كل مرة يهديه فيها دفترًا ويطلب منه أن يريه إياه بعد شهر يرجعه له بعد ساعات، واحدًا من أهم مؤسسي هذه المدرسة. عمل “شيلى” على علاقتنا بالجسد وقد تزامنت رسومه التي تعري أجساد النساء والرحال مع فترة اكتشافه لجسده أي فترة المراهقة، وبرزت مع هذه الأجساد المنهكة والمملوءة خطوطًا متقاطعة ملامحُ حزينة وخائفة.
بورتريه ذاتي
نبدأ ببورتريه ذاتي رسمه “شيلي” سنة 1910 واختار له أن يكون مكبلًّا بنظرات تائهة تأخذه إلى عالم يسيطر عليه الضجيج ويعلوه صراخ العزلة.
وتبقى لوحة “الأم الميتة” كما سماها رسامنا الذي كان كلما رسم لوحة غدره عداد الحياة، أكثر أعماله تعبيرًا عن التراجيديا السرمدية التي تعيشها أيها الإنسان وعن الوحدة التي تبقى حتى عندما تحمل بين ضلوعك حياة أخرى وبين أفكارك امتدادًا لذات أخرى. ظهر في اللوحة أمٌّ بألوان داكنة وشاحبة الوجه تخبئ بداخلها طفلها الذي اختار له شيلى ألوانًا أكثر دفئًا، وكأننا بموت يحمل في طياته حياة وبكثرة تحمل في داخلها وحدة.
لوحة الأم الميتة