عمليات تشكل الذاكرة واستعادتها في أدمغتنا
لدى كل منا الكثير والكثير من الذكريات التي لا تُنسى والتي يستعرضها كل يوم في مخيلته، فأدمغتنا تحتفظ بما عايشناه من الأحداث الجميلة والقبيحة، وتعيش الأحاسيس من فرح ودهشة وسرور، أو حزن أو تعاسة وغيرها، وترتبط بالأحداث التي زامنتها، فيشعر أحدنا بالفرحة تملأ قلبه حين يستشعر أول مرة استنشق فيها نسيم البحر المنعش، وتعتريه مشاعر الحزن والبؤس حين يذكر سفر صديق حميم له، أو موت شخص قريب إلى قلبه.
رغم أننا نسبح في بحر الذكريات كل يوم، إلا أننا لا نعلم ما هي الطريقة التي وصلتنا بها هذه الذكريات لولا أن عبث الفضول ببعض الباحثين حتى قاموا بالعديد من التجارب وصلت بهم إلى مفهوم مبدأي عن كيفية تشكل الذاكرة، ولست أنوي أن أطلعكم على التجارب وكيفيتها، بالقدر الذي أنوي فيه إشباع الفراغ العلمي في ذهن كل منا بخصوص مراحل تشكل الذاكرة التي نستخدمها في كل وقت منذ الصباح وحتى المساء، إلا أننا لا نعلم سوى القليل عن طريقة عملها.
اعتقد الخبراء فيما سبق أن ما ندعوه الذاكرة أشبه بخزانة صغيرة جداً تُخزّن فيها الذكريات على شكل ملفات، وعارض خبراء العصر الحديث هذا المفهوم مبينين أنها في الواقع أعقد مما تصورنا، وبدلاً من اعتبارها خزانة صغيرة تضم ملفات، توضح أنها عملية تتم في أجزاء واسعة من الدماغ.
كما أضاف البعض أن الذاكرة شيء موجود، ولكن بطريقة مختلفة لما ندعوه موجوداً، فهي شيء لا يمكنك ملامسته، وهي مفهوم يشير إلى عملية واسعة في الدماغ، حيث أنها تتكون من مجموعة من الأنظمة التي يلعب كل منها دوراً معيناً في إنشاء، تخزين، واسترجاع الذكريات، فمثلاً عندما تفكر بشيء ما كالقلم، تذكر العديد من التفاصيل كاسم القلم، شكله، وظيفته، وصوته على الورق،
إنّ كل معلومة من هذه المعلومات تأتي من قسم مختلف من الدماغ، لتعطي بتجمعها الكلي ما نسميه الذاكرة، والجميل في الأمر أننا نذكر كل هذا وكأنه معلومة واحدة متماسكة، لأن كل هذه الأنظمة تعمل مع بعضها بكفاءة عالية وتنسيق شديد.
الترميز
يبدأ تشكل الذاكرة بما يسمى الترميز، خذ على سبيل المثال كيفية ترميز المعلومات التي تخص أول شخص وقعت في حبه يوماً، حيث تأخذ عينك صورة له ترتسم في مخيلتك، كما يلتقط نظامك الصوتي نبرة صوته، ولعل أنفك يلتقط رائحة عطره المميزة، أو ملمس بشرته، تسافر هذه المعلومات المتفرقة ضمن جزء من الدماغ يدعى (الحصين)، وهو يجمع كل ما أدركته وكأن ما حدث كان إدراكاً واحداً متكاملاً.
يعتقد الخبراء أن (الحصين) Hippocampus، والقشرة المخية الجبهية يتعاونان على تحليل هذه المعطيات الحسية، وتحديد أهميتها، وهل تستحق أن نتذكرها أم لا، فإن كانت جديرة بالتذكر، سيتم نقلها إلى ما يسمى الذاكرة طويلة الأمد.
التخزين
بعد أن يقرر قشر الدماغ بالتعاون مع الحصين أهمية معلومة وضرورة تخزينها في جزء معين من الدماغ، تبدأ عملية التخزين التي تتم في بنية لا يجهلها أغلبنا هي (المشابك العصبية) التي تشكل أماكن النشاط الكهربائي والكيميائي في أدمغتنا، وتوجد هذه البنى بين الخلايا العصبية في مناطق اتصالها ببعضها.
حين تتنبه الخلايا الحسية، كخلايا الشم، أو الرؤية، أو غيرها، تنطلق سيالات عصبية تصل إلى الدماغ ناقلة الإحساس إليه، ويتم ذلك بطريقة كهربائية بحتة، وهذا التيار الكهربائي المتشكل يحرر موادَ كيميائية تدعى النواقل العصبية التي تنتشر في المسافة بين خلية عصبية وأخرى.
وترتبط بالخلية العصبية المجاورة مشكلة ارتباطاً يدعى الذاكرة، وهي بنية قابلة للتعديل حسب ما يكتسبه الإنسان من خبرات، حيث أن أدمغتنا تتصف ببنية مرنة تتغير في كل وقت وحين بتشكيل ارتباطات جديدة، أو تعديل وتقوية ارتباطات قديمة.
أنواع الذاكرة
بالتأكيد لا تتمتع المعلومات في أدمغتنا بنفس الدرجة من الثباتية، فقبل أن نقوم بتخزين أي معلومة بشكل دائم يجب أن تمر في ثلاث مراحل، هي:
1- مرحلة الذاكرة الحسية (Sensory stage)
إن الإدراك الحسي لما حولنا هو أول مراحل الذاكرة فعلياً، فهو يعطينا معلومات عن الوسط المحيط، والتي يتم تخزينها في ما يسمى الذاكرة الحسية لمدة قصيرة لا تتجاوز لحظة واحدة بعد زوال المنبه الحسي صورةً كان، أو رائحة، أو ما سوى ذلك…
2- مرحلة الذاكرة قصيرة الأمد (Short term memory)
بعد ذلك الوميض الحسي، تنتقل المعلومات إلى الذاكرة قصيرة الأمد التي تتمتع بقدرة أكبر على تخزين المعلومات إلى حدٍ ما، فهي تخزن حوالي سبع ذكريات لمدة تتراوح بين 30 – 20ثانية، وعلى سبيل المثال إذا كنت تحاول حفظ الرقم التالي 8005840329 دون تقسيمه، فقد يكون من الصعب على الذاكرة قصيرة الأمد أن تحفظه كله، لذلك سيساعدك أن تقسمه هكذا 0329-584-800، كما أن التكرار مع وجود التركيز ينشئ عدداً من الذاكرات قصيرة الأمد المتماثلة، مما يساعد في حفظ أفضل.
3- مرحلة الذاكرة طويلة الأمد (Long term memory)
المرحلة النهائية لتخزين المعلومات، وهي ذات مساحة تخزينية عالية جداً، وتحفظ المعلومات لفترات طويلة جداً.
بالطبع يتم تخزين المعلومات التي تعلم عنها بعض التفاصيل – ولو كانت قليلة – بشكل أسرع، لأنها تحمل معنى متصلاً بما تم تخزينه في الذاكرة، لذلك من السهل حفظها بسرعة.
استرجاع المعلومات (التذكر)
حتى تستطيع استرجاع المعلومات عند حاجتك إليها، يجب أن تعطيها الانتباه اللازم أثناء محاولة تخزينها في ذاكرتك، فعملية الاسترجاع تتطلب نقل المعلومات من مرحلة اللاوعي إلى مرحلة الوعي، وفي حال لم تنل هذه المعلومات الانتباه الكافي عند تخزينها أول مرة فلن تخرج بشكلها الصحيح من ذاكرتك.
وربما لا تستطيع تذكر تفاصيلها بالشكل المطلوب، لا شك أنكم تعلمون صلة الوصل بين قضية الانتباه هذه، وعلاقتها بالتذكر الجيد، إلا الخبر المخيب لآمالي، وآمالكم هو أن طريقة استدعاء الدماغ لهذه المعلومات لا تزال مجهولة!
ولعلك إن عاينت تعقيد الدماغ، لعذرت العلماء على جهلهم بهذه القضية، فالدماغ أشبه بغابة متشابكة من الصعب خوض غمارها، والدخول إليها، فهو أعقد أجزاء الجسم البشري، ولا عجب، لأنه يعتبر الغرفة المركزية التي تقود باقي أجزاء الجسم إلى طريقها الصائب في مهامها.
حسناً، هل تعلمت شيئاً جديداً عن الذاكرة؟ يبدو أن تخزين المعلومات أعقد مما تصورت، فليست الذاكرة – في أي حال من الأحوال – خزانة مملوءة بالمعلومات كما يعتقد الكثيرون، كما أن مراحل تخزينها وترتيب المعلومات فيها تتوافق مع حاجتنا أشد التوافق، حيث لا نحفظ كل المعلومات التي تلتقطها حواسنا دوماً، لكل معلومة مرحلة، ولا تتجاوز هذه المرحلة إلا في حال كانت بالأهمية الكافية التي تخولها أن تستقر في أدمغتنا،
تماماً كما يحدث في أجهزة الهضم، والتنفس، وغيرها من أجهزة الجسم… فهي تأخذ المفيد وتطرح مالا يفيد، وكذلك تفعل أدمغتنا لتتكون لدينا ذاكرة عن كل التفاصيل التي تهمنا في حياتنا.
لدى كل منا الكثير والكثير من الذكريات التي لا تُنسى والتي يستعرضها كل يوم في مخيلته، فأدمغتنا تحتفظ بما عايشناه من الأحداث الجميلة والقبيحة، وتعيش الأحاسيس من فرح ودهشة وسرور، أو حزن أو تعاسة وغيرها، وترتبط بالأحداث التي زامنتها، فيشعر أحدنا بالفرحة تملأ قلبه حين يستشعر أول مرة استنشق فيها نسيم البحر المنعش، وتعتريه مشاعر الحزن والبؤس حين يذكر سفر صديق حميم له، أو موت شخص قريب إلى قلبه.
رغم أننا نسبح في بحر الذكريات كل يوم، إلا أننا لا نعلم ما هي الطريقة التي وصلتنا بها هذه الذكريات لولا أن عبث الفضول ببعض الباحثين حتى قاموا بالعديد من التجارب وصلت بهم إلى مفهوم مبدأي عن كيفية تشكل الذاكرة، ولست أنوي أن أطلعكم على التجارب وكيفيتها، بالقدر الذي أنوي فيه إشباع الفراغ العلمي في ذهن كل منا بخصوص مراحل تشكل الذاكرة التي نستخدمها في كل وقت منذ الصباح وحتى المساء، إلا أننا لا نعلم سوى القليل عن طريقة عملها.
اعتقد الخبراء فيما سبق أن ما ندعوه الذاكرة أشبه بخزانة صغيرة جداً تُخزّن فيها الذكريات على شكل ملفات، وعارض خبراء العصر الحديث هذا المفهوم مبينين أنها في الواقع أعقد مما تصورنا، وبدلاً من اعتبارها خزانة صغيرة تضم ملفات، توضح أنها عملية تتم في أجزاء واسعة من الدماغ.
كما أضاف البعض أن الذاكرة شيء موجود، ولكن بطريقة مختلفة لما ندعوه موجوداً، فهي شيء لا يمكنك ملامسته، وهي مفهوم يشير إلى عملية واسعة في الدماغ، حيث أنها تتكون من مجموعة من الأنظمة التي يلعب كل منها دوراً معيناً في إنشاء، تخزين، واسترجاع الذكريات، فمثلاً عندما تفكر بشيء ما كالقلم، تذكر العديد من التفاصيل كاسم القلم، شكله، وظيفته، وصوته على الورق،
إنّ كل معلومة من هذه المعلومات تأتي من قسم مختلف من الدماغ، لتعطي بتجمعها الكلي ما نسميه الذاكرة، والجميل في الأمر أننا نذكر كل هذا وكأنه معلومة واحدة متماسكة، لأن كل هذه الأنظمة تعمل مع بعضها بكفاءة عالية وتنسيق شديد.
الترميز
يبدأ تشكل الذاكرة بما يسمى الترميز، خذ على سبيل المثال كيفية ترميز المعلومات التي تخص أول شخص وقعت في حبه يوماً، حيث تأخذ عينك صورة له ترتسم في مخيلتك، كما يلتقط نظامك الصوتي نبرة صوته، ولعل أنفك يلتقط رائحة عطره المميزة، أو ملمس بشرته، تسافر هذه المعلومات المتفرقة ضمن جزء من الدماغ يدعى (الحصين)، وهو يجمع كل ما أدركته وكأن ما حدث كان إدراكاً واحداً متكاملاً.
يعتقد الخبراء أن (الحصين) Hippocampus، والقشرة المخية الجبهية يتعاونان على تحليل هذه المعطيات الحسية، وتحديد أهميتها، وهل تستحق أن نتذكرها أم لا، فإن كانت جديرة بالتذكر، سيتم نقلها إلى ما يسمى الذاكرة طويلة الأمد.
التخزين
بعد أن يقرر قشر الدماغ بالتعاون مع الحصين أهمية معلومة وضرورة تخزينها في جزء معين من الدماغ، تبدأ عملية التخزين التي تتم في بنية لا يجهلها أغلبنا هي (المشابك العصبية) التي تشكل أماكن النشاط الكهربائي والكيميائي في أدمغتنا، وتوجد هذه البنى بين الخلايا العصبية في مناطق اتصالها ببعضها.
حين تتنبه الخلايا الحسية، كخلايا الشم، أو الرؤية، أو غيرها، تنطلق سيالات عصبية تصل إلى الدماغ ناقلة الإحساس إليه، ويتم ذلك بطريقة كهربائية بحتة، وهذا التيار الكهربائي المتشكل يحرر موادَ كيميائية تدعى النواقل العصبية التي تنتشر في المسافة بين خلية عصبية وأخرى.
وترتبط بالخلية العصبية المجاورة مشكلة ارتباطاً يدعى الذاكرة، وهي بنية قابلة للتعديل حسب ما يكتسبه الإنسان من خبرات، حيث أن أدمغتنا تتصف ببنية مرنة تتغير في كل وقت وحين بتشكيل ارتباطات جديدة، أو تعديل وتقوية ارتباطات قديمة.
أنواع الذاكرة
بالتأكيد لا تتمتع المعلومات في أدمغتنا بنفس الدرجة من الثباتية، فقبل أن نقوم بتخزين أي معلومة بشكل دائم يجب أن تمر في ثلاث مراحل، هي:
1- مرحلة الذاكرة الحسية (Sensory stage)
إن الإدراك الحسي لما حولنا هو أول مراحل الذاكرة فعلياً، فهو يعطينا معلومات عن الوسط المحيط، والتي يتم تخزينها في ما يسمى الذاكرة الحسية لمدة قصيرة لا تتجاوز لحظة واحدة بعد زوال المنبه الحسي صورةً كان، أو رائحة، أو ما سوى ذلك…
2- مرحلة الذاكرة قصيرة الأمد (Short term memory)
بعد ذلك الوميض الحسي، تنتقل المعلومات إلى الذاكرة قصيرة الأمد التي تتمتع بقدرة أكبر على تخزين المعلومات إلى حدٍ ما، فهي تخزن حوالي سبع ذكريات لمدة تتراوح بين 30 – 20ثانية، وعلى سبيل المثال إذا كنت تحاول حفظ الرقم التالي 8005840329 دون تقسيمه، فقد يكون من الصعب على الذاكرة قصيرة الأمد أن تحفظه كله، لذلك سيساعدك أن تقسمه هكذا 0329-584-800، كما أن التكرار مع وجود التركيز ينشئ عدداً من الذاكرات قصيرة الأمد المتماثلة، مما يساعد في حفظ أفضل.
3- مرحلة الذاكرة طويلة الأمد (Long term memory)
المرحلة النهائية لتخزين المعلومات، وهي ذات مساحة تخزينية عالية جداً، وتحفظ المعلومات لفترات طويلة جداً.
بالطبع يتم تخزين المعلومات التي تعلم عنها بعض التفاصيل – ولو كانت قليلة – بشكل أسرع، لأنها تحمل معنى متصلاً بما تم تخزينه في الذاكرة، لذلك من السهل حفظها بسرعة.
استرجاع المعلومات (التذكر)
حتى تستطيع استرجاع المعلومات عند حاجتك إليها، يجب أن تعطيها الانتباه اللازم أثناء محاولة تخزينها في ذاكرتك، فعملية الاسترجاع تتطلب نقل المعلومات من مرحلة اللاوعي إلى مرحلة الوعي، وفي حال لم تنل هذه المعلومات الانتباه الكافي عند تخزينها أول مرة فلن تخرج بشكلها الصحيح من ذاكرتك.
وربما لا تستطيع تذكر تفاصيلها بالشكل المطلوب، لا شك أنكم تعلمون صلة الوصل بين قضية الانتباه هذه، وعلاقتها بالتذكر الجيد، إلا الخبر المخيب لآمالي، وآمالكم هو أن طريقة استدعاء الدماغ لهذه المعلومات لا تزال مجهولة!
ولعلك إن عاينت تعقيد الدماغ، لعذرت العلماء على جهلهم بهذه القضية، فالدماغ أشبه بغابة متشابكة من الصعب خوض غمارها، والدخول إليها، فهو أعقد أجزاء الجسم البشري، ولا عجب، لأنه يعتبر الغرفة المركزية التي تقود باقي أجزاء الجسم إلى طريقها الصائب في مهامها.
حسناً، هل تعلمت شيئاً جديداً عن الذاكرة؟ يبدو أن تخزين المعلومات أعقد مما تصورت، فليست الذاكرة – في أي حال من الأحوال – خزانة مملوءة بالمعلومات كما يعتقد الكثيرون، كما أن مراحل تخزينها وترتيب المعلومات فيها تتوافق مع حاجتنا أشد التوافق، حيث لا نحفظ كل المعلومات التي تلتقطها حواسنا دوماً، لكل معلومة مرحلة، ولا تتجاوز هذه المرحلة إلا في حال كانت بالأهمية الكافية التي تخولها أن تستقر في أدمغتنا،
تماماً كما يحدث في أجهزة الهضم، والتنفس، وغيرها من أجهزة الجسم… فهي تأخذ المفيد وتطرح مالا يفيد، وكذلك تفعل أدمغتنا لتتكون لدينا ذاكرة عن كل التفاصيل التي تهمنا في حياتنا.