عشرون عاماً على الرحيل الموجع
بعد رحيل الفنان التشكيلي الفلسطيني مصطفى الحلّاج بيومين
...........................................
الحلاّج .. وسرّ احتراق الجسد ..؟ !
وجه يفيض بالنور .. فرحاً مؤجّلاً يغمر الدنيا..
إنه لأعذب من الكلمات.. وأصدق من فيض الحزن في بريق عينيه ، .
المصطفى .. الكهل الوسيم ، الزاهد في الحياة وفي الفن ، حيث لا شيء ، ولا لون كان يغريه ، أكثر من أبيض اللوحة ، ورسم الجسد ، باشتهاء الأسود ، أجمل الألوان على ناصع الورق .
هكذا إذن ، إنه الحلاّج .. القويّ ، الواضح ، النقيّ ، والرشيق الممتشق ، والليّن مثل خطوطه ، متساباّ عذباّ كأشكاله ، وديعاّ وجميلاّ يشبه أحصنته في اللوحات ، بل في اللوحة التي لم تنته ، فاكتملت فصولها قسراّ بالموت احتراقاً ، إنها اللوحة الموسوعة ، كان الحلم أن تكون أطول لوحة في العالم ، "أجمل اللوحات تلك التي لم تنته" ! .
لقد غادر الحلاّج .. وبقيت اللوحة التي عرف أنها لن تتم إلاّ برحيله ، وستبقى من بعده حكاية بصرية رائعة للأجيال ، إنها - ألف ليلة وليلة - من عمره المزدحم بالأحداث المؤلمة ، والتي استمتع بتأليفها وأطال الحلم والتحليق والتخيّل ، حتـّى غاب عن الوعي ألف مرة ، وهو يروي سره للأبيض بسواد الليل .
أجل ، لقد بقي الفرح مشروعاّ مؤجلاّ بالنسبة له ، بينما الحزن ، هذا الصديق العزيز الذي لا يبارحنا ، فقد غمرنا اليوم بوابل من الألم ، والحزن الذي كان يعني له ، فسحة من الأمل ، بينما البكاء فهو غسيل للروح ، ينقـّي العين والقلب اللذان أضناهما الحلم ، والسفر في أبيض الخمرة, أحمرها ، أو نقييّها ، لا فرق عنده ، فالألوان لا تعنيه بشيء ، لطالما بقي الأبيض سيّدها ، والأسود فاضح سرّ النقاء .
الحلاّج .. أخاديد محفورة في الوجه الأسمر، وفي الزمن الضائع من العمر، والقادم من الأيام ، لذاكرة تستحضر كامل اشتهاء الجسد المسجّى فوق عشب الأرض ، تمتد خلف الضباب الكثيف ، تبحث عن سرِّ امرأةٍ بقيت حلماّ مسيّجاً بالورد ، أو وطناً معلّقاً في السماء ، مثل قمر في عزّ النهار، يبحث عنه ، فلا يجد سوى ظلاله تمشي على الأرض ، تخيّم على كامل اللوحة .
إنّ أيّ لوحةٍ للحلاّج، هي نذر للوطن الذي - برأيه - ينهض ببطء باتجاه الجزء المحتلّ من الذاكرة ، أو الحلم ، إنها قوافل من البشر والأشجار والحجر ، أحصنة وصبايا تتسابق نحو المجهول من الزمن ، ذلك القادم من العمر ، وفجأة توقـّف كلّ شيئ ٍ بجلال الأسود على حافةِ البياضِ معلناً انتهاء اللوحة قبل نهاية المسافة .
أجل إنه القدر، رغم أن الرجلَ الحالمَ ، كان يعتقد أن الموت ربما يخشى من الحلاّج ، لأنه حاول إدراكه ألف مرة ولم ينجح ، فكان يعود إلى الحياة مرة في الحديقة ، ومرّات على رصيف الرواق ، بينما هذه المرة، فقد حاول أن ينقذ أعماله بعدما فشل في إخماد حريق الجسد المنهك ، حيث فاضت الروح وغابت خلف الضباب الكثيف الأبيض ، أو بين لفائف الكفن .
... وداعاً أيها العاشق الأسمر من الأرض ، المسربل بالحب ، والمؤمن بحرية الإنسان .
... مهلاً أيها التراب ، بخفةٍ احتضنهُ ، فالجسدُ نحيلٌ وغضُّ .
أيتها السماء ، أيها التراب ، أنبتا له كرمةً على قبره ، حيث العصافيرُ تكفـّلت بمتابعة المهمة ، فعندها سرُّ النشوة ، لمزيد من الغناء .
غـازي عانـا
بعد رحيل الفنان التشكيلي الفلسطيني مصطفى الحلّاج بيومين
...........................................
الحلاّج .. وسرّ احتراق الجسد ..؟ !
وجه يفيض بالنور .. فرحاً مؤجّلاً يغمر الدنيا..
إنه لأعذب من الكلمات.. وأصدق من فيض الحزن في بريق عينيه ، .
المصطفى .. الكهل الوسيم ، الزاهد في الحياة وفي الفن ، حيث لا شيء ، ولا لون كان يغريه ، أكثر من أبيض اللوحة ، ورسم الجسد ، باشتهاء الأسود ، أجمل الألوان على ناصع الورق .
هكذا إذن ، إنه الحلاّج .. القويّ ، الواضح ، النقيّ ، والرشيق الممتشق ، والليّن مثل خطوطه ، متساباّ عذباّ كأشكاله ، وديعاّ وجميلاّ يشبه أحصنته في اللوحات ، بل في اللوحة التي لم تنته ، فاكتملت فصولها قسراّ بالموت احتراقاً ، إنها اللوحة الموسوعة ، كان الحلم أن تكون أطول لوحة في العالم ، "أجمل اللوحات تلك التي لم تنته" ! .
لقد غادر الحلاّج .. وبقيت اللوحة التي عرف أنها لن تتم إلاّ برحيله ، وستبقى من بعده حكاية بصرية رائعة للأجيال ، إنها - ألف ليلة وليلة - من عمره المزدحم بالأحداث المؤلمة ، والتي استمتع بتأليفها وأطال الحلم والتحليق والتخيّل ، حتـّى غاب عن الوعي ألف مرة ، وهو يروي سره للأبيض بسواد الليل .
أجل ، لقد بقي الفرح مشروعاّ مؤجلاّ بالنسبة له ، بينما الحزن ، هذا الصديق العزيز الذي لا يبارحنا ، فقد غمرنا اليوم بوابل من الألم ، والحزن الذي كان يعني له ، فسحة من الأمل ، بينما البكاء فهو غسيل للروح ، ينقـّي العين والقلب اللذان أضناهما الحلم ، والسفر في أبيض الخمرة, أحمرها ، أو نقييّها ، لا فرق عنده ، فالألوان لا تعنيه بشيء ، لطالما بقي الأبيض سيّدها ، والأسود فاضح سرّ النقاء .
الحلاّج .. أخاديد محفورة في الوجه الأسمر، وفي الزمن الضائع من العمر، والقادم من الأيام ، لذاكرة تستحضر كامل اشتهاء الجسد المسجّى فوق عشب الأرض ، تمتد خلف الضباب الكثيف ، تبحث عن سرِّ امرأةٍ بقيت حلماّ مسيّجاً بالورد ، أو وطناً معلّقاً في السماء ، مثل قمر في عزّ النهار، يبحث عنه ، فلا يجد سوى ظلاله تمشي على الأرض ، تخيّم على كامل اللوحة .
إنّ أيّ لوحةٍ للحلاّج، هي نذر للوطن الذي - برأيه - ينهض ببطء باتجاه الجزء المحتلّ من الذاكرة ، أو الحلم ، إنها قوافل من البشر والأشجار والحجر ، أحصنة وصبايا تتسابق نحو المجهول من الزمن ، ذلك القادم من العمر ، وفجأة توقـّف كلّ شيئ ٍ بجلال الأسود على حافةِ البياضِ معلناً انتهاء اللوحة قبل نهاية المسافة .
أجل إنه القدر، رغم أن الرجلَ الحالمَ ، كان يعتقد أن الموت ربما يخشى من الحلاّج ، لأنه حاول إدراكه ألف مرة ولم ينجح ، فكان يعود إلى الحياة مرة في الحديقة ، ومرّات على رصيف الرواق ، بينما هذه المرة، فقد حاول أن ينقذ أعماله بعدما فشل في إخماد حريق الجسد المنهك ، حيث فاضت الروح وغابت خلف الضباب الكثيف الأبيض ، أو بين لفائف الكفن .
... وداعاً أيها العاشق الأسمر من الأرض ، المسربل بالحب ، والمؤمن بحرية الإنسان .
... مهلاً أيها التراب ، بخفةٍ احتضنهُ ، فالجسدُ نحيلٌ وغضُّ .
أيتها السماء ، أيها التراب ، أنبتا له كرمةً على قبره ، حيث العصافيرُ تكفـّلت بمتابعة المهمة ، فعندها سرُّ النشوة ، لمزيد من الغناء .
غـازي عانـا