الحكاية والمثل.. الولادة كلٌ من الآخر
- معين حمد العماطوري
السويداء
بين الحكاية والمثل الشعبي علاقة تعايش وتناسل، يأخذ كل منهما من الآخر ويعطيه، فتارة يولد المثل الشعبي من رحم الحكاية، وتارة تولد الحكاية من المثل الشعبي.
حول مفهوم الحكاية واستنباطها من المثل الشعبي والعكس التقت "مدونة وطن" eSyria الباحث التراثي عضو اتحاد الكتاب العرب "فوزات رزق" الذي قال: «ليس بالضرورة أن تفرز كل حكاية مثلاً، أو أن يكون لكل مثل حكاية، لكن بعض الأمثال تختصر بعباراتها الكثيفة حكاية ربما يستغرق سردها عدة صفحات، وحينما يستشهد أحدهم بالمثل الذي يتمخض عن حكاية، او تتمخض عنه حكاية، فإنما يرمي إلى استحضار الحالة التي يعبر عنها هذا المثل، سواء أكانت حكاية المثل واقعية أم خيالية، وكثير من الأمثال صيغ بشكل حكائي، وخاصة تلك التي تعتمد أفعالاً سردية مثل فعل "كان" كقولهم: "كان الحُق ناقص بُق، إجا الأقرع وتلاه" في الحديث عن الرديء ينضم إلى مجموعة من أمثاله. أو الفعل "قال" كقولهم: "قال له: بتعرفو؟ قال له: بعرفو. قال له: مجربو؟.. قال له: لا.. قال له: لكان شو بيعرّفك فيه؟"، وذلك لبيان أن التجربة أكبر برهان لمعرفة حقيقة الإنسان، تمشياً مع قول الشاعر:
لا يستطيع الباحث أن يتكلم عن المثل ويتناسى الحكاية، فهي من أبلغ وسائل التعبير في الأدب الشعبي، فقد يصير المثل حكاية مثل "إجو يحذوا خيل السلطان مدت الخنفسة إجرها"، فالمثل هنا ليس مجرد عبارة إنشائية، بل حكاية تساق للاعتبار بما تضمنت من حكمة وبلاغة وجمال، كما قد تصير الحكاية مثلاً كما في حكايات كليلة ودمنة حينما يقول الملك "دبشليم" للفيلسوف "بيدبا": "اضرب لي مثلاً لمتحابين يقطع بينهما الكذوب المحتال حتى يحملهما على العداوة"، فيضرب له "بيدبا" حكاية الأسد والثور والثعلب مثلاً
لا تمدحنّ امرأً حتى تجرّبه / ولا تذمّه إلا بعد تجريب».
الباحث فوزات رزق
وتابع الباحث "رزق" عن الحكاية بالقول: «لا يستطيع الباحث أن يتكلم عن المثل ويتناسى الحكاية، فهي من أبلغ وسائل التعبير في الأدب الشعبي، فقد يصير المثل حكاية مثل "إجو يحذوا خيل السلطان مدت الخنفسة إجرها"، فالمثل هنا ليس مجرد عبارة إنشائية، بل حكاية تساق للاعتبار بما تضمنت من حكمة وبلاغة وجمال، كما قد تصير الحكاية مثلاً كما في حكايات كليلة ودمنة حينما يقول الملك "دبشليم" للفيلسوف "بيدبا": "اضرب لي مثلاً لمتحابين يقطع بينهما الكذوب المحتال حتى يحملهما على العداوة"، فيضرب له "بيدبا" حكاية الأسد والثور والثعلب مثلاً».
وتابع الباحث "فوزات رزق" بالاصطلاحات والاساليب بقوله: «تتخذ الأمثال أسلوبين باصطلاح البلاغيين: الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي. وأغلبية الأمثال التي صيغت بالأسلوب الخبري إنما جاءت بشكل حكائي كقولهم في البائس الذي يلاحقه البؤس أينما حل: "راحت الحزينة لتفرح، ما لاقت للفرح مطرح" أو "على بخت الحزينة، تسكرت المدينة"، ففي المثل الأول حكاية هذه الحزينة التي ذهبت إلى العرس كي تفرح، فلم تجد لها مكاناً في ذلك العرس، وفي المثل الثاني حكاية الحزينة التي قصدت المدينة لتروح عن نفسها، فوجدت أن باب المدينة قد أُقفل. ولعلنا لا نبتعد عن الصواب إذا اعتبرنا هذه الأمثال وأشباهها شكلاً من أشكال الحكاية القصيرة جداً، مستخدمين اصطلاح القصة القصيرة جداً».
الأستاذ هايل القنطار
وعن تداخل الأمثال بالسرد والإنشاء أوضح الباحث "فوزات رزق" بالقول: «هناك أمثال اتخذت الأسلوب الإنشائي شكلاً لها لم تبتعد عن القص كقولهم للرجل الذي يتطفل على ولائم الآخرين: "يا رايح من غير عزيمة، يا قاعد عالحصيرة"، فكأنهم قالوا: لقد ذهب متطفل إلى وليمة، فوجد الجميع يفترشون السجاد ولم يجد له مكاناً فجلس على الحصيرة، وهذه بتقديرنا شيء من الحكاية القصيرة جداً، وحكايات الأمثال يختلف بعضها عن بعضها الآخر بحسب أبطال الحكاية، من حيث كونهم بشراً أو حيوانات، أو بحسب طبيعة الحدث من حيث كونه متخيلاً أو واقعياً، أو بحسب طبيعة واقعيته من حيث كونه فردياً، أي إنه محصور بفرد واحد أو مجموعة من الأفراد، لا تعتبر حكايتهم جزءاً من الحركة التاريخية لهذه المنطقة أو تلك، أو من حيث كونه تاريخياً أي له علاقة مباشرة بتاريخ المنطقة بحيث يعتبر جزءاً من هذا التاريخ، وربما صادفتنا أكثر من رواية للمثل، وعند ذلك كنا نعتمد رواية واحدة ونشير إلى الروايات الأخرى في ثنايا شرح المثل، وربما عثرنا على أمثال أفرزتها الألعاب الشعبية في المنطقة، وفي هذه الحالة شرحنا أحكام اللعبة التي أفرزت المثل كي يفهم المثل في سياقه الحقيقي دون أن يكون خلف المثل حكاية ما».
الأستاذ "هايل القنطار" الباحث في التراث الشعبي تحدث عن انعكاس الحكاية على واقعنا وأمثالنا الشعبية قائلاً: «ضمن منظومتنا الاجتماعية هناك العديد من الأمثال الشعبية المتداولة بيننا هي وليدة حكاية تاريخية قد تكون واقعية أو خيالية، والعكس أيضاً إذ الكثير من الحكايات هي وليدة الامثال الشعبية، وقلائل هم الذين عملوا على هذا التبادل الثقافي والتنوع فيه، وطرحه في الأوساط الثقافية على شكل كتاب أو دراسة، لكن الاستاذ "فوزات رزق" له في هذا المجال باع طويل وله دراسات عدة، وما قدمه من ولادة الأمثال والحكايات، لعلها رؤية بحثية تتطلب جهداً ووقتاً كبيراً في ربط الأمثال بالحكايات والعكس أيضاً، وهي ميزة تحسب له، إذ إننا بحاجة اليوم إلى ربط شبابنا بتراثهم بشكل أكبر، بعد اجتياح ثورة الاتصالات بأدواتها السابقة للزمان والمكان، مع التأكيد على أننا اليوم بحاجة للعودة إلى التراث والتاريخ لنتمكن من مواجهة القادم ولتحد من مسحه للثقافة والهوية».