الظاهر بيبرس سلطان الشام
بداية عظماء التاريخ ليست دائمًا محفولةً بالتميز وسهولة الطريق، بل أحيانًا كانت طريق صعب بدأ من العبودية مثلما هي قصة الظاهر بيبرس السلطان الشهير.
من هو الظاهر بيبرس
الظاهر بيبرس هو سلطانٌ اسمه الكامل ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري الصالحي النجمي واشتهر بلقب "أبي الفتح"، اشتهر بطول القامة والضخامة وقوة الشخصية ويُعتبر المؤسس الحقيقي لدولة أو سلطنة المماليك. لكنه كان السلطان الرابع لها، وعرف أيضًا بحكمه على الشام ومصر.
ولد الظاهر بيبرس في سنة 1223 وحاز على لقب "ركن الدين" من قبل الملك صالح نجم دين أيوب في دمشق، وكان من أشهر السلاطين في تحقيق إنجازاتٍ تاريخيةٍ وانتصاراتٍ في معاركٍ كثيرةٍ.
الظاهر بيبرس من العبودية إلى الإمارة
لا يوجد مصدرٌ ثابتٌ وواضحٌ حول أصل هذا الملك ومكان ولادته، لكن هنالك اعتقادٌ قويٌّ بأنه تركيٌّ من القيجاق والمعروفة حاليًا بأنها كازاخستان، ولكن لهذا السبب لا يوجد تفاصيلٌ دقيقةٌ حول نشأته والسنوات الأولى من حياته.
تتفق كتب التاريخ على أنه كان عبد يباع عندما كان لا يزال طفلًا، حيث تجول به تاجر في حماة وحاول بيعه للملك منصور لكنه لم يعجبه وأعاده لينتقل إلى سوق الرقيق في دمشق عندما كان بعمر 14 سنة فقط، وحاول التاجر المصاحب له بيعه مرةً أخرى إلا أنه فشل في ذلك لأن من أراد شراءه وقتها قرر تغيير رأيه وإعادته (يقال أن السبب هو إصابته وقتها بمياهٍ بيضاء في إحدى عينيه).
حاز الظاهر بيبرس على اسم "البندقداري" عندما اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري، وبعد فترةٍ من الزمن تمت مصادرة ممتلكات علاء الدين في سلسلةٍ من الأحداث التاريخية، لينتقل بيبرس بعدها إلى القاهرة من أجل خدمة الملك صالح نجم الدين أيوب، وهو السلطان الأيوبي الشهير المعروف بلقب "ابي الفتوح".
عندما انتقل إلى أيدي نجم الدين أيوب، حاز أخيرًا على حريته بعد أن أعتقه ورأى فيه من التميز ما يكفي لمنحه منصب الإمارة، ومن هنا بدأ مشواره في التدرج نحو قمة المماليك.
السلطنة والإنجازات
بدأ تميز الظاهر بيبرس يبرز بشكلٍ واضحٍ في معركة المنصورة، فقد كانت هذه المعركة على شفا الخسارة أمام الصليبيين الذين قاموا بهجومٍ مفاجئٍ أدى لمقتل قائد الجيش فخر الدين بن الشيخ، إلا أن بيبرس رسم خطةً محكمةً وقاد الجيش نحو الانتصار.
وفي تلك الفترة الزمنية توفي السلطان صالح أيوب وحدثت سلسلةٌ من الصراعات حول تولي الحكم بعده، فلم يكن هنالك موافقةٌ عامةٌ على استلام زوجته "شجرة الدر"، لذلك تزوجها عز الدين أيبك ليستلم الحكم واستطاع الانتصار في معاركٍ كثيرةٍ ضده واشتد نفوذه بسرعة.
أثناء هذه السلسلة من المعارك خرج الظاهر بيبرس من مصر وتزوج من امرأةٍ شهرزورية، لكن نتيجة العداوة بين الناصر يوسف والسلطان أبيك، تعرض المماليك للهجوم وقتها وحاولوا الهرب لكن تمت محاصرتهم وكان أمام الناصر فرصة القبض عليهم، لكن بيبرس كان ذكيًا فهرب وتوجه إلى الناصر بنفسه في قلعة الكرك، وقرر الناصر وقتها العفو عنه واستقباله.
عاد بيبرس إلى مصر في 1260 وحاز على منصب الوزير وتعاون مع السلطان سيف الدين قطز في محاربة اجتياح المغول، واشتهر وقتها بتخطيطٍ دقيقٍ وذكيٍّ لمعركة عين جالوت التي فاز فيها جيشه على قافلة المغول وتم قتل قائد الجيش المغولي.
حدث بعدها خلاف بين الظاهر بيبرس وقطز وكان هنالك خطةٌ بين الأمراء شارك به بيبرس لقتل قطز، وبالفعل عندما تم قتله كان هنالك حيرةٌ في اختيار الملك الجديد لمصر، ولكن الاعتماد في النهاية كان على بيبرس، الذي لقب نفسه في بداية حكمه بلقب "القاهر" لكن عدله إلى الظاهر بعد أن أوصاه وزيره بالاستغناء عن هذا اللقب لأنه لم يجلب بالخير لمن لقب نفسه به على مر التاريخ.
أهم المعارك التي خاضها الظاهر بيبرس
معركة عين جالوت
في 3 أيلول من عام 1260، التقى الجيشان (المغول والمماليك) في واحة عين جالوت، القابعة في مرج ابن عامر (سهل زرعين) في فلسطين. كان المغول واثقين بأنفسهم وقدراتهم وتجهيزاتهم من أدوات حربية وخيول أصيلة، ومن جهةٍ أخرى، عرفَ المماليك المنطقة والتضاريس بشكلٍ أفضل من المغول، كما كانت خيولهم أكبر وأسرع.
بادر المماليك بالمعركة عن طريق استخدام بعض الأسلحة النارية لدبّ الرعب في صفوف الخيول المغولية، ظنًا منهم أنه تكتيك جديد، ولكنّ المغول لم يفاجئهم ذلك كثيرًا؛ فقد كانوا معتادين على أسلحة البارود إذ استخدمها الصينيون ضدهم لعدة قرون. استخدم السلطان قُطُز تكتيكًا مغوليًا كلاسيكيًا ضد قوات الملك كتبغا، وبالفعل؛ حصل ما أراده، كما وقع عندها المغول في فخ المماليك، إذ تظاهر أولئك بالتراجع، وعندما اطمئن المغول حيال ذلك، بدأت صفوف المحاربين المماليك بالتدفق من التلال من ثلاث جهات، وبدأ الشّباك وتبادل إطلاق النار. قاتل المغول طوال ساعات الصباح، ولكن في النهاية، تراجع الناجون منهم، إذ كان لا بدّ من ذلك.
رفض كتبغا الفرار مع أعوانه، وبقي صامدًا على حصانه يقاتل، إلى أن تعثّر حصانه (وتقول بعض المصادر أنه أُطلق عليه النار من الأسفل). حذّر كتبغا قُطُز وبيبرس من أن يقتلوه وهددهم بهولاكو خان، ومع ذلك، أمر قُطُز في النهاية بقطع رأس كتبغا. لم يتسنَّ لقطز الوقت ليفرح بعودته إلى القاهرة منتصرًا، إذ وفي طريقه للعودة إلى الدّيار، اغتِيل على يد مجموعة من المتآمرين بقيادة بيبرس كما تقول معظم المصادر. عانى المماليك من خسائر فادحة بعد هذه المعركة، ولكن في المقابل، دُمّرت صفوف المغول تدميرًا شاملًا.
معركة المنصورة
بدأت الواقعة بسقوط مدينة دمياط، حيث وضع المسلمون قواتهم على الضفة الغربية المقابلة لها، وكانت السفن المعادية قابعة مقابل الشاطئ، لم يستولِ الرعب على أهل المدينة في البداية، بل تركوا أبواب مدينتهم مفتوحةـ وبعضٌ منهم ممن عهد إليهم الملك بالدفاع عن المدينة فرّوا هاربين تاركين وراءهم أبواب المدينة مفتوحة، وفاتهم أن يقطعوا الجسر الذي يصل بين دمياط والضفة الغربية للنيل.
دخلّت قوات لويس التاسع دمياط بسهولة بالغة عام 1249، واستولت على ما في المدينة من أسلحة وآلات حربية عظيمة؛ وذُخر وأموال وغيرها. ارتكب الملك لويس خطأً فادحًا هنا؛ فقد استمتع بالغنائم داخل المدينة دون أن يتقدّم، ناسيًا أنه أعطى خصومه وقتًا لتعزيز قواتهم ودفاعاتهم.
أعطى ذلك الملك نجم الدين أيوب الوقت لمعاقبة الفارّين، وأمر بشنقهم، ولم يلبث الصليبيون أن بدؤوا الزحف من دمياط نحو الجنوب، حينها، توفي الملك نجم الدين، وتولّت أمور الإدارة زوجته شجرة الدرّ. وصل الزحف الصليبي بعدها إلى مشارف المنصورة، وهنا؛ ارتكب الصليبيون خطأً استراتيجيًا آخر؛ إذ خرق شقيق الملك لويس التاسع ـ روبرت دي آرتو ـ الخطة الموضوعة، وعبر بحر أشموم مع مقدمة الجيش الصليبي، واقتحم المنصورة.
وصل الصليبيون إلى جدران القلعة، وهناك، كان المماليك متربصين لهم في الشوراع الجانبية، وقد كان الظاهر بيبرس بالنسبة للماليك وكأنه القائد الموعود أو المُنتظر. بلغت المعركة أقصى مستويات الخطورة، واستمرّ المماليك بالضغط على الصليبيين باتجاه البحر، حتى سقط جميع الفرسان فيه ولم ينجُ منهم سوى خمسة.
كان على رأس القتلى روبرت دي آرتو، بالإضافة إلى عدد من أمراء الصليبيين، وهكذا كانت معركة المنصورة مقبرة الجيش الصليبي إذ قُدّر عدد القتلى من الصليبيين بثلاثين ألفًا. قاد المسلمون مَن تبقى من الجيش إلى الأسر، وكان من جملة الأسرى لويس التاسع، الذي أُخذ إلى المنصورة ووُضع في دار ابن لقمان.
الحملة الصليبية الثامنة على تونس (نهاية الحملات الصليبية)
لم تخمد تجربة الحملة على مصر من حماس لويس التاسع، فجاءت الحملة الثامنة نتيجة جهد الأمير تشارلز حاكم صقلية بإقناع لويس بالقيام بها؛ إذ أخبره أن أمير تونس مستعدٌ لتغيير ديانته إلى المسيحية، وبذلك ستُضاف مقاطعة جديدة للمسيحية في نقطة ذات أهمية استراتيجية كبيرة لأي خطوة باتجاه حملة صليبية جديدة، فوافق لويس ورافقه الكثير من أبناء رفاقه الذين خاضوا معه الحملة السابقة.
لكن، لم تنجح هذه الحملة على الإطلاق، فقد أبدى أمير تونس عدم رغبته في تغيير دينه، وأعاد تحصين عاصمته ببناء القلاع، بالإضافة إلى انتشار وباء قد كان عاملًا مساعدًا في سقوط الكثير من الأمراء والجنود الفرنسيين مرضى، ومنهم من توفي. دفع فيما بعد أمير تونس للأمير تشارلز تعويضًا ليرجع إلى إيطاليا وتبددت الحملة. وأما ردة فعل المسلمين؛ فتجسدت في شخص السلطان بيبرس؛ حيث:
وفاة الظاهر بيبرس
توفي الظاهر بيبرس في بداية شهر مايو من سنة 1277 بعد أن دام حكمه نحو 17 سنة، وتم دفنه في المكتبة الظاهرية الموجودة في دمشق التي تعتبر من أهم المكتبات العربية.
بعد وفاة الملك بيبرس جلس ابنه الأكبر ناصر الدين على الحكم، ولكن ليس لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، حيث يشير التاريخ إلى أن أولاده لم يحالفهم القدر في استلام الحكم بعد أبيهم لفترةٍ جيدةٍ وباستقرار.
كان الحاكم التالي الحقيقي للبلاد هو المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي، السلطان الشهير من سلاطين المماليك البحرية.
بداية عظماء التاريخ ليست دائمًا محفولةً بالتميز وسهولة الطريق، بل أحيانًا كانت طريق صعب بدأ من العبودية مثلما هي قصة الظاهر بيبرس السلطان الشهير.
من هو الظاهر بيبرس
الظاهر بيبرس هو سلطانٌ اسمه الكامل ركن الدين بيبرس العلائي البندقداري الصالحي النجمي واشتهر بلقب "أبي الفتح"، اشتهر بطول القامة والضخامة وقوة الشخصية ويُعتبر المؤسس الحقيقي لدولة أو سلطنة المماليك. لكنه كان السلطان الرابع لها، وعرف أيضًا بحكمه على الشام ومصر.
ولد الظاهر بيبرس في سنة 1223 وحاز على لقب "ركن الدين" من قبل الملك صالح نجم دين أيوب في دمشق، وكان من أشهر السلاطين في تحقيق إنجازاتٍ تاريخيةٍ وانتصاراتٍ في معاركٍ كثيرةٍ.
الظاهر بيبرس من العبودية إلى الإمارة
لا يوجد مصدرٌ ثابتٌ وواضحٌ حول أصل هذا الملك ومكان ولادته، لكن هنالك اعتقادٌ قويٌّ بأنه تركيٌّ من القيجاق والمعروفة حاليًا بأنها كازاخستان، ولكن لهذا السبب لا يوجد تفاصيلٌ دقيقةٌ حول نشأته والسنوات الأولى من حياته.
تتفق كتب التاريخ على أنه كان عبد يباع عندما كان لا يزال طفلًا، حيث تجول به تاجر في حماة وحاول بيعه للملك منصور لكنه لم يعجبه وأعاده لينتقل إلى سوق الرقيق في دمشق عندما كان بعمر 14 سنة فقط، وحاول التاجر المصاحب له بيعه مرةً أخرى إلا أنه فشل في ذلك لأن من أراد شراءه وقتها قرر تغيير رأيه وإعادته (يقال أن السبب هو إصابته وقتها بمياهٍ بيضاء في إحدى عينيه).
حاز الظاهر بيبرس على اسم "البندقداري" عندما اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري، وبعد فترةٍ من الزمن تمت مصادرة ممتلكات علاء الدين في سلسلةٍ من الأحداث التاريخية، لينتقل بيبرس بعدها إلى القاهرة من أجل خدمة الملك صالح نجم الدين أيوب، وهو السلطان الأيوبي الشهير المعروف بلقب "ابي الفتوح".
عندما انتقل إلى أيدي نجم الدين أيوب، حاز أخيرًا على حريته بعد أن أعتقه ورأى فيه من التميز ما يكفي لمنحه منصب الإمارة، ومن هنا بدأ مشواره في التدرج نحو قمة المماليك.
السلطنة والإنجازات
بدأ تميز الظاهر بيبرس يبرز بشكلٍ واضحٍ في معركة المنصورة، فقد كانت هذه المعركة على شفا الخسارة أمام الصليبيين الذين قاموا بهجومٍ مفاجئٍ أدى لمقتل قائد الجيش فخر الدين بن الشيخ، إلا أن بيبرس رسم خطةً محكمةً وقاد الجيش نحو الانتصار.
وفي تلك الفترة الزمنية توفي السلطان صالح أيوب وحدثت سلسلةٌ من الصراعات حول تولي الحكم بعده، فلم يكن هنالك موافقةٌ عامةٌ على استلام زوجته "شجرة الدر"، لذلك تزوجها عز الدين أيبك ليستلم الحكم واستطاع الانتصار في معاركٍ كثيرةٍ ضده واشتد نفوذه بسرعة.
أثناء هذه السلسلة من المعارك خرج الظاهر بيبرس من مصر وتزوج من امرأةٍ شهرزورية، لكن نتيجة العداوة بين الناصر يوسف والسلطان أبيك، تعرض المماليك للهجوم وقتها وحاولوا الهرب لكن تمت محاصرتهم وكان أمام الناصر فرصة القبض عليهم، لكن بيبرس كان ذكيًا فهرب وتوجه إلى الناصر بنفسه في قلعة الكرك، وقرر الناصر وقتها العفو عنه واستقباله.
عاد بيبرس إلى مصر في 1260 وحاز على منصب الوزير وتعاون مع السلطان سيف الدين قطز في محاربة اجتياح المغول، واشتهر وقتها بتخطيطٍ دقيقٍ وذكيٍّ لمعركة عين جالوت التي فاز فيها جيشه على قافلة المغول وتم قتل قائد الجيش المغولي.
حدث بعدها خلاف بين الظاهر بيبرس وقطز وكان هنالك خطةٌ بين الأمراء شارك به بيبرس لقتل قطز، وبالفعل عندما تم قتله كان هنالك حيرةٌ في اختيار الملك الجديد لمصر، ولكن الاعتماد في النهاية كان على بيبرس، الذي لقب نفسه في بداية حكمه بلقب "القاهر" لكن عدله إلى الظاهر بعد أن أوصاه وزيره بالاستغناء عن هذا اللقب لأنه لم يجلب بالخير لمن لقب نفسه به على مر التاريخ.
أهم المعارك التي خاضها الظاهر بيبرس
معركة عين جالوت
في 3 أيلول من عام 1260، التقى الجيشان (المغول والمماليك) في واحة عين جالوت، القابعة في مرج ابن عامر (سهل زرعين) في فلسطين. كان المغول واثقين بأنفسهم وقدراتهم وتجهيزاتهم من أدوات حربية وخيول أصيلة، ومن جهةٍ أخرى، عرفَ المماليك المنطقة والتضاريس بشكلٍ أفضل من المغول، كما كانت خيولهم أكبر وأسرع.
بادر المماليك بالمعركة عن طريق استخدام بعض الأسلحة النارية لدبّ الرعب في صفوف الخيول المغولية، ظنًا منهم أنه تكتيك جديد، ولكنّ المغول لم يفاجئهم ذلك كثيرًا؛ فقد كانوا معتادين على أسلحة البارود إذ استخدمها الصينيون ضدهم لعدة قرون. استخدم السلطان قُطُز تكتيكًا مغوليًا كلاسيكيًا ضد قوات الملك كتبغا، وبالفعل؛ حصل ما أراده، كما وقع عندها المغول في فخ المماليك، إذ تظاهر أولئك بالتراجع، وعندما اطمئن المغول حيال ذلك، بدأت صفوف المحاربين المماليك بالتدفق من التلال من ثلاث جهات، وبدأ الشّباك وتبادل إطلاق النار. قاتل المغول طوال ساعات الصباح، ولكن في النهاية، تراجع الناجون منهم، إذ كان لا بدّ من ذلك.
رفض كتبغا الفرار مع أعوانه، وبقي صامدًا على حصانه يقاتل، إلى أن تعثّر حصانه (وتقول بعض المصادر أنه أُطلق عليه النار من الأسفل). حذّر كتبغا قُطُز وبيبرس من أن يقتلوه وهددهم بهولاكو خان، ومع ذلك، أمر قُطُز في النهاية بقطع رأس كتبغا. لم يتسنَّ لقطز الوقت ليفرح بعودته إلى القاهرة منتصرًا، إذ وفي طريقه للعودة إلى الدّيار، اغتِيل على يد مجموعة من المتآمرين بقيادة بيبرس كما تقول معظم المصادر. عانى المماليك من خسائر فادحة بعد هذه المعركة، ولكن في المقابل، دُمّرت صفوف المغول تدميرًا شاملًا.
معركة المنصورة
بدأت الواقعة بسقوط مدينة دمياط، حيث وضع المسلمون قواتهم على الضفة الغربية المقابلة لها، وكانت السفن المعادية قابعة مقابل الشاطئ، لم يستولِ الرعب على أهل المدينة في البداية، بل تركوا أبواب مدينتهم مفتوحةـ وبعضٌ منهم ممن عهد إليهم الملك بالدفاع عن المدينة فرّوا هاربين تاركين وراءهم أبواب المدينة مفتوحة، وفاتهم أن يقطعوا الجسر الذي يصل بين دمياط والضفة الغربية للنيل.
دخلّت قوات لويس التاسع دمياط بسهولة بالغة عام 1249، واستولت على ما في المدينة من أسلحة وآلات حربية عظيمة؛ وذُخر وأموال وغيرها. ارتكب الملك لويس خطأً فادحًا هنا؛ فقد استمتع بالغنائم داخل المدينة دون أن يتقدّم، ناسيًا أنه أعطى خصومه وقتًا لتعزيز قواتهم ودفاعاتهم.
أعطى ذلك الملك نجم الدين أيوب الوقت لمعاقبة الفارّين، وأمر بشنقهم، ولم يلبث الصليبيون أن بدؤوا الزحف من دمياط نحو الجنوب، حينها، توفي الملك نجم الدين، وتولّت أمور الإدارة زوجته شجرة الدرّ. وصل الزحف الصليبي بعدها إلى مشارف المنصورة، وهنا؛ ارتكب الصليبيون خطأً استراتيجيًا آخر؛ إذ خرق شقيق الملك لويس التاسع ـ روبرت دي آرتو ـ الخطة الموضوعة، وعبر بحر أشموم مع مقدمة الجيش الصليبي، واقتحم المنصورة.
وصل الصليبيون إلى جدران القلعة، وهناك، كان المماليك متربصين لهم في الشوراع الجانبية، وقد كان الظاهر بيبرس بالنسبة للماليك وكأنه القائد الموعود أو المُنتظر. بلغت المعركة أقصى مستويات الخطورة، واستمرّ المماليك بالضغط على الصليبيين باتجاه البحر، حتى سقط جميع الفرسان فيه ولم ينجُ منهم سوى خمسة.
كان على رأس القتلى روبرت دي آرتو، بالإضافة إلى عدد من أمراء الصليبيين، وهكذا كانت معركة المنصورة مقبرة الجيش الصليبي إذ قُدّر عدد القتلى من الصليبيين بثلاثين ألفًا. قاد المسلمون مَن تبقى من الجيش إلى الأسر، وكان من جملة الأسرى لويس التاسع، الذي أُخذ إلى المنصورة ووُضع في دار ابن لقمان.
الحملة الصليبية الثامنة على تونس (نهاية الحملات الصليبية)
لم تخمد تجربة الحملة على مصر من حماس لويس التاسع، فجاءت الحملة الثامنة نتيجة جهد الأمير تشارلز حاكم صقلية بإقناع لويس بالقيام بها؛ إذ أخبره أن أمير تونس مستعدٌ لتغيير ديانته إلى المسيحية، وبذلك ستُضاف مقاطعة جديدة للمسيحية في نقطة ذات أهمية استراتيجية كبيرة لأي خطوة باتجاه حملة صليبية جديدة، فوافق لويس ورافقه الكثير من أبناء رفاقه الذين خاضوا معه الحملة السابقة.
لكن، لم تنجح هذه الحملة على الإطلاق، فقد أبدى أمير تونس عدم رغبته في تغيير دينه، وأعاد تحصين عاصمته ببناء القلاع، بالإضافة إلى انتشار وباء قد كان عاملًا مساعدًا في سقوط الكثير من الأمراء والجنود الفرنسيين مرضى، ومنهم من توفي. دفع فيما بعد أمير تونس للأمير تشارلز تعويضًا ليرجع إلى إيطاليا وتبددت الحملة. وأما ردة فعل المسلمين؛ فتجسدت في شخص السلطان بيبرس؛ حيث:
- خشي بيبرس من غزو مصر وفلسطين، وكجزء من دفاعه عن البلاد؛ هدم تحصينات عسقلان.
- اهتم بالثغور وحصّنها، خوفًا من مصيرٍ شبيهٍ بمصير المنصورة.
- بعد أن فشلت هذه الحملة بوفاة لويس التاسع، عاد بيبرس إلى فلسطين والشام، ليستولي على صافيتا وحصن الأكراد وعكا والقرين.
وفاة الظاهر بيبرس
توفي الظاهر بيبرس في بداية شهر مايو من سنة 1277 بعد أن دام حكمه نحو 17 سنة، وتم دفنه في المكتبة الظاهرية الموجودة في دمشق التي تعتبر من أهم المكتبات العربية.
بعد وفاة الملك بيبرس جلس ابنه الأكبر ناصر الدين على الحكم، ولكن ليس لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، حيث يشير التاريخ إلى أن أولاده لم يحالفهم القدر في استلام الحكم بعد أبيهم لفترةٍ جيدةٍ وباستقرار.
كان الحاكم التالي الحقيقي للبلاد هو المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي، السلطان الشهير من سلاطين المماليك البحرية.