يرى الكاتب السوري محمد جمعة حمادة، في كتابه «نذير جعفر.. ما يشبه السيرة»، أنَّ الناقد والروائي نذير جعفر لا يميل في كتابته إلى القوالب الجاهزة ذات المعالم المحدَّدة، فثمَّة حرية في الأسلوب تجعل من تصنيف كتابته عملاً محيِّراً للنقاد الأكاديميين ذوي الأحكام السلفية، إذا صح التعبير، والذين يرون في نقده وفي رواياته اختلافاً عمَّا اصطلح عليه.. نقدٌ منفتح على شتى المذاهب والتيارات، وروايته أبعد ما تكون عن الكلاسيكية بشخصيات غير نمطية.
فهي رغم أنَّها بالغة القصر إلاَّ إنَّها موحية وتتضمَّن حياة كاملة والحلم فيها يتخطى الحدود الزمانية والمكانية. ويقول الروائي نذير جعفر: لقد استأثر السرد باهتمامي في المقام الأوَّل لأنَّني ابن بيئة وثقافة شفوية سردية مشبعة بحكايات الشطَّار والجن والسحرة التي ألهبت مخيلتي.
ثمَّ أني بدأت وما زلت أكتب القصة، وأحاول أن أجمع بين مخيلة وإحساس وذائقة المبدع وعقلانية الناقد في كل ما كتبته، ولأنَّني أنطلق من منظومة فكرية جمالية متكاملة فقد ساعدني ذلك على مقاربة بعض الأعمال الشعرية وبعض الأعمال التشكيلية أيضاً، لكن الرواية الآن تكاد تستحوذ على مجمل نشاطي ونتاجي.
ويعتبر المؤلِّف أنَّ عبارة «النص بين الذات والتيه» هي ما ترمي إليه كتابات نذير جعفر النقدية والروائية: أتمثَّلُ له التعبير عن أحلامه التي باتت مستحيلة؟ أم أنَّها تشكِّلُ له انطلاقة لروح سجينة تستطيع أن تحلِّق بأحلامها في فضاء سماء لم تعرف الخيبة؟ ما رؤيته، وعلمه الخاص؟ ما القيمة فيها؟ الواقع يمتزج بالخيال، وتندغم الذات بالآخر.
أتحدَّث عن الرواية لا عن النقد، حيث يتميَّز إبداعه في تجسيد الواقع من خلال أشواق الإنسان العصري الذي يشهد ضياع الأحلام الفردية متكبداً شروط واقع يجافيها بأحداثه اليومية، ممتزجاً بذاكرة أثقلها تاريخ طويل قِوامه الإحباطات النابعة من كونه مكبلاً في الحاضر ويقف عاجزاً أمام بطولات الماضي. ويوضح الكاتب أنه يمثِّل الصراع طابعاً مميزاً في كتابات نذير.
فهو يصارع ذاته، يصارع الآخر، ويصارع الزمن من الخارج والداخل، مع التركيز على الإدراك واللاوعي بالذات والآخر.. صراعٌ بين الحاضر والماضي، بين ما هو في الحاضر وما لا يجب أن يكون في المستقبل، هل هناك بطولة؟ إنَّ أدب نذير هو صورة من نفسه الحية المتماسكة، وما يكتبه هو عصارة جهد وخبرة حياة ومثابرة قراءة يومية.
ويشدد حمادة أن نذير أراد للرواية أن تكون فيضاً نفسياً وتعبيراً صادقاً عن النفس، وهي عنده ليست صناعة ولا مهنة، وإنَّما أفق نفسي يتأبَّى القواعد والقوالب.
وهي بنت ثقافته التي صاغها متأملاً من تجربته وهو يفتش عن الحرية. ويشير إلى أنَّه عاش متنقلاً بين حلب والحسكة والكويت، الحسكة التي نشأت فيها ميوله الأدبية والسياسية وتكوَّنت فيها ثقافته وفي حيِّ «العزيزية» ذلك الحيُّ الطيني المهمَّش، الذي ضمَّنا بحنوه، كما يقول نذير: مسلمين ومسيحيين، عرباً وأكراداً، أشوريين وأرمن، قرباطاً ونوراً، عمَّالاً وفلاحين، حمَّالين ورعاة، مهربين وبائعين متجولين، مرابعين وصغار كسبة.. فامتزجنا بطينه وهوائه ونهره وحقوله وأعشابه البرية، وحكاياته وأحلامه، منذ ستينيات القرن الماضي.
وقد كانت متعتنا الأثيرة (التدخين). ويرى المؤلف أن مقاهي حلب ودمشق، مثل مقهى القصر بحلب واللاتيرنا والروضة بدمشق، كان لها الدور الأبرز في تكوين نذير الثقافي. وعن سيرته في الكويت، حيث تعاقد للعمل مدرِّساً، يروي نذير: الكويت منحتني فضاءً حراً تفتَّحت فيه إمكانياتي وتعمَّقت خبرتي الحياتية وتجربتي الأدبية والنقدية...
ويستنتج حمادة بأنَّ نذير في كتاباته النقدية والروائية يطرح علينا الأسئلة أكثر ما يقدم لنا أجوبة. لأنَّ السؤال ينحاز إلى الحرية، والأجوبة وهمٌ وخداعٌ تنحاز إلى القمع والتبرير.. إنَه يكتب للمجتمع من أجل غدٍ أفضل.
المؤلف في سطور
محمد جمعة حمادة. كاتب وباحث سوري. صدرت له أعمال عدة، منها: كمال ناصر شاعراً ومناضلاً، ثلاثاء الرماد، فاتح المدرِّس... جمر تحت الرماد.
الكتاب: نذير جعفر.. ما يشبه السيرة/ حوار وقراءة
تأليف: محمد جمعة حمادة
الناشر: وزارة الثقافة – دمشق 2016
فهي رغم أنَّها بالغة القصر إلاَّ إنَّها موحية وتتضمَّن حياة كاملة والحلم فيها يتخطى الحدود الزمانية والمكانية. ويقول الروائي نذير جعفر: لقد استأثر السرد باهتمامي في المقام الأوَّل لأنَّني ابن بيئة وثقافة شفوية سردية مشبعة بحكايات الشطَّار والجن والسحرة التي ألهبت مخيلتي.
ثمَّ أني بدأت وما زلت أكتب القصة، وأحاول أن أجمع بين مخيلة وإحساس وذائقة المبدع وعقلانية الناقد في كل ما كتبته، ولأنَّني أنطلق من منظومة فكرية جمالية متكاملة فقد ساعدني ذلك على مقاربة بعض الأعمال الشعرية وبعض الأعمال التشكيلية أيضاً، لكن الرواية الآن تكاد تستحوذ على مجمل نشاطي ونتاجي.
ويعتبر المؤلِّف أنَّ عبارة «النص بين الذات والتيه» هي ما ترمي إليه كتابات نذير جعفر النقدية والروائية: أتمثَّلُ له التعبير عن أحلامه التي باتت مستحيلة؟ أم أنَّها تشكِّلُ له انطلاقة لروح سجينة تستطيع أن تحلِّق بأحلامها في فضاء سماء لم تعرف الخيبة؟ ما رؤيته، وعلمه الخاص؟ ما القيمة فيها؟ الواقع يمتزج بالخيال، وتندغم الذات بالآخر.
أتحدَّث عن الرواية لا عن النقد، حيث يتميَّز إبداعه في تجسيد الواقع من خلال أشواق الإنسان العصري الذي يشهد ضياع الأحلام الفردية متكبداً شروط واقع يجافيها بأحداثه اليومية، ممتزجاً بذاكرة أثقلها تاريخ طويل قِوامه الإحباطات النابعة من كونه مكبلاً في الحاضر ويقف عاجزاً أمام بطولات الماضي. ويوضح الكاتب أنه يمثِّل الصراع طابعاً مميزاً في كتابات نذير.
فهو يصارع ذاته، يصارع الآخر، ويصارع الزمن من الخارج والداخل، مع التركيز على الإدراك واللاوعي بالذات والآخر.. صراعٌ بين الحاضر والماضي، بين ما هو في الحاضر وما لا يجب أن يكون في المستقبل، هل هناك بطولة؟ إنَّ أدب نذير هو صورة من نفسه الحية المتماسكة، وما يكتبه هو عصارة جهد وخبرة حياة ومثابرة قراءة يومية.
ويشدد حمادة أن نذير أراد للرواية أن تكون فيضاً نفسياً وتعبيراً صادقاً عن النفس، وهي عنده ليست صناعة ولا مهنة، وإنَّما أفق نفسي يتأبَّى القواعد والقوالب.
وهي بنت ثقافته التي صاغها متأملاً من تجربته وهو يفتش عن الحرية. ويشير إلى أنَّه عاش متنقلاً بين حلب والحسكة والكويت، الحسكة التي نشأت فيها ميوله الأدبية والسياسية وتكوَّنت فيها ثقافته وفي حيِّ «العزيزية» ذلك الحيُّ الطيني المهمَّش، الذي ضمَّنا بحنوه، كما يقول نذير: مسلمين ومسيحيين، عرباً وأكراداً، أشوريين وأرمن، قرباطاً ونوراً، عمَّالاً وفلاحين، حمَّالين ورعاة، مهربين وبائعين متجولين، مرابعين وصغار كسبة.. فامتزجنا بطينه وهوائه ونهره وحقوله وأعشابه البرية، وحكاياته وأحلامه، منذ ستينيات القرن الماضي.
وقد كانت متعتنا الأثيرة (التدخين). ويرى المؤلف أن مقاهي حلب ودمشق، مثل مقهى القصر بحلب واللاتيرنا والروضة بدمشق، كان لها الدور الأبرز في تكوين نذير الثقافي. وعن سيرته في الكويت، حيث تعاقد للعمل مدرِّساً، يروي نذير: الكويت منحتني فضاءً حراً تفتَّحت فيه إمكانياتي وتعمَّقت خبرتي الحياتية وتجربتي الأدبية والنقدية...
ويستنتج حمادة بأنَّ نذير في كتاباته النقدية والروائية يطرح علينا الأسئلة أكثر ما يقدم لنا أجوبة. لأنَّ السؤال ينحاز إلى الحرية، والأجوبة وهمٌ وخداعٌ تنحاز إلى القمع والتبرير.. إنَه يكتب للمجتمع من أجل غدٍ أفضل.
المؤلف في سطور
محمد جمعة حمادة. كاتب وباحث سوري. صدرت له أعمال عدة، منها: كمال ناصر شاعراً ومناضلاً، ثلاثاء الرماد، فاتح المدرِّس... جمر تحت الرماد.
الكتاب: نذير جعفر.. ما يشبه السيرة/ حوار وقراءة
تأليف: محمد جمعة حمادة
الناشر: وزارة الثقافة – دمشق 2016