جمال ملحم " إبن بطوطةالسوري :
أوس أحمد أسعد
بكتابه الشائق" رحلة في البحارالأربعة من الدريكيش إلى مانغاليا..يحيي الشاعرالراحل جمال ملحم روح ادب الرحلات التاريخي المعروف بسرده الممتع الشاعري الذي ينم عن ذائقة وشفافية عاليةوثقافة رفيعة، يقول:إنني وفي العميق من ذاتي، أقرأ بقوة إنني قمت بهذه الرحلة لأجلو لنفسي كوامنها المستخفية، ولأكتشف المجهول في ذاتي والغامض في إحساسي ولربما كان آخر وأعظم درس لي في هذه الرحلة هو إن مسالك الأماني غير مسالك الحياة..
عندما اردت الذهاب إلى موضع خفي من النهر بين الاشجارالملتفة قلت لأخي ولرفيقنا الاكبر" علوش"وكان في نحو الخامسة عشر ويزيدنا سنتين: انظروا إلى ظهر الفتاة وشعرها..نعم ظهرها قد علق عليه آثار قش يابس كذلك على شعرها الأجعد المرخي على ظهرها وكانت لوحدها مع الطحان قبل مجيئنا.ننظر جميعنا ونضحك بخبث،ونقول بصوت خفيض: نعم معنى ذلك كانت مستلقية على ظهرها..
منذ عامين فقط2001م زرت لاول مرة قرية " جيبول " قاصدا بيت صهري واختي " فاطمة " احسست والسيارة تصعد بنا من مدينة " جبلة " الساحلية مخترقة تلك الجبال نحو " جيبول" انني أقترب شيئا فشيئا من السماء..دهمتني ابهة الجلال وأنا ارى ذلك البيت تحيط به أشجار السنديان الدهرية الباسقة، كان بيتهم أشبه بالمعبد او المزار..جيبول وسنديانها استحقا من روحي ان اغني لهما: / محروسة بالسنديان على
قماتها هيابة الكبر
جيبول كل منور عطر
لك من سماء الله فانهمري /
شجيرة الآس هذه النضرة الساحرة الرائحة الزاكية الخضراء على الدوام في كل الفصول..من اوراقها كانت الامهات تصنع سائلا عطريا جميلا فتقوم بدق الاوراق حتى تصبح مسحوقا ناعماوتعبق رائحته ملء البيت ثم يمزج بالزيت ويدهن بهذا السائل العطري جسم الطفل المولود لثلاثة او خمسة أيام من ولادته ..لن اسال اي طبيب او عالم عن مدى جدوى هذا الامر او صحته علميا، فساظل على إعتقادي به سواء اكانت جدواه حقيقية ام باطلة.ماأروع ان يرش الإنسان عطرا نحو المستقبل سواء ابقي هذا العطر ام فني في فضاء الزمن...ومن الطقوس الجميلة التي شهدتها في النصف الثاني من القرن العشرين طقس الاعراس في الريف.ومن الأغنيات التي كنت اسمعها تتكرر في الأعراس : "تدحرجي ياحنطة صليبي بنت البيت مو رايحا غريبي...لاإما ولا بيا عطوها غير الله كتاب النصيبي ".