إذا أراد المسرح العربي إنقاذ نفسه عليه بالعروض الكبرى.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إذا أراد المسرح العربي إنقاذ نفسه عليه بالعروض الكبرى.

    الأكاديمية المغربية أمل بنويس: المسرح لا يعاني من أزمة جمهور بل أزمة إنتاج وإشهار وتسويق


    إذا أراد المسرح العربي إنقاذ نفسه عليه بالعروض الكبرى.



    يجب أن نسأل: عمّ يبحث المتلقي العربي؟

    تتناسل إشكاليات المسرح من بعضها البعض تماما كما هو واقع الإنسان، فهو في الحقيقة الفن الأكثر ارتباطا بالإنسان، من خلال ما يرسخه من أسئلة وإشكاليات تتجاوز حدود الجمالية إلى مسائل فلسفية ووجودية حتى. ولكن الفن المسرحي يعرف تراجعا في الإقبال عليه وفي إنتاجه خاصة في الوطن العربي، وهو ما يدعو إلى وقفة تأمل وتفكير جدية. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الأكاديمية المغربية أمل بنويس في إثارة لبعض الأسئلة الملحة حول واقع المسرح العربي.

    تواصل الأكاديمية المغربية أمل بنويس متابعة راهن المسرح في المغرب وفي الوطن العربي ككل طارحة تصورات حول قضايا مختلفة تخص المسارح العربية في تعدد مشاربها وأنماطها وأنواعها حتى.

    ومؤخرا كان لها حضور بارز في الدورة الثالثة من مهرجان بغداد الدولي للمسرح حيث ناقشت مسألة التمسرح وإشكالاتها المتعددة من زوايا مختلفة، وهو ما تتحدث فيه إلى “العرب” في هذا الحوار.
    المسرح والجمهور والتلقي


    العرض الكبير ليس بالضرورة بالتكنولوجيات المتوفرة فيه وإنما بتكامله وقدرته على لفت انتباه المتلقي

    العرب: تعقيبا على عنوان الجلسات الفكرية للدورة الثالثة من مهرجان بغداد الدولي للمسرح والتي كنت مساهمة فيها، حول التمسرح والتلقي هل هناك مشكلة تلقّ متعددة المستويات في المسرح عربيا؟

    أمل بنويس: طبعا المسرح العربي يعرف تنوعا على جميع المستويات، تنوع على مستوى الكتابة، الإخراج، التحققات المشهدية، اشتغالات السينوغرافيا، هناك اجتهاد كبير من طرف المبدعين وخاصة الشباب، وبالتالي تختلف وجهة نظرنا حول هذا المسرح، وحتى تلقيه من مكان إلى آخر، حسب الجغرافيا وحسب التموقع في الخريطة العربية. يعني ما يمكن أن يكون أو يشكل عرضا جيدا في مسارح المغرب العربي (مثلا في الجزائر، تونس، المغرب) قد يجد صعوبة في تلقيه في المشرق، اعتبارا للاختلافات الجغرافية والسوسيوثقافية لهذه البلدان.

    ويختلف التلقي على مستوى التحقق البصري من حيث الاجتهادات والتكنولوجيات الموظفة والتقنيات المعتمدة، قد يكون التلقي مختلفا من مكان إلى مكان ومن فنان إلى فنان آخر، وقد يصعب على بعض المتلقين – وهذا نلاحظه في المهرجانات العربية – إذ نرى عدم استساغتها للتقنيات الجديدة على المسرح وعدم استحسانها لبعض التقنيات الحديثة التي لم يعتد عليها الجمهور وتشكل موجة حديثة بالنسبة إليه، يعني يكون التلقي صعبا.

    في المسرح هنالك مستويات متعددة في التلقي وهناك ما هو أكبر من مجرد مشكلة، هناك إشكالية قد ينظر إليها كل شخص من وجهة نظره الخاصة وقد لا نتفق على الجواب.

    العرب: هل هناك أزمة جمهور اليوم يواجهها المسرح العربي؟

    الجمهور بات ينفر من الخشبات والأماكن الضيقة، ربما علينا إعادة النظر حتى في البنايات المسرحية وشكلها

    أمل بنويس: ربما قد أجبتك عن هذا السؤال من خلال الجواب السابق، إذ ليس لدينا أزمة جمهور، لدينا أزمة إشهار وتسويق للمسرح، لأن الإعلام عندما يريد أن ينجح تظاهرة موسيقية يقوم بتقديم كل الإمكانات المتاحة لدعم هذه التظاهرة الفنية أو إيصالها.

    العرب: الإشكال لو نقارن السينما بالمسرح من ناحية الإقبال، ليس لهما نفس الزخم الجماهيري، هل انفصل المسرحيون عن جمهورهم؟

    أمل بنويس: الجمهور يبحث عن الأشياء التي تعجبه، والمسرح يعيش اليوم تنافسا أو تنافسية حادة أمام وسائل التواصل، أمام القنوات التلفزية، أمام منصات مثل نتفليكس، هذه الوسائط التي قربت كل وسائل المتعة وكل وسائل الفرجة للمتلقي وجعلتها متاحة له في مسكة يد.

    مع غياب دعم المسرح لن نجد جمهورا يأتي إلى المسارح. كما ينفر الجمهور من تدني جودة العروض التي تقدم له، فالمتلقي أصبح على درجة من الوعي في التلقي. ولذا سيكون من الصعب خوض هذا التحدي.

    من ناحية أخرى فإن حضور المسرح في المناطق البعيدة عن المركز مرتبط بسياسة الدولة، المسرح فن مدني ارتبط بحياة المدينة والحواضر منذ الإغريق إلى اليوم. لكن يبقى على الدول إيصال هذا الفن إلى المناطق الصغيرة والمحافظات البعيدة التي قد يكون له فيها أثر.
    المسرح والتكنولوجيا



    كيف يتخطى المسرح مآزقه


    العرب: المسرح والتكنولوجيا الحديثة، أليس من تناقض وسطحية أحيانا في محاولات الجمع بينهما بلا وعي؟

    أمل بنويس: أحيانا يكون توظيف التكنولوجيا في العرض المسرحي مجانيا لا يفيد العرض ولا يخدمه بتاتا. بيتر بروك أدى عروضا كبيرة جدا وهو فنان عالمي بكل المقاييس، ولكنه لم يستعمل التكنولوجيات المتطورة العالية التقنية، بل استعمل الفضاء الفارغ من أي مقومات، ولكنه اشتغل على أشياء أخرى، أكيد كانت هنالك إضاءة وتقنيات عالية، ولكنه لم يعتمد على وسائط الميديا المتقدمة.

    عموما يمكننا أن نصنع عروضا بأبسط الوسائل الممكنة، المهم هو الاشتغال على مسرحة العنصر الذي يريده هذا الفنان، مثلا الجسد، يمكننا أن نذهب به إلى أبعد حد فيه، استغلاله واستثمار قدرات المؤدين. يمكننا أن نشتغل على السينوغرافيا مثلا وتكون هي البطل في العرض المسرحي، يمكننا أن نشتغل على الإخراج وعلى الرؤية البصرية أو حتى على الفكرة، فكرة المسرحية قد تكون هي الأساس في العمل المسرحي، مسرحة الكلمات، مسرحة الصمت، مسرحة اللغة، كلها عناصر يمكننا أن نصنع منها عروضا كبرى.

    حضور التكنولوجيات لا يفسد بقدر ما هو أصبح موضة، الكل يعتمده من أجل البعد التجميلي.



    العرب: هل يمكن مسرح على منصات البث التدفقي مثل نتفليكس التي سبق وقامت بالتجربة ولو أنها كانت متواضعة؟

    أمل بنويس: المسرح هو فن للحضور الفيزيقي في نفس المكان العرض، هذا شرط أساسي، حضور المؤدي أو الفنان في نفس المكان مع المتلقي وبشكل مباشر.

    يعني شرط أساسي التواجد مع المتلقي في نفس المكان والتفاعل الحسي الآني وهذا شرط يجعل المسرح يخرج من نطاق الأفلام والمسلسلات، هو فن مختلف.

    العرب: خلال ما يمكن تسميته بـ”فترة الكورونا” وحالة الإغلاق التي عرفها العالم توقيا من هذا الفايروس، كان هناك الكثير من العروض التي قدمت بشكل افتراضي، ما تعليقك على ذلك؟

    أمل بنويس: تلك الأعمال هي مسرحية مسجلة ولكن ليس فيها أثر تشعر به.

    العرب: يستورد المسرحيون العرب تقنيات كثيرة من خارج المسرح مثل السينما، كيف يمكن أن تفيد بشكل لا تبدو مسقطة؟

    أمل بنويس: أظن أنني سبق وقلت إن مسرحة هذه العناصر تحتاج إلى بحث فني تجريبي، يعني كل فنان أراد أو أعجب بالسينما مثلا وأراد أن يجلب منها تقنيات ما إلى المسرح، عليه أن يخوض بحثا، وأن يدرس السينما، يدرس التقطيع السينمائي واللوحات السينمائية، حتى يستطيع تمريرها إلى المسرح.

    العرب: أحيانا هناك الكثير من المسرحيين يقارنون الأعمال المسرحية بالأعمال السينمائية، ما تعليقك؟

    أمل بنويس: لا مجال للمقارنة حقيقة. لاحظت من يقومون بمقارنات من هذا القبيل.

    أظن أن كل مجال من هذين المجالين له خصوصياته، المسرح والسينما مختلفان تماما، ولا يمكن مقاربتهما بنفس الطريقة ولا بنفس الوسائل ولا الآليات، نتحدث عن آليات أخرى. لذا المقارنة خاطئة.
    أزمة إنتاج أولا



    الأزمة التي يواجهها المسرح أساسا هي أزمة في الإنتاج


    العرب: المسرح في جوانب كثيرة منه تحريضي خارج منطق السوق، كيف ندخل به السوق؟

    أمل بنويس: المسرح التجاري وجه من أوجه المسرح. مثلا في فرنسا هناك مسارح صغيرة تقدم الفودفيل.

    في المغرب لدينا مسارح تعتمد على الشباك فقط للإضحاك، وهي ناجحة بشكل كبير، تقوم بعروض مقفلة الشباك، كل التذاكر تباع قبل العرض بأيام.

    لكن عندنا عروضا تجريبية لا تجد لها مشاهدا ولو بالمجان، لأن المشاهد أحيانا يحدد نجاح العمل.

    عودة إلى السؤال الأول لدينا إشكالية تلقّ، عن ماذا يبحث المتلقي العربي؟ هل يبحث عن المتعة والضحك المجاني؟ الإشكال الذي يجب أن يطرح هو أي متلقٍ نبحث عنه، وكيف نخوض غمار السوق بإنتاجات مسرحية؟

    أنا أرى أنه إذا توخى كل فنان إنتاج أعمال كبرى سيجد لها مقتنيا ومنفذا إلى السوق، مثلا العرض الذي رأيناه في افتتاح مهرجان بغداد الدولي للمسرح، هذا عرض كبير، عرض يستطيع تسويق نفسه بنفسه والمرور إلى عدة دول، وتقتنى التذاكر له، لأنه عرض جمالي وفيه عمل جماعي كبير وفيه اشتغال داخل ورشات بشكل يومي، تشعر بعمل فريق عمل دائم، عمل مستمر لتحقيق هذا العطاء.

    في غياب جمهور يقتني التذاكر، الدولة تتحمل هذا العبء ولكن الحل هو إنتاج أعمال تسوق نفسها بنفسها

    العرب: المسرح والصناعة الثقافية، هل تحرر المسرح من الدولة؟ كيف ترين سبيل خروج المسرح من دائرة دعم الدولة؟

    أمل بنويس: سياسة الدعم ليست سيئة، في غياب جمهور يقتني التذاكر، الدولة تتحمل هذا العبء، ولكن الحل هو إنتاج أعمال تسوق نفسها بنفسها وهذا لا يتم ولن يأتي إلا بجودة الأعمال، أعمال يمكنها أن تنافس الأعمال الأجنبية في الملتقيات الكبرى والملتقيات العالمية، أعمال يكون فيها اشتغال كامل لكل الفنانين والتقنيين من أجل إنتاج عرض كبير.

    العرض الكبير ليس بالضرورة بالتكنولوجيات المتوفرة فيه وإنما بتكامله، وهذه العروض قادرة على لفت انتباه المتلقي الموجود في أي مكان. وهذا يكون من خلال القدرة على خلق عرض بمواصفات إنسانية.

    الأزمة التي يواجهها المسرح أساسا هي أزمة في الإنتاج، فحتى المنتجين يبحثون عن قطاعات مضمونة النجاح، أن أنتج فيلما لمخرج كبير سوف يباع ويقتنى في مهرجانات متعددة، قد يفوز ويجلب جوائز، يعني قد يمثل نفسه بنفسه، أسهل من أن أدعم عملا مسرحيا كبيرا وقد لا ينجح، هكذا يفكر المنتجون.

    من ناحية أخرى الجمهور بات ينفر من الخشبات والأماكن الضيقة، ربما علينا إعادة النظر حتى في البنايات المسرحية وشكلها وفي نمط تسويقها.

    لم لا نرى في التلفاز إلى جوار إشهار المواد الغذائية وغيرها إشهارات لأعمال مسرحية، أو وضع برامج مسرحية، ومثلما هناك إشهار للأفلام يكون هناك إشهار للمسرحيات المبرمجة خلال الأسبوع أو الشهر، يجب أن نفكر أولا في تسويق تدعمه الدولة، ثم الفنانين.

    العرب: هل يمكن للعرب خلق برودواي عربي، علما بأنه مسرح يقدم أعمالا وسطية لا هي مبتذلة ولا هي بمستوى عال، مثلا استعادة نصوص شكسبير وغيرها؟

    أمل بنويس: ليست عندي مشكلة في استعادة النصوص الكبرى. مثلا مهرجان بغداد باستثناء عرض بسيكوز لسارة كين الذي تم عرضه، تغيب النصوص الكبرى لشكسبير وغيرها. لماذا لا تتم استعادة النصوص المسرحية الكبيرة وإعادة الاشتغال عليها بطريقة أخرى؟

    الحل هو إنتاج أعمال تسوق نفسها بنفسها وهذا لا يتم ولن يأتي إلا بجودة الأعمال

    إمكانية خلق مسرح يلم أشتات العرب هي إشكالية مرتبطة حتى بالاختلافات اللغوية واختلاف اللهجات، والآن كل منطقة عربية تشتغل بلهجتها، لم تعد وحدة اللغة هي الرابط الذي يدور عليه المسرح العربي.

    ربما يمكن خلق مسارح تشبه برودواي، أظن أن مصر مثلا تحاول صنع هذا النمط ولكن يغلب عليه التهريج. أظن أن الإمكانية متاحة، طبعا، ولكن يجب أن تكون هناك إرادة واتفاق من الدول والشركاء والجمعيات حتى نعمل بنفس النسق، إذا كنت تتحدث عنه كظاهرة تنتشر في العالم العربي.

    الآن إحدى قنوات “mbc” تقدم نوعا من المسرح، وأظن هي رؤية لا تختلف كثيرا عمّا أشرت إليه، لكنها تبقى أعمالا للتلفزة تأتي بنصوص وممثلين على أساس تقديم عروض في درجة متوسطة من الصعوبة، يعني لا تبحث عن المتلقي العارف، كما أنها ليست مبتذلة.

    شاهدت مجموعة من الأعمال لممثلين مغاربة، بلغة فصحى، وهو ما نسميه مسرحا مصورا، في قاعة محدودة، ومعروفة. كل فرقة تأتي إلى تلك القاعة لتقديم العرض ثم يصور ويبث.

    العرب: حجة عدم فهم اللهجات تبدو واهية، بدليل أن الكثير من العروض من تونس والمغرب لاقت نجاحا كبيرا في المشرق، كيف ترين ذلك؟

    أمل بنويس: أكيد. المشكل أننا ننتظر دائما نفس الاتجاه في المسرح في حين أن المسرح هو اتجاهات متعددة.

    يمكن أن أقبل بمسرح كلاسيكي يعيد كورنيه وموليار فوق الخشبة برؤية إخراجية حديثة. كما يمكن أن أتابع عملا معاصرا لسارة كين فوق الخشبة.

    هناك اختلافات كبيرة على مستوى النصوص ومستوى الرؤية. ولكل مسرح ميزته، المغربي لديه إشكالاته، التونسي أيضا، وهذا الأخير عنده شكل خاص وميزة أو وسمة.
    المسرح المغربي



    المسرح يعيش اليوم تنافسية حادة


    العرب: طفرة في المسرح المغربي، تجارب فردية أم حركية جماعية؟

    أمل بنويس: حسب معرفتي وأنا دارسة للمسرح المغربي عن قرب، أظن أننا بصدد تحولات، وهناك تجريب كبير للتقنيات وهناك أشكال مسرحية وليس شكلا واحدا، هناك من يشتغل فقط على الجسد وهناك من يشتغل على تشكيل الفضاء المسرحي وهناك من يشتغل على الأداء وعلى الصوت، هناك تقنيات جديدة تستعمل، ومن حق الفنانين خوض التجارب.

    هل هي طفرة حقيقية يشهدها المغرب أو هل يصح لنا تسميتها بـ”طفرة” نظرا إلى توظيف بعض التقنيات الحديثة والتكنولوجيات؟

    هذه سمة العديد من المسارح لا المسرح المغربي فحسب، حتى في المسرح العراقي مثلا شاهدت عروضا ممّا يسمى بـ”ما بعد الدراما”، عروض تبتدئ خارج قاعات المسارح ومن ثم على الخشبة، وتقدم بقوة وبتوظيف صورة في غاية الدقة والروعة.

    العرب: هل يقود الجيل الجديد وعي في التجريب؟

    أمل بنويس: أظن ما يميز بعض المبدعين المغاربة هو تحفزهم للمعرفة العلمية. تجد أن أبرز الفنانين اليوم هم طلبة ماجستير ودكتوراه في المجالات الفنية ويقومون بالاستمرار في التكوين وبالبحث النظري، ثم يقومون في نفس الوقت بالاشتغال على تقنيات جديدة وتطوير مهاراتهم الخاصة.

    لدينا مجموعة من المخرجين حاصلين على شهائد ماجستير في الفنون ودكتوراه، هناك اجتهاد معرفي، وأظن أن أي جمع بين النظرية والتطبيق قد يعطينا أعمالا على قدر من الجودة.



    محمد ناصر المولهي
    كاتب تونسي
يعمل...
X