استنساخ "سيدتي الجميلة" يؤكد فشل المسرح المصري في تقديم الجديد
احمد جمال
موسم الرياض يعيد إنتاج مسرحية ويتسبب في زوبعة فنية في القاهرة.
الخميس 2022/12/08
المسرحية تضع أحمد السقا في مقارنة مع فؤاد المهندس
قرر موسم الرياض إعادة إنتاج مسرحية “سيدتي الجميلة” بعد ثلاث وخمسين عاما على إنتاجها في مصر، بطاقم عمل مصري، ما أثار موجة من النقد اللاذع والسخرية للمسرح المصري والممثلين المشاركين في العمل من بينهم النجم أحمد السقا، حيث رأى بعض النقاد أن إعادة الأعمال القديمة يؤكد فشل المسرح المصري في إنتاج أعمال جديدة تواكب العصر.
القاهرة - أثار الملصق الدعائي للنسخة الجديدة من مسرحية “سيدتي الجميلة” المقرر عرضها في موسم الرياض قريبا جدلاً فنيًا واسعًا في مصر، بين مؤيدين لإعادة استنساخ الأعمال المسرحية القديمة وتقديمها بشكل يتماشى مع التطورات الفنية الحالية، وبين آخرين يرون أنه تجديد يُخلّ بالعمل الأصلي الذي حقق نجاحاً جماهيرياً كبيرا، ويعد أحد أبرز روائع المسرح الكوميدي في مصر.
طالت الانتقادات على نحو أكبر أبطال المسرحية الجديدة، وفي مقدمتهم الفنان المصري أحمد السقا الذي يُعيد تقديم شخصية الفنان الراحل فؤاد المهندس، والفنانة ريم مصطفى التي تقدم دور الفنانة الراحلة شويكار في المسرحية التي بدأت أولى عروضها عام 1969.
وأثار البعض من النقاد تساؤلات منطقية حول الأسباب التي تدفع إلى إعادة تقديم أعمال قديمة في ظل التراجع الملحوظ في أداء المسرح المصري وأعماله الإنتاجية التي لم تحقق نجاحاً في السنوات الماضية، ولم تثبت جدارتها الفنية.
ياسر صادق: إعادة تقديم مسرحيات قديمة لن يقتصر على "سيدتي الجميلة"
يشارك في بطولة المسرحية الجديدة المقرر عرضها خلال موسم الرياض أحمد السقا وريم مصطفى ومحمد عبدالرحمن وعلاء مرسي، وكتب المؤلف أيمن بهجت قمر المعالجة الدرامية برؤية جديدة عن والده بهجت قمر الذي قام بتعريب النسخة الأولى من المسرحية، ومن إخراج حسن عبدالسلام.
وتعد “سيدتي الجميلة” من أهم روائع الكاتب المسرحي العالمي برنارد شو مأخوذة عن المسرحية العالمية الشهيرة “بغماليون” وجرى تقديم العديد من النسخ المستوحاة منها والمأخوذة عنها على صعيدي المسرح والسينما بلغات عديدة حول العالم.
وتبدو مبررات إعادة تقديمها في الوقت الحالي مقنعة لأسباب ثقافية عالمية، وأخرى ترتبط بإعادة تقديم التراث المسرحي المصري، أو حتى على المستوى التجاري، ومن المتوقع أن تجذب الجمهور ضمن فعاليات موسم الرياض.
ومنذ الإعلان عن المسرحية في ثوبها الجديد وظهور الملصق الإعلاني لها يتبارى تياران فنيان في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبنى التيار الأول رؤية معارضة لإعادة تقديم العمل الأصلي لأنه مازال يُعرض على شاشات التلفزيون ولا حاجة لإعادة تقديمه برؤية مغايرة، كما أن المقارنة بين الأبطال الحاليين والسابقين، حيث ظهر الانحياز واضحا لفؤاد المهندس ورفاقه.
ويرى هذا الفريق أن إقدام ممثلين كبار مثل فؤاد المهندس وفريد شوقي وغيرهما على تقديم تراث نجيب الريحاني المسرحي مثلاً جاء بدافع منطقي، لأن المسرحيات لم تكن مصورة في حينه ولم يشاهدها عدد كبير من الجمهور، ما تطلّب عرضها مرات عديدة وفي أزمنة وأوقات مختلفة للحفاظ على التراث القديم.
وأخذ الفريق الثاني على عاتقه مهمة الدفاع عن إعادة تقديم التراث المسرحي، واستشهد أعضاؤه بالعديد من المسرحيات التاريخية أبرزها على سبيل المثال “هاملت” التي جرى إعادة تقديمها برؤى مختلفة وفي دول عديدة، كما أن ثيمة أسطورة “بغماليون” ذات قالب مغر يسمح بتقديمه بشكل متنوع، وتم تكرار ذلك في أعمال المسرحية.
محمد رفعت: المسرح المصري يعاني من الاستسهال لذلك يلجأ إلى القديم
ودافع المؤلف والشاعر أيمن بهجت قمر عن وجهة نظره بشأن إعادة تقديم المسرحية في تصريحات إعلامية، قائلاً “إنه قصد تسمية المسرحية بنفس الاسم لأنه يرى أن الأجيال الجديدة لا تشاهد الأعمال القديمة التي قدمت بالأبيض والأسود، وأن المسرحية الجديدة مزيج بين روح العمل القديم والزمان الآني”.
وبرر خطوته بأن إعادة نشر الأعمال الكلاسيكية مفيد في البداية للحركة الفنية، والمتلقي سيشاهد أعمالا قوية لا تتكرر، ويسعى لإعادة إحياء الأغاني الخاصة بالمسرحية وقام بإعادة توزيع موسيقي جديد بعد الحصول على التصاريح القانونية والفنية اللازمة.
وينحصر جزء من الهجوم الذي واجه قمر وأبطال المسرحية في أن العمل ليس مخصصا للعرض داخل مصر، ما يعني أنه لن يسهم في إثراء حركة المسرح المصري الذي يواجه عزوفاً من قبل عدد كبير من الفنانين، وأن بطل “سيدتي الجميلة” في شكلها الجديد، الفنان أحمد السقا لم يقف على خشبة المسرح منذ عشرين عاماً حينما قدم مسرحية “كده أوكية” التي لم تحقق نجاحاً جماهيريا.
وقال رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية في مصر ياسر صادق إن تقديم “سيدتي الجميلة” لا يمكن اعتباره استنساخا للتجربة القديمة، والهدف من إعادة العرض يتمثل في الاحتفاء بذكرى أحد روائع المسرح المصري الكوميدي (فؤاد المهندس)، وهو أمر يحدث بشكل مستمر عبر المسرحيات التي يقدمها المسرح القومي، ويصعب تقييم التجربة قبل عرضها على خشبة المسرح.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن اختصار وقت المسرحية من أربع ساعات إلى ساعتين، وفقًا لما هو مقرر عرضه في موسم الرياض، أمر منطقي لأن المسرحية يتم تقديمها برؤية تتماشى مع الواقع الراهن، والذي يصعب فيه على الجمهور مشاهدة مسرحية كاملة بعدد ساعات طويلة، وأن تقديم أغاني أم كلثوم الكلاسيكية مثلاً في الوقت الحالي يأتي في أوقات كثيرة مختصراً كي يتلاءم مع طبيعة الجمهور.
وأشار إلى أن تقديم أعمال مسرحية جديدة يتطلب إعداداً لفترات طويلة قد يستمر ذلك نحو عامين أو أكثر، في حين أن هناك أهدافا تجارية وترفيهية لموسم الرياض تدفع نحو ضرورة تقديم عمل مسرحي قديم برؤية جديدة، وفي الوقت الحالي يجري الإعداد لتقديم أكثر من مسرحية مصرية جديدة لكنها مازالت في طور الإعداد.
ولدى البعض من النقاد والمسرحيين في مصر قناعة بأن تقديم عمل مسرحي له شهرة جماهيرية في أحد المهرجانات العربية أفضل من تقديم عمل جديد ضعيف فنيًا أو جرى إعداده بشكل سريع، ما يعود بالسلب على صورة المسرح المصري.
ويقتنع هؤلاء بأن النجاح الذي حققه “مسرح مصر” بقيادة الفنان أشرف عبدالباقي نجح في تقديم عدد من المواهب الفنية، لكنه لم يشكل إضافة حقيقية للمسرح المصري.
وفي الوقت الذي يستعد فيه موسم الرياض لتقديم “سيدتي الجميلة” برؤية جديدة فإن المسرح القومي في مصر، وهو تابع لوزارة الثقافة، يستعد أيضَا لعرض مشابه مستوحى من المسرحية نفسها تحمل اسم “سيدتي الجميلة جداً” من إخراج محسن رزق وبطولة أحمد وفيق وداليا البحيري وفريد النقراشي وعزت زين، ومن المقرر عرضها قريبا.
وذكر ياسر صادق لـ”العرب” أن هذه المسرحية تختلف عما يقدمه أيمن بهجت قمر وأن الشخصيات لها أبعاد مغايرة، لكنها تدور حول فكرة رئيسية تتعلق بصراع الطبقات، وأن صانع المسرحية المقرر عرضها على المسرح القومي بمصر تدخل لوضع رؤية جديدة بخلاف تجربة موسم الرياض التي أعدها أيمن قمر، وبالتالي لا يمكن القول إن ما سوف يتم عرضه في القاهرة هو إحياء لتراث قديم.
وفجّر تقديم المسرحية بنجوم من مصر في موسم الرياض حساسية بدأت تظهر إلى العلن بين المهرجانات الفنية العربية، خاصة أن السعودية تتجه نحو الاستعانة بنجوم بزغوا في مصر، وهو ما يخلق منافسة فنية قد تنحرف عن مساراتها الفنية والتجارية.
وأكد الناقد الفني محمد رفعت أن مقياس التعامل مع أيّ عمل مسرحي مستوحى من عمل قديم يتمثل في طريقة التناول وما إذا كان العمل الجديد يُضيف للمسرحية الأصلية من عدمه، وقدرة صناع العمل على تقديم المسرحية بوجهة نظر مغايرة لما كانت عليه، مثل المئات من القصص التي جرى تحويلها إلى مسلسلات وأعمال درامية وفنية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة التي تواجه صناع “سيدتي الجميلة” تتمثل في المقارنات المسبقة بين أبطالها الحاليين والسابقين، وكان يمكن التدخل لتغيير اسم المسرحية وإقناع الجمهور بأنه أمام عمل ليس مستنسخاً بشكل كليّ من العمل القديم، وهو ما حاول أيمن بهجت قمر توضحيه للرأي العام مؤخراً.
واعتبر رفعت أن معاناة الفن والمسرح في مصر من الاستسهال يسهم في اللجوء إلى تحديث أعمال قديمة، بينما هناك العديد من الكتابات المسرحية الجيدة التي تقدمها سلاسل قصور الثقافة في مصر دون أن يلتفت إليها أحد، والاعتماد على الكتّاب القدامى وتجاهل مسرحيات كتبها مؤلفون شباب يعوق تطوير المسرح.
ويمكن أن تفجّر مسرحية “سيدتي الجميلة” الكثير من القضايا الفنية إذا جرى التعامل مع الأمر بموضوعية، وتفتح بابا للتفكير في طبيعة الضوابط التي يمكن وضعها عن إعادة إنتاج عمل ما وتقديمه بصورة عصرية، ولذلك فالجدل الذي أثير حولها بقدر ما طغت عليه السخونة النقدية في بعض الأحيان، غير أنه قد يكون نافذة جيدة عند التقييم.