"أهدني شجرة لموسم الأعياد" معرض جماعي ينشر البهجة
أشجار من فرح وأمل
تحمل الشجرة قيمة كبيرة في لبنان، فهي الأرزة الشامخة وهي الشجرة المثمرة الصامدة في وجه الأزمات، وهي أيضا شجرة أعياد الميلاد التي تحضر في معرض تشكيلي جماعي يجعل من الأشجار رمزا للفرح والمحبة والمقاومة لكل الأزمات العاصفة بالبلد.
منذ أن حلّ منتصف عام 2019 والعالم يواجه موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي والصحي والأمني الذي لم تخف وتيرته إلا لبضعة أشهر كل سنة وصولا إلى أواخر العام الجاري الذي نوشك على توديعه.
لبنان كانت له ولا تزال حصة الأسد من حال التردي العام. وهو اليوم يقف على عتبة السنة الجديدة غائصا في شتى الأزمات القديمة والناشئة مؤخرا. ولكن من يعرف لبنان يدرك تماما أن هناك شيئا سحريا يدفع أهله إلى إقامة الاحتفالات وابتكار المناسبات على اختلافها للفرح. وإن كان منسوب الفرح ضئيلا في أحيان كثيرة فهو يعلم تماما، أي الفرح، بفضل العادة والتمرس كيف يومض للحظات كالسحر قبل أن يندثر في عتمة الواقع جاعلا من لبنان وطنا للملايين من النجوم التي لا تنكدر قبل أن تورّث بريقها لنجوم أخرى ولدت من مهد العتمة ذاتها.
رشق سحري
يجيء المعرض الجماعي الفني الذي تنظمه صالة جانين ربيز مع مؤسسة “يونغ كوليكتر سييل” -وهي مؤسسة فنية لبنانية ناشئة تمتلك مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية لفنانين مشهورين، إضافة إلى أعمال جديدة أنتجها فنانون شباب- ضمن هذا “الرشق السحري”، إذا صحّ التعبير، وتحت عنوان لطيف لا يخلو من الشاعرية “أهدني شجرة لموسم الأعياد”. معرض أعدّ له منذ أشهر عديدة ويجمع مراوح واسعة من الأعمال الفنية مختلفة الأحجام والأساليب. كما يشمل أعمالا لفنانين مخضرمين وآخرين مكرسين حياتهم للفن إلى جانب فنانين شباب هم في باكورة انطلاقتهم الفنية.
افتتح المعرض في السابع من ديسمبر الجاري ويستمر حتى السابع من يناير القادم. واللافت في هذ المعرض، خلافا للمعارض الجماعية الأخرى التي دخلت فلكها الكثير من صالات العرض الفني مع دخول الشهر الأخير من سنة 2022، أنه انطلق من فكرة ليس فقط جعل الفن في متناول نظر الجميع، بل جعله في متناول قدرتهم المادية المحدودة أيضا.
والمقصود بذلك أن في الصالة مجموعة نسخ من الأعمال الفنية التي أنجزها فنانون معروف عنهم أن أعمالهم باهظة الثمن. أما هذه النسخ فليست عادية، لأنها أولا مطبوعة بتقنية عالية جدا على قماش ممتاز ومجهز لاستقبال هكذا طباعة، وثانيا لأنها نسخ تراعي إلى أقصى حدّ وضوح ودرجة الألوان المستخدمة في اللوحات الأصلية، وثالثا لأن كل نسخة تحمل توقيع الفنان الأصلي، صاحب اللوحة الأصلية.
هكذا تتيح الصالة بتعاونها مع المؤسسة الفنية المُتخصصة لمحبي الفن (وهم كثيرون في لبنان) فرصة اقتناء ما تهوى قلوبهم من أعمال تحمل خصوصية واستثنائية رفيعة المستوى بثمن زهيد. وبفضل ذلك يستطيعون أيضا انتقاء وشراء ما يودون إهداءه لأحبابهم وموسم الأعياد على الأبواب.
كل الأعمال الفنية والنسخ يجمع بينها موضوع واحد وهو الشجرة. ومن نافلة القول إن ماهية الشجرة تختلف باختلاف الفنانين الذين تناولوها في لوحاتهم. وليس من الصعب إدراك أن اختيار هذا الموضوع ليس اعتباطيا؛ فالشجرة هي أولا رمز لبناني، والأرزة هي سيدة الأشجار اللبنانية ورمز الصمود في وجه العواصف الجمة الطبيعية وغير الطبيعية. وتدور في فلك هذه الشجرة أشجار لبنانية بامتياز، كانت قد حضرت في أعمال اللبنانيين الرواد مثل الفنانيْن عمر أنسي ومصطفى فروخ منذ أكثر من قرنين.
بعض هذه الأشجار سرو وصنوبر وشربين وصفصاف، وبعضها الآخر خيالي/حالم وليد روح الفنان الذي أحضره إلى لوحته ككل متماسك أو أبصرنا جزءا منه كغصن أو جذع أو ورقة.
الأعمال الموجودة في المعرض هي للفنان حسين ماضي والفنان محمد الرواس والفنان نبيل نحاس والفنان هانيبعل سروجي والفنانة فاطمة بحمد والفنانة لوليا والفنان وسام السعيدي. وفي استعراض لهذه الأسماء يمكن القول إن الأعمال تنتمي إلى أربع مجموعات: الكونية والانطباعية والغنائية/ التعبيرية، والتركيبية الضامة لأشكال هندسية وتجريدية.
مجموعات متنوعة
◙ ماهية الشجرة تختلف باختلاف راسمها
من تلك المجموعات نذكر الفنان حسين ماضي والفنان محمد الرواس اللذين مع الاختلاف الشديد بينهما حضرا بلوحات تخفّ فيها وتيرة النزعة العاطفية ليطغى الأسلوب والحسّ التركيبي. فمحمد الرواس معروف ببراعته في تركيب لوحته من أشكال متباعدة في المعاني إلى حد إنتاج معنى واحد يدفع المُشاهد إلى التأمل في دلالاته. أما الفنان حسين ماضي فمأخوذ بحدة الأشكال وتقويضها وإعادة بنائها بما يتناسب مع طريقة رؤيته لأشياء العالم وكائناته.
ونذكر أيضا الفنان نزار ضاهر صاحب النص الفائق في غنائيته والمُخضّب بالمشاهد الطبيعية المفتوحة المنحازة أحيانا كثيرة إلى التجريدية الغنائية؛ تجريدية عابقة بأجواء الطبيعة ولا تنفك تتحدث عنها مهما ابتعدت عن إظهارها بشكل مباشر.
نذكر أيضا الفنانة فاطمة بحمد التي غالبا ما ترسم من المشاهد الطبيعية حدائقها الداخلية التي تأخذنا عبرها إلى قريتها الجنوبية الغنّاء، حيث يتباهى الضوء بتدرجاته متواطئا مع تبدل الألوان والظلال واختلاف الفصول الأربعة. فيستعرض قدراته بإعادة تشكيل رؤيتنا للموجودات.
ونذكر أيضا الفنان وسام السعدي والفنانة لوليا الحاملين لموهبة واعدة وجهد جدي في الممارسة الفنية. أما بالنسبة إلى الفنانين نبيل نحاس الرائع وهانيبال سروجي الحالم فهما من عالم آخر قادران على النفاذ إلى نسغ الطبيعة واستلال نفحات روحية باهرة منها. ولئن كان الفنان هانيبال سروجي ميّالا إلى الشفافية والمفردات الفنية الهامسة فإن الفنان نبيل نحاس يحب النظر إلى عين العاصفة، إلى عين كل عاصفة تموج في قلب غصن شجرة أو في عمق سماء ليلية تتوقد بكواكب تشبه الكائنات البحرية والمجهرية وأيضا النجوم وتصدعاتها اللونية.
إقامة المعرض الضام لمجموعة فنية شديدة الاختلاف في الأساليب المعتمدة والأساليب المستخدمة لم تكن سهلة؛ من جهة لأنه أقيم في قلب صالة شبه زجاجية. وفي نفس الوقت أضفت “زجاجية” الجدران جواّ ساحرا ورحبا على الأعمال ليحلو التجول فيما بينها.
“أهدني شجرة لموسم الأعياد” كي تقرّ عيني بفرح الطبيعة وقوتها المضادة لكل سأم وحزن في زمن شحبت فيه قلوبنا من كثرة الأزمات اليومية.
◙ ألوان وظلال متأثرة بأجواء الطبيعة
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية
أشجار من فرح وأمل
تحمل الشجرة قيمة كبيرة في لبنان، فهي الأرزة الشامخة وهي الشجرة المثمرة الصامدة في وجه الأزمات، وهي أيضا شجرة أعياد الميلاد التي تحضر في معرض تشكيلي جماعي يجعل من الأشجار رمزا للفرح والمحبة والمقاومة لكل الأزمات العاصفة بالبلد.
منذ أن حلّ منتصف عام 2019 والعالم يواجه موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي والصحي والأمني الذي لم تخف وتيرته إلا لبضعة أشهر كل سنة وصولا إلى أواخر العام الجاري الذي نوشك على توديعه.
لبنان كانت له ولا تزال حصة الأسد من حال التردي العام. وهو اليوم يقف على عتبة السنة الجديدة غائصا في شتى الأزمات القديمة والناشئة مؤخرا. ولكن من يعرف لبنان يدرك تماما أن هناك شيئا سحريا يدفع أهله إلى إقامة الاحتفالات وابتكار المناسبات على اختلافها للفرح. وإن كان منسوب الفرح ضئيلا في أحيان كثيرة فهو يعلم تماما، أي الفرح، بفضل العادة والتمرس كيف يومض للحظات كالسحر قبل أن يندثر في عتمة الواقع جاعلا من لبنان وطنا للملايين من النجوم التي لا تنكدر قبل أن تورّث بريقها لنجوم أخرى ولدت من مهد العتمة ذاتها.
رشق سحري
يجيء المعرض الجماعي الفني الذي تنظمه صالة جانين ربيز مع مؤسسة “يونغ كوليكتر سييل” -وهي مؤسسة فنية لبنانية ناشئة تمتلك مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية لفنانين مشهورين، إضافة إلى أعمال جديدة أنتجها فنانون شباب- ضمن هذا “الرشق السحري”، إذا صحّ التعبير، وتحت عنوان لطيف لا يخلو من الشاعرية “أهدني شجرة لموسم الأعياد”. معرض أعدّ له منذ أشهر عديدة ويجمع مراوح واسعة من الأعمال الفنية مختلفة الأحجام والأساليب. كما يشمل أعمالا لفنانين مخضرمين وآخرين مكرسين حياتهم للفن إلى جانب فنانين شباب هم في باكورة انطلاقتهم الفنية.
افتتح المعرض في السابع من ديسمبر الجاري ويستمر حتى السابع من يناير القادم. واللافت في هذ المعرض، خلافا للمعارض الجماعية الأخرى التي دخلت فلكها الكثير من صالات العرض الفني مع دخول الشهر الأخير من سنة 2022، أنه انطلق من فكرة ليس فقط جعل الفن في متناول نظر الجميع، بل جعله في متناول قدرتهم المادية المحدودة أيضا.
والمقصود بذلك أن في الصالة مجموعة نسخ من الأعمال الفنية التي أنجزها فنانون معروف عنهم أن أعمالهم باهظة الثمن. أما هذه النسخ فليست عادية، لأنها أولا مطبوعة بتقنية عالية جدا على قماش ممتاز ومجهز لاستقبال هكذا طباعة، وثانيا لأنها نسخ تراعي إلى أقصى حدّ وضوح ودرجة الألوان المستخدمة في اللوحات الأصلية، وثالثا لأن كل نسخة تحمل توقيع الفنان الأصلي، صاحب اللوحة الأصلية.
هكذا تتيح الصالة بتعاونها مع المؤسسة الفنية المُتخصصة لمحبي الفن (وهم كثيرون في لبنان) فرصة اقتناء ما تهوى قلوبهم من أعمال تحمل خصوصية واستثنائية رفيعة المستوى بثمن زهيد. وبفضل ذلك يستطيعون أيضا انتقاء وشراء ما يودون إهداءه لأحبابهم وموسم الأعياد على الأبواب.
كل الأعمال الفنية والنسخ يجمع بينها موضوع واحد وهو الشجرة. ومن نافلة القول إن ماهية الشجرة تختلف باختلاف الفنانين الذين تناولوها في لوحاتهم. وليس من الصعب إدراك أن اختيار هذا الموضوع ليس اعتباطيا؛ فالشجرة هي أولا رمز لبناني، والأرزة هي سيدة الأشجار اللبنانية ورمز الصمود في وجه العواصف الجمة الطبيعية وغير الطبيعية. وتدور في فلك هذه الشجرة أشجار لبنانية بامتياز، كانت قد حضرت في أعمال اللبنانيين الرواد مثل الفنانيْن عمر أنسي ومصطفى فروخ منذ أكثر من قرنين.
بعض هذه الأشجار سرو وصنوبر وشربين وصفصاف، وبعضها الآخر خيالي/حالم وليد روح الفنان الذي أحضره إلى لوحته ككل متماسك أو أبصرنا جزءا منه كغصن أو جذع أو ورقة.
الأعمال الموجودة في المعرض هي للفنان حسين ماضي والفنان محمد الرواس والفنان نبيل نحاس والفنان هانيبعل سروجي والفنانة فاطمة بحمد والفنانة لوليا والفنان وسام السعيدي. وفي استعراض لهذه الأسماء يمكن القول إن الأعمال تنتمي إلى أربع مجموعات: الكونية والانطباعية والغنائية/ التعبيرية، والتركيبية الضامة لأشكال هندسية وتجريدية.
مجموعات متنوعة
◙ ماهية الشجرة تختلف باختلاف راسمها
من تلك المجموعات نذكر الفنان حسين ماضي والفنان محمد الرواس اللذين مع الاختلاف الشديد بينهما حضرا بلوحات تخفّ فيها وتيرة النزعة العاطفية ليطغى الأسلوب والحسّ التركيبي. فمحمد الرواس معروف ببراعته في تركيب لوحته من أشكال متباعدة في المعاني إلى حد إنتاج معنى واحد يدفع المُشاهد إلى التأمل في دلالاته. أما الفنان حسين ماضي فمأخوذ بحدة الأشكال وتقويضها وإعادة بنائها بما يتناسب مع طريقة رؤيته لأشياء العالم وكائناته.
ونذكر أيضا الفنان نزار ضاهر صاحب النص الفائق في غنائيته والمُخضّب بالمشاهد الطبيعية المفتوحة المنحازة أحيانا كثيرة إلى التجريدية الغنائية؛ تجريدية عابقة بأجواء الطبيعة ولا تنفك تتحدث عنها مهما ابتعدت عن إظهارها بشكل مباشر.
نذكر أيضا الفنانة فاطمة بحمد التي غالبا ما ترسم من المشاهد الطبيعية حدائقها الداخلية التي تأخذنا عبرها إلى قريتها الجنوبية الغنّاء، حيث يتباهى الضوء بتدرجاته متواطئا مع تبدل الألوان والظلال واختلاف الفصول الأربعة. فيستعرض قدراته بإعادة تشكيل رؤيتنا للموجودات.
الشجرة هي أولا رمز لبناني، فالأرزة هي سيدة الأشجار اللبنانية ورمز الصمود في وجه العواصف الجمة
ونذكر أيضا الفنان وسام السعدي والفنانة لوليا الحاملين لموهبة واعدة وجهد جدي في الممارسة الفنية. أما بالنسبة إلى الفنانين نبيل نحاس الرائع وهانيبال سروجي الحالم فهما من عالم آخر قادران على النفاذ إلى نسغ الطبيعة واستلال نفحات روحية باهرة منها. ولئن كان الفنان هانيبال سروجي ميّالا إلى الشفافية والمفردات الفنية الهامسة فإن الفنان نبيل نحاس يحب النظر إلى عين العاصفة، إلى عين كل عاصفة تموج في قلب غصن شجرة أو في عمق سماء ليلية تتوقد بكواكب تشبه الكائنات البحرية والمجهرية وأيضا النجوم وتصدعاتها اللونية.
إقامة المعرض الضام لمجموعة فنية شديدة الاختلاف في الأساليب المعتمدة والأساليب المستخدمة لم تكن سهلة؛ من جهة لأنه أقيم في قلب صالة شبه زجاجية. وفي نفس الوقت أضفت “زجاجية” الجدران جواّ ساحرا ورحبا على الأعمال ليحلو التجول فيما بينها.
“أهدني شجرة لموسم الأعياد” كي تقرّ عيني بفرح الطبيعة وقوتها المضادة لكل سأم وحزن في زمن شحبت فيه قلوبنا من كثرة الأزمات اليومية.
◙ ألوان وظلال متأثرة بأجواء الطبيعة
ميموزا العراوي
ناقدة لبنانية