أعمال سمكو توفيق تراوح بين بهجة اللون وروعة الشكل ودقته
رواية بصرية تسرد حكايات وقصصا من مخيلة الفنان.
الاثنين 2022/12/12
حكايات من وحي الخيال
استطاع الفنان سمكو توفيق أن يصنع لنفسه تجربته الخاصة والمختلفة عن تجارب أبناء جيله، فرسم للمتلقي عالما مليئا بالحكايات والقصص، تجاوز فيه سمكو البديهيات وتحرر من الخوف فصار قادرا على حمل الآخر في رحلة حالمة مع شخوص منسجمة.
تؤكد أعمال سمكو توفيق (1949 – السليمانية) أنها مرشده إلى عوالم لحكايات تتخطى ظلمات الحاضر، وتحرص على جدوى البحث ومدى محاولاته للانطلاق نحو جذور قضايا يحيا بها، وذلك رداً على الجمود والتقليد اللذيْن يغزوان الإنسان وأشياءه. وهنا تبرز أهمية تلك الأعمال وفلسفتها، إن كانت في ماهيتها ومرتكزاتها أو بما تقوم به من معالجات في نطاق إبداعي معتبرة إياها مجالات بحثية مهمة بينها تداخلات ملفتة على مستوى التأثير الذي يحتذى به، فتوكيد القيمة الفنية الخاصة في سردياته اللونية نابع من مقدرته الفنية والتعبيرية العالية.
ورغم ما تحققه أعمال سمكو توفيق في المنجز التشكيلي ومشهده في كردستان العراق على نحو خاص وفي العراق على نحو عام، مازالت تحتفظ بقوة بنائها وتأثيرها وقيمها الجمالية والتشكيلية والفلسفية الخاصة بها عبر حكايات كل واحدة منها تعبر عن ذلك، مضافةً إليها رحلاته إلى الحلم المستعاد في تداعياته وتداعيات شخوصه بإضاءاتها وبما تعمق فهمه وفهمنا لطبائع محفزة لترقبه وترقبنا، لانتظاره وانتظارنا.
ومن خلال شروعنا في حلمه ذاك أوجب علينا النظر في موجوداته برؤية حالمة القصد منها معرفة المزدهر منها على محاورها العدة والتي تبرر تبوُّؤها قمة حسه الفني الذي يفتح بدوره نوافذ أسئلته الداعية إلى إدراك الأشياء، بل إلى إدراك ذوات الأشياء بتعبير أدق، ولجعل ذلك مستقلاً بروعته كان لا بد عليه أن يقدم عدة اقتباسات عن وجود الممكنات الاعتبارية، الخارجية منها والداخلية، فهو لا يحجب النور عن طرقاتها، بل يمدها بالطمأنينة والحب.
وبناء على ذلك يملك توفيق إستراتيجيته كفنان في إنتاج العمل المبدع بمعايير وتقنيات ووسائل خاصة به لتحقيقها، فهو يتمتع بتعبير يضمن له النتيجة، وهذا يعني حتماً صحة المقدمات، أي أنه يملك مهارة الاستنتاج للوصول إلى التفاصيل الصغيرة حول أي موضوع قد يذهب إلى الخوض فيه، وبذلك يرتبط الاستنتاج لديه بكل من التحليل والتركيب للوصول إلى جزيئات الأمور، أي أن توفيق يدرس العموميات التي تندرج تحتها تلك الجزيئات، وهذا مرتكز أساسي وعام لديه يمكن الإفادة منه، وعلى نحو أخص في مناطق التلامس بين المتلقي والعمل المنتج، المناطق التي تتحول إلى تداخل مع اندفاع حركة كل منهما نحو الآخر.
ويتمثل لنا ذلك ونحن ماضون في قراءة ما يقدمه منتج الفنان من مشهدية جمالية حكائية مغايرة في الأصول وفي موقعها الفني النهضوي ومتزودة بالمعرفة والثقافة وبالتالي برؤى ورغبات ومقاصد تحاكي تلك المكابدة والمعاناة ذات الخصوصية والفردانية المنبثقة من أربطة الحكاية ذاتها التي يمكن أن تخلق الأشياء بحقيقتها وبصور مستغرقة فيها إلى حد الترف، إلى حد الإسراف في المتع الحسية وما ينجم عنها من تحرير الذات التي تحقق بدورها ذاتية المبدع وتعيد إليها الروح.
قلنا في بداية الكلام إن أعمال سمكو توفيق تؤكد أنها مرشده إلى عوالم حكايات معلولها حقيقة، وماهيتها ما هي إلا مرتبة من مراتب سطع النور من أفق يسهم في وضع مشروعه على سلم الانفتاح الإنساني الجمالي بقيمه الجديدة، فارشا مساحات ينصب عليها الإنسان كمخلوق قادر على استعادة المتخيل بأريحية تغلب عليها الإرادة بوصفها معياراً لكل المفردات الموجودة، وهو بحق راوي حكايات، تتملكه الرغبة الشديدة في رَوْيها، ومعرفته كفنان بتفاصيل ما يرويه -أقصد بتفاصيل الحكاية- تجعله يعزز الطريقة التي بها يرويها والتي ترفع نسبة الممكنات لرغبته وحيثياتها، محققاً لجميع موجوداتها ذاتيتها الفياضة بحقيقتها.
ويمكن القول هنا إن القوة الدافعة لتنوع أرجاء مملكته الفنية بصورها ورسوماتها الكلامية هي بهجة اللون وروعة الشكل فيها، ولا غرابة هنا مهما غدت التحولات فيها إلى مدائن قد تسطع منها مغانم تعبر عن حبه للجمال الذي يلجأ إليه كلما ضاقت به سردياته، فهو يخلق لنفسه ترفاً لونياً هاماً سيضحى لاحقاً جزءاً مهماً من نفوذه، وتسنح له فرصة جديدة وغنية لازدهار خطواته الواسعة والراسخة التي تستحق الدراسة والبحث.
وإذا أردنا أن نكون أكثر إنصافاً نقول إنه يرسم الحلم الذي يمضي إليه بقواعده الخاصة وبأسسه التي ترفع من منسوب سيطرته عليه، ينتهج طريقة مكتظة بالأحداث بقدر ما هي مكتظة بالألوان، لا بطريقة استعراضية، بل بطريقة مرتبطة بلمساته وبنمط يعترف بقيمة تلك اللمسات التي تحمل كل واحدة منها مخزوناً من الحب والشغف والإلهام، بطريقة لها أدواتها المختلفة وله مواده المتنوعة، وهذا بحد ذاته يضمن له التمايز كلما لجأ إلى ذلك، يضمن له الاختلاف عن أبناء جيله وبأن مشهده الخاص به لا تسوده فوضى ما نراه وما نعيشه، بل ما يتطلبه ذلك المشهد من خطوات متتابعة كل خطوة منها تستدعيه كي يكمل مروياته بتتابع جمالي إبداعي.
◙ لوحات سمكو توفيق مازالت تحتفظ بقوة بنائها وتأثيرها وقيمها الجمالية والتشكيلية والفلسفية الخاصة بها
وتوجد بين الفنانين قلة قليلة يمكن أن تخطو خطوات أكبر وتصل إلى القمة، قلة قليلة منهم تتجاوز البديهيات وتندس بين ألوانها، وتتعلق بآليات انكشاف الذات، فالطريق مفتوح أمامها، وهي كالملائكة تنزع إلى إطلاق سراح النور الكامن في أرواحها، وبثها في الفضاءات لترى بأكثر من عين، مع إدراك الحقائق التي ستتوالد، إدراك تجلياتها وظهورها في كل موطن ومقام، في كل النفوس الموجودة في تلك الفضاءات التي ستعلو بأشيائها دون أن تتخلى عن أي جزء منها للوصول إلى فهم خاص للمسألة، وبالطبع المراد هنا هو أن يبقى الحس والخيال في مراتبها الأعلى، ويتجاوز النور كبديهة الظلمات ساعياً لكسب المعرفة الحقة من خلال القلوب الخالصة والطبائع الصافية.
وثمة محاولة هنا لسمكو توفيق تمكنه من الاتحاد بعوالم حكاياته، تلك العوالم القادمة من سير الأولين ومن سبر ذواتهم التي لا تحس بالعجز في مواجهة تحولات الزمن، تلك التحولات التي ستغدو بداية لمرحلة من شأنها أن تدفع به إلى اللجوء وحيدا إلى بلاط الإبداع والخلق كفرصة جديدة لازدهار ولادة جديدة، كوسيلة للبقاء والسير بخطوات واسعة نحو ما يشغله طوال الحياة، لتغلغله في حضارة ثقل حمله وعظم شأنه. فهو يؤمن بأن الأثر سيكون راسخاً وخالداً، وهذا تلقين بأن الانحدار هو الموت بعينه.
ويمكن القول هنا إن سمكو توفيق يتفق مع مطالب الحكاية وينفض عنها كل أتربة الزمن ماضياً إلى مشروعه الذي يراد إتمامه بما يحمله من أصول فنية مقررة في مخيلته، واضحة المعالم على مر الرواية، متنقلاً بها في أرجاء إمبراطوريته التي طالما حلم بإنجازها وترسيخ هذا الإنجاز الذي يستحق الوقوف عنده مطولا.
ومن المدهش أن نجد في عمل سمكو توفيق ما يدل على تحرره من ذلك الخوف الذي قد يلازم الفنان الحق المتأمل في مقولته وآثارها، وما يدل على قدرته على جرّنا كمتلقين إلى محيط وجوهر تلك المقولة التي يمكن تلخيصها بأفكار تتماشى مع حكايات شهرزاد لشهريارها، أو حكايات المستشرقين وما أعادوه لنا، وإن بلغة غير مؤرخة، بل بلغة فيها من الهوس والجنون الأقرب إلى لغة الآلهة حين يتصورون حياة مخلوقاتهم، فما ينثره توفيق لنا من حكايات -حيث دقة الشكل وانسجام اللون وحسن الذوق- لا يمكن تجاهله. ويتضح مما سبق أنه يمكن تتبع آثاره ولكن على رؤوس أصابعنا، فشخوصه حالمة وسيكون من النقص إذا أيقظناها من ذلك الحلم الخرافي الجميل.
من السليمانية في كردستان العراق، المدينة التي ولد ودرس وكبر فيها، إلى بغداد حيث تخرج في معهد الفنون الجميلة عام 1975، ثم إلى فلورنسا الإيطالية حيث حقق حلمه وتخرج في أكاديمية الفنون الجميلة فيها عام 1982 ومازال يعيش فيها، رحلة ليست قصيرة قدم خلالها سمكو توفيق الكثير من المعارض الفردية والجماعية.
غريب ملا زلال
كاتب سوري
رواية بصرية تسرد حكايات وقصصا من مخيلة الفنان.
الاثنين 2022/12/12
حكايات من وحي الخيال
استطاع الفنان سمكو توفيق أن يصنع لنفسه تجربته الخاصة والمختلفة عن تجارب أبناء جيله، فرسم للمتلقي عالما مليئا بالحكايات والقصص، تجاوز فيه سمكو البديهيات وتحرر من الخوف فصار قادرا على حمل الآخر في رحلة حالمة مع شخوص منسجمة.
تؤكد أعمال سمكو توفيق (1949 – السليمانية) أنها مرشده إلى عوالم لحكايات تتخطى ظلمات الحاضر، وتحرص على جدوى البحث ومدى محاولاته للانطلاق نحو جذور قضايا يحيا بها، وذلك رداً على الجمود والتقليد اللذيْن يغزوان الإنسان وأشياءه. وهنا تبرز أهمية تلك الأعمال وفلسفتها، إن كانت في ماهيتها ومرتكزاتها أو بما تقوم به من معالجات في نطاق إبداعي معتبرة إياها مجالات بحثية مهمة بينها تداخلات ملفتة على مستوى التأثير الذي يحتذى به، فتوكيد القيمة الفنية الخاصة في سردياته اللونية نابع من مقدرته الفنية والتعبيرية العالية.
ورغم ما تحققه أعمال سمكو توفيق في المنجز التشكيلي ومشهده في كردستان العراق على نحو خاص وفي العراق على نحو عام، مازالت تحتفظ بقوة بنائها وتأثيرها وقيمها الجمالية والتشكيلية والفلسفية الخاصة بها عبر حكايات كل واحدة منها تعبر عن ذلك، مضافةً إليها رحلاته إلى الحلم المستعاد في تداعياته وتداعيات شخوصه بإضاءاتها وبما تعمق فهمه وفهمنا لطبائع محفزة لترقبه وترقبنا، لانتظاره وانتظارنا.
ومن خلال شروعنا في حلمه ذاك أوجب علينا النظر في موجوداته برؤية حالمة القصد منها معرفة المزدهر منها على محاورها العدة والتي تبرر تبوُّؤها قمة حسه الفني الذي يفتح بدوره نوافذ أسئلته الداعية إلى إدراك الأشياء، بل إلى إدراك ذوات الأشياء بتعبير أدق، ولجعل ذلك مستقلاً بروعته كان لا بد عليه أن يقدم عدة اقتباسات عن وجود الممكنات الاعتبارية، الخارجية منها والداخلية، فهو لا يحجب النور عن طرقاتها، بل يمدها بالطمأنينة والحب.
وبناء على ذلك يملك توفيق إستراتيجيته كفنان في إنتاج العمل المبدع بمعايير وتقنيات ووسائل خاصة به لتحقيقها، فهو يتمتع بتعبير يضمن له النتيجة، وهذا يعني حتماً صحة المقدمات، أي أنه يملك مهارة الاستنتاج للوصول إلى التفاصيل الصغيرة حول أي موضوع قد يذهب إلى الخوض فيه، وبذلك يرتبط الاستنتاج لديه بكل من التحليل والتركيب للوصول إلى جزيئات الأمور، أي أن توفيق يدرس العموميات التي تندرج تحتها تلك الجزيئات، وهذا مرتكز أساسي وعام لديه يمكن الإفادة منه، وعلى نحو أخص في مناطق التلامس بين المتلقي والعمل المنتج، المناطق التي تتحول إلى تداخل مع اندفاع حركة كل منهما نحو الآخر.
ويتمثل لنا ذلك ونحن ماضون في قراءة ما يقدمه منتج الفنان من مشهدية جمالية حكائية مغايرة في الأصول وفي موقعها الفني النهضوي ومتزودة بالمعرفة والثقافة وبالتالي برؤى ورغبات ومقاصد تحاكي تلك المكابدة والمعاناة ذات الخصوصية والفردانية المنبثقة من أربطة الحكاية ذاتها التي يمكن أن تخلق الأشياء بحقيقتها وبصور مستغرقة فيها إلى حد الترف، إلى حد الإسراف في المتع الحسية وما ينجم عنها من تحرير الذات التي تحقق بدورها ذاتية المبدع وتعيد إليها الروح.
قلنا في بداية الكلام إن أعمال سمكو توفيق تؤكد أنها مرشده إلى عوالم حكايات معلولها حقيقة، وماهيتها ما هي إلا مرتبة من مراتب سطع النور من أفق يسهم في وضع مشروعه على سلم الانفتاح الإنساني الجمالي بقيمه الجديدة، فارشا مساحات ينصب عليها الإنسان كمخلوق قادر على استعادة المتخيل بأريحية تغلب عليها الإرادة بوصفها معياراً لكل المفردات الموجودة، وهو بحق راوي حكايات، تتملكه الرغبة الشديدة في رَوْيها، ومعرفته كفنان بتفاصيل ما يرويه -أقصد بتفاصيل الحكاية- تجعله يعزز الطريقة التي بها يرويها والتي ترفع نسبة الممكنات لرغبته وحيثياتها، محققاً لجميع موجوداتها ذاتيتها الفياضة بحقيقتها.
ويمكن القول هنا إن القوة الدافعة لتنوع أرجاء مملكته الفنية بصورها ورسوماتها الكلامية هي بهجة اللون وروعة الشكل فيها، ولا غرابة هنا مهما غدت التحولات فيها إلى مدائن قد تسطع منها مغانم تعبر عن حبه للجمال الذي يلجأ إليه كلما ضاقت به سردياته، فهو يخلق لنفسه ترفاً لونياً هاماً سيضحى لاحقاً جزءاً مهماً من نفوذه، وتسنح له فرصة جديدة وغنية لازدهار خطواته الواسعة والراسخة التي تستحق الدراسة والبحث.
وإذا أردنا أن نكون أكثر إنصافاً نقول إنه يرسم الحلم الذي يمضي إليه بقواعده الخاصة وبأسسه التي ترفع من منسوب سيطرته عليه، ينتهج طريقة مكتظة بالأحداث بقدر ما هي مكتظة بالألوان، لا بطريقة استعراضية، بل بطريقة مرتبطة بلمساته وبنمط يعترف بقيمة تلك اللمسات التي تحمل كل واحدة منها مخزوناً من الحب والشغف والإلهام، بطريقة لها أدواتها المختلفة وله مواده المتنوعة، وهذا بحد ذاته يضمن له التمايز كلما لجأ إلى ذلك، يضمن له الاختلاف عن أبناء جيله وبأن مشهده الخاص به لا تسوده فوضى ما نراه وما نعيشه، بل ما يتطلبه ذلك المشهد من خطوات متتابعة كل خطوة منها تستدعيه كي يكمل مروياته بتتابع جمالي إبداعي.
◙ لوحات سمكو توفيق مازالت تحتفظ بقوة بنائها وتأثيرها وقيمها الجمالية والتشكيلية والفلسفية الخاصة بها
وتوجد بين الفنانين قلة قليلة يمكن أن تخطو خطوات أكبر وتصل إلى القمة، قلة قليلة منهم تتجاوز البديهيات وتندس بين ألوانها، وتتعلق بآليات انكشاف الذات، فالطريق مفتوح أمامها، وهي كالملائكة تنزع إلى إطلاق سراح النور الكامن في أرواحها، وبثها في الفضاءات لترى بأكثر من عين، مع إدراك الحقائق التي ستتوالد، إدراك تجلياتها وظهورها في كل موطن ومقام، في كل النفوس الموجودة في تلك الفضاءات التي ستعلو بأشيائها دون أن تتخلى عن أي جزء منها للوصول إلى فهم خاص للمسألة، وبالطبع المراد هنا هو أن يبقى الحس والخيال في مراتبها الأعلى، ويتجاوز النور كبديهة الظلمات ساعياً لكسب المعرفة الحقة من خلال القلوب الخالصة والطبائع الصافية.
وثمة محاولة هنا لسمكو توفيق تمكنه من الاتحاد بعوالم حكاياته، تلك العوالم القادمة من سير الأولين ومن سبر ذواتهم التي لا تحس بالعجز في مواجهة تحولات الزمن، تلك التحولات التي ستغدو بداية لمرحلة من شأنها أن تدفع به إلى اللجوء وحيدا إلى بلاط الإبداع والخلق كفرصة جديدة لازدهار ولادة جديدة، كوسيلة للبقاء والسير بخطوات واسعة نحو ما يشغله طوال الحياة، لتغلغله في حضارة ثقل حمله وعظم شأنه. فهو يؤمن بأن الأثر سيكون راسخاً وخالداً، وهذا تلقين بأن الانحدار هو الموت بعينه.
ويمكن القول هنا إن سمكو توفيق يتفق مع مطالب الحكاية وينفض عنها كل أتربة الزمن ماضياً إلى مشروعه الذي يراد إتمامه بما يحمله من أصول فنية مقررة في مخيلته، واضحة المعالم على مر الرواية، متنقلاً بها في أرجاء إمبراطوريته التي طالما حلم بإنجازها وترسيخ هذا الإنجاز الذي يستحق الوقوف عنده مطولا.
ومن المدهش أن نجد في عمل سمكو توفيق ما يدل على تحرره من ذلك الخوف الذي قد يلازم الفنان الحق المتأمل في مقولته وآثارها، وما يدل على قدرته على جرّنا كمتلقين إلى محيط وجوهر تلك المقولة التي يمكن تلخيصها بأفكار تتماشى مع حكايات شهرزاد لشهريارها، أو حكايات المستشرقين وما أعادوه لنا، وإن بلغة غير مؤرخة، بل بلغة فيها من الهوس والجنون الأقرب إلى لغة الآلهة حين يتصورون حياة مخلوقاتهم، فما ينثره توفيق لنا من حكايات -حيث دقة الشكل وانسجام اللون وحسن الذوق- لا يمكن تجاهله. ويتضح مما سبق أنه يمكن تتبع آثاره ولكن على رؤوس أصابعنا، فشخوصه حالمة وسيكون من النقص إذا أيقظناها من ذلك الحلم الخرافي الجميل.
من السليمانية في كردستان العراق، المدينة التي ولد ودرس وكبر فيها، إلى بغداد حيث تخرج في معهد الفنون الجميلة عام 1975، ثم إلى فلورنسا الإيطالية حيث حقق حلمه وتخرج في أكاديمية الفنون الجميلة فيها عام 1982 ومازال يعيش فيها، رحلة ليست قصيرة قدم خلالها سمكو توفيق الكثير من المعارض الفردية والجماعية.
غريب ملا زلال
كاتب سوري