فيلم“السلطانة التي لا تنسى” فاطمة المرنيسي.. قلم ينفض الغبار عن حقوق المرأة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم“السلطانة التي لا تنسى” فاطمة المرنيسي.. قلم ينفض الغبار عن حقوق المرأة



    يونس مسكين
    8/11/20228
    فاطمة المرنيسي.. قلم ينفض الغبار عن حقوق المرأة وتاريخها المنسي

    03:40 PM (مكة المكرمة)

    بضع عشرة طفلة لم تتجاوزن عامهن الخامس، يتحلقن حول امرأة ترتدي جلبابا مغربيا تقليديا، وقد أزاحت اللثام عن وجهها وهي تراقب الصغيرات المنخرطات في ترديد جماعي لآيات قرآنية. بين الطفلات توجد فاطمة المرنيسي التي ستصبح بعد أقل من ثلاثين سنة من تلك اللحظة، عالمة اجتماع يتردد صدى حديثها في أصقاع الغرب والشرق.

    بهذه اللقطة تنطلق مشاهد فيلم “السلطانة التي لا تنسى” المعروض في الصالات المغربية منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2022، لتحيل بشكل مباشرة على شخصية “للا طام”، أستاذة القرآن الكريم الأولى التي صادفتها فاطمة المرنيسي خلال طفولتها، كما روت بنفسها في كتاب “نساء على أجنحة الحلم”، إذ تقول: التربية هي أن تتعلم كيف تميز الحدود، ذلك ما كانت تقوله “للا الطام” الفقيهة بالكتّاب الذي بعثوا بي إليه في سن الثالثة، لكي ألتحق بأبناء وبنات أعمامي العشرة.[1]

    ارتأت لجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة متم سبتمبر/أيلول 2022 أن أفضل ما في هذا العمل السينمائي هو موسيقاه، فمنحته جائزة الموسيقى الأصلية، بينما يعرف المخرج محمد عبد الرحمن التازي بحرصه على الاشتغال على الفكر والتراث المغربيين، من خلال تعقب آثار شخصيات أثرت في التاريخ المغربي. ورغم أن التازي كان يعمد إلى كتابة سيناريو جل أفلامه، فقد أشرك في هذه المهمة هذه المرة امرأة أخرى هي المخرجة المغربية الشهيرة فريدة بليزيد.

    مستلهما عنوان فيلمه من كتاب “سلطانات منسيات” لفاطمة المرنيسي؛ اختار التازي لفيلمه عنوان “سلطانة غير منسية”، وحرص على تقديمه أول مرة على الإطلاق داخل مؤسسة ثقافية عمومية، هي أكبر متاحف مدينة الرباط، متحف محمد السادس، متجنبا بذلك القاعات السينمائية التجارية للتأكيد على الطابع الرمزي لهذا العمل السينمائي، وعلى البعد الثقافي المتاح للعموم في شخصية فاطمة المرنيسي.

    وقد وقع اختيار المخرج عبد الرحمن التازي على الممثلة المغربية مريم الزعيمي للعب دور فاطمة المرنيسي في فيلمه السينمائي، فقد وجد فيها معايير الشبه والتقارب مع شخصية الراحلة، سواء من الناحية الشكلية، أو من حيث الشخصية واللهجة وأسلوب الحديث، وقد جلب أداؤها لهذا الدور الكثير من الثناء.
    “اجتزتُ أحد أخطر الحدود في حياتي”


    ولدت فاطمة المرنيسي في مدينة فاس المغربية عام 1940، وحظيت -على غرار عدد من بنات العائلات الميسورة في المدن المغربية الكبرى- بفرصة الدراسة في مدرسة من المدارس الخاصة التي أسستها الحركة الوطنية المغربية، حماية لأبنائها من المناهج التعليمية الفرنسية.

    كان البيت الذي ولدت فيه فاطمة المرنيسي في المدينة العتيقة لفاس، مقابلا لجامعة القرويين التي تعتبر أقدم جامعة في العالم، وبنَتها امرأة اسمها فاطمة الفهرية. وساهم هذا المحيط الاجتماعي في الميول الفكري المبكر لدى فاطمة المرنيسي، إذ كانت هذه الجامعة -كما روت في أحد حواراتها- تتوفر على 17 بوابة، وهو ما كان يسمح لجميع الفئات الاجتماعية بالولوج إلى رحاب الجامعة وحضور الجلسات العلمية.[2]
    فتيات يتحلقن حول معلمة في كُتاب مغربي، من بينهن فاطمة المرنيسي
    حصلت على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، موقعة أطروحة بعنوان “ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية”، وناقشتها أمام لجنة علمية سنة 1973، وبعد ذلك إلى المغرب لتشغل منصب أستاذة لعلم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، وكان اللقاء مع البحر أكثر ما شدها إلى عاصمة المملكة وهي تزورها لأول مرة عن سن 18 عاما، ومنذ ذلك الحين باتت تدمن رياضة السباحة، ولم تكف عنها إلا بعد تجاوزها عتبة السبعين.[3]

    “حين ركبتُ القطار في سن التاسعة عشر متوجهة نحو الرباط بمتابعة دراستي في جامعة محمد الخامس، اجتزتُ أحد أخطر الحدود في حياتي”. تقول فاطمة المرنيسي موضحة في كتابها الصادر عام 2001 “شهرزاد ترحل إلى الغرب، إنها تقصد الحدود الفاصلة بين مدينة فاس “التي كانت حصنا تراثيا ومتاهة مشكلة من الدروب العتيقة التي تعود إلى العصر الوسيط، عن مدينة الرباط الحديثة والمبيضة الجدران، بشوارعها المفتوحة على المحيط الأطلسي”.
    شهرزاد.. شخصية المرأة المسلحة بالعلم والثقة


    يسلّط فيلم عبد الرحمن التازي الأضواء على الحضور المبكر للتراث الإسلامي في حياة فاطمة المرنيسي، من خلال التطرق إلى طفولتها التي شهدت مبادرتها إلى طرح الأسئلة الحارقة حول دور وحضور المرأة في هذا التاريخ. اختارت المرنيسي منذ البداية أن تحمل لواء استعادة الحضور النسائي في التاريخ الإسلامي، داعية إلى التمييز بين الدين الإسلامي وبين مخلفات رجال السياسة والفقه.

    ويتعقب الفيلم خيط الهم النسائي في فكر فاطمة المرنيسي، انطلاقا من مدرسة البنات التي فتحت فيها أعينها على المعرفة، في كنف أسرة ثرية سمحت لها إمكانياتها المالية بمقاومة الحضور الاستعماري الفرنسي بطرقها الخاصة، مرورا بجامعة السوربون الفرنسية، ثم جامعة برانديس الأمريكية، لتحوز بذلك العدة العلمية الكافية لتشريح الجسد التراثي الإسلامي والكشف عن جيناته النسائية.

    وتمثل شخصية شهرزاد الخيط الرابط بين طفولة فاطمة المرنيسي وفترة أوج عطائها الفكري، حيث كانت حكايات الجدة “الياسمين” أول لقاء للمرنيسي بهذه الشخصية الملهمة، فقد أُعجبت بشكل كبير بشخصية شهرزاد، تلك المرأة الذكية المثقفة ذات القدرات الاستثنائية التي تمكنت من التخلص من جبروت الرجل (شهريار) وإبطال عنفه وشفاء روحه الحائرة، حين جعلته يفهم ذاته من خلال رواية قصص شقاء الآخرين.[4]

    تقول فاطمة المرنيسي في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب”: “لقد حفظتُ عن ظهر قلب هذه الحكاية التي ترويها شهرزاد”. ثم تضيف: “إن رسالتها بسيطة: على المرأة أن تحيا كالرحّل، عليها أن تظل دائما مستعدة ومتأهبة للرحيل حتى وإن كانت محبوبة. ذلك أن الحب هو الآخر في رأي شهرزاد قد يصبح قيدا”.

    من خلال شخصية شهرزاد التي حضرت بقوة في أعمالها، أشارت فاطمة المرنيسي إلى أن الثقافة هي السلاح الذي يسمح للنساء بانتزاع مكانتهن الكاملة في المجتمع، وهو ما يفسّر اهتمامها الخاص بمسألة التعليم وضرورة تمكين الفتيات منه في جميع الأوساط الاجتماعية والمناطق، مشددة على أن بعض العلماء محقون في اعتبارهم تعلم النساء فكرة مدنسة، “لأنها فكرة انفجارية تدمّر الهندسة الجنسية التي تقسّم المكان إلى داخل وخارج، إلى أمكنة للنساء وأمكنة للرجال”.[5]
    الممثلة المغربية مريم الزعيمي تلعب دور فاطمة المرنيسي في فيلم “السلطانة التي لا تنسى”
    إن تحويل غرائز مجرم يستعد لقتلك عن طريق الحكاية انتصار رائع، ولكي تنجح في ذلك كان على شهرزاد أن تتحلى بثلاث مزايا استراتيجية: أولها تتمثل في معرفتها الواسعة، وثانيتها تتجسد في قدرتها على خلق التشويق قصد شد انتباه المجرم. أما الثالثة فهي هدوؤها، أي قدرتها على التحكم في الموقف رغم الخوف.
    انتقاص المرأة.. سمة توحد التراث العربي والغربي


    دافعت فاطمة المرنيسي في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب”، عن أن فكرة الحريم لا تطبع التراث العربي الإسلامي فقط، بل تشمل حتى الفكر الغربي في الشق المتعلق بالنساء، حتى إنها دفعت بجرأة كبيرة بفكرة جديدة مفادها أن الفكري الغربي أكثر انتقاصا للمرأة وتصغيرا لأدوارها من التراث الإسلامي، ومن هنا تنبع الفكرة التي يدافع عنها بعض الدارسين لفكر المرنيسي، والتي تعتبرها مدافعة عن الإسلام وقيمه الأساسية، في الوقت الذي يعتبرها البعض ناقدة له.
    كتاب “شهرزاد ترحل إلى الغرب” الذي حاولت فاطمة المرنيسي فيه تفكيك فكر الرجل الغربي من خلال الفن والفلسفة
    فعلى العكس من صورة شهرزاد في الغرب على الطريقة الهوليودية، “في الشرق لن تستطيع امرأة أن تغير وضعيتها إذا اعتمدت على جسدها، أي على الجنس دون العقل، هكذا فشلت زوجة شهريار الأولى، لأنها جعلت الثورة محدودة في جسدها حين انقادت لعبدها. إن الخيانة الزوجية كمين انتحاري بالنسبة للمرأة، ويعلمنا نموذج شهرزاد بأن بإمكان المرأة أن تثور بفعالية، شرط أن تفكر”.

    في كتابها “شهرزاد ترحل إلى الغرب”، حاولت فاطمة المرنيسي تفكيك فكر الرجل الغربي من خلال الفن وما خلفه بعض الفلاسفة، فتتوقف مثلا عند “كانط” فيلسوف التنوير، لتسجل باستغراب فصلَه بين الجمال والذكاء، وكيف أن المرأة عنده تكون إما جميلة أو ذكية. لتخلص إلى أن الحريم في الفكر الأوروبي لا يقوم على الفصل بين النساء والرجال، بل بين عالم الجمال الخاص بالنساء، وعالم الذكاء الخاص بالرجال.[6]

    وتسجّل المرنيسي بالمقابل في كتابها “ما وراء الحجاب”، كيف أن الفيلسوف الأندلسي ابن رشد سعى من وراء حجاب عصره إلى كشف وتشخيص مأزق مجتمعه الذي لا يجد سبيلا إلى التقدم والخروج من تحجّره، ما دامت النساء لا يعملن شيئا يسهم في تقدمهن وتقدم مجتمعهن.[7]
    “المرأة في المخيال المسلم”.. كتاب محظور تحت اسم مستعار


    كرّست فاطمة المرنيسي مسارها الأكاديمي لفحص التراث الإسلامي في شقه المتعلق بالمرأة، محاولة استعادة الحضور النسائي في هذا التاريخ الإسلامي، بعدما هيمنت البصمة الرجالية على سجلات تاريخه. وأصدرت كتابها الأول منتصف عقد السبعينيات، وحمل عنوان “ما وراء الحجاب”، فتلقفته الجامعات العربية بشكل فوري جاعلة إياه مرجعا أساسيا في علم الاجتماع المتعلق بالمرأة، ثم جاء الدور على الجامعات الغربية لتستفيد منه مترجما إلى اللغة الإنجليزية.

    كما لجأت في بداياتها إلى النشر باسم مستعار، كان هو “فاطنة آيت الصباح”، كما كان الحال مع كتابها الصادر عام 1982 في فرنسا بعنوان “المرأة في المخيال المسلم”، وذلك تجنبا للتبعات المحتملة لأفكارها الجريئة.
    في كتابها “المرأة في المخيال المسلم” قدمت فاطمة المرنيسي دراسة واقع ومشاكل النساء المغربيات
    تقسّم أستاذة التعليم العالي في شعبة علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس أسماء بن عدادة؛ مسار فاطمة المرنيسي إلى جزئين: الأول اعتمدت فيه المقاربة التاريخية التحليلية التي وظّفتها في قراءة كتب التراث الإسلامي والفقه، من أجل فهم وضعيات النساء في الماضي، ومحاولة الإجابة عن أسئلة الحاضر؛ أما الثاني فاعتمدت فيه المقاربة الميدانية وتقنيات البحث الاجتماعي، ووظفتها في دراسة واقع ومشاكل فئات عريضة من النساء المغربيات.[8]

    ورغم أن يد السلطة امتدت إلى كتابها الصادر منتصف الثمانينيات بعنوان “الحجاب والنخبة الذكورية: تفسير نسوي للإسلام”، وحُظر في المغرب كما في باقي العالم العربي، فإن الترجمة الإنجليزية فتحت أمامه نافذة أخرى للنفاذ إلى المجال البحثي.

    “هذا الدين جاء ليبني العلاقات بين الرجال والنساء، على الحوار والتفاهم والرحمة”. هكذا تقول فاطمة المرنيسي عن الإسلام، مضيفة أنك “اليوم إذ تتحدث عن قضية المرأة، يقولون إنها قضية قادمة من الغرب، أنا أتفاجأ جدا من هذا القول، كيف أمكن أن ننسى ذاكرتنا؟”[9]
    “بنظير بوتو”.. سيدات البلاط في التاريخ الإسلامي


    يهيمن مفهوم “الحريم” على أعمال وكتابات الراحلة فاطمة المرنيسي، حتى أنه يكاد يحضر فيها جميعا. وإلى جانب حقول الفقه واللغة والتاريخ، فقد وظّفت مبضع علم الاجتماع لتشريح هذا المفهوم، باحثة عن بنياته العميقة داخل البنيان الاجتماعي، والتربة الأولى التي تنغرس فيها جذور الفكر الذي يقسم المجتمع إلى شطرين منفصلين: نساء ورجال.

    وبعد إمساكها بالخيوط المتشعبة للموضوع، قسّمت فاطمة المرنيسي هذا المفهوم إلى مجموعة من المفاهيم الفرعية، فتحدثت عن الحريم السياسي والحريم الجنسي والحريم العائلي والحريم الاقتصادي والحريم الأوروبي.[10]

    وتكشف مقدمة كتاب “سلطانات منسيات” سبب نزول فكرة التأليف حول أبرز الشخصيات النسائية التي تولت الحكم في تاريخ الإسلام، حين تشير منذ البداية إلى الجدل الذي أثاره وصول السياسية الباكستانية الراحلة “بينظير بوتو” إلى منصب رئاسة الوزراء عام 1988، وما خلّفه ذلك من سجال وخروج بعض الأصوات لاستنكار الخطوة، بحجة أن المسلمين لم يعرفوا قط حكما نسائيا.[11]

    حملت المرنيسي على عاتقها مسؤولية البحث والتنقيب عن النساء اللواتي تولين أمور السلطة منذ العهود الأولى للإسلام، للرد بطريقة علمية وعملية على دعاة الإقصاء الشامل للمرأة من المجال السياسي على يد الإسلام. ولم تمل الكاتبة من التذكير قائلة: في كل مرة أتكلم فيها عن الإسلام، دون أي وصف في هذا الكتاب، فإنني أقصد الإسلام السياسي، الإسلام كممارسة للسلطة، وأعمال الرجال المدفوعين بمصالحهم، والمشبعين بالأهواء، وهو ما يختلف عن الإسلام الرسالة الإلهية، الإسلام المثالي المدون في القرآن الكريم.

    وكانت النتيجة أن جمعت المرنيسي بين تأصيل تاريخي ومفاهيمي لفكرة السلطة النسائية وموضوع السيادة في الإسلام، لتبسط بتفصيل قصص نسوة تقلدن مناصب الحكم في الرقعة الإسلامية عبر التاريخ، مثل سلطانات المماليك والملكات المنغوليات وملكات الجزر وملكات سبأ وسيدة القاهرة.
    حقوق النساء.. خطوة أولى في طريق المعركة الديمقراطية


    يسجّل جل الدارسين لإصدارات فاطمة المرنيسي أنها لم تقتصر على البعد الفكري والنظري، بل أسقطت نظرياتها على الواقع، فخاضت الميدان بالدراسات والبحوث في أعماق المغرب، مستدلة بنتائج تلك الدراسات لتعزيز استنتاجاتها النظرية.

    فقد لاحظت كيف أنه في الانتخابات التشريعية لعام 1977، لم يعط ستة ملايين ونصف مليون من الناخبين -ومن بينهم ثلاثة ملايين من النساء- أي فرصة للمرشحات الثماني اللواتي تقدمن للانتخابات. ولم تكن هنالك أي امرأة في يوم افتتاح مجلس النواب.

    وبعد ست سنوات في الانتخابات البلدية في عام 1983، غامرت 308 نساء وقدمن أنفسهن كمرشحات للانتخاب، وتحرك ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف مليون ناخبة إلى صناديق الاقتراع، ولم تنجح سوى 36 امرأة، مقابل 65502 من الرجال.[12]

    تقول فاطمة المرنيسي في كتابها “سلطانات منسيات”: أينما حللتم، سواء في الجزائر أو في تركيا أو أفغانستان أو أندونيسيا، أو تنقلتم أمام شاشة التلفزة من قناة إلى أخرى، ستلاحظون بأن النقاش بشأن الديمقراطية يؤدي بالضرورة إلى النقاش حول حقوق النساء، والعكس صحيح.
    في كتابها “سلطانات منسيات” تناصر فاطمة المرنيسي قضية تعليم المرأة وإدخالها سوق الشغل
    كانت المرنيسي وفقا لذلك تجعل قضية تعليم المرأة وإدخالها سوق الشغل خطوة ضرورية قبل محاولة القيام بتحرير سياسي للمرأة، وعندما لاحظت في أواخر عمرها أن الفضاء العام لم يعد حكرا على الرجال، وأن شاشات القنوات الفضائية باتت مختلطة، خففت اهتمامها بالموضوع وركزت على مجالات بحثية جديدة.[13]

    وعلى عكس ما يرميها به البعض من استلاب ومناصرة للغرب، لم يقتصر عمل فاطمة المرنيسي على نقد التراث الإسلامي وكشف أوجه تقصيره في حق المرأة، بل عملت أيضا على دحض بعض المقولات الغربية والصور النمطية التي عملت على التغييب شبه التام للمرأة في التاريخ الإسلامي، مصورة إياها في شكل الخاضعة المستسلمة، بينما كانت طيلة هذا التاريخ توجد حالات عدة لنساء مسلمات فاعلات ومبادرات في الفقه والسياسة والاقتصاد.
    مكانة المرأة.. منحى تراجعي في عصور ما بعد النبوة


    ركزت معظم إسهامات فاطمة المرنيسي على مقاربة التأطير الديني لمكانة المرأة ووظيفتها، إما من خلال التناول المباشر للنصوص الإسلامية، أو من خلال نقد الأدبيات الفقهية ذات الدور الحاسم في إنتاج القوانين الوضعية وتكريس الأطر الاجتماعية المحددة لوضعية المرأة العربية المسلمة، ومضت أحيانا الى القول بوجود فجوة بين النص الديني الذي رأت فيه إطارا متقدما لحرية المرأة، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى تراجعيا تقييديا في عصور ما بعد النبوة.[14]
    كتاب “نساء على أجنحة الحلم” أحد كتب فاطمة المرنيسي الشهيرة المترجمة إلى لغات عالمية
    وتفسّر فاطمة المرنيسي تدني الوضع الاقتصادي للمرأة مقارنة بالرجل، إلى التقسيم الذي يخضع له المجتمع بين فضاءين، عام وخاص، وتخصيص الجزء العام للرجال، بينما ينحصر دور المرأة في المجال الخاص. وبينما يجني الرجل مقابلا ماديا عن نشاطه في المجال العام، يبقى عمل المرأة في المجال الخاص مجردا من أي مقابل مادي.

    وفي معرض تطرقها للشق السياسي، سجّلت المرنيسي كيف أن التطور الحديث للمجتمعات الإسلامية وانفتاح بعضها على النظم الديمقراطية، لم يمنع استمرار “مقصورات الحريم”، وهيمنة الذكور شبه التامة على المجال السياسي.[15]
    فيلم التازي.. حبكة ضعيفة لشخصية ثرية بالإنجازات والجوائز


    كما هو الحال في جل الأعمال الفنية المرتبطة بشخصيات فكرية وعلمية، اختار محمد عبد الرحمن التازي مخرج فيلم “السلطانة التي لا تنسى” تقديم سيرة ذهنية لفاطمة المرنيسي، تاركا الجوانب الشخصية من حياتها خلف حجاب التكتم الذي أقامته طيلة حياتها، وقد تناول الفيلم كثيرا من المحطات المهمة في حياتها، مثل فترة التضييق والتهديد التي عاشتها بعد التحاقها بالجامعة ونشرها أولى إصداراتها العلمية.

    هذا التركيز على الجانب الفكري في الشخصية، جعل بعض الأقلام توجه انتقادات حادة للفيلم من الناحية الفنية، إذ اعتبرته ضعيف الحبكة مفكك الأوصال، كما سجّل النقاد غياب مرحلة الاغتراب في حياة المرنيسي، وعدم التطرق إلى الفترة التي قضتها في أوروبا وأمريكا، وما لتلك التجربة من انعكاس حتمي على شخصيتها وفكرها.[16]

    خلفت فاطمة المرنيسي أكثر من 15 مؤلفا ترجم بعضها إلى عشرات اللغات، ومنها:
    عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي ابنة مدينة فاس
    الحريم السياسي.. النبي والنساء. الجنس كهندسة اجتماعية. هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ الجنس والأيديولوجيا والإسلام. الإسلام والديمقراطية. شهرزاد ترحل إلى الغرب. أحلام الحريم. نساء على أجنحة الحلم. ويعتبره الدارسون أقر إلى السيرة الذاتية.

    وقد نالت في الشطر الأخير من حياتها اعترافات عدة، منها فوزها بجائزة أستورياس الإسبانية للأدب سنة 2003، ثم جائزة أراسموس الهولندية عام 2004، لتصنفها صحيفة الغارديان البريطانية سنة 2011، ضمن مئة امرأة الأكثر تأثيرا في العالم.[17]


    المصادر


    [1] فاطمة المرنيسي، نساء على أجنحة الحلم، المركز الثقافي العربي 1998، ترجمة: فاطمة الزهراء أزرويل
يعمل...
X