فضاء متخيل لعوالم التشكيلي "عمر شاهين"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فضاء متخيل لعوالم التشكيلي "عمر شاهين"

    فضاء متخيل لعوالم التشكيلي "عمر شاهين"
    • رشا بدر


    الرقّة
    تشكل الطبيعة الهاجس الكبير في عوالم التشكيلي "عمر شاهين"، مع نزوع لكشف تفاصيل الواقع ومحدداته، محاولة منه لرسم حيوات جديدة لمشاهد لا يجسدها الواقع، بل هي تأكيد لفضاء متخيل يعتمد على ذاكرة الفنان التي تحمل في تضاعيفها رؤية بصرية لعالم لا تجده في هذا الكون، يستولد من خلالها مفردات كونية متجددة، تقرأ عبرها رسالة مشفوعة بالبحث عن فضاء مكتمل الشروط الإنسانية.

    فإلى أي مدى استطاع تلمس مفردات الواقع وتجسيدها على بياض اللوحة؟ وإلى أي المدارس الفنية ينتمي؟ وهل أغنت تجربته في مجال التعليم مسيرته الفنية؟ وفي لجوئه لرسم الوجوه هل يستعيد وجوه الراحلين؟ أم يرسم وجوه من يحب أو من يتخيل؟

    موقع eRaqqa التقى الفنان "عمر شاهين" في مرسمه وأجرى معه الحوار التالي..


    من لوحاته الفنية
    • يقال إن البداية هي التي تصنع المبدع، ماذا عن بداياتك الأولى، وهل استطاعت البداية أن تصنع "عمر" الفنان؟

    ** في الثالثة من عمري عندما كنت أدرس القرآن الكريم عند شيخ الكتاب، ورسمت على هامش جزء ألف باء بعض الخطوط والدوائر الملونة، فداهمني الشيخ معنفاً وهو يضربني مردداً هذا كلام الله لا يجوز الرسم عليه؟!.


    من معارضه الفنية

    في المرحلة الابتدائية بدأت خطواتي الأولى في الرسم، وكنت أرسم وظائف الرسم لزملائي، ووسائل الإيضاح للمعلمين على السبورة بالطباشير الملونة ليشرحوا الدرس من خلالها.

    في المرحلة الإعدادية التحقت بمركز الفنون التشكيلية، المفتتح حديثاً في "الرقة"، وكان مدرسنا لمادة التصوير الأستاذ "حامد الصالح" لمدة سنتين، وتعلمت خلالها على تقنيات الفن من النسب والمنظور والتوازن، وعجينة اللون، وتقنية الصنعة الفنية.


    وجوه عمر شاهين

    تلتها المرحلة الثانوية، حيث التحقت بالثانوية الصناعية لعلمي بأن خريج الثانوية الصناعية يتم قبوله في كلية الفنون الجميلة أسوة بباقي الثانويات، وكان الطالب يتقاضى مبلغاً قدره /50/ ليرة سورية شهرياً، كنت في أمس الحاجة لها لأشتري حاجيات الرسم الذي أعشقه، وفي أوقات الفراغ كانت الفرشاة بين يدي دائماً، وكنت استمد ثقافتي من الكتب الفنية التي تتناول حياة مشاهير الفنانين، ومن تجاربي الخاصة التي كانت تكسبني معرفة جديدة من خلال التأمل في الطبيعة ومحاكاتها التي كنت اعتبرها معلمتي وملهمتي الأولى.

    وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية التحقت بخدمة العلم، بعدها تخصصت في الرسم في كلية الفنون الجميلة في ايطاليا، وبقيت في مدينة "بيروجيا" لأتعلم اللغة الايطالية، ثم انتقلت إلى "فلورنسا" وقبلت في أكاديميتها للفنون الجميلة، وبقيت لمدة سنة واحدة واضطررت لأسباب مادية للعودة إلى سورية، وعملت مدرساً للغة الانكليزية لمدة ثلاث سنوات في ثانوية "ابن خلدون"، وبعدها تقدمت بأوراقي إلى وزارة التربية لاستثنائي من شرط السن والشهادة الثانوية القديمة وذلك للالتحاق بمعهد إعداد المدرسين، قسم التربية الفنية، وعندما حصلت على الموافقة المشروطة بخضوعي لاختبار فحص المواهب، في معهد "حلب" لمدرسي قسم التربية الفنية، حيث اجتزته بعد حصولي على المرتبة الأولى من أصل /500/ متقدم للاختبار، ثم حصلت على المركز الأول في السنة الأولى والثانية في جميع المواد الدراسية العملية والنظرية، وكرمت من قبل الاتحاد الوطني لطلبة سورية فرع "حلب".

    بعد سنتين عدت إلى "الرقة" ودرّست لمدة سنة واحدة في ثانوية "ابن خلدون"، وفي عام /1987/ التحقت بدار المعلمين وبقيت حتى عام /2004/ في السنة التي أغلق فيها الدار، وفي عام /1996/ درست في معهد إعداد المدرسين في "الرقة" لمدة ثلاث سنوات مادتي التصوير والثقافة الفنية، وأصول التدريس، وعينت في التدريس المشترك بين معهد "إعداد المدرسين" وثانوية "الباسل" للمتفوقين حتى عام /2010/ كلفت بإدارة صالة التربية الفنية التشكيلية في "الرقة".

    عشت طفولتي في مدينة "الرقة" وعلى ضفاف "الفرات" كان مرتع الطفولة، هذه الطبيعة أثارت ولعي بالرسم فكنت اقتنص اللون وأحاول محاكاة الطبيعة مستخدماً قلم الرصاص ثم الألوان المائية فالزيتية، وهكذا بدأت تتشكل ملامح تجربتي الفنية.
    • هل لديك نزوع نحو قراءة الواقع، أم تنتمي لمدرسة فنية معينة، أو تتبع مذهب فني بعينه؟

    ** بدأت برسم الطبيعة الصامتة لمعرفة النسب وعجينة اللون والظل والنور وإدراك البعد الثالث، كما درست الثقافة الفنية من خلال مركز الفنون التشكيلية الذي انتسبت إليه في المرحلة الإعدادية من حياتي، وكان لمشاركاتي في المعارض الفنية في تلك الفترة والتي كانت تقام في كل عام في مدينة من المدن السورية أثر الكبير في مسيرتي الفنية.

    تبلورت رؤيتي الفنية من خلال ذلك وكنت أميل إلى المدرسة الكلاسيكية ومن خلالها تعلمت قواعد المهنة الفنية من منظور ونسب وحجوم, وكنت أميل إلى رسم الوجوه بشكل خاص, والتشريح, وتوزيع شخوص اللوحة بشكل يتناسب مع حجمها من توازن وإيقاع فني، وتوازن وتناغم لوني ينسجم والموديل المراد رسمه، وبعدها اتجهت إلى المدرسة الواقعية ومن خلالها أردت إيصال الفكرة إلى المتلقي البسيط والمثقف في آن واحد، لأن الواقعية لا تقتصر على النخبة من المتلقين ولكنها أكثر شمولية للمتلقين العاديين, لأن الفن برأيي يجب أن ينزل إلى البسطاء لكي نرتفع بذوقهم الفني ويجد نفسه الإنسان العادي قريب من اللوحة, وذلك لأن العلاقة الجدلية تكون عندما نفهمها بين منتج اللوحة "الفنان" والمتلقي.

    من الأساليب الفنية التي استخدمتها الرسم على المخمل والحرق على الخشب والجلد والرسم على الباستيل، أما ما تفردت به هو الرسم بالسكين إضافة إلى الريشة، وهناك نوع من الرسم يدعى الفن التزييني وهو الرسم على الزجاج مستخدما الألوان الزيتية بتركيبة خاصة بي.
    • امتدت تجربة الفنان عمر شاهين لسنوات طويلة هل شكلت هذه التجربة مشروعاً ثقافياً له ملامح في قراءة مفردات الواقع؟

    ** رسمت في لوحاتي البحر والطبيعة والبشر ثم المرأة وكنت أعبر من خلال "البورتريه" الحالة النفسية للنموذج الذي أمامي دون إهمال التشريح والشبه وعجينة اللون والتكنيك وتقنية الصنعة، وأغلب لوحاتي لا تخلو من مفردات الشخوص والرموز التي تميز أعمالي مثل الحمام, المرأة, البيوت, الأزهار, وكل عنصر كان يخدم الموضوع المراد رسمه وتجسيده، والتناغم اللوني الذي أراه مناسباً مع هذه المفردات والشخوص.
    • هل استطعت بالمتخيل أن تجسد متناقضات الحياة في فضاء اللوحة اللا متناهي؟

    ** أنا واقعي أرسم المفردات وعناصر اللوحة من عالم قريب من المتلقي لكن الفكرة هي التي تدغدغ مشاعر ووجدان متذوق اللوحة، فالفكرة جدلية بين منتج اللوحة ومتذوق اللوحة، ومن خلال ذلك أستطيع أن أوصل فكرتي بكل بساطة ولا أميل إلى ما هو خيالي أو سريالي في أعمالي وأنا لا أذم تلك المذاهب لكن أجد نفسي مع بساطة عناصر اللوحة وبالتالي بساطة إيصالها للمتلقي، وأعتقد أن هذه هي رسالة الفنان الواعي تجاه أمته وشعبه لأن الفنان ابن بيئته يؤثر فيها ويتأثر بها.
    • هل أغنت مهنة التعليم تجربتك الفنية؟

    ** مهنتي كمدرس لمادة التربية الفنية أضافت الكثير إلى رصيدي الفني والفكري وحتى تقنية اللون وكما يقول أحد الفلاسفة الإغريق: (كل يوم أتعلم شيئاً جديداً), وبالتأكيد من يُعلّم يتعلم ممن يعلمه إذا أراد ذلك أي أن يكون المعلم واع لأهداف المادة في حدود المرحلة التي يعلمها سيما أن مادة التربية الفنية لها خصوصية تختلف عن تعليم المواد الأخرى، لأن علاقتنا مع أشخاص قد يكون منهم الموهوب والعبقري في المادة الفنية، مع العلم أني كنت مشرفاً ومحاضراً لمدة /10/ سنوات على دورات التي تقيمها وزارة التربية قسم التدريب والإعداد للتدريب المستمر لتبادل الخبرات.
    • تنزع في رسوماتك نحو رسم الطبيعة بمفرداتها وغناها وتنوعها وأيضا لديك ميل كبير لرسم "البورتريه", هل هناك فضاء لعالم آخر؟

    ** لاشك أن التجديد والتطوير والابتكار هي من خصوصية أي مبدع ولا أعرف التوقف عند رمز معين لأن ذلك يعني الموت الفني, أي أن من لا يبحث عن رمز جديد أو فكرة قد يعني أنه قد أعطى كل ما لديه.

    وفي الحياة لا يوجد شيء اسمه التوقف بل البحث عن كل ما يواكب التطور الفني والإنساني والقيم الوجدانية، وإن لكل مرحلة عمرية في عالم الفن منعطفات تؤثر على الفنان لأن عالم الفن واسع.
    • المرأة حاضرة بقوة في أعمالك, ماذا تضيف المرأة لوعي الفنان ورؤيته الجمالية؟

    ** المرأة تعني لي الأم التي ضحت في طريقنا، فعند وفاة والدي كنت حينها في الثالثة من العمر وبرحيله ترك لأمي حملاً ثقيلاً عبارة عن ثمانية أطفال واستطاعت أن تنهض بهذه الأسرة الكبيرة، كما لزوجتي الأثر المهم في حياتي الفنية باعتبارها أولاً من الوسط الفني، وثانياً ما توفره لي من راحة نفسية استطيع من خلالها أفراغ ما تجيش به نفسي من أفكار في فضاء اللوحة.

    معظم أعمالي لا تخلو من المرأة فأنا أجسدها امرأة ثائرة ضد العدوان الإسرائيلي، والأم التي تعطي الجيل أسمى معاني العطاء، والمرأة التي تمثل الحرية، فالمرأة تعني ضمير المجتمع ورمز الخصوبة، وموئل الأخلاق في أي مجتمع كان.
يعمل...
X