النحات "شفيق نوفل" ومغامرة من نوع آخر
- علاء الجمّال
السويداء
جمع أعمالاً عالمية لـ "رينوار" و"إدغار ديغا"، و"تبارو" و"مهافيس" ومنها من القرن السابع عشر لإنقاذها من الإهمال والضياع. مجازفة كبيرة أقدم عليها النحات "شفيق نوفل" المولود في بلدة "عمرة" في محافظة "السويداء" والمقيم في مدينة "شهبا"....
فقد قام بجمع لوحات عالمية مهملة وقديمة وحتى مهترئة لفنانين أوروبيين عن طريق شرائها من العائلات التي تعرضها أو تركنها جانباً، وكان في ذلك تضحية كبيرة منه لكل أمواله تقديراً لهذا العمل الجرئ.
إذا لم تخرق يدي جداراً من البازلت سأبترها لأنها ستكون مشلولة، وأنا لا أحمل جزءاً ميتاً في جسدي
النحات "شفيق نوفل" قال لموقع eSuweda: «كوني أملك صالة للفنون الجميلة فقد توجهت لإنقاذ ما أستطيع إنقاذه من أعمال فنية أوروبية مقتناة في وطننا ويزيد عمرها على الثلاثمائة عام من الإهمال والضياع الذي لحق بها وفكرت أن أقيم لها معرضاً نموذجياً له طابعه وأجوائه».
نسخة مطبوعة من أعمال رينوار
وأضاف: «المؤسف حقاً أننا نجهل الفنان المبتدأ من المحترف، اللوحة الخالدة من المقلدة، ولوحاتي هذه مهما كانت أصلية وذات مواضيع مهمة ليس لها مهتم وندر مقتنوها، فبالتالي أراها أنا وحدي، لذلك أطالب بوجود متحف متخصص بالفن التشكيلي لا يهتم بجنس العمل الفني بل بالعمل نفسه بغض النظر عن صاحبه، وبذلك نساعد على اقتناء الأعمال المنتشرة بشكل عشوائي وتنظيمها بمتحف متخصص».
أما الناقد والفنان التشكيلي السوري "عبد الرحمن مهنا" رأى أن هذه المجازفة مسألة يصعب استيعابها، فقال: «ندرة من فنانينا من يقوم بشراء أعمال لفنانين أوروبيين، وما فعله "شفيق نوفل" مغامرة كبرى تنم عن ثقافة واسعة بمنحى الفن التشكيلي وشمولية لفهم الفن في العالم، وهو نفسه يرى أن الفن ليس محصوراً بثقافة معينة بل لغة عالمية يقرؤها كل إنسان».
لأحد الفنانين المصريين من عهد قديم
وأضاف: «استطاع "نوفل" أن ينقذ أعمالاً غاية في الأهمية من الضياع، ويغامر في اقتنائها منطلقاً من إيمانه بأهمية الفن الأوروبي رغم علمه بندرة مقتنيها في سورية ليفاجَأ أنه وضع "تحويشة" العمر من أجلها، وأنا لا أستوعب حدوث ذلك مع الفنان، ولكن الجميل حقاً عدم شعوره بالندم على مجازفته، وإيمانه غير المنقطع بأبعاد العمل النبيل… وانعكاس التأثير الجمالي للوحة القديمة على النفس».
من الجدير بالذكر أن النحات "شفيق نوفل" ولد في قرية "عمرة" من ريف "السويداء" وسط أسرة ريفيّة شأنها شأن أسر الريف التي تعلمت مع أبنائها الصدق في القول والعمل وحب المثل العليا: الإنسان والأرض والوطن، و"عمرة" مكان هادئ محاط بطبيعة أخاذة الشكل كانت لموهبته في النحت مُعلمَا مبدعاً، وخلال أعوام مرّ بها في كنف الحياة والصراع... انتقل وأسرته إلى مدينة "شهبا" وتابع حياته بها بادئاً العمل بمحاولة الوصول إلى إبداع نحتي مميز مكتمل الأبعاد... وللمدينة الأثرية في "شهبا" دور وحكمة في روعة ما أنجز.
بورتريه للفنان الفرنسي تبارو
أما دافعه للعمل، فقد استمدّه من ابنته الوحيدة "شام" بمحبتها للرسم ومتابعتها له أثناء العمل، ومع الوقت والاستمرار تحددت خصوصيته في التشكيل النحتي، وبات له مرسماً يتخذه معبداً قداسيا يمارس فيه طقوسه الروحية التأملية للطبيعة والنجوم للكتل الحجرية لأعوام الذاكرة الماضية، وعبارة رائعة لا تفارق قوله: «إذا لم تخرق يدي جداراً من البازلت سأبترها لأنها ستكون مشلولة، وأنا لا أحمل جزءاً ميتاً في جسدي».