مفهوم "الشهادة" في الفن التشكيلي المعاصر في مدينة "حلب"
حلب
تأثر الفن التشكيلي الحلبي بمجموعة من الأحداث الوطنية والقومية التي حدثت في الوطن العربي وسورية فدخلت بذلك العديد من المفاهيم المتعلقة بالنضال والكفاح والشهادة إلى لوحات الفنانين التشكيليين في مدينة "حلب".
حول مفهوم الشهيد والشهادة في الفن التشكيلي المعاصر في مدينة "حلب" يتحدث الفنان التشكيلي والناقد "محمود مكي" لموقع eAleppo قائلاً: «لم يتأثر الفن التشكيلي في مدينة "حلب" في تاريخه بقدر ما تأثر بأحداث ما بعد شهر حزيران 1967، وقد كان من أهم تأثيراته عليها هو مفهوم الشهادة والشهداء.
لقد طرح الفنانون الحلبيون هذا المفهوم بأساليب فنية متعددة وبمضامين فكرية متنوعة وكانت فكرة الشهادة والنضال من أجلها لتحقيق العزة والكرامة العربية مادة خصبة للفنانين كي يتناولونها في أعمالهم الفنية ويلتزمون بها ليشعروا بمدى مشاركتهم في النضال القومي مع الذين يقدمون حياتهم رخيصة في سبيل الوطن الغالي ويؤكدوا بذلك وقوفهم جنباً إلى جنب مع البندقية وحامليها في خندق واحد للقتال من أجل تحقيق الهدف العربي الكبير، وقد كان من أهم أعمال الفنانين النصب التذكارية التي أقاموها في مختلف الساحات العامة والحدائق تخليداً للشهداء، هؤلاء الرجال الأبطال الذين سطّروا بدمائهم الزكية والطاهرة ملاحم بطولية عظيمة في العطاء والعطاء بحياتهم الغالية من أجل إعلاء راية الكرامة والعزة العربية وإنارة طريق الحرية للأجيال العربية القادمة في المستقبل المشرق».
لوحة الشهيد للفنان محمد غالب سالم
ويضيف "مكي": «بعد تحقيق النصر الكبير على العدو الغاشم في العام 1973 أصبح السادس من شهر أيار من كل عام عيداً قومياً للشهداء الأبطال واحتفالاً رمزياً في تاريخنا الوطني السوري والقومي، وعلى هذا الأساس ارتبطت مفاهيم الشهادة في الفن التشكيلي الحلبي بعدة مناسبات قومية ووطنية في سورية من أهمها: الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1925 ونكبة فلسطين في العام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر العربية في العام 1956 وثورة الجزائر العربية ونكسة حزيران في العام 1967والثورة الفلسطينية وحرب تشرين التحريرية في العام 1973.
من هنا برز موضوع الشهادة في الفن التشكيلي في مدينة "حلب" وذلك بعد الأحداث المصيرية والثورات العربية منذ مطلع القرن السابق كموضوع أثيري له أهميته الكبيرة في الذائقة البصرية وخاصة قضية الالتزام في الفن بقضايا الوطن القومية والسياسية.
نصب الشهداء في ساحة سعد الله الجابري بحلب للفنان عبد الرحمن مؤقت
في بداية الحياة التشكيلية الحلبية استخدم الفنانون الروّاد الأساليب الفنية التسجيلية والتقريرية لتصوير موضوع الشهيد في أعمالهم الفنية مع التأكيد المباشر على المضمون المأساوي لحالة الشهيد وقد كانت لوحة الفنان الرائد "محمد غالب سالم"* –"الشهيد" تصوّر بكل وضوح الرؤية الفكرية لحظة إعدام أبطال الثورة السورية بالرصاص، هي لوحة تمثل صورة مأساوية تحفز على متابعة النضال وقد كانت في وقتها تمثل مفهوماً متقدماً يعبر الفنان الرائد من خلالها عن مدى الوضع المأساوي والظلم الواقع بشكل مباشر وحالة القهر التي تعاني منها الشعوب جراء الاستعمار الفرنسي على البلدان الحرة».
ويتابع: «في مرحلة متقدمة من الزمن لم تعد المضامين لدى الجيل الثاني من الفنانين تعبر عن الشهادة على أنها تشكل المأساة والحزن والبكاء واليأس، بل أصبحت تعني مفهوماً جديداً في الحياة النضالية من أجل تحقيق الأهداف النضالية وخاصة بعد مرحلة تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، فأصبحت بمفهومها الجديد حالة من حالات النضال والبطولة والنبل والتضحية الغالية.
الفنان التشكيلي والناقد محمود مكي
وهناك عشرات الأعمال الفنية في هذه المرحلة التي قدمها الفنانون الآخرون الذين جعلوا من موضوع الشهادة أساساً لمعارضهم الفنية مثل الفنان الراحل "لؤي كيالي" الذي قدم معرضه الهام في الحركة التشكيلية السورية والذي كان نقطة تحول كبيرة في حياة الفنان "لؤي كيالي**" وهو معرض "في سبيل القضية" وعرضه في ثلاث مدن سورية كبرى هي: "حلب" و"دمشق" و"اللاذقية" وعلى أثرها أصبح أكثر الفنانين يتبنون موضوع الشهادة في مجمل أعمالهم الفنية وأدركوا مقدار أهمية الفن في النضال العربي باعتباره صورة للواقع في الحياة السياسية ومنهم الفنان "عبد الرحمن مهنا*** الذي قدم معرضه الهام في مسيرته الفنية أيضاً "الإنسان العربي ومعركة المصير" والفنان "عبد الرحمن مؤقت****" الذي قدم تمثاله الكبير في ساحة كبيرة هي ساحة "سعد الله الجابري" في وسط مدينة "حلب" وهو نصب "الشهداء" المعروف».
«ومن الأعمال الفنية حول الشهادة –والكلام للأستاذ "محمود مكي"- لوحة أنجزتها في العام 1984 وهي محفوظة لدى وزارة الثقافة السورية وعنوانها الشهادة وتصور أماً تراقب ابنها الشهيد الذي قدم روحه فداء للوطن وكرامته.
لقد كانت الأحداث المصيرية العظيمة التي تعرضت لها الأمة العربية خلال النصف الثاني من القرن السابق وخاصة نكسة حزيران في العام 1967 وبعدها حرب تشرين التحريرية في العام1973 التي تحقق فيها الانتصار التاريخي على العدو وتم فيها إعادة الكرامة العربية مادة دسمة للفنانين من أجل إثراء الحركة التشكيلية بمواضيع غنية، وبالتالي أصبح للفن أهميته الكبيرة في الحياة القومية والسياسية وذلك لمشاركته الحياة النضالية بالريشة جنباً إلى جنب مع الأبطال حاملي البندقية وفي خندق مشترك وخاصة بعد معركة التحرير والكرامة العربية في حرب تشرين التحريرية وحرب الاستنزاف الطويلة».
وفي الختام يقول: «لقد استطاع الفنان الحلبي أن يرصد هذه الأحداث كلها بروح جديدة وأساليب فنية متعددة وغنية بالمعاني الإنسانية والحيوية وقد تميز الكثير من الفنانين في حركتنا التشكيلية السورية لمثل هذه المواضيع التي أصبح لها أثرها الكبير في الحياة الاجتماعية وعليه أن يحارب بريشته ويدعم بها النضال القومي بفنه ويلهب الهمم العربية ويشحذ قوة الشعب للتحرير والبناء وأصبح للشهادة تقليدها الخاص في الحياة السورية العامة».
** لؤي كيالي: مواليد حلب 1934 وتوفي 1978.
*** عبد الرحمن مهنا: مواليد حلب 1950.
****عبد الرحمن مؤقت: مواليد حلب 1946.
- نضال يوسف
حلب
تأثر الفن التشكيلي الحلبي بمجموعة من الأحداث الوطنية والقومية التي حدثت في الوطن العربي وسورية فدخلت بذلك العديد من المفاهيم المتعلقة بالنضال والكفاح والشهادة إلى لوحات الفنانين التشكيليين في مدينة "حلب".
حول مفهوم الشهيد والشهادة في الفن التشكيلي المعاصر في مدينة "حلب" يتحدث الفنان التشكيلي والناقد "محمود مكي" لموقع eAleppo قائلاً: «لم يتأثر الفن التشكيلي في مدينة "حلب" في تاريخه بقدر ما تأثر بأحداث ما بعد شهر حزيران 1967، وقد كان من أهم تأثيراته عليها هو مفهوم الشهادة والشهداء.
لقد استطاع الفنان الحلبي أن يرصد هذه الأحداث كلها بروح جديدة وأساليب فنية متعددة وغنية بالمعاني الإنسانية والحيوية وقد تميز الكثير من الفنانين في حركتنا التشكيلية السورية لمثل هذه المواضيع التي أصبح لها أثرها الكبير في الحياة الاجتماعية وعليه أن يحارب بريشته ويدعم بها النضال القومي بفنه ويلهب الهمم العربية ويشحذ قوة الشعب للتحرير والبناء وأصبح للشهادة تقليدها الخاص في الحياة السورية العامة
لقد طرح الفنانون الحلبيون هذا المفهوم بأساليب فنية متعددة وبمضامين فكرية متنوعة وكانت فكرة الشهادة والنضال من أجلها لتحقيق العزة والكرامة العربية مادة خصبة للفنانين كي يتناولونها في أعمالهم الفنية ويلتزمون بها ليشعروا بمدى مشاركتهم في النضال القومي مع الذين يقدمون حياتهم رخيصة في سبيل الوطن الغالي ويؤكدوا بذلك وقوفهم جنباً إلى جنب مع البندقية وحامليها في خندق واحد للقتال من أجل تحقيق الهدف العربي الكبير، وقد كان من أهم أعمال الفنانين النصب التذكارية التي أقاموها في مختلف الساحات العامة والحدائق تخليداً للشهداء، هؤلاء الرجال الأبطال الذين سطّروا بدمائهم الزكية والطاهرة ملاحم بطولية عظيمة في العطاء والعطاء بحياتهم الغالية من أجل إعلاء راية الكرامة والعزة العربية وإنارة طريق الحرية للأجيال العربية القادمة في المستقبل المشرق».
لوحة الشهيد للفنان محمد غالب سالم
ويضيف "مكي": «بعد تحقيق النصر الكبير على العدو الغاشم في العام 1973 أصبح السادس من شهر أيار من كل عام عيداً قومياً للشهداء الأبطال واحتفالاً رمزياً في تاريخنا الوطني السوري والقومي، وعلى هذا الأساس ارتبطت مفاهيم الشهادة في الفن التشكيلي الحلبي بعدة مناسبات قومية ووطنية في سورية من أهمها: الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي في العام 1925 ونكبة فلسطين في العام 1948 والعدوان الثلاثي على مصر العربية في العام 1956 وثورة الجزائر العربية ونكسة حزيران في العام 1967والثورة الفلسطينية وحرب تشرين التحريرية في العام 1973.
من هنا برز موضوع الشهادة في الفن التشكيلي في مدينة "حلب" وذلك بعد الأحداث المصيرية والثورات العربية منذ مطلع القرن السابق كموضوع أثيري له أهميته الكبيرة في الذائقة البصرية وخاصة قضية الالتزام في الفن بقضايا الوطن القومية والسياسية.
نصب الشهداء في ساحة سعد الله الجابري بحلب للفنان عبد الرحمن مؤقت
في بداية الحياة التشكيلية الحلبية استخدم الفنانون الروّاد الأساليب الفنية التسجيلية والتقريرية لتصوير موضوع الشهيد في أعمالهم الفنية مع التأكيد المباشر على المضمون المأساوي لحالة الشهيد وقد كانت لوحة الفنان الرائد "محمد غالب سالم"* –"الشهيد" تصوّر بكل وضوح الرؤية الفكرية لحظة إعدام أبطال الثورة السورية بالرصاص، هي لوحة تمثل صورة مأساوية تحفز على متابعة النضال وقد كانت في وقتها تمثل مفهوماً متقدماً يعبر الفنان الرائد من خلالها عن مدى الوضع المأساوي والظلم الواقع بشكل مباشر وحالة القهر التي تعاني منها الشعوب جراء الاستعمار الفرنسي على البلدان الحرة».
ويتابع: «في مرحلة متقدمة من الزمن لم تعد المضامين لدى الجيل الثاني من الفنانين تعبر عن الشهادة على أنها تشكل المأساة والحزن والبكاء واليأس، بل أصبحت تعني مفهوماً جديداً في الحياة النضالية من أجل تحقيق الأهداف النضالية وخاصة بعد مرحلة تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، فأصبحت بمفهومها الجديد حالة من حالات النضال والبطولة والنبل والتضحية الغالية.
الفنان التشكيلي والناقد محمود مكي
وهناك عشرات الأعمال الفنية في هذه المرحلة التي قدمها الفنانون الآخرون الذين جعلوا من موضوع الشهادة أساساً لمعارضهم الفنية مثل الفنان الراحل "لؤي كيالي" الذي قدم معرضه الهام في الحركة التشكيلية السورية والذي كان نقطة تحول كبيرة في حياة الفنان "لؤي كيالي**" وهو معرض "في سبيل القضية" وعرضه في ثلاث مدن سورية كبرى هي: "حلب" و"دمشق" و"اللاذقية" وعلى أثرها أصبح أكثر الفنانين يتبنون موضوع الشهادة في مجمل أعمالهم الفنية وأدركوا مقدار أهمية الفن في النضال العربي باعتباره صورة للواقع في الحياة السياسية ومنهم الفنان "عبد الرحمن مهنا*** الذي قدم معرضه الهام في مسيرته الفنية أيضاً "الإنسان العربي ومعركة المصير" والفنان "عبد الرحمن مؤقت****" الذي قدم تمثاله الكبير في ساحة كبيرة هي ساحة "سعد الله الجابري" في وسط مدينة "حلب" وهو نصب "الشهداء" المعروف».
«ومن الأعمال الفنية حول الشهادة –والكلام للأستاذ "محمود مكي"- لوحة أنجزتها في العام 1984 وهي محفوظة لدى وزارة الثقافة السورية وعنوانها الشهادة وتصور أماً تراقب ابنها الشهيد الذي قدم روحه فداء للوطن وكرامته.
لقد كانت الأحداث المصيرية العظيمة التي تعرضت لها الأمة العربية خلال النصف الثاني من القرن السابق وخاصة نكسة حزيران في العام 1967 وبعدها حرب تشرين التحريرية في العام1973 التي تحقق فيها الانتصار التاريخي على العدو وتم فيها إعادة الكرامة العربية مادة دسمة للفنانين من أجل إثراء الحركة التشكيلية بمواضيع غنية، وبالتالي أصبح للفن أهميته الكبيرة في الحياة القومية والسياسية وذلك لمشاركته الحياة النضالية بالريشة جنباً إلى جنب مع الأبطال حاملي البندقية وفي خندق مشترك وخاصة بعد معركة التحرير والكرامة العربية في حرب تشرين التحريرية وحرب الاستنزاف الطويلة».
وفي الختام يقول: «لقد استطاع الفنان الحلبي أن يرصد هذه الأحداث كلها بروح جديدة وأساليب فنية متعددة وغنية بالمعاني الإنسانية والحيوية وقد تميز الكثير من الفنانين في حركتنا التشكيلية السورية لمثل هذه المواضيع التي أصبح لها أثرها الكبير في الحياة الاجتماعية وعليه أن يحارب بريشته ويدعم بها النضال القومي بفنه ويلهب الهمم العربية ويشحذ قوة الشعب للتحرير والبناء وأصبح للشهادة تقليدها الخاص في الحياة السورية العامة».
- محمد غالب سالم: مواليد حلب 1910 وتوفي 1969.
** لؤي كيالي: مواليد حلب 1934 وتوفي 1978.
*** عبد الرحمن مهنا: مواليد حلب 1950.
****عبد الرحمن مؤقت: مواليد حلب 1946.