"عبد الرحمن مهنا": الرسم ردة فعل اعترضت بها واقعاً عشته
- علاء الجمّال
حلب
عشت في بيئة شعبية تحكمها الأساطير والنبوءات والفقر، وسط هذه المشاهد نشأ وكبر هذا الطفل في داخلي بصورة غير عادية..
هذا ما بدأه الفنان التشكيلي السوري "عبد الرحمن مهنا" في حديثه لـ " eSyria" عن بداية تكونه الفني، وبعض الوقفات الجميلة في حياته، وذلك عندما حاورته في مرسمه الكائن في "دمشق القديمة" منطقة "القيمرية" إلى جوار كافيتريا "تمر حنة" ويضيف:
"حلب" أسست لوجودي الإبداعي والإنساني، وشكلت مرحلة مهمة في حياتي وتكوين وبناء شخصيتي
«رفضت منذ طفولتي أشياء كثيرة من معتقدات محيطي الذي أعيش فيه حتى النزق والصراخ أو البكاء أحياناً.. هذا الشيء دفعني إلى الرسم والتعبير عما أختزنه في ذاكرتي، وغالباً ما أندفع بقوة عندما لا أجد أحداً يسمعني، من هنا بدأت رحلتي مع الفن التشكيلي ولم أكن مدركاً أني سأصبح ذات يوم من المبدعين فيه، والثناء الذي أحاط تجربتي من الآخرين، أكّد ثقتي بموهبتي وحقق جزءاً من وجودي، الرسم في عالمي، ردة فعل جريئة اعترضت بها واقعاً مريراً عشته وكنت رافضاً للعديد من قضاياه.
أثر في النفس
وحول أهم معارضه التي قام بها وتركت تأثيراً في نفسه، يقول: «في عام 1970 أقمت معرضي الشخصي الأول في المتحف الوطني في "حلب"، تحت عنوان "الإنسان العربي ومعركة المصير"، واللوحات جميعها رُسمت بالحبر الصيني الأسود والأبيض وعرفت بعد ذلك أن أسلوبي يُسمى "جرافيك" ويتمتع بتقنية خاصة، (ورق معالج بطريقة توحي بالقدم وتشكيلات إنسانية صارمة تعبر عن مرحلة الصراع وقضايا الأمّة). بعد معرضي انتقلت إلى "دمشق" لأقيم معرضاً شخصيّاً آخر عام 1976، أضفت إليه تجربة جرافيكية مختلفة تعتمد على تكوينات تحمل تشكيلاً متخيلاً يتناسب مع وعيي لإشكالات العصر وقضاياه الاجتماعية والسياسية، فنستشف عبره انعكاسات شخصيتي وفهمي للواقع حولي».
وحول هوايته في الإخراج السينمائي، يقول: «أهوى التمثيل و"التصوير الفوتوغرافي"، وهذا سار بي إلى ما هو أبعد في تصوير الأفلام السينمائية القصيرة والصامتة التي يتراوح طولها ما بين 1ملم و16 ملم، فوجدت نفسي أنساق خلف عوالمي وطموحاتي، فشاركت أخي الإخراج والتمثيل وخلصنا معاً إلى إنجاز 5 أفلام سينمائية بعضها حظي بجوائز هامة».
موقف من خبايا الذاكرة..
وفيما يتعلق بموقف جميل يختاره من خبايا ذاكرته، يقول: «شاركت في شبابي بمعرض أقيم في مركز الفنون الجميلة في "حلب" عام 1967، وفوجئت أن أعمالي التي قدمتها حصلت على الجائزة الأولى، وهي متعلقة "بدمشق القديمة والطبيعة الصامتة"».
يقول "مهنا" حول رؤيته للفن التشكيلي عموماً: «الفن ليس بالصنعة التي نتقن عبرها تصوير ما نشاهد أو إعادة تنفيذ ما نبدع، وإنما هو رؤية متطورة للأشياء تواكب تجربة الإنسان ورؤياه الفكرية ومشاعره الإنسانية».
ويضيف: «إن التجوال في الأفق الرحبة للفن وارتياد عوالمه المجهولة والغوص في أعماقه البعيدة ليس بالأمر السهل، لكنه في غاية الأهمية إذ يمكننا من اختراق جدار الزمان والمكان إلى إدراك كلي للكون».
لـ"حلب" خصوصية في عالمه، يقول عنها: «"حلب" أسست لوجودي الإبداعي والإنساني، وشكلت مرحلة مهمة في حياتي وتكوين وبناء شخصيتي».
حول أعمال الفنان، يقول الدكتور "بيتر شابرت" ناقد ألماني: «تميز "مهنا" بتنوع عناصره في مختلف المواضيع التي تتناولها لوحته، ويظهر ذلك بوضوح في طريقة تقسيمه لها حيث تقوم خطوط تكاد أن تكون هندسية بالفصل بين المساحات اللونية، التي تثير الانطباع بتأليف وحدة كاملة أزواج وأسر وأشخاص في محيطها العادي، ممثلة برموز كالعصافير والأسماك والأزهار والبيوت، وهذا يصح بالنسبة للوحاته التي تمثل مناظر من أحياء مدينة "دمشق وحلب ومعلولا" هي لا تتسم بالواقعية من حيث الشكل إلا أنها توحي بالانسجام والطمأنينة».
مراحل ومقتطفات...
ولد الفنان "عبد الرحمن مهنا" في "حلب" عام 1950، وبدأ مسيرته الفنية بممارسة التصوير الفوتوغرافي وفن الجرافيك، من خلال تجاربه الخاصة منذ عام 1965، وفي عام 1967انتسب إلى مركز الفنون التشكيلية "بحلب"، وحاز على الجائزة الأولى في المعرض الرابع لطلاب الفنون في القطر، وحاز في عام 1967 على براءة تقدير من وزارة الثقافة "بدمشق"، وثناء من الاتحاد الوطني لطلبة "سورية" عام 1968، وهو عضو في نقابة الفنون الجميلة، وفي نادي التصوير الضوئي، وفي اتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
أقام معرضه الفردي الثاني عشر في المركز الثقافي لجمهورية "ألمانيا الاتحادية" معهد "غوته" ـ "دمشق" عام 1986، وشارك في معظم معارض القطر الداخلية والخارجية، وفي معرض الشباب في دولة "الجزائر" عام 1972، ومعرض "كوبا" للشبيبة عام 1978، ومعرض في العاصمة القبرصية "نيقوسيا" مع مجموعة من الفنانين السوريين.
أجرى "مهنا" تجربة فنية على فن الرسم الفطري لدى الطفل، وأقام معرضاً للأطفال بإشرافه في صالة المركز الثقافي "السوفييتي" "بدمشق" عام 1982، عمل مدرساً لمادة التربية الفنية، وفي المجال الصحفي، ورسومه منشورة في الكثير من الصحف "السورية" والعربية.