"بوسيك"... ربما لعبت الوراثة دوراً في حياتي الفنية
الحسكة
استباح الفن حياته حتى استحوذ عليها من كل الجوانب، فوهب حياته للريشة وأرخى عنانه لبحر الألوان، استبدل ملذاته بحزن اللوحة التي كان يبوح لها بما يدور في خلده، فتعاظمت قصة حبهما حتى أسر كل منهما الآخر، ضيّق عليه الفن حياته الاجتماعية فرسم عالمه اللامتناهي على قماشة بيضاء تحدها إطارات من خشب...
الفنان "بسام جبرائيل بوسيك" 1971 م من محافظة "الحسكة" التقاه موقع ehasakeh ليحدثنا عن مسيرته الفنية فكان الحوار التالي:
الأحمر يطغى على اللوحة
** من الصعوبة بمكان أن يتمكن أحد ما أن يصف الفن، فبالفن توصف الأشياء ولكن يقعد الفن مني مقعد الروح من الجسد، فأنا لا أتصور يوماً أن أعيش دونه فهو يعادل الحياة عندي، فالفن بالنسبة لي هو المساحة الوحيدة التي يمكن أن اعبر فيها عن ذاتي.
وجه يتجه للمجهول
** منذ المرحلة الابتدائية كنت أشعر بأنني امتلك هذه الموهبة، فتفرغت لأنميها وكان هذا على حساب كل شيء حتى الدراسة، في الوقت الذي كان الأطفال يلعبون ويقضون أوقاتهم في التسلية كنت أمارس هذه الهواية، فقد كنت أرى أن المتعة تكمن في اللوحة، على الرغم من المعاناة التي كنت أعيشها لإيجاد مكان أرسم فيه إلا إن هذا لم يزدني إلا إصراراً، فقد كان أهلي يمنعونني من الرسم في المنزل ولكني كنت أتدبر أمري، ففي الصيف كنت أرسم في غرفة فوق سطح المنزل لا يوجد فيها حتى مروحة، وفي الشتاء كنت أرسم على بلاطة الدرج في برد الشتاء القارس.
الفنان بسام بوسيك
** كانت البداية مع الفن الواقعي الذي عشت معه أياماً جميلة، وهذا هو الأصل فالفن الواقعي هو نقطة الانطلاق لأي فنان ومن ثم يتدرج الفنان لتستقطبه مدرسة ما، وقد حاولت أن أتمكن من تنفيذ اللوحة الواقعية، وأعتقد أنني قطعت شوطاً لا بأس فيه بهذا المجال.
** منذ صغري كان يراودني هاجس يقول إنني يجب أن اترك شيئاً ما يخلدني في هذه الدنيا، ربما لم يأت الفن إلي عن عبث، أظن أن العامل الوراثي لعب دوراً جوهرياً في عشقي للفن، فأنا أنحدر من عائلة يمكن وصفها بالفنية، لا أنكر أنني تأثرت بخالي "سعيد حنا" هذا الرجل كان مهندساً معمارياً درس الهندسة في ايطاليا، ولكن كان الفن يأخذ جل وقته وله العديد من المعارض هناك، حتى إنه أصبح يعتاش مؤخراً من وراء فنه، وخالي "غسان" كان يرسم بشكل جميل وحتى والدي كان يحب الرسم بشكل كبير، ولكنه لم يرغب أن أكون فناناً لكي أساعده في التجارة ولهذا كان يضيق الخناق عليّ في المنزل.
* لماذا تركت الواقعية؟
** لم أتخذ هذا القرار بين ليلة وضحاها بل بعد مضي 25 عاماً من الواقعية، أحسست بعد هذه المدة أن اللوحة تضيق بما أريد أن أفرغه فيها، فقد كانت اللوحة تحجمني بمنظور ضيق، صحيح أن الواقعية غذت عندي اللون وأعطتني الثقة لدخول الفن التشكيلي.
** قطعاً لا فمن المحال أن يتمكن أي فنان من رسم لوحة تشكيلة تعطي الغرض المراد منها دون أن يكون الفنان قد استمد وحيه من الواقع، وحتى لو حصل ذلك ورسم فسيقع في مطبات كثيرة وبالنتيجة لن يتمكن من توظيف اللون في اللوحة.
** اللون بالنسبة لأي فنان هو الحياة الخاصة به فهو الذي يعطي حقيقة ذات الفنان، بالنسبة لي أتعامل مع اللون بإحساس وليس من منطلق أكاديمي، بالنسبة لي قلما تجد لوحة تخلو من اللون الأحمر، هذا اللون يعني لي الكثير فأنا لا أجد ما أعبر به عن الحياة والحركة والحنان والدفء سوى هذا اللون، يمكن أن يكون هذا التعامل مع الأحمر يتبع حالة نفسية أو مرحلة ما ولكن في الوقت الراهن هو المسيطر.
** عندما أرسم بصدق تام وعفوية كاملة تجد المتلقي يشير إلى كل زاوية في اللوحة، فكما يقال ما يخرج من القلب يستقر في القلب، أما في حال رسمت لغاية أخرى فلا يكون القصد من الوراء اللوحة هو الفن بحد ذاته، هنا تتسع الفجوة بين اللوحة والمتلقي، بمعنى أدق عندما لا تصل اللوحة إلى المتلقي يكون الخلل فيَّ أنا.
** تأثرت بالكثير من الفنانين أمثال "برصوم برصوما" و"عمر حمدي" والفنان "فهد كبيسي" و"يوسف عبدلكي" و"عمر حسيب" هذا الفنان الرائع الذي لم تعطه الحياة فرصته وفنانين كثر "فالحسكة" محافظة ولادة للفنانين.
** واقع الفن في المحافظة هو واقع يحق لأهله أن يفخروا به، فالفن التشكيلي السوري هو فن تمكن من أن يأخذ مكانه عالمياً، والناس الذين نهضوا بهذا الفن هم من فنانين "الحسكة" وهذا الشيء يحسب للمحافظة، فالمحافظة التي أخرجت هؤلاء العمالقة في الفن التشكيلي يمكن أن تعود إلى المقدمة وهذا ليس بالأمر الصعب
** أنا لست مقلاً في أقامة المعارض وحسب بل أنا مقصر بشكل كبير، ليس لي إلا معرض واحد في صالة ثقافي "الحسكة"عام 2007 م، كان المعرض يضم عددا من اللوحات الواقعية التي تنوعت بين الطبيعة وصمتها وبين الإنسان، وأكثر اللوحات تأثيراً كانت اللوحة التي ترسم الصمت، فطالما استقطب الكثير من المتلقين.
** إلى فترة قريبة كان يقصد من الفن هو تحقيق الإشباع لرغبات التذوق الجمالي، أما في هذا اليوم نجد الفن التشكيلي يماشي علم الطب النفسي، فقد دخل هذا الفن كأحد أنواع التداوي للكشف عما يحرص المرضى على عد إخراجه، كما كان للفن التشكيلي الدور الأكبر في تطور الكثير من العلوم الهندسية التي تعتمد على التصميم
** لا يراودني هذا الشعور كثيراً فالمهم أنني ارسم، فالعالمية ليست مجرد كلمة تقال، ولا أقصد أن الفنانين هنا عاجزين عن مزاحمة أقرانهم على مستوى العالم، لكن العالم اليوم يتطور وموازين القوة والشهرة والانتشار اختلفت كثيراً، فمن يملك الإعلام يملك العالم والإعلام مقصر في حق الفنانين في المحافظة بشكل كبير.
الفنان التشكيلي "فرهاد خليل" يقول: «"بوسيك" فنان موهوب يتمتع بحس جميل ومرهف، لكنه يعاني من تخبطات كثيرة، فهو لغاية هذا اليوم لم يستطع تحديد هدفه ولا حتى إلى أين يتجه، مع العلم أنه متمكن من العمل بكفاءة، وتظهر كفاءته بدقة المزج التي يستعملها في اللوحة وحسن اختياره للون، تتقارب شخوصه مع الكثير من الفنانين في المنطقة، هذا أمر لا يعاب عليه ولكن تدخل الطبيعة الموحدة التي يعيشها الفنانون بتركيب هذه الشخوص، ولكن بالنتيجة هو فنان جميل لا ينقصه سوى البحث بشكل أعمق في ذاته».
- كسار مرعي
الحسكة
استباح الفن حياته حتى استحوذ عليها من كل الجوانب، فوهب حياته للريشة وأرخى عنانه لبحر الألوان، استبدل ملذاته بحزن اللوحة التي كان يبوح لها بما يدور في خلده، فتعاظمت قصة حبهما حتى أسر كل منهما الآخر، ضيّق عليه الفن حياته الاجتماعية فرسم عالمه اللامتناهي على قماشة بيضاء تحدها إطارات من خشب...
الفنان "بسام جبرائيل بوسيك" 1971 م من محافظة "الحسكة" التقاه موقع ehasakeh ليحدثنا عن مسيرته الفنية فكان الحوار التالي:
"بوسيك" فنان موهوب يتمتع بحس جميل ومرهف، لكنه يعاني من تخبطات كثيرة، فهو لغاية هذا اليوم لم يستطع تحديد هدفه ولا حتى إلى أين يتجه، مع العلم أنه متمكن من العمل بكفاءة، وتظهر كفاءته بدقة المزج التي يستعملها في اللوحة وحسن اختياره للون، تتقارب شخوصه مع الكثير من الفنانين في المنطقة، هذا أمر لا يعاب عليه ولكن تدخل الطبيعة الموحدة التي يعيشها الفنانون بتركيب هذه الشخوص، ولكن بالنتيجة هو فنان جميل لا ينقصه سوى البحث بشكل أعمق في ذاته
- لو أردت أن تصف الفن فماذا يمكن أن تقول؟
الأحمر يطغى على اللوحة
** من الصعوبة بمكان أن يتمكن أحد ما أن يصف الفن، فبالفن توصف الأشياء ولكن يقعد الفن مني مقعد الروح من الجسد، فأنا لا أتصور يوماً أن أعيش دونه فهو يعادل الحياة عندي، فالفن بالنسبة لي هو المساحة الوحيدة التي يمكن أن اعبر فيها عن ذاتي.
- كيف كانت البداية وهل هناك من ساندك فيها؟
وجه يتجه للمجهول
** منذ المرحلة الابتدائية كنت أشعر بأنني امتلك هذه الموهبة، فتفرغت لأنميها وكان هذا على حساب كل شيء حتى الدراسة، في الوقت الذي كان الأطفال يلعبون ويقضون أوقاتهم في التسلية كنت أمارس هذه الهواية، فقد كنت أرى أن المتعة تكمن في اللوحة، على الرغم من المعاناة التي كنت أعيشها لإيجاد مكان أرسم فيه إلا إن هذا لم يزدني إلا إصراراً، فقد كان أهلي يمنعونني من الرسم في المنزل ولكني كنت أتدبر أمري، ففي الصيف كنت أرسم في غرفة فوق سطح المنزل لا يوجد فيها حتى مروحة، وفي الشتاء كنت أرسم على بلاطة الدرج في برد الشتاء القارس.
- مع أي من المدارس الفنية كانت البداية؟
الفنان بسام بوسيك
** كانت البداية مع الفن الواقعي الذي عشت معه أياماً جميلة، وهذا هو الأصل فالفن الواقعي هو نقطة الانطلاق لأي فنان ومن ثم يتدرج الفنان لتستقطبه مدرسة ما، وقد حاولت أن أتمكن من تنفيذ اللوحة الواقعية، وأعتقد أنني قطعت شوطاً لا بأس فيه بهذا المجال.
- ما الحافز الذي جعلك تدخل المعترك الفني؟
** منذ صغري كان يراودني هاجس يقول إنني يجب أن اترك شيئاً ما يخلدني في هذه الدنيا، ربما لم يأت الفن إلي عن عبث، أظن أن العامل الوراثي لعب دوراً جوهرياً في عشقي للفن، فأنا أنحدر من عائلة يمكن وصفها بالفنية، لا أنكر أنني تأثرت بخالي "سعيد حنا" هذا الرجل كان مهندساً معمارياً درس الهندسة في ايطاليا، ولكن كان الفن يأخذ جل وقته وله العديد من المعارض هناك، حتى إنه أصبح يعتاش مؤخراً من وراء فنه، وخالي "غسان" كان يرسم بشكل جميل وحتى والدي كان يحب الرسم بشكل كبير، ولكنه لم يرغب أن أكون فناناً لكي أساعده في التجارة ولهذا كان يضيق الخناق عليّ في المنزل.
* لماذا تركت الواقعية؟
** لم أتخذ هذا القرار بين ليلة وضحاها بل بعد مضي 25 عاماً من الواقعية، أحسست بعد هذه المدة أن اللوحة تضيق بما أريد أن أفرغه فيها، فقد كانت اللوحة تحجمني بمنظور ضيق، صحيح أن الواقعية غذت عندي اللون وأعطتني الثقة لدخول الفن التشكيلي.
- هل يمكن أن يكون الشخص فناناً تشكيلياً دون أن يرسم الواقع؟
** قطعاً لا فمن المحال أن يتمكن أي فنان من رسم لوحة تشكيلة تعطي الغرض المراد منها دون أن يكون الفنان قد استمد وحيه من الواقع، وحتى لو حصل ذلك ورسم فسيقع في مطبات كثيرة وبالنتيجة لن يتمكن من توظيف اللون في اللوحة.
- كيف تتعامل مع الألوان وهل لكل لون مدلول خاص به في لوحاتك؟
** اللون بالنسبة لأي فنان هو الحياة الخاصة به فهو الذي يعطي حقيقة ذات الفنان، بالنسبة لي أتعامل مع اللون بإحساس وليس من منطلق أكاديمي، بالنسبة لي قلما تجد لوحة تخلو من اللون الأحمر، هذا اللون يعني لي الكثير فأنا لا أجد ما أعبر به عن الحياة والحركة والحنان والدفء سوى هذا اللون، يمكن أن يكون هذا التعامل مع الأحمر يتبع حالة نفسية أو مرحلة ما ولكن في الوقت الراهن هو المسيطر.
- متى تشعر بأن لوحتك وصلت إلى المتلقي كما رسمتها؟
** عندما أرسم بصدق تام وعفوية كاملة تجد المتلقي يشير إلى كل زاوية في اللوحة، فكما يقال ما يخرج من القلب يستقر في القلب، أما في حال رسمت لغاية أخرى فلا يكون القصد من الوراء اللوحة هو الفن بحد ذاته، هنا تتسع الفجوة بين اللوحة والمتلقي، بمعنى أدق عندما لا تصل اللوحة إلى المتلقي يكون الخلل فيَّ أنا.
- مَن مِن الفنانين أثر في نفسك الفنية؟
** تأثرت بالكثير من الفنانين أمثال "برصوم برصوما" و"عمر حمدي" والفنان "فهد كبيسي" و"يوسف عبدلكي" و"عمر حسيب" هذا الفنان الرائع الذي لم تعطه الحياة فرصته وفنانين كثر "فالحسكة" محافظة ولادة للفنانين.
- كيف ترى واقع الفن التشكيلي في المحافظة؟
** واقع الفن في المحافظة هو واقع يحق لأهله أن يفخروا به، فالفن التشكيلي السوري هو فن تمكن من أن يأخذ مكانه عالمياً، والناس الذين نهضوا بهذا الفن هم من فنانين "الحسكة" وهذا الشيء يحسب للمحافظة، فالمحافظة التي أخرجت هؤلاء العمالقة في الفن التشكيلي يمكن أن تعود إلى المقدمة وهذا ليس بالأمر الصعب
- لماذا أنت مقل في إقامة المعارض هل هناك من سبب؟
** أنا لست مقلاً في أقامة المعارض وحسب بل أنا مقصر بشكل كبير، ليس لي إلا معرض واحد في صالة ثقافي "الحسكة"عام 2007 م، كان المعرض يضم عددا من اللوحات الواقعية التي تنوعت بين الطبيعة وصمتها وبين الإنسان، وأكثر اللوحات تأثيراً كانت اللوحة التي ترسم الصمت، فطالما استقطب الكثير من المتلقين.
- هل يتعدى الفن التشكيلي الناحية الدلالية إلى نواح أخرى؟
** إلى فترة قريبة كان يقصد من الفن هو تحقيق الإشباع لرغبات التذوق الجمالي، أما في هذا اليوم نجد الفن التشكيلي يماشي علم الطب النفسي، فقد دخل هذا الفن كأحد أنواع التداوي للكشف عما يحرص المرضى على عد إخراجه، كما كان للفن التشكيلي الدور الأكبر في تطور الكثير من العلوم الهندسية التي تعتمد على التصميم
- هل تطمح إلى تحقيق ذاتك عالمياً؟
** لا يراودني هذا الشعور كثيراً فالمهم أنني ارسم، فالعالمية ليست مجرد كلمة تقال، ولا أقصد أن الفنانين هنا عاجزين عن مزاحمة أقرانهم على مستوى العالم، لكن العالم اليوم يتطور وموازين القوة والشهرة والانتشار اختلفت كثيراً، فمن يملك الإعلام يملك العالم والإعلام مقصر في حق الفنانين في المحافظة بشكل كبير.
الفنان التشكيلي "فرهاد خليل" يقول: «"بوسيك" فنان موهوب يتمتع بحس جميل ومرهف، لكنه يعاني من تخبطات كثيرة، فهو لغاية هذا اليوم لم يستطع تحديد هدفه ولا حتى إلى أين يتجه، مع العلم أنه متمكن من العمل بكفاءة، وتظهر كفاءته بدقة المزج التي يستعملها في اللوحة وحسن اختياره للون، تتقارب شخوصه مع الكثير من الفنانين في المنطقة، هذا أمر لا يعاب عليه ولكن تدخل الطبيعة الموحدة التي يعيشها الفنانون بتركيب هذه الشخوص، ولكن بالنتيجة هو فنان جميل لا ينقصه سوى البحث بشكل أعمق في ذاته».