"ناديا داوود".. ملامسة عوالم الطفل بالرسم والكلمات
رامه الشويكي
دمشق
بموهبتها المتنوعة بين الرسم والكتابة، استطاعت "ناديا داوود" الولوج إلى عالم الطفل، والتعبير عن مشاعره وأحلامه، لتقدم لنا العديد من الرسوم، والأغلفة القصصية التي تقترب ببساطتها من الإبداع والتفرد.
مدونة وطن "eSyria" تواصلت معها وعن موهبتها تقول: «أذكر أنني كنت في الخامسة من العمر، أجمع بطاقات الرسائل التي كانت تصل إلينا من الأقارب المغتربين في الخارج، وكانت عبارة عن لوحات عالمية، فأتأملها كثيراً وأحاول رسمها، طلبت ُحينئذٍ من والدتي أن ترسمها لي وهي من هواة الرسم، فشجعتني أن أرسم بمفردي، وتأثرت بالطبيعة حولي، ففي بيتنا حديقة ملأى بالأشجار المتنوعة، وكانت بيننا صداقة وطيدة، فشجرة اللوز الضخمة المائلة كانت المكان المفضّل لديّ، لأراقب المنظر من الأعلى، ففي الذاكرة الكثير من اللوحات التي تلتقطها العين وتترجمها الفرشاة.
لديّ محاولات في كتابة الشعر، وكانت سعادتي كبيرة في أول نشر لي في مجلة "المعرفة" السورية، وهو نص بعنوان: "هواجس"، وأول من عرفت من الفنانين "عدنان حميدة" الذي درّسني وله الفضل الكبير، وفي مجال الكتابة نشرت في مجلة "شامة" زاوية بعنوان: "وشوشات" عام 2018، من تأليفي ورسومي، وهي عبارة عن سلسلة رسائل قصيرة قصدتُّ إيصالها إلى الأهل والمعلمين بلسان طفل، فيبوح بها عن مكنوناته وأحلامه، ويبرر فيها أسباب تصرفات ناجمة عن مشكلات يتعرض لها ولا يشعر بها الأهل
بدأت فكرة الحكاية عندي عندما كنت أحكيها لإخوتي الصغار حكايات تشبههم، وأبطالها شخصياتهم، وكنت أقول الأفكار التي أريد توصيلها إليهم، وفي ذلك الوقت كنت أتأثر بما يرويه والدي لنا من الحكايات والطرائف والشعر، وأحفظ ما يكتبه من خواطر، كان يستهويني الشعر كثيراً، وأستمتع بسماعه من الراديو، لكنني لم أكتب إلا نادراً، وكنت أميل إلى الرسم أكثر لأنني كنت كتومة منذ الصغر، أجد في الألوان والرسم مساحة حرة للتعبير».
من رسوماتها
وعن علاقتها مع الطفل تقول: «في المرحلة الجامعية كنت أكتب المواضيع التي تشغلني حتى الآن، كقضية المرأة، المجتمع، والتنمّر المجتمعي والذكوري تجاهها، الزواج المبكر، وضعت العديد من الأفكار، لكن لم أقم بنشر أي شيء منها، وكان هاجس الطفل ومعاناته يؤرقني، خصوصاً أن الحرب كانت قائمة على "العراق" آنذاك، مشاهد الألم لا تفارق تفكيري، رحت أدوّن أفكاري عن الطفل والأسر والحياة الأليمة، وكانت فكرة مشروع تخرّجي أيضاً من وحي الحرب، وهي فيلم قصير بعنوان: "زهرة السلام"، وهو عبارة عن قصة ترويها لوحات رسمتها مع تحريك بسيط لشخصية القصة، بمونتاج وموسيقا ومؤثرات، وبدأ البرعم الصغير -وهو علاقتي مع الطفل- يتفتح شيئاً فشيئاً، عملت بداية في تعليم الرسم للأطفال الصغار بطريقة الحكاية، في النوادي الصيفية، وبعد تخرجي في الجامعة عملت في دار نشر، في الإدارة والعلاقات العامة، إلى جانب قراءة وتقديم دراسة لكتب الطفل المقدمة للنشر، وكان لتواصلي مع الأدباء آنذاك فرصة لأتوجه وأتعمّق في الأدب، ودخول عالم الطفل من باب أوسع، وكان لنشاطات الدار فرصة غنية للاحتكاك مع الأطفال عام 2007، وعملت أيضاً في التصميم ورسم الكتب والمنشورات، ورسمتُ كتاباً يدرّس كمنهاج تعليمي في "الإمارات العربية المتحدة"، استمر عملي في الدار لمدة خمس سنوات، ولاحقاً رسمتُ في المجلات السورية "أسامة"، "شامة"، ولدور نشر ومجلات عربية عديدة».
الجائزة الثانية
وفيما يتعلق بمشاركاتها تقول: «كنت على اطلاع دائم، وبحث في كتب تعنى بدراسة سيكولوجية الطفل وكيفية التعامل معه، ومن خلال مراقبة تصرفات الصغار، ونشر لي موقع "السفير برس" نصّاً بعنوان: "جوع" عام 2018، كما كتبتُ قصتين للأطفال إحداهما قيد النشر، والثانية قصة للناشئين بعنوان: "قلبي حبة تفاح"، فازت بالجائزة الثانية في مسابقات "الهيئة العامة السورية للكتاب" عن فئة القصة القصيرة الموجهة إلى الطفل، وكانت عبارة عن فكرة كتبتها بعفوية، بعد ذلك طورتها شيئاً فشيئاً لتصبح قصة، والجائزة تعني لي الكثير، من ناحية تشجيعية لكونها أول قصة كتبتها تفوز بجائزة؛ وهو ما أعطاني دافعاً لأكتب أكثر، وهي فرصة لأعرف أسرع على الساحة الأدبية، إلا أنها مسؤولية ليستمر الشغف بالبحث عن أفكار جوهرية، والتدريب المستمر لكتابة أفضل، كما وقفت على المنصة وقرأت لأول مرة في نادي "الأدباء الشباب" عام 2018، وشاركت في مهرجان "الثقافة"، "حنا مينا" للقصة، وتم تكريمي عن هذه المشاركة عام 2018، وشاركت في معرض "لا تترك أحد وراءك" عن العنف، وورشة عمل ومعرض مع الفنانة "لجينة الأصيل" بعنوان: "كيف ترسم كتاباً للطفل" عام 2017، وأول من قرأ لي الشاعر "بيان الصفدي" الذي شجعني على النشر، وكنت قد تأثرت بمؤلفاته كثيراً».
وفيما يتعلق بالمواضيع التي تتناولها في كتاباتها تقول: «لا أجبر نفسي على الكتابة، أعمل على النّوع، وأنتظر اللحظة والإلهام، أحاول أن أرسم المرح والشغب والبراءة التي تميز الطفولة، مع تجربة أساليب مختلفة في خامات الرسم والألوان، لأن الأسلوب البسيط يجذب الطفل، أحاول التركيز بقوة على الإحساس والمشاعر لأنقلهما بصدق وشفافية إليه، أرسم وأكتب طفولتي، أرسم المواضيع التي تنقل معاناة الطفل، كالفقر والتشرد والحزن، لأن الطفل يبحث عما يشبهه حتى في مجال الكتابة، ومن حقه قراءة قصص تحاكي واقعه بطريقة غير مباشرة، شرط معالجة معاناتهم بطريقة مدروسة وزرع الأمل فيهم من جديد، أظن أنني لم أرسم بعد النص الذي يشبهني، كما أن الكتب المميزة الصادرة عن دور نشر مهمة لا نرى سوى عناوينها أو غلافها، بعضها باهظة الثمن، إضافةً إلى أنني لم أرسم بعد اللوحة التي أطمح إليها، لأنني أحتاج إلى مزيد من الوقت والتفرغ، مسؤولية الأمومة تأخذ الكثير من وقتي، لديّ كثير من الأفكار المؤجلة».
أثناء التكريم
من جهته "عدنان حميدة" الفنان التشكيلي والمحاضر في كلية الفنون الجميلة جامعة "دمشق" يقول عنها: «تعرّفت إلى "ناديا" قبل تسع سنوات تقريباً، في أكاديمية "أرينا" للرسم، وكنت مدرّساً فيها، كانت طالبة جادة ولديها هدف واضح منذ البداية، كانت تقدم مشاريعها بكل إتقان، تابعتها بعد التخرّج في عملها، وعلى الدوام أقدم لها النصائح، وهي تستجيب بسرعة وتتطور تطوراً ملحوظاً، إنها رسامة "اليستريشن" للأطفال من الطراز الممتاز، ولديها مواهب متعددة في مجالات الرسم وكتابة القصة، وأظن أن ما مرت به "سورية" كان مادة غنية لها في الرسم والكتابة، هي مثال لربة منزل تنجح في الموازنة بين بيتها وعملها، وقصة نجاحها يحتذى بها، وعلى الصعيد التقني تتقن الرسم اليدوي والرسم من خلال برامج الغرافيك والدمج بينهما، وأتوقع لها الاستمرار في الإبداع والتميز والابتكار».
من جهته الشاعر "قحطان بيرقدار" ورئيس تحرير مجلة "أسامة" يقول: «هي تسير منذ مدة ليست طويلة باندفاع وحماسة نحو عالم الكتابة الأدبية، وقد قرأتُ لها قصة للأطفال بعنوان: "قلبي حبة تفاح"، وهي القصة التي حازت المرتبة الثانية في مسابقة القصة الموجهة إلى الطفل التي أقامتها "الهيئة العامة السورية للكتاب" قبل أشهر، وقد وجدتُ القصة جيدةَ المستوى أدبياً، وتلامسُ عوالمَ الطفل، وإنْ تراءى فيها تَعمُّقٌ في الفكرة، وغوصٌ وراءَ نوعٍ من الفلسفة الذاتية والوجدانيات التي أرى ضرورة التخفيف منها لتبقى القصة صالحةً للأطفال بامتياز، هي فنانة رسوم الأطفال ذات البصمة الرقيقة الخاصة؛ متفوقةٌ على "ناديا" الكاتبة التي أتوسّمُ الخيرَ فيها أيضاً لأنها تعملُ على تجربتها وتُطوِّرُها باستمرار، لكنني منحازٌ إلى "ناديا" الرسّامة التي أراها مبدعةً بحقّ في هذا المجال، والرسوم التي تركتْها على صفحات مجلة "أسامة" تشهدُ لها، ولا سيما لوحة غلاف عدد نيسان 2018، أتمنى لها التوفيق في عالمي الأدب والرسم، وإلى مزيد من النجاح والعطاء».
يذكر، أن "ناديا داوود" من مواليد "ريف دمشق" عام 1982، حائزة على إجازة في "الإعلام" من جامعة "دمشق" عام 2006، ودرست في أكاديمية "أرينا" للرسم و"الأنيميشن".