لقد سبق إن رأینا أنه من الضروري وضع نظرة جدیة لكتابة الروایة عند الأدیب الروائي نبیه اسكندر الحسن والذي یبلغ ذروته في كتابته لروایة لخماسية بحيرة الملح التي دخلت في أمواج بحر من التحولات التاریخیة،
التي حلت بالمنطقة العربیة وھي ترتبط بین رؤیته وبین ما یجري ومن خلال ھذه الرؤیة یوحي الكاتب
للقارئ نمط المعالم الكبرى لتاریخ المنطقة والتحولات التي حلت على المكان والزمان ، فھو یرى بأن
الوجود البشري من الناحیة الروائیة یكون ممكناً بسبب زمانیتها والزمانیة تؤكد قوة الروایة في قدرة
تجذب المتلقي وتبین الأصالة للعمل الكتابي وأھمیة كشفها بتصمیم على الإمكانات التي اختارھا الأدیب إذ
أنه یعود بتصمیم إلى ذاته بواسطة الانفتاح على الآخر وتأریخ ما یمر على أرض الأمكنة التي تسیر فیھا.
مراحل الروایة لبحيرة الملح ھي حصیلة عمل حقبي یتداخل فیھ الكثیر من التنقل والتنوع في أصول
المعرفة وتداخل أنماطھا السیاسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي ، فھو یرى أن الروایة ھي مركز
الاھتمام المتكامل بین الوجود والتاریخ ،وھو یعمل على تحدید الحاضر المتأزم وكیف یمكن للمستقبل أن
یكون منظوراً من خلال الطابع العام لكل مفاھیم المعرفة ، واحتمالاتھا المقبلة فھي علاقة بین التغیرات
والرفض الذي ینمو باستمرار فمشكلة المعرفة ترتبط بكل ما یتضمن من تطورات على المستوى الثقافي
فإذا انتقلنا من المكان إلى الزمان نلاحظ أن الزمان تنظمھ اھتمامات الأدیب فھناك وقت نذھب فیھ إلى
درایة بكل ما یحیط بنا ، ولكن الكاتب یختار على المدى المنظور والبعید رؤیتھ وذاتھ التي تنبثق منھا كل
قراراتھ .
فقد تحدث الكاتب نبیھ الحسن بصفة خاصة عن حقیقة الذاتیة التي سیطرت على المقاربات التي التجأ إلیھا
في معظم روایتھ ومن خلال لغتھ التي تفھم في إطار احتجاجھ على ما أعتقد أنھ تخریب للواقع ، وقتل
للحقائق الموضوعیة ،فھو یرى الحقیقة تتضمن ذاتیتھا فھي لیست شیئاً غیر شخصي بل ھي شيء یمتلكھ
داخلیاً ولا شك أن الأثر الفلسفي الثقافي یظھر من خلال طروحاتھ وھذا یعني أن التفكیر ھو الذي یجعل
فإن المعنى الذابل
الحقائق تطفو وتظھر كما ھي على حقیقتھا بعیدة عن التزیف والدجل ، وعموماً
والمنطفئ للحیاة ،ھو الذي أحاط بكل المكان الذي یتحدث عنھ الكاتب "الحسن" لكثرة المصائب التي
لحقت بھذا المكان فما كان منھ إلا أن تملكھ القلق والتوجس والضیق ، وقد یكون في بعض الوجوه
الحقیقة یفضل أن ینظر إلى الواقع على أنھ مفتاح أساسي لفھم ھذا القلق المتربع على كل شيء حتى على
إذا لم یقترن بتطلعات كبیرة تغیر مسار الأحداث الألیمة التي تواجھھ ،
عقلھ ، فالانفعال لا یعني شیئاً
وعلى رغم تأكیده على أھمیة الانفعالات إلا أنھا لا تشكل أي تغیرات في طریقة التعسف والإحباط ، عند
المتسلطین على شخوصھ طوال عملیة البناء الروائي .
( أخذتھا الذكریات إلى الماضي نبشت ركامھ حتى غیبھا النوم ،رأت نفسھا في عرض البحر على متن
زورق یشق عباب الماء ،تطایر شعرھا الغجري لیشكل نخلة تستظل بفیئھا الأجیال ،قدمت لھم الفاكھة
ص33
بلح الرافدین ، شعرت بأن الله عوضھا بملایین الأبناء عوضاً عن ولدھا
*التاقد علي الصيرفيي سوريا