مبادرات من وحي التراث.. حرف يدوية تتحدى الزوال بالتجديد
دمشق
شكل الفن والتراث والحياكة والطباعة اليدوية لوحة متكاملة صورت التراث السوري باجتماعها بمكان واحد، لتروي حكايات كل حرفة عبر منسوجات وتصاميم قماشية صديقة للإنسان والتراث والطبيعة، بهدف الحفاظ على أصالة التراث والوعي بالبيئة، واستنهاض الحرف الآيلة للزوال.
ومن بين الحكايات التي يمكن التوقف عندها قصة العشق بين القط "فوزي وشويكار" التي ابتكرها التشكيلي "بطرس معري"، هذه القصة تجمع بين قطه "فوزي" الذي كان يسكن معه في "باريس"، و"شويكار" قطة "سعاد" في "دمشق".
قصة "فوزي وشويكار"
كانت الفكرة بسيطة ومسلية أقرب للّعب، حيث وضع "المعري" تصميماً يمثل القط "فوزي" وقامت "سعاد" بتحويله إلى ختم يُطبع على الحقائب والأقمشة بتقنية الطباعة الحموية في عيد الحب كنوع من التغيير، وقد لاقت الفكرة والتصميم قبولاً من قبل الشباب، هذه الحكاية كانت تزين الأقمشة والحقائب القماشية المطبوعة يدوياً التي ابتكرتها مبادرة "ولفي"، وهي مبادرة فردية لإحياء الطباعة الحموية على القماش بكثير من التوافق والانسجام، تتآلف الرسوم والألوان المطبوعة يدوياً بقوالب الخشب على القماش القطني الخام، لتكون إما مفارش لتزيين المنازل، وإما ملابس صيفية ذات هوية بصرية شديدة الخصوصية المحلية لتعرف بالطباعة الحموية على القماش، تلك الحرفة التي عرفتها مدينة "حماة" من مئات السنين، وكادت تتلاشى في السنوات الأخيرة كغيرها من الحرف التراثية لضعف الإقبال عليها بعد تراجع السياحة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
القط فوزي قالب مبتكر من "ولفي"
بعد تعرف الصحفية "سعاد جروس" على الطباع الوحيد الباقي في حماة "حسان حوا “، أثناء انشغالها ببحث عن الحرف التراثية، أطلقت مبادرة "ولفي" لإحياء هذه الحرفة والحفاظ على التراث والبيئة، لاستنهاض إرث فني شعبي سوري قديم، وتقديمه برؤية جديدة مع الحفاظ على جوهر هذا الإرث، من خلال مشروعها الذي عني بإحياء الطباعة الحموية التقليدية على القماش، حيث سعت لاستقطاب الناس إلى هذه الحرفة التي اقتصرت لوقت طويل على الملاءات والمفارش وأغطية الطاولات، وذلك بإضافة قطع تلبي احتياجات الشباب، كالحقائب القماشية والأكياس والألبسة والشالات، وتقديمها بطريقة عصرية مع الحفاظ على النقوش التراثية لتصبح تلك القطع تراثاً فنياً ومقترحاً جمالياً، خصوصاً أن القوالب المستخدمة تمثل رسومات من حارتنا، كالعنقاء والعقاب السوري ذي الرأسين والديك، وهذه القوالب مصنوعة من الخشب المحلي مثل الجوز وغيرها، كما أن النقوش هي عبارة عن وحدات زخرفية هندسية نباتية أو حيوانية مرتبطة بالموروث البصري للحرفي ومتوغلة في عمق التاريخ.
شغف خاص
تشير "جروس" إلى الشغف الخاص الذي تمتع به الحرفي "حوا"، وعشقه وإخلاصه لحرفته التي ورثها عن والده وحافظ عليها، وخصوصاً أنه كان في "حماة" مطلع القرن الماضي أكثر من عشرين محترفاً للطباعة ولم يبقَ سوى محترف وحيد يقاوم من أجل البقاء، مؤكدة بأن "حسان" ليس حرفياً عادياً بل هو فنان متجدد، وقد مرت تجربته بعد مراحل: الأولى عندما مارس المهنة منذ طفولته في محترف والده مع أشقائه، لكن حبه وشغفه للحرفة ميزه عن غيره من إخوته، حتى استحق أن يمنحه والده كلّ أسرار العمل ولا سيّما صبغ وتركيب الألوان، والثانية كانت عندما انفض الجميع عن هذه الحرفة لعدم جدواها، اذ لا تكفي عائداتها لإعالة أسرة، وبقي وحده مع قوالب والده وجده، وكان عليه إما أن يغادر هو أيضاً، أو أن يأخذ القوالب ويحاول البقاء.
الطباع "حسان حوا"
في تسعينيات القرن الماضي جرى ابتكار الطباعة بثلاثة ألوان ما جذب انتباه السياح ونشط العمل بشكل واسع، الى أن اندلعت الحرب وعاد الحرفي للمعاناة مجدداً، حتى ظهرت مبادرة "ولفي" التي أعادت إليه الروح وليس فقط للطباعة.
وتتابع "جروس": إنّ الطباعة اليدوية الحموية بقوالب الخشب على القماش، هي من الحرف النادرة التي تعتمد بشكل كامل على مواد طبيعية محلية، فألوانها مستخلصة من نباتات محلية وقوالبها الخشبية من أشجار بلادنا، وكذلك القماش الذي تطبع عليه فهو قطن خام، بالإضافة إلى أن الزخارف والرسوم المنحدرة من سلسلة الحضارات المتعاقبة على الأرض السورية، فهذه الحرفة تعدُّ أحد التعابير عن الهوية السورية، ومن واجبنا كسوريين الحفاظ عليها ودعمها بما يمكن من أفكار لتبقى تنبض بالحياة، فحماية التراث ليست فقط بالتغني بالماضي الجميل، بل الأهم هو التوثيق والانعاش عبر خلق طلب للحصول عليها، وهذا ما سعت مبادرة "ولفي" لتقديمه بطريقة جديدة من خلال ابتكار استخدامات جديدة للطباعة اليدوية الحموية، فتم اطلاق العديد من التصميمات الجديدة المبتكرة، كأزياء نسائية ورجالية تعتمد التصاميم العربية حصراً كالدامر والدشداشة (الجاكيت) والشروال والروب (الفستان)، ومحاولة مواءمتها مع المزاج الشبابي والموضة الرائجة الباحثة عن العملي والمريح، بالإضافة الى أكياس التسوق، ومنها الخاص بتسوق الكتاب للتشجيع على القراءة، واستقطبت المبادرة اهتمام فنانين تشكيليين كبار أسهموا برفد المبادرة بأفكار خاصة، كالفنان التشكيلي "منير شعراني"، والفنان د. “بطرس معري" الذي خص "ولفي" برسوم خاصة أسهمت في إغناء المنتجات وأضفت عليها رؤية فنية وفكرية معاصرة" .
من تصميمات "فجة خرق"رسومات الأختام
وتضيف "جروس أن طباعة الأقمشة بوساطة القوالب الخشبية، تتم بالاعتماد على القوالب المحفورة حفراً غائراً، حيث تشكل في تصميماتها مزيجاً من رسومات سورية قديمة كزهرة الأقحوان وعناقيد العنب والعقاب ذي الرأسين، ومن أهم ميزات الأختام السورية القديمة إنها قدمت وثيقة عن عصرها، وكانت بمنزلة مرآة عكست مظاهر تطور حضارتنا، وشكلت المنطلق الأساس في ابتكار أشكال جديدة من أختام وقوالب لاحقة، تغيرت وظائفها تبعاً لتطور حاجات الإنسان، كما أن فكرة تجميل المنسوجات والألبسة التي استخدمها الإنسان في الماضي، ولدت لدينا تلك الحرف الشعبية العريقة المتجسدة بتقنية طبع القماش بقوالب خشبية، وباستخدام أصبغة مختلفة وخامات نسيج متنوعة وطابع زخرفي مبتكر، مستمد من البيئة المحيطة، ويتم حفر الأشكال المراد طباعتها على القماش القطني الخام بلونيه الأبيض والسكري، فعندما يخرج اللون من القالب ويصبح حاضراً على القماش وتتألق الرسمة بكل جمالها كنا نفرح وكثيراً ما كنا نغني لنجاح عملنا وكأن أصواتنا تترجم فرح الألوان. بالإضافة إلى أن من يرى القطعة المطبوعة سيميز هويتها الحموية بطابعها المفعم بنفحات الماضي وحداثة الحاضر.
معنى كلمة “ولفي"
وحول اسم "ولفي" تقول "جروس": الولف أو الوليف الذي تغنت به أهازيجنا وأغانينا التراثية، هو الآخر الذي تسكن الروح إليه فلا نشعر معه بالغربة، والعلاقة معه أعمق من الحب وحتى العشق، هي علاقة الأمان والألفة والدفء بما تعنيه من ديمومة، ومنتج "ولفي" هو وليف الإنسان والبيئة، في زمن باتت معظم ملابسنا مصنوعة من المواد المصنعة، فبخامات متداخلة من القطن واللون والخشب الطبيعي وروح الماء، يتآلفون مع بعض ليشكلوا توليفة تراثية مميزة سميت "ولفي"، منتقاة بكثير من التوافق والانسجام تفترش الأقمشة بطريقة متناغمة، تخلق حالة من التوازن والحركة بين الكتلة المتمثلة بالأشكال والخطوط وبين الفراغ المحيط بها".
روايات
حبها واهتمامها بالتراث اللا مادي كان أحد الدوافع التي دفعت "خلود هنيدي" لتأسيس ورشتها "فجة خرق"، الذي يعني باللغة المحكية البساط المصنوع من قصاصات قماشية على شكل شرائط، لتحاك هذه القصاصات على شكل بسط أو منسوجات على النول أو باستخدام الكروشيه، وهذه الحرفة تعتبر من تراث مدينة "السويداء"، وهي موجودة بمحافظات عدة ولكن كل مدينة تعطيها طابعها واسمها الخاص بها، كما تأسس المشروع بهدف بناء علاقة آمنة بين أبناء "السويداء" والوافدين الجدد إليها أثناء الحرب على "سورية"، قفي بداية عام 2017، أسست "خلود" مع خمس نساء أخريات من سكان المدينة والوافدات إليها الورشة الأساسية التي انطلق منها مشروع "فجة خرق"، لإعادة التدوير بهدف خلق متنفس لهم من أعباء الحياة، والعمل لإيجاد سوق لتصريف منتجاتهم والرغبة بالمشاركة بقضايا تعنى بالبيئة.
مبادرة كتاب
كان لدار "أطلس" دور في تعريف الناس على مجموعة من المشاريع الثقافية التي تعنى بالتراث السوري، بهدف إحياء حرف تراثية كادت أن تندثر أثناء الحرب، سواء كانت كتاباً أو حرفة، والعلاقة بين الكتاب والعمل اليدوي في "سورية" تكمن في البحث عن أسباب البقاء والاستمرار وإعادة الاعتبار للكتاب كهدية لها قيمتها، وللحرف اليدوية التي تحمل رموز الثقافة السورية، استمراريتها، بالبحث عن طرق للترويج وفتح أسواق جديدة كي تنهض وتنبض بالحياة، هذا ما سعت إليه الناشرة "سمر حداد" من خلال مبادرتها.
حياكة الحكايات
اما مشروع "سما" فقد شارك بمجموعة من المشغولات الملونة التي تحكي قصصاً محلية بتصاميم مبتكرة ورموز سورية واضحة، عرضتها "علا حسن" مديرة المشروع ضمن مجموعة من الحرف كالكروشيه والتطريز والإيتامين وشغل الإبرة والنول الصغير، وهي من المهن التي كادت تختفي بسبب صعوبتها واحتياجها لدقة عالية ووقت طويل، وأعادت "سما" إحياءها وإنعاشها من جديد، كما حمل المشروع شقاً ثقافياً بالتعريف على التصاميم التي ابتكرها ضمن الحرفة كالتصميم الديراني، المستوحى من العنب الأحمر الذي تشتهر به مدينة "داريا"، و الإدلبي الذي نرى فيه حبات وأوراق الزيتون، والتدمري المستوحى من آثار تدمر، والقرباطي والشامي، وغيرها من المجموعات التي عمل عليها منذ سنوات.
- نجوى عبد العزيز محمود
دمشق
شكل الفن والتراث والحياكة والطباعة اليدوية لوحة متكاملة صورت التراث السوري باجتماعها بمكان واحد، لتروي حكايات كل حرفة عبر منسوجات وتصاميم قماشية صديقة للإنسان والتراث والطبيعة، بهدف الحفاظ على أصالة التراث والوعي بالبيئة، واستنهاض الحرف الآيلة للزوال.
ومن بين الحكايات التي يمكن التوقف عندها قصة العشق بين القط "فوزي وشويكار" التي ابتكرها التشكيلي "بطرس معري"، هذه القصة تجمع بين قطه "فوزي" الذي كان يسكن معه في "باريس"، و"شويكار" قطة "سعاد" في "دمشق".
قصة "فوزي وشويكار"
كانت الفكرة بسيطة ومسلية أقرب للّعب، حيث وضع "المعري" تصميماً يمثل القط "فوزي" وقامت "سعاد" بتحويله إلى ختم يُطبع على الحقائب والأقمشة بتقنية الطباعة الحموية في عيد الحب كنوع من التغيير، وقد لاقت الفكرة والتصميم قبولاً من قبل الشباب، هذه الحكاية كانت تزين الأقمشة والحقائب القماشية المطبوعة يدوياً التي ابتكرتها مبادرة "ولفي"، وهي مبادرة فردية لإحياء الطباعة الحموية على القماش بكثير من التوافق والانسجام، تتآلف الرسوم والألوان المطبوعة يدوياً بقوالب الخشب على القماش القطني الخام، لتكون إما مفارش لتزيين المنازل، وإما ملابس صيفية ذات هوية بصرية شديدة الخصوصية المحلية لتعرف بالطباعة الحموية على القماش، تلك الحرفة التي عرفتها مدينة "حماة" من مئات السنين، وكادت تتلاشى في السنوات الأخيرة كغيرها من الحرف التراثية لضعف الإقبال عليها بعد تراجع السياحة وارتفاع تكاليف الإنتاج.
القط فوزي قالب مبتكر من "ولفي"
بعد تعرف الصحفية "سعاد جروس" على الطباع الوحيد الباقي في حماة "حسان حوا “، أثناء انشغالها ببحث عن الحرف التراثية، أطلقت مبادرة "ولفي" لإحياء هذه الحرفة والحفاظ على التراث والبيئة، لاستنهاض إرث فني شعبي سوري قديم، وتقديمه برؤية جديدة مع الحفاظ على جوهر هذا الإرث، من خلال مشروعها الذي عني بإحياء الطباعة الحموية التقليدية على القماش، حيث سعت لاستقطاب الناس إلى هذه الحرفة التي اقتصرت لوقت طويل على الملاءات والمفارش وأغطية الطاولات، وذلك بإضافة قطع تلبي احتياجات الشباب، كالحقائب القماشية والأكياس والألبسة والشالات، وتقديمها بطريقة عصرية مع الحفاظ على النقوش التراثية لتصبح تلك القطع تراثاً فنياً ومقترحاً جمالياً، خصوصاً أن القوالب المستخدمة تمثل رسومات من حارتنا، كالعنقاء والعقاب السوري ذي الرأسين والديك، وهذه القوالب مصنوعة من الخشب المحلي مثل الجوز وغيرها، كما أن النقوش هي عبارة عن وحدات زخرفية هندسية نباتية أو حيوانية مرتبطة بالموروث البصري للحرفي ومتوغلة في عمق التاريخ.
شغف خاص
تشير "جروس" إلى الشغف الخاص الذي تمتع به الحرفي "حوا"، وعشقه وإخلاصه لحرفته التي ورثها عن والده وحافظ عليها، وخصوصاً أنه كان في "حماة" مطلع القرن الماضي أكثر من عشرين محترفاً للطباعة ولم يبقَ سوى محترف وحيد يقاوم من أجل البقاء، مؤكدة بأن "حسان" ليس حرفياً عادياً بل هو فنان متجدد، وقد مرت تجربته بعد مراحل: الأولى عندما مارس المهنة منذ طفولته في محترف والده مع أشقائه، لكن حبه وشغفه للحرفة ميزه عن غيره من إخوته، حتى استحق أن يمنحه والده كلّ أسرار العمل ولا سيّما صبغ وتركيب الألوان، والثانية كانت عندما انفض الجميع عن هذه الحرفة لعدم جدواها، اذ لا تكفي عائداتها لإعالة أسرة، وبقي وحده مع قوالب والده وجده، وكان عليه إما أن يغادر هو أيضاً، أو أن يأخذ القوالب ويحاول البقاء.
الطباع "حسان حوا"
في تسعينيات القرن الماضي جرى ابتكار الطباعة بثلاثة ألوان ما جذب انتباه السياح ونشط العمل بشكل واسع، الى أن اندلعت الحرب وعاد الحرفي للمعاناة مجدداً، حتى ظهرت مبادرة "ولفي" التي أعادت إليه الروح وليس فقط للطباعة.
وتتابع "جروس": إنّ الطباعة اليدوية الحموية بقوالب الخشب على القماش، هي من الحرف النادرة التي تعتمد بشكل كامل على مواد طبيعية محلية، فألوانها مستخلصة من نباتات محلية وقوالبها الخشبية من أشجار بلادنا، وكذلك القماش الذي تطبع عليه فهو قطن خام، بالإضافة إلى أن الزخارف والرسوم المنحدرة من سلسلة الحضارات المتعاقبة على الأرض السورية، فهذه الحرفة تعدُّ أحد التعابير عن الهوية السورية، ومن واجبنا كسوريين الحفاظ عليها ودعمها بما يمكن من أفكار لتبقى تنبض بالحياة، فحماية التراث ليست فقط بالتغني بالماضي الجميل، بل الأهم هو التوثيق والانعاش عبر خلق طلب للحصول عليها، وهذا ما سعت مبادرة "ولفي" لتقديمه بطريقة جديدة من خلال ابتكار استخدامات جديدة للطباعة اليدوية الحموية، فتم اطلاق العديد من التصميمات الجديدة المبتكرة، كأزياء نسائية ورجالية تعتمد التصاميم العربية حصراً كالدامر والدشداشة (الجاكيت) والشروال والروب (الفستان)، ومحاولة مواءمتها مع المزاج الشبابي والموضة الرائجة الباحثة عن العملي والمريح، بالإضافة الى أكياس التسوق، ومنها الخاص بتسوق الكتاب للتشجيع على القراءة، واستقطبت المبادرة اهتمام فنانين تشكيليين كبار أسهموا برفد المبادرة بأفكار خاصة، كالفنان التشكيلي "منير شعراني"، والفنان د. “بطرس معري" الذي خص "ولفي" برسوم خاصة أسهمت في إغناء المنتجات وأضفت عليها رؤية فنية وفكرية معاصرة" .
من تصميمات "فجة خرق"رسومات الأختام
وتضيف "جروس أن طباعة الأقمشة بوساطة القوالب الخشبية، تتم بالاعتماد على القوالب المحفورة حفراً غائراً، حيث تشكل في تصميماتها مزيجاً من رسومات سورية قديمة كزهرة الأقحوان وعناقيد العنب والعقاب ذي الرأسين، ومن أهم ميزات الأختام السورية القديمة إنها قدمت وثيقة عن عصرها، وكانت بمنزلة مرآة عكست مظاهر تطور حضارتنا، وشكلت المنطلق الأساس في ابتكار أشكال جديدة من أختام وقوالب لاحقة، تغيرت وظائفها تبعاً لتطور حاجات الإنسان، كما أن فكرة تجميل المنسوجات والألبسة التي استخدمها الإنسان في الماضي، ولدت لدينا تلك الحرف الشعبية العريقة المتجسدة بتقنية طبع القماش بقوالب خشبية، وباستخدام أصبغة مختلفة وخامات نسيج متنوعة وطابع زخرفي مبتكر، مستمد من البيئة المحيطة، ويتم حفر الأشكال المراد طباعتها على القماش القطني الخام بلونيه الأبيض والسكري، فعندما يخرج اللون من القالب ويصبح حاضراً على القماش وتتألق الرسمة بكل جمالها كنا نفرح وكثيراً ما كنا نغني لنجاح عملنا وكأن أصواتنا تترجم فرح الألوان. بالإضافة إلى أن من يرى القطعة المطبوعة سيميز هويتها الحموية بطابعها المفعم بنفحات الماضي وحداثة الحاضر.
معنى كلمة “ولفي"
وحول اسم "ولفي" تقول "جروس": الولف أو الوليف الذي تغنت به أهازيجنا وأغانينا التراثية، هو الآخر الذي تسكن الروح إليه فلا نشعر معه بالغربة، والعلاقة معه أعمق من الحب وحتى العشق، هي علاقة الأمان والألفة والدفء بما تعنيه من ديمومة، ومنتج "ولفي" هو وليف الإنسان والبيئة، في زمن باتت معظم ملابسنا مصنوعة من المواد المصنعة، فبخامات متداخلة من القطن واللون والخشب الطبيعي وروح الماء، يتآلفون مع بعض ليشكلوا توليفة تراثية مميزة سميت "ولفي"، منتقاة بكثير من التوافق والانسجام تفترش الأقمشة بطريقة متناغمة، تخلق حالة من التوازن والحركة بين الكتلة المتمثلة بالأشكال والخطوط وبين الفراغ المحيط بها".
روايات
حبها واهتمامها بالتراث اللا مادي كان أحد الدوافع التي دفعت "خلود هنيدي" لتأسيس ورشتها "فجة خرق"، الذي يعني باللغة المحكية البساط المصنوع من قصاصات قماشية على شكل شرائط، لتحاك هذه القصاصات على شكل بسط أو منسوجات على النول أو باستخدام الكروشيه، وهذه الحرفة تعتبر من تراث مدينة "السويداء"، وهي موجودة بمحافظات عدة ولكن كل مدينة تعطيها طابعها واسمها الخاص بها، كما تأسس المشروع بهدف بناء علاقة آمنة بين أبناء "السويداء" والوافدين الجدد إليها أثناء الحرب على "سورية"، قفي بداية عام 2017، أسست "خلود" مع خمس نساء أخريات من سكان المدينة والوافدات إليها الورشة الأساسية التي انطلق منها مشروع "فجة خرق"، لإعادة التدوير بهدف خلق متنفس لهم من أعباء الحياة، والعمل لإيجاد سوق لتصريف منتجاتهم والرغبة بالمشاركة بقضايا تعنى بالبيئة.
مبادرة كتاب
كان لدار "أطلس" دور في تعريف الناس على مجموعة من المشاريع الثقافية التي تعنى بالتراث السوري، بهدف إحياء حرف تراثية كادت أن تندثر أثناء الحرب، سواء كانت كتاباً أو حرفة، والعلاقة بين الكتاب والعمل اليدوي في "سورية" تكمن في البحث عن أسباب البقاء والاستمرار وإعادة الاعتبار للكتاب كهدية لها قيمتها، وللحرف اليدوية التي تحمل رموز الثقافة السورية، استمراريتها، بالبحث عن طرق للترويج وفتح أسواق جديدة كي تنهض وتنبض بالحياة، هذا ما سعت إليه الناشرة "سمر حداد" من خلال مبادرتها.
حياكة الحكايات
اما مشروع "سما" فقد شارك بمجموعة من المشغولات الملونة التي تحكي قصصاً محلية بتصاميم مبتكرة ورموز سورية واضحة، عرضتها "علا حسن" مديرة المشروع ضمن مجموعة من الحرف كالكروشيه والتطريز والإيتامين وشغل الإبرة والنول الصغير، وهي من المهن التي كادت تختفي بسبب صعوبتها واحتياجها لدقة عالية ووقت طويل، وأعادت "سما" إحياءها وإنعاشها من جديد، كما حمل المشروع شقاً ثقافياً بالتعريف على التصاميم التي ابتكرها ضمن الحرفة كالتصميم الديراني، المستوحى من العنب الأحمر الذي تشتهر به مدينة "داريا"، و الإدلبي الذي نرى فيه حبات وأوراق الزيتون، والتدمري المستوحى من آثار تدمر، والقرباطي والشامي، وغيرها من المجموعات التي عمل عليها منذ سنوات.