الحرفي "حسين حسن"... تبييض الخادم بـ "بلاش"
حماه
لمهنة "تبييض النحاس" أسرار وخفايا تعلمها "حسين حسن" وورثها أباً عن جد، فتعلق بها على الرغم من قساوتها، وما زال يمارسها حتى الآن في منطقة "مصياف".
مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفي "حسين حسن" في ورشته الخاصة، فحدثنا قائلاً: «هناك شعور داخلي عند الأجيال السابقة تجاه معدن النحاس، فمن كان يريد أن يستثمر أمواله كان يشتري قطعاً نحاسية لأن قيمتها ترتفع مع الزمن، وهناك مثل قديم مشهور بالمنطقة عن النحاس: "خدام ببلاش"؛ حيث كان والدي يقوم بشراء عدد كبير من الأواني النحاسية المنزلية للطهو ونحاسيات بمبلغ سبع ليرات أو أكثر بقليل، وحالياً أصبح سعر أصغر قطعة نحاسية يعادل عشرة آلاف ليرة سورية، وقد خدمت هذه القطع في منزلنا لأكثر من ثلاثين عاماً، وما زالت محافظة على جودتها ومتانتها، ومعروف عن النحاس أنه يحفظ الحرارة ولا "يلدع" الأكل أي لا يحرقه، ويحافظ على المذاق الطيب للأطعمة ومقاوم لعوامل الجو، لكن يجب المحافظة على نظافته وتبييضه مرة واحدة كل عام ووضعه في مكان مشمس، فالغاية من "التبييض" إزلة المادة السامة التي تظهر على سطح الأواني النحاسية، لذلك يقوم المبيض بطلائها بمادة القصدير حتى يمنع صعودها إلى سطح الوعاء النحاسي، وهكذا يظل الوعاء آمناً وسليماً ومعداً للاستخدام المنزلي».
وعن مهنة "تبييض النحاس وتصليح القطع النحاسية"، قال: «ورثت المهنة من والدي "أحمد حسن" الذي يبلغ عمره تسعين عاماً الآن، والذي أراد أن أكمل تعليمي؛ فأنا خريج معهد صناعات نسيجية، إلا أنني منذ الصغر فتنت بهذه الحرفة خلال مراقبتي لوالدي وكيفية تعامله مع "النحاس"، وعندما أنهيت دراستي، بدأت أتردد دائماً إلى الورشة، وحينها لم أشعر بقساوة المهنة لأنني أحببتها واخترتها بنفسي على الرغم من أنها تعد من المهن القاسية، وتحتاج إلى صبر وقدرة على تحمل الحرارة الشديدة؛ وخاصة في فصل الصيف، حيث تصل حرارة النار إلى أكثر من 500 درجة مئوية، ولا أذكر أن والدي علمني مهارات العمل، وخلال مراقبتي له اكتشفت أسرار المهنة، وتمكنت من إتقان جميع المراحل؛ وهذا ما أهلني لتفادي أخطارها».
عند تركيب "كلكه" النحاس
وعن مراحل العمل القديمة قال: «كانوا يقومون سابقاً بتنظيف الأواني النحاسية، بطحن الحجر الأسود ليصبح رملاً، ثم يقومون بوضعه داخل الوعاء على قطعة من الجلد، ويبدؤوا تحريكها بأرجلهم؛ لأن العملية تحتاج إلى جهد وثقل، ثم يقومون بوضعها على النار حتى تأخذ القطعة حرارة مناسبة، حيث تضاف إليها مواد معينة كالقصدير والنشادر وروح الملح، فيذوب القصدير مع النشادر، وبعد ذلك يتم فركها بقطعة قطن كبيرة؛ وهو ما يسمح للقصدير الذي أصبح سائلاً أن يمر على كافة أنحاء الوعاء، و"المبيض" كان يضع "صفوة" السيجارة أمام المحل ويطلب من الزبائن أن يأخذوا منها لجلي أواني النحاس؛ لأنها تحوي أملاحاً معدنية لا تخدش القصدير».
ويتابع: «حالياً دخلت المعدات التي تعمل على الكهرباء "كالمجلخ وفراشي البولاد"؛ وهذا خفف من الجهد العضلي وسهل العمل. ومراحل العمل تبدأ بحرق الإناء بالنار، ثم ننقعه بحمض كلور الماء الذي يتميز برائحته المزعجة، وبعدها نضربه بفرشاة "البولاد" حتى ينظف جيداً، ثم نقوم بدهنه بروح الملح المطفى بالتوتياء، ومن ثم نضعه على الغاز ونطليه بالقصدير ونقوم بتبييضه بالطريقة السابقة، ومن ثم نجليه بالرمل».
مختار الحارة الشمالية فواز إبراهيم
وتابع: «تحتمل منطقة "مصياف" وجود أكثر من "مبيّض نحاس"، مع العلم أن هذه المهنة تعاني تراجعاً، ليس لأنه قل استخدام الأواني النحاسية في المنطقة، لكن لأن همة الشباب لتعلم هذه المهنة خفت، فهم لا يحتملون النار والروائح المزعجة؛ وهذا ما سينعكس سلباً على أهالي الريف».
يحنّ إلى ممارسة مهنته، لكن صحته لم تعد تساعده؛ هذا ما قاله "أحمد حسن" الذي تجاوز عمره التسعين عاماً، حيث تحدث عن ذكرياته بالقول: «لم يكن هناك بيت بمنطقة "مصياف" إلا ويستخدم الأواني النحاسية، وفي هذا الحي بالذات كان هناك أكثر من خمسة مبيضين، حالياً لم يبقَ من يمارس هذه المهنة إلا ابني "حسين"، الذي أحبها ورغب بامتهانها. في الماضي لم يكن يملك مبيض النحاس محلاً خاصاً به، ولأن المنطقة جبلية وتكثر فيها تربية الأبقار كان مبيّضو النحاس يقومون بزيارة القرى حاملين أدواتهم البسيطة معهم لتبييض الأواني النحاسية، ويطلقون عليها "سفرة الربيع" بالتزامن مع موسم "الدّر"، وعندها كنا نقصد بيت المختار، ومن دون أي مقابل مادي كنا نقوم بتبييض الأواني الخاصة به لقاء استضافته لنا، ثم يبدأ الأهالي التوافد إلينا. وفي فصل الخريف نعد العدة للسفر مرة أخرى لاستقبال موسم طهو "الكشك" و"دبس الرمان" وموسم "تقطير العنب" بـ"الكلكه النحاسية" التي تحتاج إلى صيانة مرة واحدة في العام».
العمل في تبييض النحاس
البسمة لا تفارق وجه الحرفي "حسين حسن"، وهذا ما يميزه عن بقية الحرفيين ممن يعملون بمهن قاسية، هذا ما قاله مختار منطقة "مصياف" "فواز إبراهيم"، وأكمل بالقول: «يذكرني بوالده الذي كان يعمل بكل هدوء ومهارة، وحمل صفاته من حيث اندفاعه وإخلاصه لمهنته، وهذا ما يشعرك بالراحة أثناء التعامل معه على الرغم من نفور أبناء جيله من مهن كهذه، ولهذا ينفرد في المنطقة، وأقصده قبل موسم الرمان، وأتذكر أن والدي كان يطهو دبس الرمان بـ"الدست" النحاسي، فالأواني النحاسية منتشرة في أغلب المنازل على الرغم من أنها قلت عن السابق لغلاء مواد "التبييض"، إلا أن أهل الريف مازالوا يستخدمونها».
يذكر أن، الحرفي "حسين حسن" من مواليد "القدموس" عام 1969، ويملك حالياً معرضاً من التحف الفنية النحاسية التي يرفض بيعها.
- منال حسن غانم
حماه
لمهنة "تبييض النحاس" أسرار وخفايا تعلمها "حسين حسن" وورثها أباً عن جد، فتعلق بها على الرغم من قساوتها، وما زال يمارسها حتى الآن في منطقة "مصياف".
مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفي "حسين حسن" في ورشته الخاصة، فحدثنا قائلاً: «هناك شعور داخلي عند الأجيال السابقة تجاه معدن النحاس، فمن كان يريد أن يستثمر أمواله كان يشتري قطعاً نحاسية لأن قيمتها ترتفع مع الزمن، وهناك مثل قديم مشهور بالمنطقة عن النحاس: "خدام ببلاش"؛ حيث كان والدي يقوم بشراء عدد كبير من الأواني النحاسية المنزلية للطهو ونحاسيات بمبلغ سبع ليرات أو أكثر بقليل، وحالياً أصبح سعر أصغر قطعة نحاسية يعادل عشرة آلاف ليرة سورية، وقد خدمت هذه القطع في منزلنا لأكثر من ثلاثين عاماً، وما زالت محافظة على جودتها ومتانتها، ومعروف عن النحاس أنه يحفظ الحرارة ولا "يلدع" الأكل أي لا يحرقه، ويحافظ على المذاق الطيب للأطعمة ومقاوم لعوامل الجو، لكن يجب المحافظة على نظافته وتبييضه مرة واحدة كل عام ووضعه في مكان مشمس، فالغاية من "التبييض" إزلة المادة السامة التي تظهر على سطح الأواني النحاسية، لذلك يقوم المبيض بطلائها بمادة القصدير حتى يمنع صعودها إلى سطح الوعاء النحاسي، وهكذا يظل الوعاء آمناً وسليماً ومعداً للاستخدام المنزلي».
تحتمل منطقة "مصياف" وجود أكثر من "مبيّض نحاس"، مع العلم أن هذه المهنة تعاني تراجعاً، ليس لأنه قل استخدام الأواني النحاسية في المنطقة، لكن لأن همة الشباب لتعلم هذه المهنة خفت، فهم لا يحتملون النار والروائح المزعجة؛ وهذا ما سينعكس سلباً على أهالي الريف
وعن مهنة "تبييض النحاس وتصليح القطع النحاسية"، قال: «ورثت المهنة من والدي "أحمد حسن" الذي يبلغ عمره تسعين عاماً الآن، والذي أراد أن أكمل تعليمي؛ فأنا خريج معهد صناعات نسيجية، إلا أنني منذ الصغر فتنت بهذه الحرفة خلال مراقبتي لوالدي وكيفية تعامله مع "النحاس"، وعندما أنهيت دراستي، بدأت أتردد دائماً إلى الورشة، وحينها لم أشعر بقساوة المهنة لأنني أحببتها واخترتها بنفسي على الرغم من أنها تعد من المهن القاسية، وتحتاج إلى صبر وقدرة على تحمل الحرارة الشديدة؛ وخاصة في فصل الصيف، حيث تصل حرارة النار إلى أكثر من 500 درجة مئوية، ولا أذكر أن والدي علمني مهارات العمل، وخلال مراقبتي له اكتشفت أسرار المهنة، وتمكنت من إتقان جميع المراحل؛ وهذا ما أهلني لتفادي أخطارها».
عند تركيب "كلكه" النحاس
وعن مراحل العمل القديمة قال: «كانوا يقومون سابقاً بتنظيف الأواني النحاسية، بطحن الحجر الأسود ليصبح رملاً، ثم يقومون بوضعه داخل الوعاء على قطعة من الجلد، ويبدؤوا تحريكها بأرجلهم؛ لأن العملية تحتاج إلى جهد وثقل، ثم يقومون بوضعها على النار حتى تأخذ القطعة حرارة مناسبة، حيث تضاف إليها مواد معينة كالقصدير والنشادر وروح الملح، فيذوب القصدير مع النشادر، وبعد ذلك يتم فركها بقطعة قطن كبيرة؛ وهو ما يسمح للقصدير الذي أصبح سائلاً أن يمر على كافة أنحاء الوعاء، و"المبيض" كان يضع "صفوة" السيجارة أمام المحل ويطلب من الزبائن أن يأخذوا منها لجلي أواني النحاس؛ لأنها تحوي أملاحاً معدنية لا تخدش القصدير».
ويتابع: «حالياً دخلت المعدات التي تعمل على الكهرباء "كالمجلخ وفراشي البولاد"؛ وهذا خفف من الجهد العضلي وسهل العمل. ومراحل العمل تبدأ بحرق الإناء بالنار، ثم ننقعه بحمض كلور الماء الذي يتميز برائحته المزعجة، وبعدها نضربه بفرشاة "البولاد" حتى ينظف جيداً، ثم نقوم بدهنه بروح الملح المطفى بالتوتياء، ومن ثم نضعه على الغاز ونطليه بالقصدير ونقوم بتبييضه بالطريقة السابقة، ومن ثم نجليه بالرمل».
مختار الحارة الشمالية فواز إبراهيم
وتابع: «تحتمل منطقة "مصياف" وجود أكثر من "مبيّض نحاس"، مع العلم أن هذه المهنة تعاني تراجعاً، ليس لأنه قل استخدام الأواني النحاسية في المنطقة، لكن لأن همة الشباب لتعلم هذه المهنة خفت، فهم لا يحتملون النار والروائح المزعجة؛ وهذا ما سينعكس سلباً على أهالي الريف».
يحنّ إلى ممارسة مهنته، لكن صحته لم تعد تساعده؛ هذا ما قاله "أحمد حسن" الذي تجاوز عمره التسعين عاماً، حيث تحدث عن ذكرياته بالقول: «لم يكن هناك بيت بمنطقة "مصياف" إلا ويستخدم الأواني النحاسية، وفي هذا الحي بالذات كان هناك أكثر من خمسة مبيضين، حالياً لم يبقَ من يمارس هذه المهنة إلا ابني "حسين"، الذي أحبها ورغب بامتهانها. في الماضي لم يكن يملك مبيض النحاس محلاً خاصاً به، ولأن المنطقة جبلية وتكثر فيها تربية الأبقار كان مبيّضو النحاس يقومون بزيارة القرى حاملين أدواتهم البسيطة معهم لتبييض الأواني النحاسية، ويطلقون عليها "سفرة الربيع" بالتزامن مع موسم "الدّر"، وعندها كنا نقصد بيت المختار، ومن دون أي مقابل مادي كنا نقوم بتبييض الأواني الخاصة به لقاء استضافته لنا، ثم يبدأ الأهالي التوافد إلينا. وفي فصل الخريف نعد العدة للسفر مرة أخرى لاستقبال موسم طهو "الكشك" و"دبس الرمان" وموسم "تقطير العنب" بـ"الكلكه النحاسية" التي تحتاج إلى صيانة مرة واحدة في العام».
العمل في تبييض النحاس
البسمة لا تفارق وجه الحرفي "حسين حسن"، وهذا ما يميزه عن بقية الحرفيين ممن يعملون بمهن قاسية، هذا ما قاله مختار منطقة "مصياف" "فواز إبراهيم"، وأكمل بالقول: «يذكرني بوالده الذي كان يعمل بكل هدوء ومهارة، وحمل صفاته من حيث اندفاعه وإخلاصه لمهنته، وهذا ما يشعرك بالراحة أثناء التعامل معه على الرغم من نفور أبناء جيله من مهن كهذه، ولهذا ينفرد في المنطقة، وأقصده قبل موسم الرمان، وأتذكر أن والدي كان يطهو دبس الرمان بـ"الدست" النحاسي، فالأواني النحاسية منتشرة في أغلب المنازل على الرغم من أنها قلت عن السابق لغلاء مواد "التبييض"، إلا أن أهل الريف مازالوا يستخدمونها».
يذكر أن، الحرفي "حسين حسن" من مواليد "القدموس" عام 1969، ويملك حالياً معرضاً من التحف الفنية النحاسية التي يرفض بيعها.