وُلِدَ الفيلسوف والكاتب المسرحي جان بول سارتر في 21 يوليو 1905 في باريس وتُوفي في 15 أبريل 1980. يعد سارتر مُفسر النظرية الوجودية (نظرية تهتف بحرية الإنسان)، وقد مُنح جائزة نوبل للآداب عام 1964، لكنه رفضها.
حياته الأولى وكتاباته:
فقد سارتر والده في سِن مبكرة، وترعرع في منزل جده من أمه كارل شفايتزر، وهو عم المبشِّر الطبي ألبرت شفايتزر، وأستاذ اللغة الألمانية في جامعة السوربون.
كان سارتر طفلًا قصير القامة أحول العينين، يتجول في حدائق لوكسمبورغ الباريسية بحثًا عن رفاق للمرح.
يروي في سيرته الذاتية التي كتبها «الكلمات» عن مغامرات طفولته مع أمه في الحديقة، وانتقالهما من مجموعة إلى أخرى من الأولاد أملًا في قبوله من إحداها، لكن ينتهي الأمر بعودتهما إلى شقتهما في الطابق السادس حيث تسكن الأحلام.
أنقذت الكلمات سارتر، وساهمت في تشكيل موهبته في طفولته، فصفحاته غير المنتهية من الكتابة كانت مهربًا من عالَم رفضه، وبناءه لآخر في مخيلته.
لَحِق سارتر بمدرسة «هنري الرابع» في باريس، وبعد زواج والدته ارتاد مدرسة «لاروشيل»، ومن هناك انتقل إلى المدرسة المرموقة «نورمال العليا»، وتخرَّج منها عام 1929.
رفض سارتر ما أسماه «الزواج البرجوازي»، لكنه عقد مع سيمون دي بوفوار عقدًا ربط علاقتهما مدى الحياة، وقد زودتنا مذكرات سيمون دي بوفوار «مذكرات فتاة مطيعة» و«عنفوان الحياة» بسرد عميق لحياة سارتر منذ أن كان طالبًا جامعيًا وحتى منتصف الخمسينيات من عمره.
درّس سارتر بين عامي (1931-1945) في ثانوية لو هافر ثم ليون وأخيرًا في باريس.
انقطعت مهنته هذه مرتين، أولهما بعد سنة من الدراسة في برلين، وثانيهما عندما اُختير سارتر عام 1939 للخدمة في الحرب العالمية الثانية، وقد سُجن عام 1940 وأُطلِق سراحه بعده بعام.
نشر سارتر في أثناء تدريسه في لو هافر رواية «الغثيان» سَبب شهرته الأول.
صورت هذه الرواية التي كُتبت بأسلوب اليوميات، مشاعر الاشمئزاز التي يُعانيها الضابط العجوز في مواجهته لعالم المادة، ليس فقط عالم الناس الآخرين بل عالمه الجسدي أيضًا.
عدَّ بعض النقاد «الغثيان» حالة مَرضية، ونوعًا من الهروب العصبي، ويجب تقديره لكونه عملًا مبتكرًا ومنفردًا ومعاديًا للمجتمع، تحتوي صفحاته على العديد من الموضوعات الفلسفية التي طوّرها سارتر لاحقًا.
استوحى سارتر من الفيلسوف الألماني هوسرل، منهج الفينومينولوجيا أو الظاهراتية، الذي يضع وصفًا دقيقًا غير متحيز للحالة بدلًا من الاستنتاجات الحاسمة لها، واستخدمه بمهارة كبيرة في ثلاث منشورات: الخيال: «نقد نفسي»، و«رسم تخطيطي لنظرية العواطف»، و«سيكولوجية الخيال»، لكنه تميز أكثر في كتابه «الوجود والعدم»، إذ ظهر ساتر بمظهر سيد المواهب المتفردة، ووضع العدم مقابل الوجود وأهمل الوعي، ومن نفس المنطلق تهرب من كل الحتميات. رسالة «الوجود والعدم» بكل مضامينها تبعث الأمل، لكن التذكير المستمر بأن المسعى الإنساني لا طائل من ورائه؛ يجعل الكتاب مأساويًا.
سنواته الأخيرة :
انصب اهتمام سارتر على كتابة دراسة من أربع مجلدات تُسمى فلوبير بين عامي (1960-1971)، وفي ربيع عام 1971 ظهر منها مجلدان يبلغ مجموع صفحاتهما قرابة 2130 صفحة.
أراد سارتر تزويد القارئ بالسيرة الكاملة للروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير من جهتين: أُولاهما مفهوم كارل ماركس للتاريخ والطبقة، والثانية إضاءة سيغموند فرويد للفترات المظلمة للروح البشرية عبر استكشاف طفولته وعلاقاته الأُسرية.
رغم تجلِّي عبقرية سارتر في ذلك العمل، إلا أن تحليله الدقيق لأدنى قول لفلوبير يعيق الاستمتاع الكامل به.
ابتعد سارتر عن الكتابة عام 1971، ولم يكتب إلا القليل، وكأنه أُشبع من كتابته الوفيرة.
وتحت شعار «الالتزام فعل وليس كلمة» كان سارتر كثيرًا ما يشارك في الاحتجاجات، والمزادات لبيع المؤلفات اليسارية، وغير ذلك من الأنشطة التي يرى أنها السبيل إلى تعزيز الثورة.
ومن المفارقات أن هذا الاشتراكي الراديكالي نفسه نشر في سنة 1972 المجلد الثالث من كتاب فلوبير بعنوان «أحمق العائلة»، كتاب لا يستطيع قراءته إلا المثقف البرجوازي.
وبهذا وصلت إنتاجية سارتر إلى نهايتها، لكن عقله ظل متفتحًا ويقظًا، واستمر في المقابلات وكتابة السيناريوهات للرسوم المتحركة، وعمل على كتاب للأخلاق.
أُصيب جان بول سارتر بالعمى وتدهورت صحته، فلم يعد ذاك العبقري واسع الإنتاج، وتُوفي في أبريل عام 1980 إثر ورم في الرئة.
كانت جنازته مهيبة، حضرها نحو 25000 شخص، تُذكرنا بجنازة فيكتور هوغو.
المصدر:ibelieveinsci
حياته الأولى وكتاباته:
فقد سارتر والده في سِن مبكرة، وترعرع في منزل جده من أمه كارل شفايتزر، وهو عم المبشِّر الطبي ألبرت شفايتزر، وأستاذ اللغة الألمانية في جامعة السوربون.
كان سارتر طفلًا قصير القامة أحول العينين، يتجول في حدائق لوكسمبورغ الباريسية بحثًا عن رفاق للمرح.
يروي في سيرته الذاتية التي كتبها «الكلمات» عن مغامرات طفولته مع أمه في الحديقة، وانتقالهما من مجموعة إلى أخرى من الأولاد أملًا في قبوله من إحداها، لكن ينتهي الأمر بعودتهما إلى شقتهما في الطابق السادس حيث تسكن الأحلام.
أنقذت الكلمات سارتر، وساهمت في تشكيل موهبته في طفولته، فصفحاته غير المنتهية من الكتابة كانت مهربًا من عالَم رفضه، وبناءه لآخر في مخيلته.
لَحِق سارتر بمدرسة «هنري الرابع» في باريس، وبعد زواج والدته ارتاد مدرسة «لاروشيل»، ومن هناك انتقل إلى المدرسة المرموقة «نورمال العليا»، وتخرَّج منها عام 1929.
رفض سارتر ما أسماه «الزواج البرجوازي»، لكنه عقد مع سيمون دي بوفوار عقدًا ربط علاقتهما مدى الحياة، وقد زودتنا مذكرات سيمون دي بوفوار «مذكرات فتاة مطيعة» و«عنفوان الحياة» بسرد عميق لحياة سارتر منذ أن كان طالبًا جامعيًا وحتى منتصف الخمسينيات من عمره.
درّس سارتر بين عامي (1931-1945) في ثانوية لو هافر ثم ليون وأخيرًا في باريس.
انقطعت مهنته هذه مرتين، أولهما بعد سنة من الدراسة في برلين، وثانيهما عندما اُختير سارتر عام 1939 للخدمة في الحرب العالمية الثانية، وقد سُجن عام 1940 وأُطلِق سراحه بعده بعام.
نشر سارتر في أثناء تدريسه في لو هافر رواية «الغثيان» سَبب شهرته الأول.
صورت هذه الرواية التي كُتبت بأسلوب اليوميات، مشاعر الاشمئزاز التي يُعانيها الضابط العجوز في مواجهته لعالم المادة، ليس فقط عالم الناس الآخرين بل عالمه الجسدي أيضًا.
عدَّ بعض النقاد «الغثيان» حالة مَرضية، ونوعًا من الهروب العصبي، ويجب تقديره لكونه عملًا مبتكرًا ومنفردًا ومعاديًا للمجتمع، تحتوي صفحاته على العديد من الموضوعات الفلسفية التي طوّرها سارتر لاحقًا.
استوحى سارتر من الفيلسوف الألماني هوسرل، منهج الفينومينولوجيا أو الظاهراتية، الذي يضع وصفًا دقيقًا غير متحيز للحالة بدلًا من الاستنتاجات الحاسمة لها، واستخدمه بمهارة كبيرة في ثلاث منشورات: الخيال: «نقد نفسي»، و«رسم تخطيطي لنظرية العواطف»، و«سيكولوجية الخيال»، لكنه تميز أكثر في كتابه «الوجود والعدم»، إذ ظهر ساتر بمظهر سيد المواهب المتفردة، ووضع العدم مقابل الوجود وأهمل الوعي، ومن نفس المنطلق تهرب من كل الحتميات. رسالة «الوجود والعدم» بكل مضامينها تبعث الأمل، لكن التذكير المستمر بأن المسعى الإنساني لا طائل من ورائه؛ يجعل الكتاب مأساويًا.
سنواته الأخيرة :
انصب اهتمام سارتر على كتابة دراسة من أربع مجلدات تُسمى فلوبير بين عامي (1960-1971)، وفي ربيع عام 1971 ظهر منها مجلدان يبلغ مجموع صفحاتهما قرابة 2130 صفحة.
أراد سارتر تزويد القارئ بالسيرة الكاملة للروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير من جهتين: أُولاهما مفهوم كارل ماركس للتاريخ والطبقة، والثانية إضاءة سيغموند فرويد للفترات المظلمة للروح البشرية عبر استكشاف طفولته وعلاقاته الأُسرية.
رغم تجلِّي عبقرية سارتر في ذلك العمل، إلا أن تحليله الدقيق لأدنى قول لفلوبير يعيق الاستمتاع الكامل به.
ابتعد سارتر عن الكتابة عام 1971، ولم يكتب إلا القليل، وكأنه أُشبع من كتابته الوفيرة.
وتحت شعار «الالتزام فعل وليس كلمة» كان سارتر كثيرًا ما يشارك في الاحتجاجات، والمزادات لبيع المؤلفات اليسارية، وغير ذلك من الأنشطة التي يرى أنها السبيل إلى تعزيز الثورة.
ومن المفارقات أن هذا الاشتراكي الراديكالي نفسه نشر في سنة 1972 المجلد الثالث من كتاب فلوبير بعنوان «أحمق العائلة»، كتاب لا يستطيع قراءته إلا المثقف البرجوازي.
وبهذا وصلت إنتاجية سارتر إلى نهايتها، لكن عقله ظل متفتحًا ويقظًا، واستمر في المقابلات وكتابة السيناريوهات للرسوم المتحركة، وعمل على كتاب للأخلاق.
أُصيب جان بول سارتر بالعمى وتدهورت صحته، فلم يعد ذاك العبقري واسع الإنتاج، وتُوفي في أبريل عام 1980 إثر ورم في الرئة.
كانت جنازته مهيبة، حضرها نحو 25000 شخص، تُذكرنا بجنازة فيكتور هوغو.
المصدر:ibelieveinsci