أفرام نعوم تشومسكي، وُلد في 7 ديسمبر 1928 في فيلادلفيا، بنسلفانيا، الولايات المتحدة، عالم لغوي نظري، أحدث منذ الخمسينيات ثورةً في مجال علم اللغة، بتعامله مع اللغة بوصفها قدرة معرفية بشرية فريدة قائمة على أساس بيولوجي. بواسطة مساهماته في علم اللغة والمجالات ذات الصلة، متضمنةً علم النفس المعرفي وفلسفات العقل واللغة، ساعد تشومسكي على بدء ودعم ما يُعرف الآن باسم «الثورة المعرفية». اجتذب تشومسكي أتباعًا من كل أنحاء العالم أيضًا بوصفه معارضًا سياسيًّا، بسبب تحليلاته للتأثير الضار للنخب الاقتصادية في السياسة الداخلية والخارجية والثقافة الفكرية الأمريكية.
الحياة والأفكار الأساسية
وُلد نعوم تشومسكي لعائلة يهودية من الطبقة المتوسطة، ودرس في مدرسة ابتدائية تجريبية حيث شُجِّعَ على تطوير اهتماماته ومواهبه بواسطة التعلم الذاتي المباشر. عندما كان في العاشرة من عمره، كتب افتتاحية في جريدته المدرسية يأسف فيها لسقوط برشلونة في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وصعود الفاشية في أوروبا. كان بحثه في ذلك الوقت وخلال السنوات القليلة التالية شاملًا بما يكفي ليصبح بعد عقود أساسًا لمقالته «الموضوعية والمنحة الليبرالية» سنة 1969، وهي مراجعة نقدية لدراسة أعدّها المؤرخ غابرييل جاكسون عن تلك الفترة.
عندما كان عمره 13 عامًا، بدأ تشومسكي يذهب بمفرده إلى مدينة نيويورك، حيث وجد كتبًا تناسب نهمه للقراءة، وتواصل مع مجتمع فكري يهودي مزدهر من الطبقة العاملة. أثرتْ المناقشة معتقداته، التي كانت وراء آرائه السياسية طوال حياته وعمّقتها، وهي أن كل الناس قادرون على فهم القضايا السياسية والاقتصادية واتخاذ قراراتهم الخاصة على هذا الأساس، وأن كل الناس يحتاجون إلى -ويستمدون الرضا من- التصرف بحرّية وإبداع والتواصل مع الآخرين، وأن السلطة -سواءً أكانت سياسية أم اقتصادية أم دينية- التي لا يمكنها الصمود أمام تحليل التفكير العقلاني غير مشروعة.
وفقًا لنظرية نعوم تشومسكي عن عدم السلطوية النقابية، أو الاشتراكية التحررية، فإن أفضل شكل للتنظيم السياسي هو الذي يتمتع فيه جميع الناس بفرصة قصوى للانخراط في نشاط تعاوني مع الآخرين، والمشاركة في جميع قرارات المجتمع التي تؤثر فيهم.
سنة 1945، في سن 16، التحق تشومسكي بجامعة بنسلفانيا، لكنه لم يجد ما يثير اهتمامه. لذلك فكر بعد عامين في ترك الجامعة لمتابعة اهتماماته السياسية، ربما بالانتقال للعيش في كيبوتس. لكنه غيّر رأيه بعد لقائه مع العالم اللغوي «زليج هاريس» -أحد المؤسسين الأمريكيين لعلم اللغة البنيوي- الذي كانت قناعاته السياسية مماثلة لقناعات تشومسكي. حضر تشومسكي مقررات الدراسات العليا مع هاريس، وبناءً على توصيته، درس الفلسفة مع نيلسون جودمان وناثان سالمون، والرياضيات مع ناثان فاين، الذي كان حينها مدرسًا في جامعة هارفارد.
في أطروحته للماجستير سنة 1951، «المورفوفونيميكس للّغة العبرية الحديثة»، وخاصةً في «البنية المنطقية للنظرية اللغوية»، التي كتبها عندما كان زميلًا شابًا في جامعة هارفارد (1951-1955) ونُشر جزء منها عام 1975، تبنى تشومسكي جوانب من نهج هاريس في دراسة اللغة، وآراء جودمان حول النظم الرسمية وفلسفة العلم، واستخلص منها رأيًا جديدًا.
ففي حين افترض جودمان أن العقل عند الولادة هو صفحة بيضاء، وأن تعلم اللغة عند الأطفال هو في الأساس استجابة مشروطة للمنبهات اللغوية، رأى تشومسكي أن المبادئ الأساسية لجميع اللغات، إضافةً إلى النطاق الأساسي للمفاهيم المُستخدمة للتعبير عنها، تُمثَّل فطريًا في العقل البشري، وأن تعلم اللغة يتكون من البناء غير الواعي لقواعد من هذه المبادئ، وفقًا لإشارات مستمدة من بيئة الطفل اللغوية. وفي حين عدّ هاريس دراسة اللغة تصنيفًا تراكميًّا «للبيانات»، رأى تشومسكي أن اكتشاف المبادئ فطريًا، بواسطة تطبيق الأنظمة الرسمية، هو ما يتيح للأطفال اكتساب اللغة بسرعة، واستخدام الكبار والأطفال اليومي للّغة على حد سواء.
وفي حين اعتقد جودمان أن السلوك اللغوي منتظم وسببي، بمعنى أنه استجابة محددة لمحفزات معينة، جادل تشومسكي بقوله إنه يُحرَّض بواسطة السياق الاجتماعي وسياق الخطاب، لكنه في الأساس عديم السببية، إذ تعززه مجموعة متميزة من المبادئ الفطرية، لكنه مُبتكَر أو «إبداعي». لهذا اعتقد تشومسكي أنه من غير المحتمل أن يوجد علم كامل للسلوك اللغوي، موافقًا رأي الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في القرن السابع عشر. وفقًا لتشومسكي، فإن استخدام اللغة يرجع إلى «أصل إبداعي»، لا إلى أصل سببي. تجاهل هاريس عمل تشومسكي، وشجبه جودمان، عندما أدرك أن تشومسكي لن يقبل نظريته عن السلوك.
تماثلت ردود الأفعال -مع بعض الاختلافات- بين أكثر اللغويين والفلاسفة وعلماء النفس. ومع أن بعض علماء اللغة وعلماء النفس تقبلوا في النهاية افتراضات تشومسكي الأساسية فيما يتعلق باللغة والعقل، واصل أكثر الفلاسفة رفضها.
حصل تشومسكي على الدكتوراه في اللغويات من جامعة بنسلفانيا سنة 1955، إذ تناول فصلًا من أطروحته «البنية المنطقية للنظرية اللغوية» ضمن أطروحة الدكتوراه بعنوان «التحليل التحويلي». سنة 1956، عيّنه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في منصب تدريسي تطلّب منه قضاء نصف وقته في مشروع الترجمة الآلية، مع أنه كان يشكك علانية في احتمالات نجاحه، إذ أخبر مدير مختبر الترجمة أن المشروع: «لم يكن له فائدة فكرية وكان بلا هدف حقيقي أيضًا».
طلبت الجامعة من تشومسكي وزميله موريس هالي إنشاء برنامج جديد للخريجين في علم اللغة بسبب إعجاب القائمين عليها بكتابه «التركيبات النحوية» الصادر عام 1957، وهو نسخة منقحة من سلسلة محاضرات ألقاها على الطلاب الجامعيين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسرعان ما اجتذب برنامجه الجديد العديد من العلماء البارزين، ومنهم روبرت ليس وجيري فودور وجيرولد كاتز وبول بوستال.
أصبحت مراجعة نعوم تشومسكي -سنة 1959- لكتاب ب. ف. سكينر -عميد المدرسة السلوكية الأمريكية- بعنوان «السلوك اللفظي» دحضًا قاطعًا للتفسيرات السلوكية لتعلم اللغة. بدءًا من منتصف الستينيات، بالتزامن مع نشر «جوانب نظرية بناء الجملة» عام 1965 و«اللغويات الديكارتية» عام 1966، اكتسب نهج تشومسكي في دراسة اللغة والعقل قبولًا أوسع بين علماء اللغة، رغم وجود العديد من الاختلافات النظرية فيما يخص النموذج اللغوي.
عُيّن تشومسكي أستاذًا متفرّغًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 1961، وشغل مقعد «فيراري ب. وارد» -مرتبة شرفية- في قسم اللغات الحديثة واللغويات عام 1966، وأستاذًا في المعهد عام 1976. وتقاعد محتفظًا بمنصب «أستاذ فخري» سنة 2002.
المصدر:ibelieveinsci
الحياة والأفكار الأساسية
وُلد نعوم تشومسكي لعائلة يهودية من الطبقة المتوسطة، ودرس في مدرسة ابتدائية تجريبية حيث شُجِّعَ على تطوير اهتماماته ومواهبه بواسطة التعلم الذاتي المباشر. عندما كان في العاشرة من عمره، كتب افتتاحية في جريدته المدرسية يأسف فيها لسقوط برشلونة في أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، وصعود الفاشية في أوروبا. كان بحثه في ذلك الوقت وخلال السنوات القليلة التالية شاملًا بما يكفي ليصبح بعد عقود أساسًا لمقالته «الموضوعية والمنحة الليبرالية» سنة 1969، وهي مراجعة نقدية لدراسة أعدّها المؤرخ غابرييل جاكسون عن تلك الفترة.
عندما كان عمره 13 عامًا، بدأ تشومسكي يذهب بمفرده إلى مدينة نيويورك، حيث وجد كتبًا تناسب نهمه للقراءة، وتواصل مع مجتمع فكري يهودي مزدهر من الطبقة العاملة. أثرتْ المناقشة معتقداته، التي كانت وراء آرائه السياسية طوال حياته وعمّقتها، وهي أن كل الناس قادرون على فهم القضايا السياسية والاقتصادية واتخاذ قراراتهم الخاصة على هذا الأساس، وأن كل الناس يحتاجون إلى -ويستمدون الرضا من- التصرف بحرّية وإبداع والتواصل مع الآخرين، وأن السلطة -سواءً أكانت سياسية أم اقتصادية أم دينية- التي لا يمكنها الصمود أمام تحليل التفكير العقلاني غير مشروعة.
وفقًا لنظرية نعوم تشومسكي عن عدم السلطوية النقابية، أو الاشتراكية التحررية، فإن أفضل شكل للتنظيم السياسي هو الذي يتمتع فيه جميع الناس بفرصة قصوى للانخراط في نشاط تعاوني مع الآخرين، والمشاركة في جميع قرارات المجتمع التي تؤثر فيهم.
سنة 1945، في سن 16، التحق تشومسكي بجامعة بنسلفانيا، لكنه لم يجد ما يثير اهتمامه. لذلك فكر بعد عامين في ترك الجامعة لمتابعة اهتماماته السياسية، ربما بالانتقال للعيش في كيبوتس. لكنه غيّر رأيه بعد لقائه مع العالم اللغوي «زليج هاريس» -أحد المؤسسين الأمريكيين لعلم اللغة البنيوي- الذي كانت قناعاته السياسية مماثلة لقناعات تشومسكي. حضر تشومسكي مقررات الدراسات العليا مع هاريس، وبناءً على توصيته، درس الفلسفة مع نيلسون جودمان وناثان سالمون، والرياضيات مع ناثان فاين، الذي كان حينها مدرسًا في جامعة هارفارد.
في أطروحته للماجستير سنة 1951، «المورفوفونيميكس للّغة العبرية الحديثة»، وخاصةً في «البنية المنطقية للنظرية اللغوية»، التي كتبها عندما كان زميلًا شابًا في جامعة هارفارد (1951-1955) ونُشر جزء منها عام 1975، تبنى تشومسكي جوانب من نهج هاريس في دراسة اللغة، وآراء جودمان حول النظم الرسمية وفلسفة العلم، واستخلص منها رأيًا جديدًا.
ففي حين افترض جودمان أن العقل عند الولادة هو صفحة بيضاء، وأن تعلم اللغة عند الأطفال هو في الأساس استجابة مشروطة للمنبهات اللغوية، رأى تشومسكي أن المبادئ الأساسية لجميع اللغات، إضافةً إلى النطاق الأساسي للمفاهيم المُستخدمة للتعبير عنها، تُمثَّل فطريًا في العقل البشري، وأن تعلم اللغة يتكون من البناء غير الواعي لقواعد من هذه المبادئ، وفقًا لإشارات مستمدة من بيئة الطفل اللغوية. وفي حين عدّ هاريس دراسة اللغة تصنيفًا تراكميًّا «للبيانات»، رأى تشومسكي أن اكتشاف المبادئ فطريًا، بواسطة تطبيق الأنظمة الرسمية، هو ما يتيح للأطفال اكتساب اللغة بسرعة، واستخدام الكبار والأطفال اليومي للّغة على حد سواء.
وفي حين اعتقد جودمان أن السلوك اللغوي منتظم وسببي، بمعنى أنه استجابة محددة لمحفزات معينة، جادل تشومسكي بقوله إنه يُحرَّض بواسطة السياق الاجتماعي وسياق الخطاب، لكنه في الأساس عديم السببية، إذ تعززه مجموعة متميزة من المبادئ الفطرية، لكنه مُبتكَر أو «إبداعي». لهذا اعتقد تشومسكي أنه من غير المحتمل أن يوجد علم كامل للسلوك اللغوي، موافقًا رأي الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت في القرن السابع عشر. وفقًا لتشومسكي، فإن استخدام اللغة يرجع إلى «أصل إبداعي»، لا إلى أصل سببي. تجاهل هاريس عمل تشومسكي، وشجبه جودمان، عندما أدرك أن تشومسكي لن يقبل نظريته عن السلوك.
تماثلت ردود الأفعال -مع بعض الاختلافات- بين أكثر اللغويين والفلاسفة وعلماء النفس. ومع أن بعض علماء اللغة وعلماء النفس تقبلوا في النهاية افتراضات تشومسكي الأساسية فيما يتعلق باللغة والعقل، واصل أكثر الفلاسفة رفضها.
حصل تشومسكي على الدكتوراه في اللغويات من جامعة بنسلفانيا سنة 1955، إذ تناول فصلًا من أطروحته «البنية المنطقية للنظرية اللغوية» ضمن أطروحة الدكتوراه بعنوان «التحليل التحويلي». سنة 1956، عيّنه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في منصب تدريسي تطلّب منه قضاء نصف وقته في مشروع الترجمة الآلية، مع أنه كان يشكك علانية في احتمالات نجاحه، إذ أخبر مدير مختبر الترجمة أن المشروع: «لم يكن له فائدة فكرية وكان بلا هدف حقيقي أيضًا».
طلبت الجامعة من تشومسكي وزميله موريس هالي إنشاء برنامج جديد للخريجين في علم اللغة بسبب إعجاب القائمين عليها بكتابه «التركيبات النحوية» الصادر عام 1957، وهو نسخة منقحة من سلسلة محاضرات ألقاها على الطلاب الجامعيين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسرعان ما اجتذب برنامجه الجديد العديد من العلماء البارزين، ومنهم روبرت ليس وجيري فودور وجيرولد كاتز وبول بوستال.
أصبحت مراجعة نعوم تشومسكي -سنة 1959- لكتاب ب. ف. سكينر -عميد المدرسة السلوكية الأمريكية- بعنوان «السلوك اللفظي» دحضًا قاطعًا للتفسيرات السلوكية لتعلم اللغة. بدءًا من منتصف الستينيات، بالتزامن مع نشر «جوانب نظرية بناء الجملة» عام 1965 و«اللغويات الديكارتية» عام 1966، اكتسب نهج تشومسكي في دراسة اللغة والعقل قبولًا أوسع بين علماء اللغة، رغم وجود العديد من الاختلافات النظرية فيما يخص النموذج اللغوي.
عُيّن تشومسكي أستاذًا متفرّغًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 1961، وشغل مقعد «فيراري ب. وارد» -مرتبة شرفية- في قسم اللغات الحديثة واللغويات عام 1966، وأستاذًا في المعهد عام 1976. وتقاعد محتفظًا بمنصب «أستاذ فخري» سنة 2002.
المصدر:ibelieveinsci