لأردنية روان العدوان تسرد حكايات بصرية "من عمق البادية"
لوحات الفنانة تكشف عن علاقة اتسمت بتعايش الإنسان الأول مع بيئته المحيطة وهذه الرسالة من أبرز الرسائل التي يحملها المعرض.
استحضار لموهبة الإنسان البدائي
عمّان – تنظم الفنانة الأردنية روان العدوان معرضها الفردي الجديد بعنوان “من وحي البادية”، وفيه لوحات تجريدية رمزية مستوحاة من النقوش والرسوم الصفائية المنتشرة في صحراء البادية الأردنية من ألف عام قبل الميلاد، وتحاكي فن النقش الذي ابتكره الإنسان البدائي.
وتسرد التشكيلية الأردنية سلسلة من الحكايات باستخدام اللون فوق القماش، مستلهمة النقوش القديمة والكتابات المسمارية والرسوم التي اكتُشفت فوق حجارة البازلت السوداء المنتشرة في الصحراء الأردنية، وبشكل خاص في منطقة الصفاوي التي كانت مأهولة بالسكان منذ خمس مئة سنة قبل الميلاد.
وتتخيل العدوان تفاصيل الحكاية فتصطحب المشاهد معها عابرةً بها الأزمان ومتيحةً للّقى الغامضة والساحرة أن تعود بتشكيلاتها وألوانها النابضة بالحياة لتتواصل مع متطلبات المعاصرة وإنسان القرن الحادي والعشرين.
وتقول روان عن معرضها “من وحي البادية” الذي يقام حاليًّا برابطة الفنانين التشكيليين بالأردن إن أعمالها الفنية تعبّر عن “روعة التراث الثقافي لبلاد الشام بلمسة معاصرة”، وإنها تدمج الواقع مع الخيال والذاكرة، لذا تهيمن على تلك الأعمال الألوانُ المستوحاة من الأرض؛ من البنّي وتدرجاته والأحمر والأزرق والذهبي الذي يعكس بخطوطه البسيطة الأملَ في المستقبل والتطلع إلى السلام والمحبة.
◙ كل عمل للفنانة التشكيلية في هذا المعرض في ثناياه قصة تتناول أحداثًا من حياة الإنسان البدوي
وتقدم العدوان التي تقيم في سويسرا 23 عملًا فنيًّا تتخذ الطابع التجريدي الرمزي، وهي تنهل من مفردات الحضارات القديمة ما يخدم أفكارها وما يناسب أسلوبها الفني من حيث توزيع الكتل على سطح اللوحة والانسجام اللوني وتوليف كل ذلك بروح فطرية وببساطة تحاكي بساطة التشكيل الأول لها حين نقشها إنسان ذلك العصر فوق حجارته الصلدة وتناقلتها الحضارات والأجيال.
وتعتمد العدوان – التي عملت في المتحف الأردني للآثار (2004 – 2007) – على إبراز مفردات التراث والبيئة المحيطة، وهذا ما يتجسد أيضًا في أعمالها الخزفية، إلى جانب لوحاتها المرسومة بألوان الأكريلك ومواد أخرى، ورسوماتها المنفذة من خلال برامج الكمبيوتر.
وتتسم أعمال الفنانة بالملمس الخشن الذي يحاكي روح السطوح الخشنة للصخور البازلتية السوداء، كما تتسم بمنح أشكال الحيوانات أبعادًا صوفية وروحانية؛ مثل الثيران التي ترتفع قرونها إلى الأعلى وتقف مع الإنسان جنبًا إلى جنب، والجِمال التي تبدو مشرئبة الأعناق وتتطلع نحو السماء، والحيوانات المحاطة بكتابات ورموز قديمة تبدو كما لو أنها حُفرت على سطح اللوحة بينما تُركت الأطراف التي تحدد حوافها بارزة ونافرة.
وتُظهر اللوحات قوة الحيوانات وتميزها بالطاقة والحركة، فنرى الغزلان تركض بحيوية، والخيول تتأهب لرحلة الصيد، والثيران تستعدّ للعمل، والجِمال والماعز والثعالب التي تتشكّل ضمن مجموعات كأنما هي في حالة رقص جماعي أو كأنها تؤدي أحد الطقوس التي فرضتها عليها سياقات العصر الذي تعيش فيه.
والملفت في لوحات العدوان، تَحقُّق التناغم والانسجام بين الإنسان والحيوان والطبيعة، كأن كل مكوِّن ضمن هذا الثالوث له دوره الذي يؤديه. وتكشف تلك اللوحات عن علاقة اتسمت بتعايش الإنسان الأول مع بيئته المحيطة، ولعل هذه الرسالة المبطنة من أبرز الرسائل التي يحملها المعرض.
وتولي العدوان في لوحاتها قيمة كبرى لرسومات الجمل، إذ قدمته بحالات وتشكيلات عدة وفي معظمها أحاطته بهالة من القداسة، وقد أرادت بذلك أن تدلل على قيمته؛ فهو رفيق الإنسان الأول لقطْع الصحارى، وهو من أكثر الحيوانات صبرًا وتحملًا وعطاءً، إلى جانب أن اسمه ارتبط بطريق الحرير القريبة من مكان اكتشاف الحجارة التاريخية المنقوشة التي تمثل مصدر إلهام الفنانة.
وترسم العدوان الجمل وهو في حالة من الحركة والاندفاع والحيوية، أو في وضعٍ من التأمل والتطلع إلى الأفق محاطًا بموتيفات لونية ذات دلالة على قيمته المعنوية ورمزيته الضاربة في عمق التاريخ وخاصة لدى البدو.
ويبرز في لوحات الفنانة رمز الدائرة التي تشير إلى استمرارية الحياة، فتحضر تلك الدائرة في رسم الشمس ساطعة الأنوار، وفي رسم نباتات الصبار ذات الخضرة الداكنة، وفي الغيوم التي تسبح في فضاء لوني متدرج ومبهر، وفي تشكيل الحجر نفسه، فهناك رسومات للصخور اتخذ أغلبها شكلًا يقارب الدائرة.
ويحمل كل عمل للفنانة في هذا المعرض في ثناياه قصة تتناول أحداثًا من حياة الإنسان البدوي، وتؤشر إلى أفراحه وأحزانه وراحته ومعاناته وسعيه لتطويع الصعاب وبلوغ حالة من التصالح مع نفسه ومع محيطه رغم ما فيه من قسوة وجفاف.
واستلهمت الفنانة أيضًا الخطوط الصفائية، وهي خطوط سهلة التكوين والتشكيل وتُقرأ من مختلف الاتجاهات، وتعدّ بذلك امتدادًا لخط المسند الجنوبي الذي وُجد في اليمن قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وهذا يشير إلى أن العدوان أرادت أن تكون أعمالها صلة وصل بين الحضارات القديمة والحياة العصرية، إذ أن البناء على ما تركه الأجداد في الماضي هو الطريق الصحيح للعيش بسلام في الحاضر والتطلع نحو المستقبل.
لوحات الفنانة تكشف عن علاقة اتسمت بتعايش الإنسان الأول مع بيئته المحيطة وهذه الرسالة من أبرز الرسائل التي يحملها المعرض.
استحضار لموهبة الإنسان البدائي
عمّان – تنظم الفنانة الأردنية روان العدوان معرضها الفردي الجديد بعنوان “من وحي البادية”، وفيه لوحات تجريدية رمزية مستوحاة من النقوش والرسوم الصفائية المنتشرة في صحراء البادية الأردنية من ألف عام قبل الميلاد، وتحاكي فن النقش الذي ابتكره الإنسان البدائي.
وتسرد التشكيلية الأردنية سلسلة من الحكايات باستخدام اللون فوق القماش، مستلهمة النقوش القديمة والكتابات المسمارية والرسوم التي اكتُشفت فوق حجارة البازلت السوداء المنتشرة في الصحراء الأردنية، وبشكل خاص في منطقة الصفاوي التي كانت مأهولة بالسكان منذ خمس مئة سنة قبل الميلاد.
وتتخيل العدوان تفاصيل الحكاية فتصطحب المشاهد معها عابرةً بها الأزمان ومتيحةً للّقى الغامضة والساحرة أن تعود بتشكيلاتها وألوانها النابضة بالحياة لتتواصل مع متطلبات المعاصرة وإنسان القرن الحادي والعشرين.
وتقول روان عن معرضها “من وحي البادية” الذي يقام حاليًّا برابطة الفنانين التشكيليين بالأردن إن أعمالها الفنية تعبّر عن “روعة التراث الثقافي لبلاد الشام بلمسة معاصرة”، وإنها تدمج الواقع مع الخيال والذاكرة، لذا تهيمن على تلك الأعمال الألوانُ المستوحاة من الأرض؛ من البنّي وتدرجاته والأحمر والأزرق والذهبي الذي يعكس بخطوطه البسيطة الأملَ في المستقبل والتطلع إلى السلام والمحبة.
◙ كل عمل للفنانة التشكيلية في هذا المعرض في ثناياه قصة تتناول أحداثًا من حياة الإنسان البدوي
وتقدم العدوان التي تقيم في سويسرا 23 عملًا فنيًّا تتخذ الطابع التجريدي الرمزي، وهي تنهل من مفردات الحضارات القديمة ما يخدم أفكارها وما يناسب أسلوبها الفني من حيث توزيع الكتل على سطح اللوحة والانسجام اللوني وتوليف كل ذلك بروح فطرية وببساطة تحاكي بساطة التشكيل الأول لها حين نقشها إنسان ذلك العصر فوق حجارته الصلدة وتناقلتها الحضارات والأجيال.
وتعتمد العدوان – التي عملت في المتحف الأردني للآثار (2004 – 2007) – على إبراز مفردات التراث والبيئة المحيطة، وهذا ما يتجسد أيضًا في أعمالها الخزفية، إلى جانب لوحاتها المرسومة بألوان الأكريلك ومواد أخرى، ورسوماتها المنفذة من خلال برامج الكمبيوتر.
وتتسم أعمال الفنانة بالملمس الخشن الذي يحاكي روح السطوح الخشنة للصخور البازلتية السوداء، كما تتسم بمنح أشكال الحيوانات أبعادًا صوفية وروحانية؛ مثل الثيران التي ترتفع قرونها إلى الأعلى وتقف مع الإنسان جنبًا إلى جنب، والجِمال التي تبدو مشرئبة الأعناق وتتطلع نحو السماء، والحيوانات المحاطة بكتابات ورموز قديمة تبدو كما لو أنها حُفرت على سطح اللوحة بينما تُركت الأطراف التي تحدد حوافها بارزة ونافرة.
وتُظهر اللوحات قوة الحيوانات وتميزها بالطاقة والحركة، فنرى الغزلان تركض بحيوية، والخيول تتأهب لرحلة الصيد، والثيران تستعدّ للعمل، والجِمال والماعز والثعالب التي تتشكّل ضمن مجموعات كأنما هي في حالة رقص جماعي أو كأنها تؤدي أحد الطقوس التي فرضتها عليها سياقات العصر الذي تعيش فيه.
والملفت في لوحات العدوان، تَحقُّق التناغم والانسجام بين الإنسان والحيوان والطبيعة، كأن كل مكوِّن ضمن هذا الثالوث له دوره الذي يؤديه. وتكشف تلك اللوحات عن علاقة اتسمت بتعايش الإنسان الأول مع بيئته المحيطة، ولعل هذه الرسالة المبطنة من أبرز الرسائل التي يحملها المعرض.
وتولي العدوان في لوحاتها قيمة كبرى لرسومات الجمل، إذ قدمته بحالات وتشكيلات عدة وفي معظمها أحاطته بهالة من القداسة، وقد أرادت بذلك أن تدلل على قيمته؛ فهو رفيق الإنسان الأول لقطْع الصحارى، وهو من أكثر الحيوانات صبرًا وتحملًا وعطاءً، إلى جانب أن اسمه ارتبط بطريق الحرير القريبة من مكان اكتشاف الحجارة التاريخية المنقوشة التي تمثل مصدر إلهام الفنانة.
وترسم العدوان الجمل وهو في حالة من الحركة والاندفاع والحيوية، أو في وضعٍ من التأمل والتطلع إلى الأفق محاطًا بموتيفات لونية ذات دلالة على قيمته المعنوية ورمزيته الضاربة في عمق التاريخ وخاصة لدى البدو.
ويبرز في لوحات الفنانة رمز الدائرة التي تشير إلى استمرارية الحياة، فتحضر تلك الدائرة في رسم الشمس ساطعة الأنوار، وفي رسم نباتات الصبار ذات الخضرة الداكنة، وفي الغيوم التي تسبح في فضاء لوني متدرج ومبهر، وفي تشكيل الحجر نفسه، فهناك رسومات للصخور اتخذ أغلبها شكلًا يقارب الدائرة.
ويحمل كل عمل للفنانة في هذا المعرض في ثناياه قصة تتناول أحداثًا من حياة الإنسان البدوي، وتؤشر إلى أفراحه وأحزانه وراحته ومعاناته وسعيه لتطويع الصعاب وبلوغ حالة من التصالح مع نفسه ومع محيطه رغم ما فيه من قسوة وجفاف.
واستلهمت الفنانة أيضًا الخطوط الصفائية، وهي خطوط سهلة التكوين والتشكيل وتُقرأ من مختلف الاتجاهات، وتعدّ بذلك امتدادًا لخط المسند الجنوبي الذي وُجد في اليمن قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وهذا يشير إلى أن العدوان أرادت أن تكون أعمالها صلة وصل بين الحضارات القديمة والحياة العصرية، إذ أن البناء على ما تركه الأجداد في الماضي هو الطريق الصحيح للعيش بسلام في الحاضر والتطلع نحو المستقبل.