النحات "مفيد بدوي": النحت فضاء تحكمه مقدرة المبدع
- علاء الجمّال
السويداء
«النحت.. فضاء تشكيلي تحكمه مقدرة المبدع في الكشف عن مكنون النفس الحامل لاتجاهات إبداعية مختلفة اختزنت من الرؤية المباشرة لعوالم الطبيعة ومخزونها الكوني العميق، وحكايات التاريخ المتناقلة في القصص الشعبية والموثقة في المؤلفات والسير..».
هذا ما بدأه النحات "مفيد بدوي" في حديثه لموقع eSuweda عن الإلهام والمتخيل في النحت وذلك بعد أن زرناه في منزله ببلدة "ملح" مكان مولده ونشأته، وأضاف: «عندما تبدأ التراكمات الفكرية بالتحرر تحرض العقل على الفعل فتبدأ مرحلة البحث عن سبل تشكيلها في مادة ملموسة ومنحها الأبعاد الحسّية التي تصل إلى الذاكرة المتأمل وتشعره بغاية المبدع من وجود التكوين وفكرة العمل عليه، فيتحول المخزون إلى عمل نحتي أو لوحة زيتية أو مؤلف أدبي، وهنا تبدأ خبايا النفس في التحرر والتمحور حول أفق الفنان في تصوره واكتشافه».
من الصعب أن نحول الموت إلى حياة جديدة، وأن نبدع من القدم واقعاً ملموساً.. هذا ما فعله النحات "مفيد بدوي" في اختراق الحجر الأصم واختزاله إلى ولادات أخرى فيها روح الشكل المتخيل القائم على أسلوب رمزي يحمل العديد من الدلالات والرموز. لقد جمعت منحوتاته جوانب حياتية استطاعت أن تحرك العاطفة وتخترق السائد المعروف
توسعت اتجاهات النحت في الوسط المحلي السوري، وبات لكل فنان شخصيته وأسلوبه، من حيث اختبار الخامة والتجريب عليها لتحرير المحتوى الفكري من تراكماته وإطلاق أفقه التخيلي، هنا اختار النحات "بدوي" خامة "البازلت" الحجر الصخري الأسود، ليعمل على تحويرها وفق ما ارتأته تصوراته، بدأ ينتقي أحداثاً من التاريخ ويرصد الشكل الواقعي في الطبيعة ثم يختزل مخزونه بشكل فطري عفوي إلى أعمال فنية نحتية أخذت مكانتها وشخصيتها، وباتت مقصداً للرؤية واستقراء القصة التي حملت أبعادها.
رأس يوحنا المعمدان
حول هذا الجانب أوضح "بدوي" رحلته مع النحت قائلاً: «نتيجة تأثري بمنطقتنا الجبلية وطبيعتها الملأى بالغرائب قررت العمل في النحت وكان ذلك عام 1988، واخترت خامة "البازلت" كمادة للتشكيل، ولكونها تعدّ من أصعب أنواع الخامات من حيث العمل فهي تحتاج إلى صبر ودراية في التعامل مع مواضع الحجر وملمسه، وخلال المواظبة على التجريب تحدد مساري الأسلوبي وصقلت موهبتي أكثر، وازداد بحثي في تناول المعارف الموجودة في المنطقة، أدرسها وأختار منها موضوعاً للتكوين فتارة يكون واقعياً تعبيرياً وتارة أخرى رمزياً».
وأضاف: «جذبتني في البدء أصناف الطيور النادرة وأبرزها الطير الحر، "الصقر" فكانت محور تجريب في عملي النحتي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القضية الإنسانية، بما تضم من ملاحم وأحداث. نفذت خلال الأعوام السابقة أعمالاً أضافت إلى حاضري مسارات تخيلية مفتوحة منها: عملان إيحائيان يمثلان سرير بنت عبد الملك الموجود في "شهبا"، ورأس النبي "يوحنا المعمدان" الموضوع في إناء، وأعمال أخرى دلالاتها حالات إنسانية مقتبسة من الواقع والأسطورة»، موضحاً أن أداة العمل لديه عبارة عن مطرقة لا يتجاوز وزنها 300 غرام، بعيداً عن الأدوات الحديثة في النحت.
وبعد السؤال عن أعماله، قال السيد "نايف الحسن" المتذوق للفن التشكيلي: «من الصعب أن نحول الموت إلى حياة جديدة، وأن نبدع من القدم واقعاً ملموساً.. هذا ما فعله النحات "مفيد بدوي" في اختراق الحجر الأصم واختزاله إلى ولادات أخرى فيها روح الشكل المتخيل القائم على أسلوب رمزي يحمل العديد من الدلالات والرموز. لقد جمعت منحوتاته جوانب حياتية استطاعت أن تحرك العاطفة وتخترق السائد المعروف».
وقال الفنان التشكيلي السوري "جمال العباس": «البازلت خامة استودعتها كل الحضارات أسرارها، والوحيد المكتشف لها هو النحات، إذ استطاع الإغراق بأبعادها والبحث حولها منذ القدم وحتى عصرنا الراهن، وهنا سرني ما رأيت من أعمال النحات "مفيد بدوي" من حيث تشكيل الخامة وتحويرها بهذه الصور الجمالية التي تعكس شغف هذا الفنان في تجاوز الصعب وخلق الإبداع الفطري على الرغم من أدوات علمه البسيطة».
أقام "بدوي" خلال رحلته الفنية معرضاً في بلدة "المزرعة" عام 2003، ومعرضاًَ آخر عام 2004 في بلدة "ملح"، وحققت أعماله نجاحاً على الصعيد المحلي، كما حصل على شهادة تقدير من المركز الثقافي العربي في "السويداء".