"رولا أبو صالح".. ريشة مثقلة بهموم الطفولة
دمشق
الحسّ الطفولي الذي تمتلكه الفنانة التشكيلية "رولا أبو صالح" مكّنها من اللعب باحتراف كبير على سطح تلك المساحة البيضاء، فنجحت بطرح قضايا الأطفال ومعاناتهم ومشكلاتهم؛ رغبة منها بالتغيير والسعي نحو عالم أفضل، لتسمى "الملاك الحارس" تشكيلياً.
مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنانة التشكيلية "رولا أبو صالح" وعن مشوارها لتنمية موهبتها الفنية قالت: «ظهرت موهبة الرسم لدي منذ الطفولة، وأخذت حيّزاً كبيراً من حياتي، وتغلبت على معظم تفكيري، وكانت لعبتي المفضلة التي ألعب بها، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وما أذكره أنني كنت أرسم الثياب المعلقة على حبال الغسيل، وألبسها الشخصية التي أتخيلها بعفوية وصدق. بعمر 16 عاماً، بدأت العمل بمجال تصميم الجواهر؛ لأنها أقرب ما يمكن إلى الرسم، فجلّ همّي كان تنمية موهبة الرسم لديّ؛ وهذا ما دعم الخطوط عندي وجعلها أكثر دقة، وعندما بلغت الثامنة عشرة تمنيت أن أدخل كلية الفنون الجميلة، لكن علاماتي لم تسعفني، فتقدمت إلى معهد "أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية"، وتمّ قبولي بعد أن اجتزت مسابقة القبول، وحينئذٍ تعرّفت إلى المدارس الفنية المختلفة والتكنيك الخاص بكل مدرسة مع الاحتفاظ بأسلوب خاص بي، فأنا أمسك رأس الخيط، ثم أبحث وأتعمق بنفسي؛ فالرسم عندي لا يعتمد اتباع مدرسة معينة، وإنما هو عبارة عن كتلة من الأحاسيس والمشاعر والأحلام المخبأة، وما عليّ إلا أن أغوص وأخرجها إلى السطح عندما يحين الوقت وتنضج الفكرة. تخرّجت في المعهد عام 2007، وبدأت رسم اللوحات الجدارية الخاصة برسومات الأطفال، التي هي عبارة عن سلسلة من الرسومات التي تحكي قصة واحدة».
وعن اهتمامها بقضايا الأطفال وإظهار معاناتهم وإبراز مشكلاتهم بريشتها التي تتنقل على السطح الأبيض من دون جهد أو عناء بفضل مخزونها الفكري الجاهز للتنفيذ، قالت: «هناك مجموعة من التساؤلات التي تدور في ذهني منذ أن كنت طفلة، وما زلت أعمل على حلّها؛ فالطفل الصغير الذي تعلم إخفاء مشاعره يعيش بداخلي ويرغب بالخروج واللعب بعفوية، ولهذا ما إن أمسك ريشتي المثقلة بهموم ومشكلات الطفولة المفقودة والمشوهة المدعومة بمخزون الأفكار والمشاعر والتراكمات التي عشتها ورأيتها، أرسم واقعاً مشوهاً وغير كامل، فمازلت أرى أطفالاً مسروقة أقدارهم ومحملين بمشاعر القلق والحزن؛ وهو ما يجعلهم يعيشون واقعاً مكبّلاً بتجارب الكبار، ومقيّداً بطوق التكرار والتقليد، وعبّرت عنه في أكثر من عمل، فأنا أرسم أطفالاً حقيقيين من الواقع، ثم أعمل على التفاصيل لإبراز مثل هذه الحالات وأستعين بالألوان، فالألوان أداة تعبير قوية».
من أعمالها مع الفنان التشكيلي عادل كامل
وعن معرضها الأخير الذي رفضت أن تضع له عنواناً حتى تترك خيال المتلقي يلعب مع هذه الطفولة المحرومة من أدنى حقوقها، فبرأيها معظم لوحاتها تحاكي الطفل المثقل بالهموم والقلق، والمتوتر الباحث عن شعاع أمل، وأضافت: «بما أن اللعب هو الطريقة الوحيدة التي تضمن للطفل أن يفرّغ رغباته، أردت أن أعبّر بذات الطريقة، فمن خلال لعب هؤلاء الأطفال مع الحياة نرى الآثار السلبية والأطواق الحديدية التي فرضت حولهم. حوى المعرض 13 لوحة مشغولة بألوان الأكريليك على "كانفاس" والألوان الزيتية لإضفاء الواقعية، ومعظم اللوحات تصوّر الطفولة المشوهة التي كان لنا دور في تشويهها، وأتت الحرب وقضت على آمالهم وأحلامهم؛ وهذا ظهر من خلال توظيفي للون والمساحات اللونية وحركات الأطفال المتعبة والمشوهة».
الفنان التشكيلي "غازي عانا" تحدث عن أعمال "أبو صالح" بالقول: «اسم مغمور بالحركة التشكيلية، لكنه حقّق حضوراً مميّزاً في معرضها الفردي الأخير، وهي فنانة اجتازت امتحان المواجهة مع المتلقي، ونجاحها في الدفاع عن لوحتها من خلال الدهشة الأولى التي رسمتها على وجوه معظم الحضور، وهذا برأيي سيعزّز لديها الثقة بمقدراتها وبامتلاك أدواتها والمادة التي تشتغل عليها بطريقة جيدة، وهذه الخطوة الأولى الصحيحة التي ستحدّد معالم شخصية فنية قادمة بمعرفة وخبرة اكتسبتها بالاجتهاد والممارسة».
من أعمالها في معرضها الفردي الأخير
وأضاف: «فاجأتني باشتغالها مثلما فاجأت الكثيرين غيري من المهتمين من حيث اهتمامها بالجانب التقني، الذي بدا واضحاً من خلال استخدامها أكثر من صياغة ووسيلة لإظهار جماليات التصوير لديها، الذي اقتصر كموضوع على التشخيص، معتمدة على الأطفال كأبطال في لوحاتها، وهم يتنقلون من كادر إلى آخر بحيوية الحضور في كل مرة بشكل مختلف، وفي جميع الحالات أظهرت الفنانة تمكّناً بالرسم وقدرة على إدارة المشهد والتحكم بمساراته بتقنية عالية. قدمت في معرضها الشخصي الأول مقترحاً جمالياً جديراً بالاهتمام والمتابعة، من حيث اهتمامها بإغناء سطح اللوحة بمؤثرات بصرية لافتة، من خلال توضع طبقات من اللون، و"كشطها" وإظهار بعض المستويات الأولى من التحضير والبناء عليها من جديد، وما لفتني أيضاً في هذا الشأن تميّز الفنانة باستخدامها للأسود والأبيض، ومهاراتها باستحضار خامة كل مادة بشكل مدهش إلى درجة الخداع البصري».
وقد وصفها الفنان التشكيلي "عادل كامل" بالملاك الحارس لأطفال "سورية" تشكيلياً، وتابع عن المعرض الفردي لها بالقول: «تمتلك روحاً استثنائية بالتعاطي مع موضوع الطفل؛ انطلاقاً من حرصها على الطفل ومسؤوليتها تجاهه، فهي ترسمه بكل محبة؛ فالعملية ليست عملية نسخ أو تصوير فوتوغرافي، وإنما هي عملية إحساس بالواقع الأليم لطفولة معذّبة ومشوّهة، وخاصة في ظلّ هذه الظروف الراهنة والصعبة. كل متلقٍّ للعمل الفني كنص بصري يراه بطريقته؛ هناك عدد من أعمالها جعلتني أندهش وأقف أمامها مطولاً، فقد استطاعت أن تدمّر الواقع وتدخل مساحات لونية بطريقة التجريد مع الحفاظ على كثير من الواقعية، وهناك حداثة في أعمالها الأخيرة، وأبهرتني بالحرفية في طرحها للمشكلات، وفاجأتني بنقلاتها النوعية، حيث بدأت بواقعية حرفية، وتصاعدت تصاعداً هائلاً وأدخلت اللون، واستخدمت المساحات اللونية بحرفية متجهة نحو التجريد، وهذا المزج المفاجئ والمدهش ليس من السهل الوصول إليه إلا من قبل فنان متمكّن من أدواته ومسيطر على أحاسيسه، فهي تعمل وتفكر بآن معاً؛ فمعروف أن الفنان بمجرد أن يضع أول إجراء على المساحة اللونية، فإنه يساهم في خلق المشكلات، والفنانة "رولا" تسعى إلى حلّ هذه المشكلات بحلول تصاعدية؛ وهو ما يمنعها من المراوحة في ذات المكان».
يذكر أنّ "رولا أبو صالح" من مواليد "الجولان" عام 1982، وشاركت في أكثر معرض جماعي، وقدمت معرضها الفردي الأول بتاريخ 30 أيار 2017.
- منال حسن غانم
دمشق
الحسّ الطفولي الذي تمتلكه الفنانة التشكيلية "رولا أبو صالح" مكّنها من اللعب باحتراف كبير على سطح تلك المساحة البيضاء، فنجحت بطرح قضايا الأطفال ومعاناتهم ومشكلاتهم؛ رغبة منها بالتغيير والسعي نحو عالم أفضل، لتسمى "الملاك الحارس" تشكيلياً.
مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنانة التشكيلية "رولا أبو صالح" وعن مشوارها لتنمية موهبتها الفنية قالت: «ظهرت موهبة الرسم لدي منذ الطفولة، وأخذت حيّزاً كبيراً من حياتي، وتغلبت على معظم تفكيري، وكانت لعبتي المفضلة التي ألعب بها، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وما أذكره أنني كنت أرسم الثياب المعلقة على حبال الغسيل، وألبسها الشخصية التي أتخيلها بعفوية وصدق. بعمر 16 عاماً، بدأت العمل بمجال تصميم الجواهر؛ لأنها أقرب ما يمكن إلى الرسم، فجلّ همّي كان تنمية موهبة الرسم لديّ؛ وهذا ما دعم الخطوط عندي وجعلها أكثر دقة، وعندما بلغت الثامنة عشرة تمنيت أن أدخل كلية الفنون الجميلة، لكن علاماتي لم تسعفني، فتقدمت إلى معهد "أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية"، وتمّ قبولي بعد أن اجتزت مسابقة القبول، وحينئذٍ تعرّفت إلى المدارس الفنية المختلفة والتكنيك الخاص بكل مدرسة مع الاحتفاظ بأسلوب خاص بي، فأنا أمسك رأس الخيط، ثم أبحث وأتعمق بنفسي؛ فالرسم عندي لا يعتمد اتباع مدرسة معينة، وإنما هو عبارة عن كتلة من الأحاسيس والمشاعر والأحلام المخبأة، وما عليّ إلا أن أغوص وأخرجها إلى السطح عندما يحين الوقت وتنضج الفكرة. تخرّجت في المعهد عام 2007، وبدأت رسم اللوحات الجدارية الخاصة برسومات الأطفال، التي هي عبارة عن سلسلة من الرسومات التي تحكي قصة واحدة».
اسم مغمور بالحركة التشكيلية، لكنه حقّق حضوراً مميّزاً في معرضها الفردي الأخير، وهي فنانة اجتازت امتحان المواجهة مع المتلقي، ونجاحها في الدفاع عن لوحتها من خلال الدهشة الأولى التي رسمتها على وجوه معظم الحضور، وهذا برأيي سيعزّز لديها الثقة بمقدراتها وبامتلاك أدواتها والمادة التي تشتغل عليها بطريقة جيدة، وهذه الخطوة الأولى الصحيحة التي ستحدّد معالم شخصية فنية قادمة بمعرفة وخبرة اكتسبتها بالاجتهاد والممارسة
وعن اهتمامها بقضايا الأطفال وإظهار معاناتهم وإبراز مشكلاتهم بريشتها التي تتنقل على السطح الأبيض من دون جهد أو عناء بفضل مخزونها الفكري الجاهز للتنفيذ، قالت: «هناك مجموعة من التساؤلات التي تدور في ذهني منذ أن كنت طفلة، وما زلت أعمل على حلّها؛ فالطفل الصغير الذي تعلم إخفاء مشاعره يعيش بداخلي ويرغب بالخروج واللعب بعفوية، ولهذا ما إن أمسك ريشتي المثقلة بهموم ومشكلات الطفولة المفقودة والمشوهة المدعومة بمخزون الأفكار والمشاعر والتراكمات التي عشتها ورأيتها، أرسم واقعاً مشوهاً وغير كامل، فمازلت أرى أطفالاً مسروقة أقدارهم ومحملين بمشاعر القلق والحزن؛ وهو ما يجعلهم يعيشون واقعاً مكبّلاً بتجارب الكبار، ومقيّداً بطوق التكرار والتقليد، وعبّرت عنه في أكثر من عمل، فأنا أرسم أطفالاً حقيقيين من الواقع، ثم أعمل على التفاصيل لإبراز مثل هذه الحالات وأستعين بالألوان، فالألوان أداة تعبير قوية».
من أعمالها مع الفنان التشكيلي عادل كامل
وعن معرضها الأخير الذي رفضت أن تضع له عنواناً حتى تترك خيال المتلقي يلعب مع هذه الطفولة المحرومة من أدنى حقوقها، فبرأيها معظم لوحاتها تحاكي الطفل المثقل بالهموم والقلق، والمتوتر الباحث عن شعاع أمل، وأضافت: «بما أن اللعب هو الطريقة الوحيدة التي تضمن للطفل أن يفرّغ رغباته، أردت أن أعبّر بذات الطريقة، فمن خلال لعب هؤلاء الأطفال مع الحياة نرى الآثار السلبية والأطواق الحديدية التي فرضت حولهم. حوى المعرض 13 لوحة مشغولة بألوان الأكريليك على "كانفاس" والألوان الزيتية لإضفاء الواقعية، ومعظم اللوحات تصوّر الطفولة المشوهة التي كان لنا دور في تشويهها، وأتت الحرب وقضت على آمالهم وأحلامهم؛ وهذا ظهر من خلال توظيفي للون والمساحات اللونية وحركات الأطفال المتعبة والمشوهة».
الفنان التشكيلي "غازي عانا" تحدث عن أعمال "أبو صالح" بالقول: «اسم مغمور بالحركة التشكيلية، لكنه حقّق حضوراً مميّزاً في معرضها الفردي الأخير، وهي فنانة اجتازت امتحان المواجهة مع المتلقي، ونجاحها في الدفاع عن لوحتها من خلال الدهشة الأولى التي رسمتها على وجوه معظم الحضور، وهذا برأيي سيعزّز لديها الثقة بمقدراتها وبامتلاك أدواتها والمادة التي تشتغل عليها بطريقة جيدة، وهذه الخطوة الأولى الصحيحة التي ستحدّد معالم شخصية فنية قادمة بمعرفة وخبرة اكتسبتها بالاجتهاد والممارسة».
من أعمالها في معرضها الفردي الأخير
وأضاف: «فاجأتني باشتغالها مثلما فاجأت الكثيرين غيري من المهتمين من حيث اهتمامها بالجانب التقني، الذي بدا واضحاً من خلال استخدامها أكثر من صياغة ووسيلة لإظهار جماليات التصوير لديها، الذي اقتصر كموضوع على التشخيص، معتمدة على الأطفال كأبطال في لوحاتها، وهم يتنقلون من كادر إلى آخر بحيوية الحضور في كل مرة بشكل مختلف، وفي جميع الحالات أظهرت الفنانة تمكّناً بالرسم وقدرة على إدارة المشهد والتحكم بمساراته بتقنية عالية. قدمت في معرضها الشخصي الأول مقترحاً جمالياً جديراً بالاهتمام والمتابعة، من حيث اهتمامها بإغناء سطح اللوحة بمؤثرات بصرية لافتة، من خلال توضع طبقات من اللون، و"كشطها" وإظهار بعض المستويات الأولى من التحضير والبناء عليها من جديد، وما لفتني أيضاً في هذا الشأن تميّز الفنانة باستخدامها للأسود والأبيض، ومهاراتها باستحضار خامة كل مادة بشكل مدهش إلى درجة الخداع البصري».
وقد وصفها الفنان التشكيلي "عادل كامل" بالملاك الحارس لأطفال "سورية" تشكيلياً، وتابع عن المعرض الفردي لها بالقول: «تمتلك روحاً استثنائية بالتعاطي مع موضوع الطفل؛ انطلاقاً من حرصها على الطفل ومسؤوليتها تجاهه، فهي ترسمه بكل محبة؛ فالعملية ليست عملية نسخ أو تصوير فوتوغرافي، وإنما هي عملية إحساس بالواقع الأليم لطفولة معذّبة ومشوّهة، وخاصة في ظلّ هذه الظروف الراهنة والصعبة. كل متلقٍّ للعمل الفني كنص بصري يراه بطريقته؛ هناك عدد من أعمالها جعلتني أندهش وأقف أمامها مطولاً، فقد استطاعت أن تدمّر الواقع وتدخل مساحات لونية بطريقة التجريد مع الحفاظ على كثير من الواقعية، وهناك حداثة في أعمالها الأخيرة، وأبهرتني بالحرفية في طرحها للمشكلات، وفاجأتني بنقلاتها النوعية، حيث بدأت بواقعية حرفية، وتصاعدت تصاعداً هائلاً وأدخلت اللون، واستخدمت المساحات اللونية بحرفية متجهة نحو التجريد، وهذا المزج المفاجئ والمدهش ليس من السهل الوصول إليه إلا من قبل فنان متمكّن من أدواته ومسيطر على أحاسيسه، فهي تعمل وتفكر بآن معاً؛ فمعروف أن الفنان بمجرد أن يضع أول إجراء على المساحة اللونية، فإنه يساهم في خلق المشكلات، والفنانة "رولا" تسعى إلى حلّ هذه المشكلات بحلول تصاعدية؛ وهو ما يمنعها من المراوحة في ذات المكان».
يذكر أنّ "رولا أبو صالح" من مواليد "الجولان" عام 1982، وشاركت في أكثر معرض جماعي، وقدمت معرضها الفردي الأول بتاريخ 30 أيار 2017.