"أيمن السليم"..عوالم أسطورية بمجسمات ولوحات فنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أيمن السليم"..عوالم أسطورية بمجسمات ولوحات فنية


    "أيمن السليم"..عوالم أسطورية بمجسمات ولوحات فنية
    • نجوى عبد العزيز محمود


    طرطوس
    شكّلت أعماله تناغماً بين ريشته وأزميله كقصيدة حب لأجواء الماضي والحاضر في آن واحد، فأنتجت أنامله لوحات تحاكي الأساطير والحضارات القديمة ومنحوتات متنوعة من الروليف ومجسمات نحتية بأحجام متنوعة تبهر الأبصار، وحصدت جوائز عدة.

    امتلك الفنان "أيمن سليم" أسلوباً فريداً في صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة بلوحاته، حيث اعتمد على إظهار تقنيته بطريقة مغايرة جسدت عوالم الأحلام والرؤى الخيالية والأسطورية بطريقة جمالية تستعيد تقنية المقدرة الواقعية على إبراز تدرجات الظل والنور، كما تأثر في بداياته بفناني عصر النهضة كـ"مايكل أنجلو" و"ليوناردو دافنشي"، فكانت لوحاته مدخلاً لاستشفاف جوهر الرسم الخيالي بغموضه وغرابة رسوماته وعلاماته ودلالاته الأسطورية، بالإضافة إلى تنوع التقنيات التي استخدمها بأعماله فرسم الفن الواقعي والكلاسيكي والانطباعي والتجريدي والتكعيبي والكاريكاتير، ثم اختص بالفن السوريالي الذي جسد معظم أعماله فيه، فاللوحة السوريالية حسب رأيه تحمل بين خطوطها فكراً مركباً فهي بسيطة وسهلة القراءة وغامضة وخفية بآن واحد، فهي من السهل الممتنع حسب رأيه، وإلى جانب إنتاجه للوحة الفنية حاملة الرؤى السوريالية، فهو يمارس النحت بتقنياته العدة وتشكيلاته المتنوعة سواء من حيث النوع والحجم.

    في حديثه لمدوّنة وطن يروي النحات "أيمن السليم" بدايته الفنية فيقول: «نشأت ضمن أسرة فنية فوالداي وأخوتي جميعهم فنانون، ما ساعد على تطوير موهبتي وتطوير حسي وذائقتي الفنية، فمنذ طفولتي بدأت الرسم بأقلام الرصاص وألوان الباستيل، والألوان المائية باحثاً في أعمالي عن أناقة الشكل متبعاً تقنية اللمسة المدروسة بتفاصيلها الدقيقة والأنيقة، فقد كنت أنظر إلى جوانب الحياة من منظور مختلف فجذبتني رسومات الفن الواقعي الكلاسيكي بتفاصيلها الدقيقة والصغيرة التي برأيي تدل على الموهبة منذ البداية، وخصوصاً أن الفنان فيها يبقى في تطور ملحوظ بأعماله وموهبته، ومنذ بداياتي كنت أبحث عن جوهر العلاقة المدروسة والمتوازنة بين العناصر والأشياء الموجودة في اللوحات الواقعية والكلاسيكية والسوريالية، وقد ساعدتني خبرتي التقنية التي اكتسبتها خلال سنواتي الطويلة في تطوير أعمالي وتجسيد نصب تذكارية وأعمال تراثية وشخصيات تاريخية مهمة، فقد قدمت مثلاً مجسماً للشيخ "صالح العلي" كرمز من رموز الثورة السورية، إضافة إلى توجهي نحو توصيف الحضارة والعراقة التي كانت منبعاً ينهل منه الجميع في المنطقة والعالم من خلال التشكيل الفني للمعبد الفينيقي في مدينة "عمريت" الأثرية، كما قدمت لوحات فسيفسائية اتخذت الواقع والرمز والتاريخ مدخلاً لتسجيل فن واقعي بروح محلية، فدمجت بين معطيات التاريخ السوري والحداثة، ومن خلالها تجاوزت الرؤية التقليدية في خطوات تجسيد العناصر والأشكال بصياغة فنية تنتمي إلى روح اللوحة الحديثة التي تحفظ خصوصيات التاريخ الحضاري المترسخ في الذاكرة والوجدان بآن واحد، فالرؤية الفنية التي قدمتها في تنويعاتها المتعددة هي دعوة صريحة للحفاظ على تراث قديم اكتسبته الأرض السورية خلال آلاف السنين، وقمت بعشرات الأعمال النحتية في "لبنان" وكان أهمها تمثال السيدة "مريم العذراء" بارتفاع ستة أمتار، فالفن ذوق وأخلاق وتواضع، فهو نوع من الرقي الاجتماعي والتنوع الفكري.


    من لوحاته الفنية

    وتابع: «على الفنان أن يدرس اللوحة بكل أبعادها دراسة عميقة بين الظل والنور وتكوين الكتلة والفراغ، وتعامل الكتلة مع الفراغ لخلق توازن العمل، فكلما اهتم الفنان بأدق التفاصيل كلما ازدادت جمالية وحرفية العمل الفني، فأنا أجسد مواضيعي برؤية فنية تستعيد تقنية المقدرة الواقعية على إبراز النسب وتدرجات الظل والنور والتفاصيل الصغيرة والدقيقة، فالعمل الواقعي الرصين هو منطلق الأداء التصويري والنحتي، فهو الحركة التصاعدية التي تناغم بين اللمسة الفنية والأخرى، كما أن أولى مراحل عمل المنحوتة تبدأ بالفكرة، فهناك أعمال تكون فكرتها وليدة اللحظة؛ ولكن تنفيذ العمل يحتاج إلى دراسة عميقة وتشريحية بالدرجة الأولى لخلق توازن بالعمل النحتي، فالتكوين مدروس بشكل دقيق للتعامل مع الكتلة والفراغ لإنجاز العمل النحتي بطريقة فنية مبتكرة، وكانت لي تجارب نحتية بمواد متنوعة كالطين والصلصال والجص والجبصين والريزين والبوليستر والحجر، كما أنني أنجزت العديد من المنحوتات بالروليف منها "عشاء السر الأخير" و" المنظر الطبيعي" وعمل روليف تحوير وغيرها.

    شارك الفنان "السليم" بالعديد من الملتقيات النحتية والمعارض داخل "سورية" وخارجها، ففي عام 1985 شارك بعدة معارض في "لندن"، وفي عام 1999 شارك بمعرض في "اليونان"، بالإضافة إلى المشاركات العديدة في "بيروت"، وعدة معارض فردية في المركز الثقافي الروسي "بدمشق" و"ثقافي المزة" و" اللاذقية" وحصد جوائز عدة بمشاركاته بأعمال نحتية منها تمثال الشيخ "صالح العلي" و"يوسف العظمة"، وحسب رأيه أن أهم شيء بالملتقيات النحتية أن يتم توزيع الأعمال المنجزة على شاطئ البحر والحدائق العامة لكي تغني الثقافة البصرية لدى الجمهور، كما أنه يرى أن تطور حضارات الشعوب يقاس بتطور الفن فيها.


    تمثال السيدة "مريم العذراء" بطول ستة أمتار في بيروت.

    الفنان والناقد التشكيلي "أديب مخزوم" تحدث لمدوّنة وطن عن أعمال الفنان "السليم" : «الفنان "أيمن السليم" يبحث في التقنيات التصويرية والنحتية التي تنفتح على فلسفة اللون في اللوحة وأبعاد الشكل الفراغي في المنحوتة، حيث التناغم والإيحاء والانفلات نحو الحلم والمطلق الباعث على التأمل في حديقة التشكيل الفني الآتي من تقنيات عصر النهضة وصولاً إلى الكلاسيكية الجديدة وواقعية القرن التاسع عشر، ولقد أظهر "أيمن" قدرة لافتة على صياغة التفاصيل الصغيرة والدقيقة التي يحبها وشكلت عودة إلى تقنيات الرسم الكلاسيكي.

    كما أن الرسم السوريالي الذي يمارسه يرتكز على تقنية الرسم الكلاسيكي لجهة التعمق بصياغة تشكيلات رصينة وعقلانية نراها ضمن تمثيلات فيها امرأة أو حيوان بكل التحديدات والتفاصيل الصغيرة والدقيقة أي بصورة بعيدة كل البعد عن منهج التبسيط، فإلى جانب إنتاجه للوحة الفنية الحاملة مظاهر الرؤى السوريالية، فهو يمارس النحت، ويقدم منحوتات واقعية عبارة عن نماذج يمكن تنفيذها كأنصاب نحتية تحاور عيون الناس في الساحات والحدائق والأماكن العامة، وحين يعالج الوجوه المعبرة كوجه المجاهد "صالح العلي" والشهيد "يوسف العظمة" والمجاهد "أحمد مريود" يقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية في قسمات الوجه، وهو أيضاً حين يجسد بعض القادة والشخصيات التاريخية الوطنية، فإنه يزيد من حرارة إيمان المشاهد بصلابة الإنسان العربي وبقدرته على دحر العدوان، وهذا يزيد من عاطفة التعلق بالوطن والإيمان بالبطل المنتظر، كما أنه كان منذ البداية متوحداً مع الطبيعة، حين كان يشرد بنظره في السهول القريبة، وكان والده يصطحبه معه في جولاته ويشجعه على الرسم، وقد شكلت الرموز الطفولية الأولى لمشاهدة الأشياء مجمل الهواجس الغامضة والخفية في تصوير سحر الرؤى الخرافية وأشكال الطيور والعصافير والفراشات والرموز الطفولية الأخرى، فالأشكال السوريالية في لوحاته شكلت عودة إلى أجواء ميثولوجية سحرية شرقية، حين كان الإنسان البدائي في الشرق السوري القديم يختصر معاني الحياة والوجود برؤى أسطورية خرافية، وهذا الانفتاح على الأشكال الغرائبية هو الذي جعله يذهب إلى تخييل شكلي يصل بالحركة البصرية إلى بهلوانية غريبة، وبالتكوينات إلى أسطورية تتهافت بصورة سحرية على سطح اللوحة بطريقة فنية تبهر الأبصار.


    من أعماله بالروليف

    الجدير بالذكر أنّ الفنان "أيمن السليم" مواليد "حمص" عام 1962 مقيم في "طرطوس".

يعمل...
X