"جوني يعقوب".. بحّار الخط العربي
- فريد موسى
الحسكة
على جدران أحلام الطفولة حفر عشقه وحبه للخط العربي؛ وعندما كان في عمر السابعة رسم طموحاته المشروعة لنقش اسمه بين كبار الخطاطين.
ففي طفولته المبكرة التي عاشها في "بيروت" كان "جوني يعقوب" يقف مطوّلاً أمام واجهات المحال التجارية متأملاً بكل حواسه الحروف العربية وأشكالها وطريقة تدوينها؛ يقول لموقع "eHasakeh" بتاريخ 28/12/2011: «تلك كانت إشارةً لموهبتي المبكرة ومدى تعلّقي بهذا الفن الراقي الذي يضفي على شخصية الفنان شيئاً من الالتزام والاحترام لفنه النبيل؛ كنت دائماً أتمعّن في العناوين العريضة المدونة أعلى صفحات الجرائد، كثيراً ما رسمت في مخيلتي أشكال الحروف التي كنت قد اطلعتُ عليها وأتفنّن بها بأسلوبي الخاص».
فضّلتُ مهنة الخط على متابعة الدراسة ولم أحصل إلا على الكفاءة، عملت في العديد من المطابع وتفنّنت في رسم عناوين الكتب والمجلات؛ وبفضل ذلك أتقنت تخطيط الأحرف اللاتينية والسريانية وحتى الحروف الصينية
استطاع "جوني يعقوب" من مواليد "القامشلي" عام /1946/م الحصول على ريشةٍ صغيرة تناسب أصابعه؛ وبدأ يرسم أحلامه بكل الحروف على أوراقٍ بيضاء؛ وبعد عودته من "بيروت" إلى "القامشلي" كان قد أتمّ العاشرة من عمره جاء وهو مثقّلٌ بأمانيه التي جلبها من الغربة؛ يقول: «أدركت مبكراً بأنه عليّ الاجتهاد والبحث عن الجديد في عالم الخط؛ لذلك أصبح جلّ وقتي للتدريب على رسم الحروف بكل أحجامها وأشكالها منها الفارسي والكوفي والثلث والديواني؛ حتى بات بمقدوري كتابة أي نوعٍ من الخطوط بكل سهولة دون أن يكون لي معلم».
من الخط الكوفي
ما ساعد "جوني" وصقل موهبته هو تفرّغه أثناء خدمته الإلزامية في مجال الكتابة؛ ليبدأ مرحلة جديدة في غمار الخط وأضاف إليها الرسم أيضاً؛ يقول: «كنتُ محظوظاً عندما اختاروني كخطاطٍ ورسامٍ بآنٍ واحد في الثكنة العسكرية التي أمضيتُ فيها أكثر من عامين متتاليين؛ هناك بدأت بدايةً أخرى مختلفة عن أيام الصبا، وبات لدي الوقت الكافي للتدريب على الخط والرسم معاً».
ويضيف: «بعد انتهاء خدمتي الإلزامية عام /1968/م حصلت على أول فرصة عمل في "القامشلي" كرسام في سينما "حداد" لتخطيط ورسم إعلانات آخر عروض السينما بأجرٍ شهري لا يتعدى /35/ ليرة سورية؛ بقيت كذلك حتى عَرَضَ عليّ مالك السينما افتتاح محلٍ خاص بالرسم والخط للعمل في تصميم الآرمات واللافتات؛ كان ذلك العرض المغري بمثابة الخطوة الأولى على طريق الشهرة والنجاح».
كيفية رسم حرف الخط الفارسي
ويتابع: «عندما امتهنت مهنة الخط وتصميم اللافتات لم يكن يوجد في مدينة "القامشلي" سوى اثنين من الخطاطين والعمل كان يعتمد على براعة الخطاط في رسم صورة الحرف ومدى التفنّن بأنواع الخطوط، لكن في الوقت الراهن ازداد أعداد مصممي الإعلانات دون أن يكون لدى هذا المصمم أو ذاك أدنى فكرة عن الخط العربي وأنواعه وكيفية كتابة الحرف بدقة؛ لأن الحاسوب حلّ جميع تلك المعضلات بكل سهولة، ومع ذلك تبقى الكتابة باليد متعتها الخاصة، من أجل هذا فإن جمالية الخط تزداد عندما يمنح الخطاط من روحه وإحساسه لما يكتبه بخلاف كتابته على الشيء الجامد، وحتّى نحافظ على رونق الخط العربي من الضروري الاستغناء عن الكتابة في الحاسوب لمن يرغب في النجاح».
لم يتعلم "جوني" على يد أحد من الخطاطين؛ بل بذل جهداً كبيراً واجتهد وبحث دائماً عن الجديد حتى على حساب مستقبله التعليمي؛ لكنه بالنهاية حقّق حلمه وأصبح أحد أقدم الخطاطين في مدينة "القامشلي" يقول: «فضّلتُ مهنة الخط على متابعة الدراسة ولم أحصل إلا على الكفاءة، عملت في العديد من المطابع وتفنّنت في رسم عناوين الكتب والمجلات؛ وبفضل ذلك أتقنت تخطيط الأحرف اللاتينية والسريانية وحتى الحروف الصينية».
لوحة للسيد جوني تمثّل "مار جرجس"
ويختم حديثه بالقول: «منحت خبرتي فيما بعد لعدد كبير من الشباب ولم أبخل عليهم بشيء وأصبحوا فيما بعد خطاطين ماهرين في "القامشلي" وبعضهم هاجر إلى دولٍ أوروبية لمزاولة مهنتهم هناك؛ أما أنا فيكفيني فخراً أنني اليوم بتّ أقدم خطاط في المدينة».
يقول عنه الخطاط "وحيد عمر": «أكثر من نصف الآرمات الموجودة في "القامشلي" هي من تصميم "جوني" وهذا الأمر يدركه جميع أبناء المدينة؛ له باع طويل في الرسم والخط العربي ولا يستخدم الحاسوب حتى هذه اللحظة لأنه يعتبره تشويهاً لشكل الحرف؛ علّم العديد من الخطاطين أصول المهنة».