وُلِد ماركو بولو عام 1245 في مدينة فينيسيا الإيطالية (البندقية)، وتوفي في الثامن من يناير عام 1324 في نفس المدينة. هو تاجر ومغامر من البندقية، سافر من أوروبا إلى آسيا بين عامي 1271-1295، وأقام في الصين مدة 17 عامًا من تلك السنوات، كتابه (The Million) والمترجم تحت عنوان «رحلات ماركو بولو» هو كتاب كلاسيكي في أدب الترحال والسفر.
رحلات عائلة بولو:
ساعدته جهود عائلته الرائدة في مجال السفر والترحال على المضي بالطريق ذاته، وكان الفضل في ذلك لوالده نيكولو وعمه مافيو. تاجرت العائلة مع الشرق الأوسط لزمن طويل، وجمعت من ذلك ثروةً وكسبت هيبةً معتبرة. لا نعلم على وجه اليقين إذا كانت عائلة بولو تُعَدُّ من العائلات النبيلة؛ فلم يكن لتك المسألة أهمية كبيرة في مدينة تحتفي بالعادات والتقاليد الشعبية وتهتم بالتجارة مثل البندقية.
تمتعت عائلة بولو بالذكاء والفطنة وبعد النظر والشجاعة؛ فقد تنبؤوا بحدوث تغيُّر سياسي في القسطنطينية نحو عام 1260، فقد خُلِع الصليبيون عن عرش المدينة ممثلين بمايكل الثامن باليوجولوس الذي حكمها منذ عام 1240 حتى عام 1261، ولذلك تخلصوا من جميع عقاراتهم وملكياتهم هناك واستثمروا رأس مالهم بالمجوهرات وانطلقوا صوب نهر الفولغا حيث يحكم الخان بيرك الأراضي الغربية من الإمبراطورية المغولية وأقاموا في سراي (بلغاريا).
أقامت عائلة بولو علاقات جيدة في بلاط بيرك؛ واتضح ذلك من قدرتهم على مضاعفة أصولهم وأموالهم. وعندما منعتهم الأحداث السياسية من العودة إلى البندقية؛ سافروا شرقًا إلى مدينة بخارى وانتهت رحلتهم عام 1265 في مقر الإقامة الخان العظيم الصيفي شانغدو، الذي خلَّده الشاعر سامويل تايلور كوليردج باسم Xanadu.
عادت العائلة أخيرًا إلى أوروبا بوصفهم سفراء للخان قوبلاي العظيم بعد أن أقاموا علاقات جيدة معه حاملين رسائل إلى الحبر الأعظم تطلب منه إرسال مئة رجل عبقري وذوي معرفة واطلاع بالفنون السبعة (هناك أنواع وتقسيمات عديدة للفنون السبعة، أشهرها: هندسة العمارة والنحت والرسم والأدب والموسيقى والتمثيل ورواية القصص). حملت العائلة معها في رحلة عودتها إلى أوروبا الهدايا، وطلب الخان منهم أن يحضروا له زيتًا من المصباح المشتعل في كنيسة القيامة في القدس.
رحلة ماركو بولو إلى آسيا:
لا نعرف سوى القليل عن سنيّ ماركو الأولى باستثناء نشأته في البندقية. كان ماركو في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة عندما عاد والده وعمه للقائه وليعرفا أن البابا كليمونت الرابع قد توفي مؤخرًا.
بقي نيكولو ومافيو في البندقية يترقبان نتائج انتخابات حبرٍ أعظم جديد، ولكن بعد سنتين من الانتظار غادر الاثنان يرافقهما ماركو إلى بلاط الإمبراطورية المغولية. وأثناء وجودهم في مدينة عكا، أعطاهم مندوب البابا تيوبالدو من بياتشينزا رسائل ليوصلوها إلى الإمبراطور المغولي. وبعد أيام قليلة وفيما كانت عائلة بولو تتابع رحلتها، تناهى إلى مسامعهم أن صديقهم تيوبالدو قد انتُخِب حبرًا أعظم بلقب غريغوري العاشر، فعادوا إلى عكا وحصلوا على أوراق اعتماد ديبلوماسية وعُيِّن رهبان لمرافقتهم مع أنهما تركا عائلة بولو بفترة قصيرة بعد استئناف رحلتهم.
من عكا تابع المسافرون رحلتهم إلى إياس، ليازو مثلما دوَّنها بولو في كتاباته، وتُسَمى الآن يومارتاليك وتقع في خليج إسكندورنة في جنوب تركيا. ربما مرَّت عائلة بولو عبر أرضروم التي تقع حاليًا شرقي تركيا وتبريز التي تقع الآن شمالي إيران أوائل عام 1272. ولاحقًا عبرت صحراء قاحلة مليئة باللصوص وقطَّاع الطرق قبل أن تصل إلى هرمز على الخليج العربي. وهناك قررت عائلة بولو عدم المخاطرة بالسفر بحرًا إلى الهند وما بعدها، وارتأوا -بدلًا من ذلك- السفر برًا إلى عاصمة الإمبراطورية المغولية.
بعد ذلك أكملوا رحلتهم عبر صحاري جافة قاحلة صوب إقليم خراسان الذي يقع حاليًا شرقي إيران، والتفوا بالتدريج نحو الشمال الشرقي حتى وصلوا إلى أراضٍ أكثر عمرة بالحياة والناس في بادخشان في أفغانستان. وهناك بالتحديد فرح المسافرون واقترح ماركو أن يبقوا هناك لسنة إثر انتشار مرض-قد يكون الملاريا- أعاق مسيرهم وانتهى بفضل مناخ المنطقة المعتدل.
يُعتقَد أن ماركو قد زار أراضي في الجنوب (أجزاء أخرى من أفغانستان، مثل: كافرستان في هندو كوش، وشيترال التي تُسمَى باكستان في وقتنا الحاضر، وربما زار كشمير أيضًا). في أثناء تلك الفترة من الصعب -على أي حال- تحديد المناطق التي اجتازها ماركو وزارها والمناطق التي وصفها بناءً على معلومات جمعها على الطريق.
تابعت عائلة بولو رحلتها بعد مغادرتهم بادخشان واتجهوا إلى جبال بامير، لكن يبقى الطريق الذي سلكوه عبر هذه الأراضي المرتفعة في آسيا الوسطى مجهولًا.
وصلت العائلة إلى كاشي بعد أن هبطت من الجانب الشمالي الشرقي من السلسلة، وكاشي هي حاليًا منطقة الإيغور المتمتعة بالحكم الذاتي في الصين ضمن إقليم شيجيانغ. وعند هذه النقطة كانت عائلة بولو تسير على طريق الحرير الرئيسي ويحتمل أنهم تابعوا طريقهم على طول الواحات إلى الجنوب والشرق من صحراء تاكلاماكان-ياركانات وهوتان (كوتان) وشيرسان ولوب نور (بحيرة لوب). وقد أفضت نقاط العبور والمداخل هذه إلى منطقة شازو على حدود الصين وتُسمَى حاليًا دونهوانغ.
قبل وصولهم إلى شازو، كانت عائلة بولو قد مرَّت في أسفارها بشعوب مسلمة، وقابلوا أيضًا جماعات من المسيحيين النساطرة*، والبوذيين والمانويين*، والزرادشتيين*. ووجدوا في إقليم غانسو الكبير -الذي سماه بولو تانغت- حضارة مختلفة جوهريًا عن محيطها؛ إذ يعتنق أفرادها الديانة البوذية ضمن ثقافة صينية سائدة بينهم.
توقف المسافرون في شازو وقانتشو (حاليًا جيوتشيوان) قبل دخولهم منطقة نينغشيا. وليس واضحًا إن كانوا قد وصلوا إلى العاصمة المغولية الصيفية شانغدو مباشرةً أو بعد سلوكهم التفافات وطرق أخرى؛ فعلى أية حال في عام 1275 (ووفقًا لبحث أجراه الباحث الياباني ماتسو أوتاغيفي كان العام 1274) حطت عائلة بولو رحالها مجددًا في البلاط المغولي حاملين معهم الزيت المقدس من القدس والرسائل البابوية إلى راعيهم قوبلاي خان.
هوامش:
رحلات عائلة بولو:
ساعدته جهود عائلته الرائدة في مجال السفر والترحال على المضي بالطريق ذاته، وكان الفضل في ذلك لوالده نيكولو وعمه مافيو. تاجرت العائلة مع الشرق الأوسط لزمن طويل، وجمعت من ذلك ثروةً وكسبت هيبةً معتبرة. لا نعلم على وجه اليقين إذا كانت عائلة بولو تُعَدُّ من العائلات النبيلة؛ فلم يكن لتك المسألة أهمية كبيرة في مدينة تحتفي بالعادات والتقاليد الشعبية وتهتم بالتجارة مثل البندقية.
تمتعت عائلة بولو بالذكاء والفطنة وبعد النظر والشجاعة؛ فقد تنبؤوا بحدوث تغيُّر سياسي في القسطنطينية نحو عام 1260، فقد خُلِع الصليبيون عن عرش المدينة ممثلين بمايكل الثامن باليوجولوس الذي حكمها منذ عام 1240 حتى عام 1261، ولذلك تخلصوا من جميع عقاراتهم وملكياتهم هناك واستثمروا رأس مالهم بالمجوهرات وانطلقوا صوب نهر الفولغا حيث يحكم الخان بيرك الأراضي الغربية من الإمبراطورية المغولية وأقاموا في سراي (بلغاريا).
أقامت عائلة بولو علاقات جيدة في بلاط بيرك؛ واتضح ذلك من قدرتهم على مضاعفة أصولهم وأموالهم. وعندما منعتهم الأحداث السياسية من العودة إلى البندقية؛ سافروا شرقًا إلى مدينة بخارى وانتهت رحلتهم عام 1265 في مقر الإقامة الخان العظيم الصيفي شانغدو، الذي خلَّده الشاعر سامويل تايلور كوليردج باسم Xanadu.
عادت العائلة أخيرًا إلى أوروبا بوصفهم سفراء للخان قوبلاي العظيم بعد أن أقاموا علاقات جيدة معه حاملين رسائل إلى الحبر الأعظم تطلب منه إرسال مئة رجل عبقري وذوي معرفة واطلاع بالفنون السبعة (هناك أنواع وتقسيمات عديدة للفنون السبعة، أشهرها: هندسة العمارة والنحت والرسم والأدب والموسيقى والتمثيل ورواية القصص). حملت العائلة معها في رحلة عودتها إلى أوروبا الهدايا، وطلب الخان منهم أن يحضروا له زيتًا من المصباح المشتعل في كنيسة القيامة في القدس.
رحلة ماركو بولو إلى آسيا:
لا نعرف سوى القليل عن سنيّ ماركو الأولى باستثناء نشأته في البندقية. كان ماركو في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة عندما عاد والده وعمه للقائه وليعرفا أن البابا كليمونت الرابع قد توفي مؤخرًا.
بقي نيكولو ومافيو في البندقية يترقبان نتائج انتخابات حبرٍ أعظم جديد، ولكن بعد سنتين من الانتظار غادر الاثنان يرافقهما ماركو إلى بلاط الإمبراطورية المغولية. وأثناء وجودهم في مدينة عكا، أعطاهم مندوب البابا تيوبالدو من بياتشينزا رسائل ليوصلوها إلى الإمبراطور المغولي. وبعد أيام قليلة وفيما كانت عائلة بولو تتابع رحلتها، تناهى إلى مسامعهم أن صديقهم تيوبالدو قد انتُخِب حبرًا أعظم بلقب غريغوري العاشر، فعادوا إلى عكا وحصلوا على أوراق اعتماد ديبلوماسية وعُيِّن رهبان لمرافقتهم مع أنهما تركا عائلة بولو بفترة قصيرة بعد استئناف رحلتهم.
من عكا تابع المسافرون رحلتهم إلى إياس، ليازو مثلما دوَّنها بولو في كتاباته، وتُسَمى الآن يومارتاليك وتقع في خليج إسكندورنة في جنوب تركيا. ربما مرَّت عائلة بولو عبر أرضروم التي تقع حاليًا شرقي تركيا وتبريز التي تقع الآن شمالي إيران أوائل عام 1272. ولاحقًا عبرت صحراء قاحلة مليئة باللصوص وقطَّاع الطرق قبل أن تصل إلى هرمز على الخليج العربي. وهناك قررت عائلة بولو عدم المخاطرة بالسفر بحرًا إلى الهند وما بعدها، وارتأوا -بدلًا من ذلك- السفر برًا إلى عاصمة الإمبراطورية المغولية.
بعد ذلك أكملوا رحلتهم عبر صحاري جافة قاحلة صوب إقليم خراسان الذي يقع حاليًا شرقي إيران، والتفوا بالتدريج نحو الشمال الشرقي حتى وصلوا إلى أراضٍ أكثر عمرة بالحياة والناس في بادخشان في أفغانستان. وهناك بالتحديد فرح المسافرون واقترح ماركو أن يبقوا هناك لسنة إثر انتشار مرض-قد يكون الملاريا- أعاق مسيرهم وانتهى بفضل مناخ المنطقة المعتدل.
يُعتقَد أن ماركو قد زار أراضي في الجنوب (أجزاء أخرى من أفغانستان، مثل: كافرستان في هندو كوش، وشيترال التي تُسمَى باكستان في وقتنا الحاضر، وربما زار كشمير أيضًا). في أثناء تلك الفترة من الصعب -على أي حال- تحديد المناطق التي اجتازها ماركو وزارها والمناطق التي وصفها بناءً على معلومات جمعها على الطريق.
تابعت عائلة بولو رحلتها بعد مغادرتهم بادخشان واتجهوا إلى جبال بامير، لكن يبقى الطريق الذي سلكوه عبر هذه الأراضي المرتفعة في آسيا الوسطى مجهولًا.
وصلت العائلة إلى كاشي بعد أن هبطت من الجانب الشمالي الشرقي من السلسلة، وكاشي هي حاليًا منطقة الإيغور المتمتعة بالحكم الذاتي في الصين ضمن إقليم شيجيانغ. وعند هذه النقطة كانت عائلة بولو تسير على طريق الحرير الرئيسي ويحتمل أنهم تابعوا طريقهم على طول الواحات إلى الجنوب والشرق من صحراء تاكلاماكان-ياركانات وهوتان (كوتان) وشيرسان ولوب نور (بحيرة لوب). وقد أفضت نقاط العبور والمداخل هذه إلى منطقة شازو على حدود الصين وتُسمَى حاليًا دونهوانغ.
قبل وصولهم إلى شازو، كانت عائلة بولو قد مرَّت في أسفارها بشعوب مسلمة، وقابلوا أيضًا جماعات من المسيحيين النساطرة*، والبوذيين والمانويين*، والزرادشتيين*. ووجدوا في إقليم غانسو الكبير -الذي سماه بولو تانغت- حضارة مختلفة جوهريًا عن محيطها؛ إذ يعتنق أفرادها الديانة البوذية ضمن ثقافة صينية سائدة بينهم.
توقف المسافرون في شازو وقانتشو (حاليًا جيوتشيوان) قبل دخولهم منطقة نينغشيا. وليس واضحًا إن كانوا قد وصلوا إلى العاصمة المغولية الصيفية شانغدو مباشرةً أو بعد سلوكهم التفافات وطرق أخرى؛ فعلى أية حال في عام 1275 (ووفقًا لبحث أجراه الباحث الياباني ماتسو أوتاغيفي كان العام 1274) حطت عائلة بولو رحالها مجددًا في البلاط المغولي حاملين معهم الزيت المقدس من القدس والرسائل البابوية إلى راعيهم قوبلاي خان.
هوامش:
- النسطورية: طائفة مسيحية يعود أصلها إلى آسيا الصغرى وسوريا. أُسِسَّت هذه الطائفة على تأكيدها على استقلالية الإله والطبيعة البشرية للمسيح مقترحة أنهما شخصان متحدان برباط غير محكم.
- الزرادشتية: ديانة نشأت قبل الإسلام في إيران وتمكنت من المحافظة على وجودها في مناطق معزولة ومناطق أكثر غنى في الهند حيث يُعرَف المنحدرون من المهاجرين الإيرانيين بلقب بارسي (شخص يعتنق هذه الديانة).
- المانوية: حركة دينية مزدوجة أسسها شخص يُدعَى ماني وكان يُعرَف باسم «رسول النور» و«الضوء السامي» في بلاد فارس في الألفية الثالثة بعد الميلاد. ومع إن المانوية كانت تُعَدُّ منذ زمن بعيد هرطقة مسيحية، إلا أنها كانت ديانة في حد ذاتها؛ بسبب تماسك عقائدها وصلابة بنيتها ومؤسساتها. وحافظت طوال تاريخها على وحدة وهيئة فريدة.