جان دوبوفيه والفن الخام
الرسم بالنسبة إلى دوبوفيه كان رسالة مزدوجة الهدف
فن جان دوبوفيه نداء حميمي إلى الروح
يُقام في مركز باربيكان بلندن معرض استعادي للرسام الفرنسي جان دوبوفيه (1901 – 1985). هذا الرسام الذي أقام أول معرض له وهو في الثالثة والأربعين من عمره كان له موقف مضاد لكل الجماليات التي انتهى إليها الرسم في الغرب.
ذلك ما يسّر له الولوج إلى عالم غرائبي مادته الطفولة والجنون وسواهما من الأوضاع الإنسانية المهمشة التي لا تتحكّم بالمركز، ولا تملك القوة التي تؤهلها للسيطرة على الوضع البشري.
كان يقول “لم أعد أعتبر التأليف بين الألوان ودمجها من أجل نيل إعجاب المُشاهد عملا نبيلا. ولو كان الرسم مرتكزا على مثل هذا التأليف لما أضعت وقتي في مثل هذا النشاط”، ذاك موقف مناقض لمبدأ الشعور بالراحة الذي ينطوي عليه مفهوم الجمال في مختلف العصور.
وهو ما دفع الرسام إلى استعمال الطين والفحم والحصى والإسمنت والإسفنج والشحم والصحف القديمة والرمل والقطران والخشب موادَّ بديلة لمواد الرسم التقليدية.
ما بين عامي 1947 و1949 سافر دوبوفيه ثلاث مرات إلى الصحراء الجزائرية، حيث استلهم من جمال الطبيعة هناك ما سدّد خطاه في الوصول إلى طريقته الخاصة في الرسم أو ما سُمي بالفن الخام.
ذلك المفهوم الذي هو مزيج من السلوك التقني والموقف الاجتماعي المستند في أساسه إلى رؤية ثقافية وسياسية رافضة لكل المسلمات التي تحصر الفن في إطار التعامل مع مواد فنية بعينها من أجل الوصول إلى نتائج بصرية مريحة من جهة، ومن جهة أخرى توجيه الفن إلى فئات اجتماعية معينة وحصره بها واحتكاره من قبلها وحرمان فئات اجتماعية أخرى منه.
PreviousNext
كان الرسم بالنسبة إلى دوبوفيه رسالة مزدوجة الهدف. فهو ضدّ الفن كما تعلّمه المدارس وتتبنّاه النظريات الجمالية، وهو في الوقت نفسه ضدّ التقسيمات التعسفيّة التي تضع المهمشين في قائمة الميؤوس منهم ثقافيا والمحرومين من المشاركة في تفكيك عناصر البنية الاجتماعية وإعادة تركيبها.
فن دوبوفيه نداء حميمي إلى الروح قبل أن يكون خطابا بصريا موجها إلى العين. وهو في ذلك يهبنا فرصة للتعرّف على مواقع وصل إليها الخيال البشري من غير أن تكون جزءا من الخارطة الاجتماعية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فاروق يوسف
كاتب عراقي
الرسم بالنسبة إلى دوبوفيه كان رسالة مزدوجة الهدف
فن جان دوبوفيه نداء حميمي إلى الروح
يُقام في مركز باربيكان بلندن معرض استعادي للرسام الفرنسي جان دوبوفيه (1901 – 1985). هذا الرسام الذي أقام أول معرض له وهو في الثالثة والأربعين من عمره كان له موقف مضاد لكل الجماليات التي انتهى إليها الرسم في الغرب.
ذلك ما يسّر له الولوج إلى عالم غرائبي مادته الطفولة والجنون وسواهما من الأوضاع الإنسانية المهمشة التي لا تتحكّم بالمركز، ولا تملك القوة التي تؤهلها للسيطرة على الوضع البشري.
كان يقول “لم أعد أعتبر التأليف بين الألوان ودمجها من أجل نيل إعجاب المُشاهد عملا نبيلا. ولو كان الرسم مرتكزا على مثل هذا التأليف لما أضعت وقتي في مثل هذا النشاط”، ذاك موقف مناقض لمبدأ الشعور بالراحة الذي ينطوي عليه مفهوم الجمال في مختلف العصور.
وهو ما دفع الرسام إلى استعمال الطين والفحم والحصى والإسمنت والإسفنج والشحم والصحف القديمة والرمل والقطران والخشب موادَّ بديلة لمواد الرسم التقليدية.
ما بين عامي 1947 و1949 سافر دوبوفيه ثلاث مرات إلى الصحراء الجزائرية، حيث استلهم من جمال الطبيعة هناك ما سدّد خطاه في الوصول إلى طريقته الخاصة في الرسم أو ما سُمي بالفن الخام.
ذلك المفهوم الذي هو مزيج من السلوك التقني والموقف الاجتماعي المستند في أساسه إلى رؤية ثقافية وسياسية رافضة لكل المسلمات التي تحصر الفن في إطار التعامل مع مواد فنية بعينها من أجل الوصول إلى نتائج بصرية مريحة من جهة، ومن جهة أخرى توجيه الفن إلى فئات اجتماعية معينة وحصره بها واحتكاره من قبلها وحرمان فئات اجتماعية أخرى منه.
PreviousNext
كان الرسم بالنسبة إلى دوبوفيه رسالة مزدوجة الهدف. فهو ضدّ الفن كما تعلّمه المدارس وتتبنّاه النظريات الجمالية، وهو في الوقت نفسه ضدّ التقسيمات التعسفيّة التي تضع المهمشين في قائمة الميؤوس منهم ثقافيا والمحرومين من المشاركة في تفكيك عناصر البنية الاجتماعية وإعادة تركيبها.
فن دوبوفيه نداء حميمي إلى الروح قبل أن يكون خطابا بصريا موجها إلى العين. وهو في ذلك يهبنا فرصة للتعرّف على مواقع وصل إليها الخيال البشري من غير أن تكون جزءا من الخارطة الاجتماعية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فاروق يوسف
كاتب عراقي