إيتيل عدنان وضربات أجنحتها
فاروق يوسف
شاعرة ورسامة لم تسع إلى العالمية. كانت في طبعها كائنا عالميا. فهي سورية ولبنانية ويونانية وأميركية وفرنسية.
إيتيل عدنان عاشت حياتها باعتبارها نزهة بين الشعر والرسم
اخترقت إيتيل عدنان في وقت مبكّر من حياتها الحدود التي تفصل الثقافة العربية عن ثقافات العالم. وفي الوقت نفسه فإنها اخترقت الحدود التي تفصل بين الفنون الأدبية والفنون البصرية.
كانت شاعرة ورسامة في الوقت نفسه. الشعر والرسم بالنسبة إليها هما الشيء نفسه. كما كانت روائية. مسافرة بين اللغات لم تسع إلى العالمية. كانت في طبعها كائنا عالميا. فهي سورية ولبنانية ويونانية وأميركية وفرنسية.
كلما سألت عنها في باريس قيل لي إنها كانت هنا منذ بضعة أيام. ولا أدري لمَ علقت في ذهني فكرة أن إيتيل كانت ابنة باريس في ما تكتب وابنة كاليفورنيا في ما ترسم. ذلك ما يفرضه هواء رسومها، وقد رأيت لها غير مرة معرضا في غاليري سربنتين بلندن وفي متحف غوغنهايم بنيويورك. كما أن لغتها في النثر والشعر وهما الشيء نفسه تنبعث من قارة نقية الهواء. ما الذي يمكن أن نتنفّسه يا إيتيل إذا كان عطرك كل شيء؟
عاشت عدنان حتى بلغت السادسة والتسعين ولم تفقد ملامح الطفلة التي سكنت فصول حياتها. حين رأيتها آخر مرة كانت تقف بصعوبة. حدث ذلك في لندن قبل سنوات.
قبّلت يدها فنظرت إليّ مندهشة مثلما تفعل دائما. “لم نعد نلتقي”، قالت. ياه كم أنت حبيبة أيتها السيّدة الجليلة. لقد غمرتني برقتها في الوقت الذي كنت أخشى غروب ذاكرتها. سيكون عليّ دائما أن أتحدّث عن إيتيل باعتبارها كائنا عذبا. حين يلتقيها المرء يعرف ما معنى الكائن الجميل العذب.
كتبت ورسمت لكي تكون علاقتها بالعالم شفّافة كما هو الألم. عاشت إيتيل حياتها باعتبارها نزهة تجمع بين العذاب والشعر. تبدو رسومها على قدر هائل من البساطة. غير أنها البساطة المدهشة التي تقول كل شيء من غير تعقيد. غموضها المرهف يزيد من متعة النظر إليها.
رسمت مناظر مستلهمة من الطبيعة من غير أن تحاكيها. كان الإيحاء البصري هو ما تسعى إليه. كانت تضع يدها على أكثر المناطق حساسية.
عاشت إيتيل عدنان حياتها بعمق وكانت دائما ذلك الكائن الشفّاف الذي يمسّ مواقع الجمال بضربات جناحي طائر.