الرداءة هي الأكثر دائما
الفنون المعاصرة في حقيقتها بدأت من فكرة إعادة تأهيل الفن لكي يكون اجتماعيا.
ا
صور سيندي شيرمان تجمع في تفاصيلها الشعبي بالنخبوي
متى نتمكّن من وضع الفنون المعاصرة في موضعها الحقيقي؟ ذلك السؤال يتعلق بفنون التجهيز والتركيب والمفاهيم والأرض والحدث والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والأداء الجسدي وكل ما ليس له علاقة بفنون الحداثة البصرية التقليدية “الرسم والنحت والعمارة”.
لقد سُميت فنونا معاصرة في محاولة للإشارة إليها باعتبارها فنونا لعصرنا. وهي إشارة نقدية منحازة. غير أن لها دلالاتها على مستويات كثيرة في مقدّمتها إقبال المتاحف غير المسبوق على فنون لم تثبت بعد قدرتها على مقاومة الزمن.
فعلى سبيل المثال فإن مصوّرة مثل الأميركية سيندي شيرمان صار حضورها متحفيا منذ زمن ليس بالقصير. شخصيا رأيت لها معرضا كبيرا في ناشيونال غاليري بلندن منذ سنوات.
شيرمان (1954) هي وريثة المصوّرين الكبار بأفكارهم وتقنياتهم ورؤاهم وتمرّدهم على الصورة الجاهزة. كل صورها مصنوعة بمعنى أنها تؤلف الصورة ولا تكتفي بالتقاط ما تراه.
الصورة لديها تُرسم في المخيلة قبل أن تُرى في الواقع. لذلك امتلأ عالمها بالأقنعة. أقنعة تأريخية وأقنعة جنسية وأقنعة سياسية. وهي إذ تتمرّد على الواقع فإنها تعلن عن رغبتها في تحرير الفن من أي صلة بذلك الواقع.
شيرمان هي نموذج متقدّم لما انتهت إليه أحوال الفنون المعاصرة، وهي تسعى لأن تحتل مكانة محترمة في عالم الثقافة الذي يجمع بين ما هو شعبي وما هو نخبوي.
في حقيقتها فإن الفنون المعاصرة بدأت من فكرة إعادة تأهيل الفن لكي يكون اجتماعيا. المهمة التي سعى من أجل تثبيتها الفنان الألماني جوزيف بويز (1921 – 1986). وهي مهمة قد تقع بيسر في ما هو عادي ومبتذل وهامشي وغير جمالي. غير أنها لدى فنانين كبار مثل كارل أندريا (1935) تذهب إلى منافسة المستحيل. ذلك ما تفعله وهي تنافس الطبيعة في الذهاب إلى الجمال الصافي.
البريطاني ريتشارد لونغ (1945) في فن الأرض يفعل الشيء نفسه. متاهاته تفتح سؤالا لا جواب له. على الأقل في اللحظة الراهنة. سيكون علينا أن نتذكّر تلك الأسئلة قبل أن نحكم سلبيا على الفنون المعاصرة التي ربما يقع الكثيرون في سوء فهم قد يؤدّي بهم إلى رفضها. ما نحتاجه من أجل التعامل إيجابيا مع الفنون المعاصرة أن نتذكّر أن الرداءة كانت دائما هي الأكثر حضورا.
PreviousNext
فاروق يوسف
الفنون المعاصرة في حقيقتها بدأت من فكرة إعادة تأهيل الفن لكي يكون اجتماعيا.
ا
صور سيندي شيرمان تجمع في تفاصيلها الشعبي بالنخبوي
متى نتمكّن من وضع الفنون المعاصرة في موضعها الحقيقي؟ ذلك السؤال يتعلق بفنون التجهيز والتركيب والمفاهيم والأرض والحدث والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والأداء الجسدي وكل ما ليس له علاقة بفنون الحداثة البصرية التقليدية “الرسم والنحت والعمارة”.
لقد سُميت فنونا معاصرة في محاولة للإشارة إليها باعتبارها فنونا لعصرنا. وهي إشارة نقدية منحازة. غير أن لها دلالاتها على مستويات كثيرة في مقدّمتها إقبال المتاحف غير المسبوق على فنون لم تثبت بعد قدرتها على مقاومة الزمن.
فعلى سبيل المثال فإن مصوّرة مثل الأميركية سيندي شيرمان صار حضورها متحفيا منذ زمن ليس بالقصير. شخصيا رأيت لها معرضا كبيرا في ناشيونال غاليري بلندن منذ سنوات.
شيرمان (1954) هي وريثة المصوّرين الكبار بأفكارهم وتقنياتهم ورؤاهم وتمرّدهم على الصورة الجاهزة. كل صورها مصنوعة بمعنى أنها تؤلف الصورة ولا تكتفي بالتقاط ما تراه.
الصورة لديها تُرسم في المخيلة قبل أن تُرى في الواقع. لذلك امتلأ عالمها بالأقنعة. أقنعة تأريخية وأقنعة جنسية وأقنعة سياسية. وهي إذ تتمرّد على الواقع فإنها تعلن عن رغبتها في تحرير الفن من أي صلة بذلك الواقع.
شيرمان هي نموذج متقدّم لما انتهت إليه أحوال الفنون المعاصرة، وهي تسعى لأن تحتل مكانة محترمة في عالم الثقافة الذي يجمع بين ما هو شعبي وما هو نخبوي.
في حقيقتها فإن الفنون المعاصرة بدأت من فكرة إعادة تأهيل الفن لكي يكون اجتماعيا. المهمة التي سعى من أجل تثبيتها الفنان الألماني جوزيف بويز (1921 – 1986). وهي مهمة قد تقع بيسر في ما هو عادي ومبتذل وهامشي وغير جمالي. غير أنها لدى فنانين كبار مثل كارل أندريا (1935) تذهب إلى منافسة المستحيل. ذلك ما تفعله وهي تنافس الطبيعة في الذهاب إلى الجمال الصافي.
البريطاني ريتشارد لونغ (1945) في فن الأرض يفعل الشيء نفسه. متاهاته تفتح سؤالا لا جواب له. على الأقل في اللحظة الراهنة. سيكون علينا أن نتذكّر تلك الأسئلة قبل أن نحكم سلبيا على الفنون المعاصرة التي ربما يقع الكثيرون في سوء فهم قد يؤدّي بهم إلى رفضها. ما نحتاجه من أجل التعامل إيجابيا مع الفنون المعاصرة أن نتذكّر أن الرداءة كانت دائما هي الأكثر حضورا.
PreviousNext
فاروق يوسف