فريدريك دوغلاس هو عبد هارب أصبح ناشطًا بارزًا ومؤلفًا ومتحدثًا عامًا. غدا دوغلاس قائدًا للحركة المناهضة للاسترقاق التي سعت لإنهاء العبودية قبل الحرب الأهلية وفي أثنائها. وحتى بعد ذلك الصراع وإعلان تحرير العبيد عام 1862 واصل دوغلاس المطالبة بالمساواة وحقوق الإنسان حتى وفاته عام 1895.
تصف السيرة الذاتية لدوغلاس عام 1845 «فريدريك دوغلاس، سيرة عبد أمريكي» حياته عندما كان عاملًا مستعبَدًا في ولاية ماريلاند. تلك السيرة الذاتية واحدة من خمس سير ذاتية ألَّفها، إضافةً إلى عدد من الخطب البارزة، مع أنه بالكاد قد تلقى تعليمًا رسميًا.
استمر إرث دوغلاس بوصفه مؤيدًا لحقوق النساء، خاصةً حق التصويت. كان عمله إلهامًا لحركة الحقوق المدنية سنة 1960 وما بعدها.
نشأة دوغلاس
وُلِد دوغلاس في ظل العبودية نحو عام 1818 في مقاطعة تالبوت في ولاية ماريلاند، تاريخ ميلاده غير معروف بدقه حتى له شخصيًا.
كانت والدته تنحدر من سلالة الأمريكيين الأصليين، أما والده فقد كان من أصول أوروبية-إفريقية. كان اسمه عند الولادة فريدريك بيلي -كنية والدته- ولم يحمل اسم دوغلاس إلا بعد هروبه. اسمه الكامل عند ولادته كان فريدريك أغسطس واشنطن بيلي.
عاش دوغلاس فترةً مع جدته لأمه -بيتي بيلي- بعد انفصاله عن والدته عندما كان طفلًا، وفي عمر السادسة أُبعِد عن جدته أيضًا ليعيش ويعمل في مزرعة وي هاوس في ماريلاند.
أخذته لوكريشيا أولد، وأرسله زوجها توماس ليعمل مع أخيه هيو في بالتيمور. ينسب دوغلاس الفضل لزوجة هيو -صوفيا- في تعليمه الأبجدية.
علَّم دوغلاس نفسه القراءة والكتابة. وفي أثناء عمله لدى ويليام فريلاند، كان دوغلاس يعلِّم العبيد الآخرين القراءة مستخدمًا الإنجيل.
بعد انتشار خبر تعليم دوغلاس لرفاقه العبيد، استعاده توماس أولد ثم أرسله للعمل لدى إدوارد كوفي، الذي كان مزارعًا معروفًا بقسوته مع المستعبَدين، وكان يجلد الفتى دوغلاس -وعمره 16 عامًا- بوحشية.
هروبه من العبودية
بعد عدّة محاولات فاشلة للهرب، غادر دوغلاس أخيرًا مزرعة كوفي سنة 1838 على متن القطار المتجه إلى هارف دي غريس في ماريلاند. ثم سافر عبر ولاية ديلاوير -التي تسمح بالعبودية- قبل أن يصل إلى نيويورك، ثم إلى منزل دايفيد رغليس الآمن الذي كان مناهضًا للعبودية.
بعد أن استقرت أحوال دوغلاس في نيويورك أرسل في طلب آنا موري، وهي امرأة سوداء حرّة من بالتيمور قابلها حين كان عبدًا لدى عائلة أولد. انضمت آنا له وتزوجا في سبتمبر 1838 وأنجبا خمسة أطفال.
فريدريك من عبد إلى قائد للحركة المناهضة للعبودية
بعد زواجهما، انتقل الزوجان الشابان إلى نيو بيدفورد في ولاية ماساتشوستس، حيث قابلا ناثان وماري جونسون وهما زوجان أسودان وُلدا حرين. ألهمت عائلة جونسون الزوجين لحمل لقب دوغلاس تيمنًا بشخصية في قصيدة والتر سكوت «سيدة البحيرة».
في نيو بيدفورد باشر دوغلاس حضور اجتماعات الحركة المناهضة للرق، وفي أثنائها تعرف على كتابات الصحفي المناهض للعبودية ويليام لويد غاريسون.
تقابل الرجلان أخيرًا عندما طُلِب منهما الحديث في اجتماع مناهض للعبودية. تحدث دوغلاس عن قصة عبوديته وهروبه. وحث غاريسون دوغلاس وشجعه ليصبح من قادة الحركة المناهضة للعبودية.
سنة 1843 أصبح دوغلاس جزءًا من مشروع «الاتفاقيات المئة» التابع للجمعية الأمريكية المعادية للعبودية، الذي تضمن جولة لستة أشهر عبر الولايات المتحدة. اعتدى مناوئون للحركة المناهضة للعبودية على دوغلاس جسديًا في أثناء الجولة عدَّة مرات. وفي أحد تلك الاعتداءات القاسية في إنديانا كُسرَت ذراع دوغلاس، ولم تستعد يده حالتها الطبيعية قط.
سنة 1858 مكث المعارض للعبودية جون براون مع دوغلاس في روشيستر-نيويورك، إذ نوى الإغارة على مخزن ذخيرة تابع للجيش الأمريكي في عبَّارة هاربر.
تضمنت خطته أيضًا تأسيس معقل للعبيد المحررين في ماريلاند وفرجينيا. أُلقِي القبض على براون وشُنِق بتهمة التخطيط للهجوم وإدارته. وقال في كلمته الأخيرة: «إني متيقن تمامًا أن جرائم هذا البلد المذنب لن يطهرها سوى الدماء».
سيرة دوغلاس
بعد عامين نشر دوغلاس سيرته الذاتية الأولى الأشهر «سيرة عبد أمريكي: فريدريك دوغلاس». ألّف دوغلاس أيضًا «عبوديتي وحريتي» و«حياة فريدريك دوغلاس».
كتب دوغلاس: «منذ اللحظات الأولى التي ما زالت ذاكرتي تحفظها داومني شعور بالسلوى يروِّح عن نفسي وينبع من قناعة عميقة بأن هذه العبودية الكريهة لن تدوم. وفي أحلك ساعات حياتي لم يَزُل هذا الإيمان ولم يفارقني طيف الأمل، بل ظل مثل ملاك ينتظر إشارة مني ليواسيني ويخفف عني».
يشير دوغلاس إلى أن «العبودية عدو للطرفين، المستعبِد والمستعبَد».
فريدريك دوغلاس في أيرلندا وبريطانيا
سافر دوغلاس إلى أيرلندا وبريطانيا، حين كانت أيرلندا على أعتاب المراحل الأولى لمجاعة البطاطا الأيرلندية أو المجاعة العظيمة.
في تلك الرحلة تأثر دوغلاس بما شعر به من حرية نسبية مقارنةً بما قاساه بوصفه «ملونًا» في الولايات المتحدة. في أيرلندا قابل دوغلاس القومي دانييل أوكونول الذي سيغدو منارة إلهام لدوغلاس في عمله اللاحق.
في إنكلترا ألقى دوغلاس أحد أشهر خطاباته الذي سُمي خطبة استقبال لندن.
قال دوغلاس: «فيم نفكر عندما نرى أمة تتفاخر بحريتها وإنسانيتها وبديانتها المسيحية وحبها للعدالة والنقاء، ومع ذلك يوجد داخل حدودها 3 ملايين إنسان يحرمهم القانون حق الزواج؟ لست بصدد توضيح الأمر لكم بالحديث عن تجربتي، لكن أي شخص عاقل يدرك النتائج المروعة لمثل هذه الحالة».
صحيفة فريدريك دوغلاس
عندما عاد إلى الولايات المتحدة سنة 1847، باشر دوغلاس بالنشر في صحيفته المناهضة للعبودية «نجم الشمال»، وانخرط أيضًا في الحركة المؤيدة لحقوق النساء.
كان دوغلاس الأمريكي-الإفريقي الوحيد الذي حضر مؤتمر «سنيكا فول»، وهو اجتماع للناشطات النسويات في نيويورك سنة 1848.
تحدث دوغلاس في الاجتماع قائلًا: «لا يكرس إنكار حق المرأة في المشاركة في شؤون البلاد واقع الظلم فحسب، بل يعوق الحكومة ويحرمها من نصف القدرة الأخلاقية والفكرية أيضًا».
لاحقًا سيعمل دوغلاس على عرض قضايا حقوق النساء في صفحات نجم الشمال. وسيتغير اسم الصحيفة من نجم الشمال إلى صحيفة فريدريك دوغلاس سنة 1851. واصلت الصحيفة النشر حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1861.
أقوال فريدريك دوغلاس
سنة 1852 ألقى دوغلاس أحد خطاباته الشهيرة، الذي عُرف لاحقًا بـ «ماذا تعني ذكرى الرابع من يوليو لعبد؟».
قال دوغلاس: «ماذا تمثل ذكرى الرابع من يوليو لعبد؟ يكشف الرابع من يوليو للعبد أكثر مما تكشفه الأيام الأخرى، ففي هذا اليوم يتجسد الظلم والقسوة اللذان ما انفكا يجلدان المرء. احتفالكم هذا عار.
تباهيكم بحريتكم التي أسأتم استعمالها إثم كبير. عظمتكم الوطنية وغروركم المتضخم وأصواتكم المملوءة بالسعادة ما هي إلا أصوات خالية من الرحمة. شجبكم وإدانتكم للطغاة ليس إلا وقاحة وصفاقة. صرخاتكم المطالبة بالحرية والعدالة مزيفة وكاذبة.
صلواتكم وترانيمكم وخطبكم وأعيادكم ومواكبكم الدينية ماهي إلا شعارات رنانة ونفاق وخداع. الرابع من يوليو مجرد تغطية على جرائم كانت لتفضح هذه الأمة المتوحشة».
بحلول الذكرى 24 لإعلان تحرير العبيد عام 1886، ألقى دوغلاس خطبة مثيرة في العاصمة واشنطن قال فيها: «في بلد حيث يتنكر الجميع للعدالة لا يكون الفقر خيارًا، في بلد يسوده الجهل ويتمادى، وتشعر طبقة أن سائر المجتمع ما هو إلا مؤامرة منظمة لقمعها وسرقتها والحط من شأنها، في بلد حين تجتمع كل هذه الأمور لن يكون الأشخاص آمنين ولا الممتلكات».
فريدريك دوغلاس زمن الحرب الأهلية
في خضم الصراع الوحشي الذي قسّم الولايات المتحدة حديثة النشأة، واصل دوغلاس إلقاء الخطب والعمل بدأب لإنهاء العبودية ولضمان حق السود المحررين حديثًا في التصويت.
ورغم تأييد دوغلاس للرئيس أبراهام لينكولن في السنوات الأولى للحرب، سيختلف الاثنان بعد إعلان تحرير العبيد عام 1863 الذي قضى على العبودية، إذ شعر دوغلاس بخيبة الأمل لأن لينكولن لم يستخدم الإعلان ليمنح المحررين حق التصويت، خصوصًا أنهم قاتلو جنبًا إلى جنب مع الجنود لصالح جيش الاتحاد.
مع ذلك فإنهما قد تصالحا لاحقًا. وبعد اغتيال لينكولن عام 1865 وتمرير التعديلات 13 و14 و15 للدستور الأمريكي -التي أقرت إلغاء العبودية ومنح المستعبدين السابقين حق المواطنة والمساواة في ظل القانون ومنع التمييز العنصري فيما يتعلق بحق التصويت- طُلِب من دوغلاس الحديث بمناسبة افتتاح النصب التذكاري المخصص لإعلان التحرير في متنزه لينكولن في العاصمة واشنطن سنة 1876.
يذكر بعض المؤرخين أن أرملة لينكولن -ماري تود- منحت دوغلاس عصا لينكولن المفضلة بعد تلك الخطبة.
في حقبة إعادة الإعمار بعد الحرب شغل دوغلاس العديد من المناصب الرسمية، منها منصب سفير لدى جمهورية الدومنيكان، وهو أول رجل أسود يشغل منصبًا رفيعًا كهذا. واصل دوغلاس إلقاء الخطب وتأييد حقوق النساء الأمريكيات من أصل إفريقي.
في الانتخابات الرئاسية أيّد دوغلاس ترشيح الجنرال السابق في جيش الاتحاد أوليسيس س. غرانت لمنصب الرئاسة، إذ تعهد بمواجهة أعمال التمرد التي يقودها المنادون بتفوق العرق الأبيض في الجنوب فترة ما بعد الحرب. أشرف غرانت على تمرير قانون الحقوق المدنية عام 1871 بهدف حظر حركة كلو كلوكس كلان العنصرية النامية في الجنوب.
حياة فريدريك دوغلاس اللاحقة ووفاته
سنة 1877 التقى دوغلاس بتوماس أولد، الرجل الذي امتلكه ذات مرة، ويُقال أنهما قد تصالحا. توفيت آنا زوجة دوغلاس عام 1882، وتزوج بعدها الناشطة البيضاء هيلين بيتس عام 1884.
سنة 1888 أصبح أول أمريكي-إفريقي يُرشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة، إذ رُشح خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، لكن بنيامين هاريسون كان هو مرشح الحزب في النهاية.
ظل دوغلاس متحدثًا وكاتبًا وناشطًا حتى وفاته عام 1895. توفي متأثرًا بنوبة قلبية خلال عودته إلى المنزل من اجتماع لجمعية حقوق المرأة في العاصمة واشنطن. وما زال عمله مصدر إلهام للساعين إلى المساواة والعدل في المجتمع.
المصدر:ibelieveinsci