الفنان التشكيلي السوري عمار الشوا : لا حدود بين الفن والحياة
سوزان المحمود – الناس نيوز ::
=تحت عنوان “لا حدود بين الفن والحياة”، قدم الفنان التشكيلي السوري عمار الشوا معرضه الفردي الأخير في غاليري “عشتار” الدمشقية، بموضوع جديد وخاص حيث انتقى فكرة المركبات القديمة التي خرجت من خدمة الإنسان ورسمها بشغف الفنان الذي يقدر ويعي كل ما يحيط به، يمكن لمتابع عمل الفنان الشوا أن يلاحظ الانتقال بين المواضيع والثيمات التي يعمل عليها، من الرموز الأسطورية القديمة إلى الإنسان بكل قيمه الجمالية، إلى الطيور التي تعامل معها كرموز للخلود والتجدد إلى عناصر الفناء هنا، والتفتت في رصد حال السيارات القديمة المهترئة التي يتآكلها الصدأ، والمتروكة لقدرها في العراء المطلق، إلى المراكب المتهدمة التي ترخي ببدنها على شاطئ مهجور، إلى الجرارات الزراعية التي أنهت خدمتها للأرض وللإنسان، إنها الأشياء في نهاياتها، نرى آثار الإنسان ولا نراه، لكن ما شعر به زوار المعرض كان فيضاً من الحنين للماضي الأليف.
عمار الشوا فنان تشكيلي من مواليد دمشق 1970، درس الفن دراسة خاصة وارتاد مركز أدهم إسماعيل، قدم عدداً كبيراً من المعارض الفردية والمشتركة منذ أكثر من عشرين عاماً، وأعماله مقتناة في سوريا ودبي وإسبانيا وكندا ولبنان.
كان لـلناس نيوز الحوار التالي معه على هامش معرضه الأخير في غاليري عشتار:
س- أنت مراقب جيد للطبيعة في إحدى لوحاتك المعنونة بـ”العودة” عام 2014، كنت تترقب عودة السنونو، وفي معرضك الجديد نرى السيارات والمراكب الخرِبة في أماكنها الطبيعية، ما الذي تقدمه الطبيعة للفنان؟
نحن أبناء الطبيعة، هي الكل ونحن جزء منها، علينا أن نكون أبناؤها الخالدين. وهذا هو الفن إنه روح الطبيعة وسر تجددها الدائم، ليس هناك ما هو أهم من التماهي مع موسيقى الكون وعلاماته الموسيقية البصرية، الفنان يعرف جيداً أن الطبيعة هي المعلم الأول، لذلك عليه أن يجيد الإنصات إلى الموسيقى البصرية للطبيعة وللأشياء من حولنا. عندما يعود السنونو بعد غياب يحمل مع قدومه لوناً جديداً للعالم حولنا، إنه يرسم بجناحين، بريشة روحها اللون الأخضر الطازج، وينثر بعض الأحمر والبنفسج والأبيض هنا وهناك.. حتى الهواء يختلف طعمه ليصبح مليئاً بالحياة، كذلك السيارات أجدها فرحة بعودتها البطيئة، باسم الزمن إلى عناصر الطبيعة إنها تقول مستقبل ما، كما السنونو وكما نحن يجب أن نفهم الطبيعة.
س- ماهي مصادر إلهامك؟ وهل تعتقد أن المعرفة المتنوعة ضرورية للفنان؟
المعرفة تجعل الفنان أكثر خصوبة وأكثر مرونة في التعاطي مع مواضيعه وتوسع فضاء الابتكار والخلق عند الفنان. عندما نتعرف على ثقافات متنوعة من خلال القراءة والاطلاع على تاريخ وفنون وجمال حضارات بألوانها المختلفة.. تجدين أن الفنان يبدأ بالإحاطة بالزمان والمكان، ليبدأ بخلق فضاءات خاصة تعتمد عناصر متعددة من أزياء ونقوش وموسيقى وخطوط.. وفلكلور، هذا يغني النص البصري ليكون موسيقى كونية.
س- في أعمالك السابقة ما بين المسيح المتوج بالشوك والأسطورة كلوحة جلجامش في حانة سيدوري، إلى الطيور التي أخبرتنا مرة أنها ترمز للخلود في لوحات معارضك السابقة إلى السيارات التي غزاها الصدأ في معرضك الأخير، ما بين الخلود والفناء أين يكمن دور الفن؟
الفن في كل مكان عندما تولد زهرة صغيرة في أعالي الجبال، أو عندما يتدفق نبع في مكان ما في هذا العالم مشكلاً فضاءً جديداً من الحياة، كذلك الفنان يشبه النبع أو الغيمة أو الزهرة في أعالي الجبال، يجيد اللعب مع الزمن ويحول المكان إلى دفتر صغير بين يديه يلون العالم من خلاله، ويعزف موسيقى الوجود بريشة المعرفة، وتكون الطبيعة ممسكة بيده وترنم ألحانها من خلال قلبه.
س- ماهي التقنيات التي اعتمدتها في هذا المعرض؟
الزيت على القماش، هي المواد التي أفضلها للرسم، واعتقد أن الكون ابتدأ بهما بالنسبة لي، فهما مليئان بالروح وبأنفاس الطبيعة.
س- هل يمكن للفن أن يكون مخلصاً للروح الإنسانية؟
اعتقد جازماً أن للفن دور كبير في الأنسنة، إنه يحمل كل الطاقة الإيجابية للارتقاء بنا إلى عالم مثالي يؤمن بالجمال والجمال هو المطلق. وهو التجدد الذي يزيح عن كاهل الإنسان أعباء الماضي، لذلك نحن نتذوق النصوص البصرية المشغولة بحب واتقان، وكأننا نولد من جديد، إنه دور الفن الأنسنة والارتقاء بنا إلى حدود المطلق، لذلك يجب أن يكون الفنان مليئاً بالمعرفة والحب والإصرار على الوفاء للطبيعة الأم.
س- بمن تأثرت أو من هم أساتذتك؟
على مستوى المعرفة أحببت فاسيلي كاندينسكي، وعلى مستوى اللوحة كثيرين الذين أحببتهم منهم رامبرانت، فان غوغ، والواقعية الروسية.
س – كيف ترى موضوع تسويق الفن واللوحات اليوم في سوريا؟
في هذا الوقت ورغم الصعوبات التي نعرفها جميعاً إلا أن العمل الجيد والنص البصري المليء بالحب والإتقان يجد من يحتضنه.
س – أنت قارئ جيد للشعر، برأيك الفن التشكيلي والشعر أين يتقاطعان وأين يفترقان؟
برأيي هما شكل إبداعي واحد يمتلكان أدوات مختلفة للتعبير، نجد كيف أن الشعر عبر الزمن، وتمكن من جعل اللغة تقول ما لم تتعود أن تقوله ليكون ذلك النص الذي يحلق بنا في فضاءات مبتكرة فيها الكثير من الجمال والخلق والمعرفة المتجددة، كذلك النص البصري بأدواته يجعل الأشكال والخطوط والألوان تقول أشياء جديدة ومبتكرة لم تتعود أن تقولها من قبل. في الشعر تكلمت الطبيعة بلسان الشاعر وفي الرسم عزفت الطبيعة موسيقاها على أوتار الفنان.