هموم الإنسان المعاصر في مجموعة سمير الفيل القصصية.. «اللمسات».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم : الدكتورة ناهد الطحان:
في لمسات فنية وانسانية تتميز شخوصها ببساطة أحلامها، رغم المنغصات وهموم الحياة المتراكمة، وبواقعية شديدة تلتف حول القاريء وكأنها تتداخل مع سيرة حياته في كل زمان ومكان، يجسد لنا سمير الفيل بلغة غنية بالصور والتعبيرات البسيطة المترابطة نماذج بشرية غاية في الحميمية من فئات مختلفة.. الأم.. الأب.. الزوج.. الزوجة.. الفتي.. الفتاة.. الصبي.. الصبية.. العامل.. الموظف.. التاجر.. المجند، نماذج تتقلب في مضمار الحياة تتجول عبر سلسلة من الحبكات الرئيسية التي تسفر عنها حبكات أخري فرعية متلاحمة وكأننا في ألف ليلة ولية بكل متعتها وزخمها.
هكذا يحلق بنا كاتبنا الكبير معلنا ألا مجال للعصيان علي التصوير وكأننا في فيلم سينمائي كبير ينقسم بدوره إلي مشاهد متنوعة شاهدة علي بساطة الإنسان وحيويته وهمومه الحياتية المعاصرة ما بين الصادم والمستحيل والممكن والمسكوت عنه ، ففي ( قمر برتقالي ) يعاني المعتقل من خلال المسكوت عنه، حيث سلب الارادة والتعذيب رغبة في الاعتراف بالقوة، وهو مانجده أيضا في (ضد الجاذبية) حيث يعترف بطل القصة علي نفسه رغبة في اتقاء التعذيب ويسعي إلي تحطيم كل ما هو مثالي إلي أن يلقي طائرا يطير عكس الجاذبية فتدب في أوصاله الرغبة في المقاومة ، وفي( لمس أكتاف ) يعاني الزوج الطيب من قهر رجل الشرطة الذي يطيح به من خلال قضية ملفقة ويضطر الرجل المسالم البطل القديم في المصارعة أن يمشي بجوار الحائط رغبة في اتقاء الشرور بكل أنواعها ، وفي ( حبل سري ) ينهار الرجل المقاوم الذي عاش معارضا ومتحديا فينتحر بعد أن هدد حبيبته بذلك بعد هجرانها له.
وتستمر هموم الحياة لتختلف من نموذج لآخر معبرة عن حالة الوحشة والتيه وحالة الفرح والحزن من حبكة قصصية لأخري في حالات مختلفة ليست عصية علي التصوير في عالم سمير الفيل.
ففي (عروسة حلاوة) تفقد الزوجة براءتها بعد زواجها وتحرم من سحر الطفولة ويسخر الزوج من اقتنائها عروسة حلاوة ويطلقها رافضا عودتها الي منزله بعد أن سلب ارادتها لأنها زارت احدي الجارات لترد لها واجبا ، وتظل عروستها في منزله حاضرة بين جنبات حياتها حية نابضة إلي ان يموت فتستردها استردادا لهذه البراءة لتحصل علي الممكن في حياتها بعد أن حرمت منه .
وفي ( منحني خطر ) تهجر الزوجة بيت الزوجية لأن الزوج رافضا أن تستمر الزوجة في عملها ، وتقدم علي الانتحار رغبة في الاعتراض .
وفي ( علي نار هادئة ) نجد الأم الطيبة التي تضبط ابنتها الجامعية مع ابن الجيران الجامعي ، وتجعل خطبتهما رسمية خوفا علي ابنتها ورجاء سترها .
وفي ( نزهة ) ترفض الفتاة المكافحة التي تعمل في محل للموبيليا أن تقوم بنزهة مع من يطلبها للزواج وتصفعه وتشعر في الوقت نفسه في قرارة نفسها أنها فقدت عريسا لتعلن عبر كلمات القاص أنها غير مستعدة للعبث.
أما الصبي في ( قفص الجوافة ) فإنه ببراءة يعطي لبنت العمدة ميعادا للعب بلعبتهم المفضلة يوم سفر العمدة .
وفي ( ورقة أسئلة ) تنتاب الطالب حالة من التداعي في لجنة الامتحان في مادة التاريخ فيري أحمد عرابي وسعد زغلول وجمال عبد الناصر وكأنه يلتحم مع المادة دون أن يدون شيئا في كراسة الاجابة مما يدهش الملاحظ .
كما أنه في قصة ( المفتاح ) حالة من النسيان تنتاب الزوج عندما ينسي مفتاحه ويخرج فيضطر بعد أن أغضب زوجته واتجهت لمنزل أبيها ان يتسلق ماسورة الصرف الصحي حتي يدخل الشقة ليفاجأ بأن الزوجة داخل الشقة .
وفي ( شحنة كهربية ) يجد الموظف نفسه مطرودا بعد أن قربه رئيسه في العمل وبعد أن اعتني به في فترة مرضه ، لمجرد أنه لمس يد زوجة رئيسه دون قصد وهو في منزله .
وفي ( القفزة ) نجد الفتاة الحرة التي ترفض أن يلمسها الشاب الوسيم المختال لمجرد أن أعطاها جنيهين حتي تقوم بقفزتها المعتادة مع فرقة أبيها المتجولة وتقوم بالصراخ حتي ينصرف .
كما أن هناك من يقتل شريكه في العمل كما في قصة ( أشغال ) ليحكم عليه بالأشغال الشاقة لأنه توهم أن هناك علاقة بينه وبين زوجته .
وفي ( أشياء ) هناك الأب التاجر الذي يتميز بالفحولة والتي ورثها لأبنه وضاعت أمواله بسبب انصرافه للهو دون العمل .
وهناك الشاب الذي يهدد بالانتحار كما في قصة ( السطح ) لأنه فقير ومعدم ومرفوض من قبل أهل العروسة فيزوجه الشيخ لفتاته بعد أن يقنعه بفداحة فعل الانتحار .
وفي ( خارج الصندوق ) يبحث الابن عن ثروة أبيه بعد موت الأب داخل صندوق لايجده يبحث في المنزل وفي القبو وفي النهاية يجد أحجبة وأوراد في أحد الصناديق في وكالة الأب ليفاجأ الابن أن الأب لم يترك ثروة انما بعض الأوراق والصور القديمة .
أما قصة ( العزلة ) فتصور حياة أحد الشباب خريج احدي كليات الفلسفة الرافض للزواج خوفا من أن يصبح زوجا روتينيا يأتي بالأرز والخضار دون أن يفكر ، لقد اختار العزلة بعيدا عن ممارسة الحياة رغم محاولاته للتقرب للفتيات .
وفي ( منضدتان ) تترك الخطيبة خطيبها بعد أن تعرف علي أخري متوسطة الجمال بعد أن قفز القط علي منضدتها فكسر كوب الشاي الساخن فاضطر أن يجمع الزجاج بنفسه مما أدي لجرحه .
وفي ( لقمة ) يتزوج الأب السبعيني بعد أن ماتت زوجته تاركة له أولادا صغارا ، اذ تسرع زوجة الأب في تحضير لقمة تحاول بها أن تكسب قلوب أبنائه بعد انصرافهم عنها .
وفي ( عقوق ) تصر الفتاة علي حبيبها وتعتزم مواجهة مصيرها معه وبناء حياتهما معا فتواجه أهلها بموافقتها عليه .
وفي ( النمل ) ما إن يحفر المجند حفرة حتي يردمها النمل فيقرر أن يحفرها مرة أخري دون كلل فهذا واجبه .
وكلها نماذج بشرية حية تتسم بالتجريد و تستمد قوتها من الفعل ومن ايجابية همومها وجدية مشاعرها ، لتعبر عن حيرة الانسان المعاصر ، حيث استطاع سمير الفيل في لغة مكثفة أن يحاورها ويجعلها نابضة وفي دائرة الضوء في كل مرة يتم فيها فعل القراءة من قبل المتلقي ، لتظل حاضرة في أذهاننا معلنة قوتها الانسانية عبر جنبات القصة التي تتسم بحرية تداولها وسحر كلماتها بعيدا عن السلبية التي تصرفنا عن ممارسة الحياة ، لنظل في قصص سمير الفيل ملتفين حول الحالة الانسانية ومتعاطفين مع همومها لانسانيتها المفرطة وعلاقاتها النابضة المتشابكة مع طبيعة وجودنا ، دون فرق في انسانيتها بين التاجر الغني والصبي الفقير أو بين الزوج المندفع والزوجة الغانية ، أو بين الفتي العاطفي والفتاة المحبة فجميعهم في قصص سمير الفيل حالات انسانية يقوم بتشريحها وتصويرها تصويرا قائما علي الصدق الفني، فنجد أنفسنا في صفها بل وتصبح جزءا منا نحاورها بدورنا في مخيلتنا بعد أن ترسخت سماتها في أذهاننا واتسمت بالبطولة والايجابية – حتي في صمتها – بعيدا عن الظل.