قصة قصيرة*
طارق عيد السلفندي
من المجموعة القصصية
#الدبلة_والمحبس
دعني اسألك سؤالًا قد يبدو غريباً بعض الشيء، هل فكرت يومًا أن تؤذي إنسانًا لم يصدر منه أي فعل سيء بحقك، إنسان مسالم طيب، بل ويحبك ويعتقد أنك صديقه. شخص يتهلل وجهه لمجرد رؤيتك، يسأل عنك إن غبت، يقرضك النقود كلما احتجت، ويتشاجر عنك إذا تطاول عليك أحد. بالطبع ستقول بأن من يجد صديق كهذا لابد أن يكون شخصًا محظوظًا، لكن أرجوك لا تطلق أحكامًا مسبقة. انتظر للنهاية ثم أطلق أحكامك كما تشاء ولو أنها لن تبدل من الأمر شيئ.
في البداية أعرفكم بنفسي، أنا الذي يطلقون عليه مُعلم الاجيال. رجل تخطى سن الخمسين، قضيت نصفهم في التربية و التعليم، في أحد المدارس الحكومية. حيث الفصل يشبه علبة السردين فيكتظ بخمسين طالب يتراصون بجوار بعضهم ليمتزج عرقهم مخلفًا اردأ انواع الروائح التي تثير الغثيان، وحيث الطلاب من أكثر المناطق عشوائية فتحسب لهم ألف حساب وأنت تعنفهم لئلا تصاب بعاهة مستديمة من مطواه أحدهم أو خوفًا على أحد أبنائك من أن يتعرض للأذى على أيديهم. وحيث المرتب لا يكاد يكفي لنصف الشهر فتضطر أن تلجأ للدروس الخصوصية حيث الطالب يشتري العلم والمدرس على حد سواء.
لن أطيل عليك فلندع أمر التدريس و المدرسة جانبًا فيبدو أنني استعذب الشكوى دائما من حالي ، لنتكلم الان في أمر ذلك الصديق المسالم الذي تجتاحك رغبة ملحة لإلحاق الأذى به رغم إنه لم يرتكب أي جرم في حقك.
الاستاذ طارق عيد السلفندي، نعم اسمه السلفندي، إن اسمه وحده يستفزك لأذيته، دعني أعرفك عليه اولاً، طارق السلفندي هو مدرس اللغة العربية، شخص ودود ولطيف للغاية حتى أن كل الطلاب يحبونه و ذلك أمر في شدة الغرابة فلم يحب الطلاب مدرساً منذ قرابة خمس سنوات منذ وفاة الأستاذ على السفطي الرجل الطيب الذي أحبه الجميع رحمة الله عليه حتى سقوطه من شرفة منزله، ليس الطلاب فقط من يحبون طارق السلفندي بل جميع المدرسين وحتى الناظر نجدي السيد الذي لم يترك أحد من الطلاب والمدرسين إلا و سبه بالأب والام لكنه يحب السلفندي وكلما وجده في فناء المدرسة أو حجرة المدرسين يبتسم له ويحييه، ليس ذلك فحسب. لقد سمعت أن الأستاذة ابتهال والتي رفضت في الثلاثة أشهر الاخيرة خمسة عرسان من زملائنا المدرسين والمفتشين وأولياء الامور وأحد طلاب الصف الثالث، وقعت في غرام طارق السلفندي وتتنهد بحرارة كلما مر أمامها في الممر المؤدي لحجرة المدرسات أو رأته من شباك الفصل الذي يقع في الطابق الثاني.
ستسألني باندهاش عما يضايقني في الأمر ويستفزني لإلحاق الأذى بذلك الشخص المحبوب من الجميع، فلتتحلى بقليل من الصبر وستعرف كل شيء في وقته.
حاول هذا السلفندي عند أول تعيينه أن يتقرب إلى ويصادقني ولكن لأنني لا أرحب بصداقات العمل فقد اكتفيت بتحية من بعيد أو كلمتين مجاملة في المناسبات السعيدة مثل العيد الصغير وعيد المعلم وأول الشهر حيث نلتقي عند الصراف محي ابو العز لنقبض المرتب، فيصادف دائماً أن يكون هو خلفي في طابور القبض، ولكن لأنه ودود لم يكتف بذلك بل حاول مرات كثيرة أن يجلس بجواري في حجرة المدرسين ويتجاذب معي أطراف الحديث وكنت اكتفي ببعض كلمات وانسحب بهدوء، لكنه لا يستسلم بسهولة.
حين علم بمرضي اقترح على الزملاء زيارتي في المنزل وتبرع بشراء ثلاثة كيلو تفاح وموز حملهم بنفسه حتى شقتي في الدور الخامس. وأثناء الخروج من المدرسة حين كاد أحدهم أن يصدمني بسيارته تدخل وأنهي الموقف ببراعة، وحين اضطررت أن أدفع المرتب كاملًا لأمي اثناء زيارتها للحج في الأسبوع الماضي اقترب مني وفي لحظة خاطفة وبعيدًا عن الأعين المتلصصة كان يضع في جيبي خمسين جنيهًا وهو يبتسم ويربت على كتفي ويغادر مسرعًا قبل أن يعطيني الفرصة للرفض أو أن أعيد اليه المبلغ.
أعلم أنك بدأت تشعر بالملل وتتساءل أين المشكلة اذن في ذلك الانسان المثالي الذي قلما يجود الزمان بمثله؟
المشكلة يا سيدي في هذه المثالية الخرقاء التي يتحلى بها الزميل طارق السلفندي، حاولت أن اكتشف له عيبًا حتى لو كانت عيوب تافهة، من نوعية أنه يضع إصبعه في أنفه مثلاً أو يخرج من الحمام دون أن يغسل يديه أو يتجشأ بعد الطعام بصوت مقزز أو أي شيء من هذا القبيل فلم أجد، هل يمكن أن تتخيل وجود شخص بلا عيب، هذا أمر مستحيل.. لابد أن يكون له عيب ما يخفيه عن الجميع.
لك أن تتخيل حيرتي وشقائي في رحلة البحث عن عيوب السيد السلفندي، شهور طويلة أبحث له عن عيب دون جدوى، في النهاية وبعد أن أعياني البحث وفشلت فشلاً ذريعاً، حاولت أن اتهرب من صداقته أن اتجنبه ولكنه كان يتبعني كظلي في كل تحركاتي ليتدخل بمساعدتي في الوقت المناسب. فكرت أن اطلب نقلي من المدرسة فقاد مظاهرة في حبي وأجبر الزملاء على السير في المظاهرة لإقناع الناظر نجدي السيد بعدم الموافقة على النقل.
هل تتصور أن يحاصرك أحدهم بصداقته بهذا الشكل البغيض، أن تشعر بحب أحدهم يلتف حول عنقك ليخنقك، لم أستطع اظهار كراهيتي له وإلا وقتها سأصبح في نظر الجميع الشخص الحقود الناكر للجميل السيء الخلق الذي لا يحب السلفندي والذي ذاع صيت محبته ولطفه الزائد عن الحد حتى وصل لوزير التربية والتعليم والذي قرر ترقيته، لقد استطاع السلفندي إحكام قبضته علي.
بدأت تنتابني الكوابيس الذي يهاجمني فيها ببشاشته الخانقة وابتسامته الطيبة المستفزة فكنت أطعنه في الحلم بقلم حبر في يدي فيسقط على الارض وقد أختلط دمه بالحبر فاشعر بنشوة وسعادة يساعداني على النهوض من النوم وابتسامة تعلو وجهي.
في الفترة الاخيرة باتت الكوابيس تهاجمني وانا مستيقظ، فكنت أراه أمامي في المرآة يبتسم ويمد لي يده بالسلام فأمسك بالبرجل بين يدي لأفقأ عينه وأراها وهي تسقط على الارض ويدفعني ذلك لحالة من الضحك الهيستيري تثير ريبة من حولي في قواي العقلية.
في إحدى المرات وأثناء الشرح في الفصل وبدلاً من أقول للطلاب (ط تربيع) قلت لهم (طارق تربيع) فاشبعني الطلاب سخرية لاذعة. باتت تصدر مني افعال صبيانية لا تتناسب مع سني الخريفي ولا مع مركزي الأدبي. على سبيل المثال كلما رأيته خلفي في طابور القبض أتعمد أن أوكزه في صدره وأدعي بأنني لم أكن أقصد، كلما مر أمامي في حجرة المدرسين أمد قدمي ليتعثر ويسقط، وليس ذلك فقط ولكني فوجئت بنفسي أضع له الملح في الشاي بدلاً من السكر، وفي المرة الاخيرة وجدته يضع دفاتر لطلاب فصله كان عليه تصحيحها فتحينت فرصة وجودي وحيداً في حجرة المدرسين لأمزق الكراريس بعنف وكأني أمزق طارق نفسه بطيبته ولزاجه ابتسامته.
هل اترك السلفندي يصيبني بالجنون، أم أحمي نفسي منه، نعم كنت أفكر بأنني لابد من التخلص منه حتى أستطيع العيش بسلام كان لابد أن أجد حلاً لهذه المسألة العويصة، مسألة كراهيتي له والتي زادت كلما شعرت بدونيتي وسموه، بوحشيتي وطيبته، بحقارتي ومثاليته، كان طارق السلفندي يعري مساوئي أمامي، لابد أن اتخلص منه لأشعر بذاتي، لأسترد نفسي، لتعود لي ثقتي ومحبتي واقتناعي بشخصي.
طلبت منه أن أزوره للعب الطاولة التي كان يعشقها وطالما توسل إلى أن العب معه عشرتين على قهوة المليجي الكائنة في باب الخلق وكنت دائم الرفض بحجة أني أفضل الشطرنج على الطاولة. اليوم بداية إجازة منتصف العام والبيت خالي من سكانه بعد أن سافرت زوجته وأولاده لزيارة أهلها.
جلس السلفندي، يبتسم تلك الابتسامة الطيبة القاتلة، مرت الدقائق التالية على أعصابي كأنها سنوات طوال. يشرب الشاي ولا تفارقه الابتسامة حتى أنهى كوب الشاي وشعر بدوار مفاجئ ووقف يترنح، مد يده ليستند على، أزحت يده بعنف.
قبل أن يسقط من الشرفة أخبرته بأني وضعت له المخدر في الشاي و بأنني سأدس باقي شريط المخدر في جيبه حتى يسقط من الشرفة و يسقط من نظر محبيه، ليس ذلك فقط بل سأضع له ملابس داخلية حريمي في غرفة نومه حتى تظن زوجته فيه الخيانة وعدم الشرف، ابتسمت لتلك الخطة المثالية للقضاء على سمعة السلفندي، حين يعلم الجميع أنه يتعاطى المخدر ويخون زوجته ، سأنتقم لنفسي من طيبته و سمو أخلاقه ومثاليته الخرقاء،
دفعته بشدة من الشرفة فسقط بعد مقاومة واهنة والعجيب في الأمر أنه بعد سقوطه وتهشم عظامه كان لا يزال يحتفظ بابتسامته و هو ينظر لي من بين شلال الدم المتدفق من رأسه.
ظلت هذه الابتسامة تطاردني لسنوات فكرت خلالهم ألف مرة أن أعترف بجريمتي وأنال عقابًا قد يريحني، ولكن اعترافي سيبرئ السلفندي، سيظل اسمه محفورا في قلوب محبيه، ربما يطلقون اسمه على إحدى قاعات المدرسة، لا لن اتركه ينتصر على، ولكن هل شفيت من لعنة طارق السلفندي، لا يا سيدي ويبدو أني لن أشفي منه ابداً.
في بعض الاحيان اسمعهم يترحمون عليه ويغفرون زلته على اعتبار أننا بشر فتعود لي الكوابيس مرة أخرى، وكثيرًا ما يتهيآ لي أنني أراه هنا وهناك يربت على كتف زميل أو يسلم على أحد الطلاب، وفي الشهر الماضي خيل إلى أنه كان يقف خلفي في طابور الخزينة فوكزته في صدره واعتذرت، زادت الهلوسة لدرجة أني رأيت الاستاذ على السفطي رحمة الله علية يبتسم لي وهو يقف في نهاية الطابور وتذكرت كم كان السفطي ودوداً بشوشاً وانا أخنقه بحبل الغسيل في شرفة منزله قبل أن أدفعه ليسقط من الشرفة.
#شاهيناز_الفقي
طارق عيد السلفندي
من المجموعة القصصية
#الدبلة_والمحبس
دعني اسألك سؤالًا قد يبدو غريباً بعض الشيء، هل فكرت يومًا أن تؤذي إنسانًا لم يصدر منه أي فعل سيء بحقك، إنسان مسالم طيب، بل ويحبك ويعتقد أنك صديقه. شخص يتهلل وجهه لمجرد رؤيتك، يسأل عنك إن غبت، يقرضك النقود كلما احتجت، ويتشاجر عنك إذا تطاول عليك أحد. بالطبع ستقول بأن من يجد صديق كهذا لابد أن يكون شخصًا محظوظًا، لكن أرجوك لا تطلق أحكامًا مسبقة. انتظر للنهاية ثم أطلق أحكامك كما تشاء ولو أنها لن تبدل من الأمر شيئ.
في البداية أعرفكم بنفسي، أنا الذي يطلقون عليه مُعلم الاجيال. رجل تخطى سن الخمسين، قضيت نصفهم في التربية و التعليم، في أحد المدارس الحكومية. حيث الفصل يشبه علبة السردين فيكتظ بخمسين طالب يتراصون بجوار بعضهم ليمتزج عرقهم مخلفًا اردأ انواع الروائح التي تثير الغثيان، وحيث الطلاب من أكثر المناطق عشوائية فتحسب لهم ألف حساب وأنت تعنفهم لئلا تصاب بعاهة مستديمة من مطواه أحدهم أو خوفًا على أحد أبنائك من أن يتعرض للأذى على أيديهم. وحيث المرتب لا يكاد يكفي لنصف الشهر فتضطر أن تلجأ للدروس الخصوصية حيث الطالب يشتري العلم والمدرس على حد سواء.
لن أطيل عليك فلندع أمر التدريس و المدرسة جانبًا فيبدو أنني استعذب الشكوى دائما من حالي ، لنتكلم الان في أمر ذلك الصديق المسالم الذي تجتاحك رغبة ملحة لإلحاق الأذى به رغم إنه لم يرتكب أي جرم في حقك.
الاستاذ طارق عيد السلفندي، نعم اسمه السلفندي، إن اسمه وحده يستفزك لأذيته، دعني أعرفك عليه اولاً، طارق السلفندي هو مدرس اللغة العربية، شخص ودود ولطيف للغاية حتى أن كل الطلاب يحبونه و ذلك أمر في شدة الغرابة فلم يحب الطلاب مدرساً منذ قرابة خمس سنوات منذ وفاة الأستاذ على السفطي الرجل الطيب الذي أحبه الجميع رحمة الله عليه حتى سقوطه من شرفة منزله، ليس الطلاب فقط من يحبون طارق السلفندي بل جميع المدرسين وحتى الناظر نجدي السيد الذي لم يترك أحد من الطلاب والمدرسين إلا و سبه بالأب والام لكنه يحب السلفندي وكلما وجده في فناء المدرسة أو حجرة المدرسين يبتسم له ويحييه، ليس ذلك فحسب. لقد سمعت أن الأستاذة ابتهال والتي رفضت في الثلاثة أشهر الاخيرة خمسة عرسان من زملائنا المدرسين والمفتشين وأولياء الامور وأحد طلاب الصف الثالث، وقعت في غرام طارق السلفندي وتتنهد بحرارة كلما مر أمامها في الممر المؤدي لحجرة المدرسات أو رأته من شباك الفصل الذي يقع في الطابق الثاني.
ستسألني باندهاش عما يضايقني في الأمر ويستفزني لإلحاق الأذى بذلك الشخص المحبوب من الجميع، فلتتحلى بقليل من الصبر وستعرف كل شيء في وقته.
حاول هذا السلفندي عند أول تعيينه أن يتقرب إلى ويصادقني ولكن لأنني لا أرحب بصداقات العمل فقد اكتفيت بتحية من بعيد أو كلمتين مجاملة في المناسبات السعيدة مثل العيد الصغير وعيد المعلم وأول الشهر حيث نلتقي عند الصراف محي ابو العز لنقبض المرتب، فيصادف دائماً أن يكون هو خلفي في طابور القبض، ولكن لأنه ودود لم يكتف بذلك بل حاول مرات كثيرة أن يجلس بجواري في حجرة المدرسين ويتجاذب معي أطراف الحديث وكنت اكتفي ببعض كلمات وانسحب بهدوء، لكنه لا يستسلم بسهولة.
حين علم بمرضي اقترح على الزملاء زيارتي في المنزل وتبرع بشراء ثلاثة كيلو تفاح وموز حملهم بنفسه حتى شقتي في الدور الخامس. وأثناء الخروج من المدرسة حين كاد أحدهم أن يصدمني بسيارته تدخل وأنهي الموقف ببراعة، وحين اضطررت أن أدفع المرتب كاملًا لأمي اثناء زيارتها للحج في الأسبوع الماضي اقترب مني وفي لحظة خاطفة وبعيدًا عن الأعين المتلصصة كان يضع في جيبي خمسين جنيهًا وهو يبتسم ويربت على كتفي ويغادر مسرعًا قبل أن يعطيني الفرصة للرفض أو أن أعيد اليه المبلغ.
أعلم أنك بدأت تشعر بالملل وتتساءل أين المشكلة اذن في ذلك الانسان المثالي الذي قلما يجود الزمان بمثله؟
المشكلة يا سيدي في هذه المثالية الخرقاء التي يتحلى بها الزميل طارق السلفندي، حاولت أن اكتشف له عيبًا حتى لو كانت عيوب تافهة، من نوعية أنه يضع إصبعه في أنفه مثلاً أو يخرج من الحمام دون أن يغسل يديه أو يتجشأ بعد الطعام بصوت مقزز أو أي شيء من هذا القبيل فلم أجد، هل يمكن أن تتخيل وجود شخص بلا عيب، هذا أمر مستحيل.. لابد أن يكون له عيب ما يخفيه عن الجميع.
لك أن تتخيل حيرتي وشقائي في رحلة البحث عن عيوب السيد السلفندي، شهور طويلة أبحث له عن عيب دون جدوى، في النهاية وبعد أن أعياني البحث وفشلت فشلاً ذريعاً، حاولت أن اتهرب من صداقته أن اتجنبه ولكنه كان يتبعني كظلي في كل تحركاتي ليتدخل بمساعدتي في الوقت المناسب. فكرت أن اطلب نقلي من المدرسة فقاد مظاهرة في حبي وأجبر الزملاء على السير في المظاهرة لإقناع الناظر نجدي السيد بعدم الموافقة على النقل.
هل تتصور أن يحاصرك أحدهم بصداقته بهذا الشكل البغيض، أن تشعر بحب أحدهم يلتف حول عنقك ليخنقك، لم أستطع اظهار كراهيتي له وإلا وقتها سأصبح في نظر الجميع الشخص الحقود الناكر للجميل السيء الخلق الذي لا يحب السلفندي والذي ذاع صيت محبته ولطفه الزائد عن الحد حتى وصل لوزير التربية والتعليم والذي قرر ترقيته، لقد استطاع السلفندي إحكام قبضته علي.
بدأت تنتابني الكوابيس الذي يهاجمني فيها ببشاشته الخانقة وابتسامته الطيبة المستفزة فكنت أطعنه في الحلم بقلم حبر في يدي فيسقط على الارض وقد أختلط دمه بالحبر فاشعر بنشوة وسعادة يساعداني على النهوض من النوم وابتسامة تعلو وجهي.
في الفترة الاخيرة باتت الكوابيس تهاجمني وانا مستيقظ، فكنت أراه أمامي في المرآة يبتسم ويمد لي يده بالسلام فأمسك بالبرجل بين يدي لأفقأ عينه وأراها وهي تسقط على الارض ويدفعني ذلك لحالة من الضحك الهيستيري تثير ريبة من حولي في قواي العقلية.
في إحدى المرات وأثناء الشرح في الفصل وبدلاً من أقول للطلاب (ط تربيع) قلت لهم (طارق تربيع) فاشبعني الطلاب سخرية لاذعة. باتت تصدر مني افعال صبيانية لا تتناسب مع سني الخريفي ولا مع مركزي الأدبي. على سبيل المثال كلما رأيته خلفي في طابور القبض أتعمد أن أوكزه في صدره وأدعي بأنني لم أكن أقصد، كلما مر أمامي في حجرة المدرسين أمد قدمي ليتعثر ويسقط، وليس ذلك فقط ولكني فوجئت بنفسي أضع له الملح في الشاي بدلاً من السكر، وفي المرة الاخيرة وجدته يضع دفاتر لطلاب فصله كان عليه تصحيحها فتحينت فرصة وجودي وحيداً في حجرة المدرسين لأمزق الكراريس بعنف وكأني أمزق طارق نفسه بطيبته ولزاجه ابتسامته.
هل اترك السلفندي يصيبني بالجنون، أم أحمي نفسي منه، نعم كنت أفكر بأنني لابد من التخلص منه حتى أستطيع العيش بسلام كان لابد أن أجد حلاً لهذه المسألة العويصة، مسألة كراهيتي له والتي زادت كلما شعرت بدونيتي وسموه، بوحشيتي وطيبته، بحقارتي ومثاليته، كان طارق السلفندي يعري مساوئي أمامي، لابد أن اتخلص منه لأشعر بذاتي، لأسترد نفسي، لتعود لي ثقتي ومحبتي واقتناعي بشخصي.
طلبت منه أن أزوره للعب الطاولة التي كان يعشقها وطالما توسل إلى أن العب معه عشرتين على قهوة المليجي الكائنة في باب الخلق وكنت دائم الرفض بحجة أني أفضل الشطرنج على الطاولة. اليوم بداية إجازة منتصف العام والبيت خالي من سكانه بعد أن سافرت زوجته وأولاده لزيارة أهلها.
جلس السلفندي، يبتسم تلك الابتسامة الطيبة القاتلة، مرت الدقائق التالية على أعصابي كأنها سنوات طوال. يشرب الشاي ولا تفارقه الابتسامة حتى أنهى كوب الشاي وشعر بدوار مفاجئ ووقف يترنح، مد يده ليستند على، أزحت يده بعنف.
قبل أن يسقط من الشرفة أخبرته بأني وضعت له المخدر في الشاي و بأنني سأدس باقي شريط المخدر في جيبه حتى يسقط من الشرفة و يسقط من نظر محبيه، ليس ذلك فقط بل سأضع له ملابس داخلية حريمي في غرفة نومه حتى تظن زوجته فيه الخيانة وعدم الشرف، ابتسمت لتلك الخطة المثالية للقضاء على سمعة السلفندي، حين يعلم الجميع أنه يتعاطى المخدر ويخون زوجته ، سأنتقم لنفسي من طيبته و سمو أخلاقه ومثاليته الخرقاء،
دفعته بشدة من الشرفة فسقط بعد مقاومة واهنة والعجيب في الأمر أنه بعد سقوطه وتهشم عظامه كان لا يزال يحتفظ بابتسامته و هو ينظر لي من بين شلال الدم المتدفق من رأسه.
ظلت هذه الابتسامة تطاردني لسنوات فكرت خلالهم ألف مرة أن أعترف بجريمتي وأنال عقابًا قد يريحني، ولكن اعترافي سيبرئ السلفندي، سيظل اسمه محفورا في قلوب محبيه، ربما يطلقون اسمه على إحدى قاعات المدرسة، لا لن اتركه ينتصر على، ولكن هل شفيت من لعنة طارق السلفندي، لا يا سيدي ويبدو أني لن أشفي منه ابداً.
في بعض الاحيان اسمعهم يترحمون عليه ويغفرون زلته على اعتبار أننا بشر فتعود لي الكوابيس مرة أخرى، وكثيرًا ما يتهيآ لي أنني أراه هنا وهناك يربت على كتف زميل أو يسلم على أحد الطلاب، وفي الشهر الماضي خيل إلى أنه كان يقف خلفي في طابور الخزينة فوكزته في صدره واعتذرت، زادت الهلوسة لدرجة أني رأيت الاستاذ على السفطي رحمة الله علية يبتسم لي وهو يقف في نهاية الطابور وتذكرت كم كان السفطي ودوداً بشوشاً وانا أخنقه بحبل الغسيل في شرفة منزله قبل أن أدفعه ليسقط من الشرفة.
#شاهيناز_الفقي